فصل: تفسير الآية رقم (137):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {وجعلوا لله مما ذرأ} الآية. قال: جعلوا لله من ثمارهم ومائهم نصيبًا وللشيطان والأوثان نصيبًا، فأن سقط من ثمرة ما جعلوا لله في نصيب الشيطان تركوه، وإن سقط مما جعلوا للشيطان في نصيب الله ردوه إلى نصيب الشيطان، فإن انفجر من سقى ما جعلوا لله في نصيب الشيطان تركوه، وإن انفجر من سقى ما جعلوا للشيطان في نصيب الله سرحوه، فهذا ما جعل لله من الحرث وسقي الماء، وأما ما جعلوه للشيطان من الأنعام فهو قول الله: {ما جعل الله من بحيرة} [المائدة: 103] الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا} الآية. قال: كانوا إذا احترثوا حرثًا أو كانت لهم ثمرة جعلوا لله منه جزأ وجزأ للوثن، فما كان من حرث أو ثمرة، أو شيء من نصيب الأوثان حفظوه وأحصوه، فإن سقط منه شيء مما سمي للصمد ردوه إلى ما جعلوه للوثن، وإن سبقهم الماء الذي جعلوه للوثن فسقي شيئًا مما جعلوه لله جعلوه للوثن وإن سقط شيء من الحرث والثمرة الذي جعلوه لله فاختلط بالذي جعلوه للوثن قالوا: هذا فقير ولم يردوه إلى ما جعلوا لله، وإن سبقهم الماء الذي سموا لله فسقي ما سموا للوثن تركوه للوثن، وكانوا يحرمون من أنعامهم البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحامي، فيجعلونه للأوثان ويزعمون أنهم يحرمونه لله.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث} قال: يسمون لله جزأ من الحرث، ولشركائهم وأوثانهم جزأ فما ذهبت به الريح مما سموا لله إلى جزء أوثانهم وتركوه وقالوا: إن الله عن هذا غني، وما ذهبت به الريح من جزء أوثانهم إلى جزء الله أخذوه، والأنعام التي سموا لله: البحيرة والسائبة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{جَعَل} هنا بمعنى صيَّر فيتعدَّى لاثْنَيْن: أولهما: {نَصِيبًا}، والثاني: قوله: {لِلَّه} و{ممَّا ذَرَأ} يجُوز أن يتعلَّق بالجَعْل وأن يتعلَّق بمحذُوف؛ لأنه كان في الأصْلِ صِفَة لـ {نَصِيبًا} فلما قُدِّم عليه انْتَصب حالًا، والتقدير: وجَعَلُوا نصيبًا ممَا ذَرَأ اللَّه و{مِنْ الحَرْثِ} يجُوز أن يكُون بدلًا {ممَّا ذَرَأ} بإعادة العَامِل؛ كأنه قيل وجعلُوا لِلَّه من الحَرْث والأنْعَام نَصِيبًا، ويجُوز أن يتعلَّق بـ {ذَرَأ} وأن يتعلَّق بمَحْذُوفٍ على أنه حال: إمَّا من مَا الموصُولة، وأو مِنْ عَائِدِها المحْذُوف، وفي الكلام حَذْف مَفْعُول اقْتَضَاه التقْسِيم، والتقدير: وجَعَلُوا للَّه نَصيبًا من كذا، ولشُركَائِهِم نَصيبًا منه يدلُّ عليه ما بَعْدَه من قوله: {فَقَالُواْ هذا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهذا لِشُرَكَائِنَا} و{هذا لِلَّه} جملة مَنْصُوبة المَحَلِّ بالقولِ، وكذلك قوله: {وهَذَا لِشُرَكَائِنَا} وقوله: {بزَعْمِهِم} فيه وجهان:
أحدهما: أن يتعلَّق بـ {قَالُوا} أي: فقالُوا ذلك القَوْل بزَعْم لا بيقينٍ واسْتِبْصَار.
وقيل: هو متعلِّق بما تعلَّق به الاسْتِقْرَار من قوله: {لِلَّهِ}.
وقرأ العامَّة بفتح الزَّاي من {زَعْمِهِم} في الموْضَعيْن، وهذه لغة الحَجَاز ويه الفُصْحَى، وقرأ الكَسَائيّ: {بِزُعْمِهِم} بالضَّمِّ وهو لُغة بني أسَد، وهل الفَتْح والضَّمُّ بمعْنًى واحد، أو المفْتُوح مَصْدَر والمضْمُوم اسْم؟ خلاف مشهور.
