فصل: تفسير الآية رقم (139):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ}
وهذا تمادٍ في الشرك؛ لأنهم قسموا الحيوانات والحرث وحجزوا قسمًا للأصنام، وهذه الأنعام المرصودة للأصنام لا يتصرف فيها أحد، فلا يؤخذ لبنها ولا يستخدمها أحد كمطايا، ولا يتعدى نفعها للناس. ولم يتنبهوا إلى أن هذه الأنعام نعمة من الله، ولابد من الانتفاع بها، وليس من حسن التعقل أن تترك حيوانًا تستطيع أن تستفيد من تسخيره لك ولا تفعل، هم قد فعلوا ذلك وحكى الحق عنهم فقال: {وَقَالُواْ هذه أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نَّشَاءُ بِزَعْمِهِمْ...} [الأنعام: 138]
أي هي أنعام محرم استخدامها، وحرموا أيضًا ركوبها. {وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا...} [الأنعام: 138]
وتمادوا في الكفر فذكروا أسماء الأصنام عليها: {وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسم الله عَلَيْهَا افتراء عَلَيْهِ...} [الأنعام: 138]
وهذا لون من الافتراءات قد فعلوه ونسبوه إلى أنه متلقَّى من الله، ومأمور به منه سبحانه ولو قالوا: إن هذه الأمور من عندهم لكان وقع الافتراء أقل حدة، لكنه افتراء شديد لأنهم جاءوا بهذه الأشياء ونسبوها إلى الله، وهم قد انحلوا عن الدين وقالوا على بعض من سلوكهم إنه من الدين، ولذلك يجازيهم الله بما افتروا مصداقًا لقوله: {سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 138]. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {وقالوا هذه أنعام وحرث حجر} قال: الحجر ما حرموا من الوصيلة، وتحريم ما حرموا.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وقالوا هذه أنعام وحرث حجر} قال: ما جعلوا لله ولشركائهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة {وحرث حجر} قال: حرام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {وقالوا هذه أنعام وحرث حجر} قال: إنما احتجروا ذلك الحرث لآلهتهم. وفي قوله: {لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم} قالوا: يحتجرها عن النساء ويجعلها للرجال، وقالوا: إن شئنا جعلنا للبنات فيه نصيبًا وإن شئنا لم نجعل، وهذا أمر افتروه على الله.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم} يقولون: حرام أن نطعم إلا من شئنا {وأنعام حرمت ظهورها} قال: البحيرة والسائبة والحامي {وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها} قال: لا يذكرون اسم الله عليها إذا ولدوها ولا إن نحروها.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي وائل في قوله: {وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها} قال: لم يكن يحج عليها وهي البحيرة.
وأخرج أبو الشيخ عن أبان بن عثمان. أنه قرأها {هذه أنعام وحرث حجر}.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس. أنه كان يقرأها {وحرث حرج}.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن الزبير أنه قرأ {أنعام وحرث حرج}.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {بزعمهم} بنصب الزاي فيهما.
وأخرج أبو عبيد وابن الأنباري في المصاحف عن هرون قال: في قراءة عبد الله: {هذه أنعام وحرث حرج}.
وأخرج ابن الأنباري عن الحسن أنه كان يقرأ {وحرث حجر} بضم الحاء. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قرا الجمهور {أنْعَام} بصِيغَة الجَمْعِ وأبان بن عثمان نَعَمٌ بالإفْرَاد، وهو قَرِيبٌ لأن اسْم الجِنْس يقُوم مقام الجَمْعِ، وقرأ الجمهور: {حِجْر} بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم.
وقرأ الحسن وقتادة والأعْرَج: بضم الحَاءِ وسُكُون الجيم.
ونقل عن الحسن وقتادة أيضًا: فتح الحضاءِ وسكن الجيم، ونقل عن أبان بن عُثْمَان: ضمُّ الحاء الجيم معًا.