وقرأ ابن أبي عبلة {بزعَمِهِم} بفتح الزَّاي والعين.
وفيه لُغَةٌ رابِعَةٌ لبعض قَيْس، وبني تَميم وهي كَسْر الزَّاي، ولم يُقْرأ بِهَذِه اللُّغة فيما علمنا، وقد تقدَّم تَحْقِيقُ الزَّعْم [في النساء آية 60].
وقوله: {لِشُرَكَائِنَا} يجوز فيه وجهان:
أحدهما: أن الشُّركَاء من الشِّرْك، ويعنون بهم: آلِهَتَهُم التي أشْركُوا بَيْنَها وبين البَاري تعالى في العِبادة، وليست الإضَافةُ إلى فاعِل ولا إلى مَفْعُولٍ، بل هي إضافَة تَخْصِيص، والمعْنى: الشركاء الذين أشْركُوا بَيْنَهُم وبين الله تعالى في العِبَادة.
والثانى: أن الشُّركاء من الشركةِ، ومعنى كَوْنِهم سَمُّوا آلِهَتَهُم شُرَكَاءهُم: أنهم جَعَلُوهم شُرَكَاء في أمْوَالِهِم، وزُرُعِهِم، وأنْعَامهم، ومَتَاجِرهم وغير ذلك، فتكون الإضافَةُ إضافَة لَفْظِيَّة: إما إلى المفعُول أي: شُرَكَائِنا الَّذِين شَارَكُونا في أمْوَالِنَا، وإما إلى الفَاعِل، أي: الَّذِين أشْرَكْنَاهُم في أمْوَالِنا.
قوله: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} قد تَقَدَّم نَظِيرُه، وقد أعْرَبَها الحُوفِي هُنَا، فقال: {ما} بمعنى الَّذي، والتقدير: ساء الَّذِي يحْكُمُون حُكْمهم، فيكون حُكْمُهُمُ مبتدأ وما قَبْلَه الخبر، وحذف لدلالة يَحْكُمُون عليه ويجُوز أن تكون ما تَمْييِزًا، على مَذْهَبِ من يُجِيز ذلك في بِئْسَمَا فتكون في مَوْضع نَصْبٍ، التقدير: ساء حُكْمًا حُكْمُهُم، ولا يكون {يَحْكُمُون} صِفَة لـ {مَا} لأن الغرضَ الإبْهام، ولكن في الكلامِ حَذْف يدلُّ عليه مَا والتقدير: ساء ما يَحْكُمُون فحذف ما الثانية.
قال شهاب الدِّين: وما هذه إن كان مَوْصُولة، فمذْهَبُ البَصْريِّين أن حَذْف الموصُول لا يجُوز وقد عُرِف ذلك، وإن كانَتْ نكرة موْصُوفة، فَفِيه نَظَر؛ لأنه لم يُعْهَدْ حَذْفُ مَا نَكِرة مَوْصُوفة.
وقال ابن عطية: ومَا في مَوْضع رَفْع؛ كأنه قال: سَاءَ الذي يَحْكُمُون ولا يَتِّجِه عِنْدي أن تَجْري سَاءَ هنا مُجْرَى نِعْم وبِئْسَ؛ لأن المفسِّر هنا مُضْمَر، ولابد من إظْهَارِهِ باتِّفَاق من النُّحاة وإنَّما اتَّجَه أن يَجْرِي مُجْرى بِئْسَ في قوله: {سَاءَ مَثَلًا القوم} [الأعراف: 177] لأن المفسِّر ظاهر في الكلام.
قال أبو حيَّان: وهذا كلامٌ من لم تَرْسَخْ قدمُهُ في العربيَّة، بل شذَّ فيها شَيْئًا يسيرًا؛ لأنه إذا جَرَت سَاءَ مَجْرَى بِئْسَ كان حُكْمُها كحكْمِها سواءً لا يَخْتَلِفُ في شيء ألْبَتَّة من فَاعِل ظاهِر أو مُضمَر، أو تمييز ولا خلاف في جواز حَذْفِ المخْصُوصُ بالمَدْحِ أو الذَّمِّ، والتمييز بها لِدلالة الكلام عليه.
فقوله: لأن المفسِّر هنا مُضْمَر، ولابد من إظْهَار باتِّفَاق قوله سَاقِط ودعْوَاه الاتِّفاق على ذلك- مع أن الاتِّفاق على خلافه- عجبٌ عُجابٌ. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (137):

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان هذا متضمنًا لأنهم نقصوا أموالهم بأنفسهم في غير طائل فجعلوها لمن لا يستحقها، نبه تعالى على أن ذلك تزيين من أضلهم من الشياطين من سدنة الأصنام وغيرهم من الإنس ومن الجن المتكلمين من أجواف الأصنام وغيرهم، فقال منبهًا على أنهم زينوا لهم ما هو أبين منه {وكذلك} أي ومثل ما زين لجميع المشركين تضييع أموالهم والكفر بربهم شركاؤهم {زين لكثير من المشركين}.