وقال هَارُون: كان الحسن يَضُمَّ الحاء من {حِجْر} حيث وقع في القُرْآن إلاَّ موضعًا واحدًا وهو: {وَحِجْرًا مَّحْجُورًا} [الفرقان: 53]
والحاصل: أن هذه المادَّة تدل على المَنْع والحَصْر؛ ومنه: فلان في حِجْر القَاضِي أي: في مَنْعِه، وفي حِجْري، أي: ما يَمْنَع من الثُّوْاب أن ينْفَلِت منه شَيْءٌ، وقد تقدم تَحْقِيق ذلك في النِّسَاء.
فقوله: {وحَرْث حِجْر} أي: مَمْنُوع ف فِعْل بمعنى مَفْعُول؛ كالذَّبْح والنَّطْح بمعنى مَذْبُوح ومَنْطُوح.
فإن قيل: قد تقدَّم شيئان: وهما أنْعَام وحَرْث، وجيء بالصَّفَة مفردة.
فالجواب: أنه في الأصْل يُذكَّر ويُوحَّد مطلقًا.
قال الزَّمَخْشَري: ويستوي في الوَصْف به المذكَّر والمؤنَّث والواحد والجمع؛ لأن حكمه حكم الأسْمَاء غير الصِّفاتِ يعني بكونه حُكْمُه حكم الأسْمَاء: انه في الأصْل مصْدَر لا صِفَة، فالاسم هنا يُرَادُ به المَصْدَر، وهو مُقَابِلُ الصِّفة.
وأما بقية القراءات: فقال أبُو البقاء: إنها لُغَاتٌ في الكَلِمَةِ وفسر معناها بالممْنُوع.
قال شهاب الدين: ويجوز أن يكُون المَضْمُوم الحاء والجيم مَصْدرًا، وقد جاء من المصادر للثُّلاثي ما هُو عل وَزْن فُعُل بضمِّ الفاء والعَيْن، نحو حُلُم، ويجُوز أن يكون جَمْع حَجْر بفتح الحاءِ وسكون الجيم، وفُعُل قد جاء قَلِيلًا جمعًا لفَعْل نحو: سَقْف وسُقُف، ورَهْن ورُهُن، وأن يكون جَمْعًا لفِعْل بكسر الفاء، وفُعُل أيضًا قد جَاء جمعًا لفِعْل بكسر الفاءِ وسُكُون العين، حو: حِدْج وحُدُج، وأما حُجْر بضمِّ الحاء وسُكون الجيم: فهو مخَفَّفٌ من المضمُمة، فيجوز أن يكُون وأن يكون جَمْعًا لحَجْر أو حِجْر.
وقرأ أبَيّ بن كَعْب، وعبد الله بن العبَّاس، وعبد الله بن مسعود، وعبد اللَّه بن الزُّبَيْر، وعِكْرِمَة، وعمرو بن دِينَار، والأعمش: حِرج بكسْر الحاَء وراء سَاكِنَة مقدَّمة على الجيم، وفيها تأويلان:
أحدهما: أنَّهَا من مادة الحَرَج وهُو التَّضْييق.
قال أبو البقاء: وأصلُه حَرِج بفتح الحاء وكسر الراء، ولكنه خُفِّف ونُقِل؛ مثل فَخْذ في فَخِذ.
قال شهاب الدِّين: ولا حَاجَة إلى ادِّعاء ذلك، بل هذا جَاءَ بطَريق الأصَالة على وَزْن فِعْل.
والثاني: أنه مَقْلُوب من حجر، قُدِّمَتْ لامُ الكَلِمَة على عَيْنها، ووزنه فِلْع؛ كقولهم: نَاء في نَأى، ومعيق في عَمِيق، والقَلْب قليل في لسانهم، وقد قدَّمت منه جُمْلَة في المائدة عند قوله- تبارك وتعالى: {أَشْيَاءَ} [المائدة: 101].
قوله: {لا يَطْعَهُما إلى مَنْ نَشَاءُ} هذه الجُمْلَة في محلِّ رفْع نَعْتًا لـ {أنعام} وصفوه بوَصْفَيْن:
أحدهما: أنه حِجْرٌ.