ولما كان المزين لخسته أهل لأن لا يقبل تزيينه ولا يلتفت إليه، فكان امتثال قوله غريبًا، وكان الإقدام على فعل الأمر المزين أشد غرابة، قدمه تنبيهًا على ذلك فقال: {قتل أولادهم} أي بالوأد خشية الإملاق والنحر لآلهتهم، وشتان بين من يوجد لهم الولد ويرزقه والرزق ويخلقه وبين من لا يكون إلا سببًا في إعدامه؛ ولما كان في هذا غاية الغرابة تشوفت النفس إلى فاعل التزيين فقال: {شركاؤهم} أي وهم أقل منهم بما يخاطبون به من أجواف الأصنام وبما يحسن لهم السدنة والأهوية بسبب الأصنام.
ولما كان هذا أمرًا معجبًا، كان الأمر في قراءة ابن عامرالمولود في زمان النبي صلى الله عليه وسلم المشمول ببركة ذلك العصر الآخذ عن جلة من الصحابة الموصوف بغزارة العلم ومتانة الدين وقوة الحفظ والضبط وحجة النقل في إسناد الفعل إلى الشركاء بإضافة المصدر إلى فاعله أعجب، وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول- وهو الأولاد- لأن وقوع القتل فيهم كما تقدم أعجب.
ولما كان ذلك ربما كان لفائدة استهين لها هذا الفعل العظيم، ذكر أنه ليس له فائدة إلا الهلاك في الدنيا والدين الذي هو هلاك في الآخرة ليكون ذلك أعجب فقال: {ليردوهم} أي ليهلكوهم هلاكًا لا فائدة فيه بوجه {وليلبسوا} أي يخلطوا ويشبهوا {عليهم دينهم} أي وهو دين إبراهيم الذي أمره الله بذبح ولده إسماعيل عليهما السلام فما أقدم عليه إلاّ بأمر الله ثم إنه فداه ولم يمض ذبحه، فخالف هؤلاء عن أمر الشركاء الأمرين معًا فجمعوا لهم بذلك بين إهلاكين: في النفس والدين، فان القتل في نفسه عظيم جدًا، ووقوعه تدينًا بغير أصل ولا شبهة أعظم، فلا أضل ممن تبع من كان سببًا لإهلاك نفسه ودينه.
ولما كان العرب يدعون الأذهان الثاقبة والأفكار الصافية والآراء الصائبة والعقول الوافرة النافذة، ذكر لهم ذلك على سبيل التعليل استهزاء بهم، يعني أنهم فعلوا ذلك لهذه العلة فلم يفطنوا بهم ولم يدركوا ما أرادوا بكم مع أنهم حجارة، فأنتم أسفل منهم؛ ولما أثبت للشركاء فعلًا هو التزيين، وكان قد نفي سابقًا عنهم وعن سائر أعداء الأنبياء الاستقلال به، وأناط الأمر هناك- لأن السياق للأعداء- بصفة الربوبية المقتضية للحياطة والعناية، وكان الكلام هنا في خصوص الشركاء، علق الأمر باسم الذات الدال على الكمال المقتضي للعظمة والجبروت والكبر وسائر الأسماء الحسنى على وجه الإحاطة الجلال فقال: {ولو شاء الله} أي بما له من العظمة والإحاطة بجميع أوصاف الكمال المقتضية للعلو عن الأنداد والتنزه عن الشركاء والأولاد أن لا يفعله المشركون {ما فعلوه} أي ذلك الذي زين لهم، بل ذلك إنما هو بإرادته ومشيئه احتراسًا من ظن أنهم يقدرون على شيء استقلالًا، وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتخفيفًا، وأكد التسلية بقوله: {فذرهم وما يفترون} أي يتقولون من الكذب ويتعمدونه. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن هذا هو النوع الثاني من أحكامهم الفاسدة، ومذاهبهم الباطلة، وقوله: {وكذلك} عطف على قوله: {وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام} [الأنعام: 136] أي كما فعلوا ذلك، فكذلك زين لكثير منهم شركاؤهم قتل الأولاد، والمعنى: أن جعلهم لله نصيبًا، وللشركاء نصيبًا، نهاية في الجهل بمعرفة الخالق المنعم، وإقدامهم على قتل أولاد أنفسهم نهاية في الجهالة والضلالة، وذلك يفيد التنبيه على أن أحكام هؤلاء وأحوالهم يشاكل بعضها بعضًا في الركاكة والخساسة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

كان أهل الجاهلية يدفنون بناتهم أحياء خوفًا من الفقر أو من التزويج، وهو المراد من هذه الآية.
واختلفوا في المراد بالشركاء، فقال مجاهد: شركاؤهم شياطينهم أمروهم بأن يئدوا أولادهم خشية العيلة، وسميت الشياطين شركاء، لأنهم أطاعوهم في معصية الله تعالى، وأضيفت الشركاء إليهم، لأنهم اتخذوها كقوله تعالى: {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 22] وقال الكلبي: كان لآلهتهم سدنة وخدام، وهم الذين كانوا يزينون للكفار قتل أولادهم، وكان الرجل يقوم في الجاهلية فيحلف بالله لئن ولد له كذا وكذا غلامًا لينحرن أحدهم كما حلف عبد المطلب على ابنه عبد الله، وعلى هذا القول: الشركاء هم السدنة، سموا شركاء كما سميت الشياطين شركاء في قول مجاهد. اهـ.

.قال الألوسي:

{وكذلك} أي ومثل ذلك التزيين وهو تزيين الشرك في قسمة القربان من الحرث والأنعام بين الله تعالى وبين شركائهم أو مثل ذلك التزيين البليغ المعهود من الشياطين {زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مّنَ المشركين} أي مشركي العرب {قَتْلَ أولادهم} فكانوا يئدون البنات الصغار بأن يدفنونهن أحياء، وكانوا في ذلك على ما قيل فريقين أحدهما يقول: إن الملائكة بنات الله سبحانه فألحقوا البنات بالله تعالى فهو أحق بها.
والآخر يقتلهن خشية الإنفاق، وقيل: خشية ذلك والعار وهو المروي عن الحسن وجماعة، وقيل: السبب في قتل البنات أن النعمان بن المنذر أغار على قوم فسبى نساءهم وكانت فيهن بنت قيس بن عاصم ثم اصطلحوا فأرادت كل امرأة منهن عشيرتها غير ابنة قيس فإنها أرادت من سباها فحلف قيس لا تولد له بنت إلا وأدها فصار ذلك سنة فيما بينهم، وقيل: إنهم كانوا ينذر أحدهم إذا بلغ بنوه عشرة نحر واحد منهم كما فعله عبد المطلب في قصته المشهورة، وإليها أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: «أنا ابن الذبيحين» و{قَتْلَ} مفعول {زُيّنَ} مضاف إلى {أولادهم} من إضافة المصدر إلى مفعوله.
وقوله سبحانه: {شُرَكَاؤُهُمْ} فاعل له، والمراد بالشركاء إما الجن أو السدنة، ووسموا بذلك لأنهم شركاء في أموالهم كما مر آنفًا أو لإطاعتهم له كما يطاع الشريك لله عز اسمه.
ومعنى تزيينهم لهم ذلك تحسينه لهم وحثهم عليه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} عطفٌ على جملة: {وجعلوا لله ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا} [الأنعام: 136] والتقدير: جَعَلوا وزيَّنَ لهم شركاؤُهم قتلَ أولادِهم فقتلوا أولادَهم، فهذه حكاية نوع من أنواع تشريعاتهم الباطلة، وهي راجعة إلى تصرّفهم في ذُرّيَّاتهم بعد أن ذكر تصرّفاتهم في نتائج أموالهم.
ولقد أعظم الله هذا التّزيين العجيب في الفساد الّذي حَسَّن أقبح الأشياء وهو قتْلهم أحبّ النّاس إليهم وهم أبناؤهم، فشبه بنفس التزيين للدّلالة على أنّه لو شاء أحد أن يمثّله بشيء في الفظاعة والشّناعة لم يَسَعْه إلاّ أن يشبهه بنفسه لأنَّه لا يبلغ شيء مبلغ أن يكون أظهرَ منه في بابه، فيلجأ إلى تشبيهه بنفسه، على حدّ قولهم والسّفاهة كاسمها.
والتّقدير: وزيّن شركاء المشركين لكثير فيهم تزيينًا مثل ذلك التّزيين الّذي زيّنوه لهم، وهُو هُو نفسه، وقد تقدّم تفصيل ذلك عند قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمّة وسطًا} في سورة [البقرة: 143].