والثاني: أنه لا يَأكُلُه إلا من شَاءُوا وهم الرِّجال دُون النِّساء، أو سَدَنه الأصْنَام.
قوله: {افْتِرَاءً} فيه أربعة أوجه:
أحدها- وهو مذهب سيبويه: أنه مَفْعُول من أجْلِه، أى: قالوا ما تقدَّم لأجْل الافْتِرَاء على البَاري- تبارك وتعالى- أي: يزْعُمُون أن الله أمِرهُم به افْتِرَاء عليه.
الثاني: مَصْدر على غير الصَّدْر؛ لأن قَوْلَهُم المحْكي عنهم افْتِرَاءن فهو نَظير قَعَد القُرْفُضَاء وهو قول الزَّجَّاج.
الثالث: أنه مصدر عامله من لَفْظِه مُقَدَّر، أي: افْتَروا ذلك افْتِرَاء.
الرابع: أنه مَصْدَر في موضع الحالِ، أي: قالوا ذلك حَال افْتِرَائهم، وهي تُشْبِه الحال المؤكِّدة؛ لأن هذا القَوْل المَخْصُوص لا يَكُون قَائِلُه إلا مُفْتَرِيًا.
وقوله: {عَلَى اللَّه} يجوز تعلُّقه بـ {افْتِرَاءً} على القول الأوَّل والرَّابع، وعلى الثاني والثَّالث بـ {قالوا} لا بـ {افْتِرَاءً}؛ لأن المصدر المؤكد لا يَعْمَل، ويجُوز ان يتعلَّق بمحذُوف صِفَة لـ {افْتِراءً} وهذا جَائِزٌ على كل الأقوالِ.
قوله: {سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} والمقصود منه الوعيد، والباء في قوله: بِمَا سببيّة، ومَا مَصْدَريَّة، أو موصُوفة، أو بمَعْنَى الَّذِي. اهـ. باختصار.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

.بصيرة في الحرام:

وهو الممنوع منه، إِمّا بتَسْخير إِلهى، وإِمَّا بمنع بَشَرىّ، وإِما بمنع من جهة العقل أَو من جهة الشرع أَو من جهة من يُرْتَسم أَمره.
أَما قوله تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} فذلك تحريم بتسخير، وقد حُمِل على ذلك قوله تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} وقوله تعالى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} وقيل بل كان حرامًا عليهم من جهة القهر لا بالتخسير الإِلهى.
وقوله تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ} فهذا من جهة القهر.
والمحرم من جهة الشرع ما أُشِير إليه بقوله: {وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ} هذا كان محرَّمًا عليهم بحكم شرعهم.
وقوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآية.
وقيل: ورد الحرام في القرآن على عشرة أَوجه:
الأَول: حرام الصّحبة والمناكحة {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآية.
الثانى: حرام الفسق والمعصية {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ} {أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}.
الثالث: حرام العجائب والمعجزة {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ}.
الرابع: حرام العذاب والعقوبة {إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} {فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ}.
الخامس: حرام فسخ الشريعة {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} إِلى قوله: {ذَلكُمْ فِسْقٌ}.
السادس: حرام الحرمان والهلكة {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا}.
السابع: حرام الهوى والشهوة {وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا} {وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا}.
الثامن: حرام النذر والمصلحة {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} أي لِمَ تحكم بتحريم ذلك {إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ}.
التاسع: حرام الحظْر والإِباحة {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ}.
العاشر: حرام التوقير والْحُرْمَة {رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} وهذا النوع يأْتى على وجوه:
الأَول: وصف المسجد بالحرام {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}.
الثانى: نعت الأَشهر بالحرام {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ}.
الثالث: دعاءُ البيت بالحرام {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ}.
وسُمِّىَ الحَرَم حَرَمًا لتحريم الله تعالى فيه كثيرًا مما ليس بمحرَّم في غيره من المواضع.
ورجلٌ حرام وحلال ومُحِلٌّ ومُحْرِم.
وكلّ تحريم ليس من قِبَل الله تعالى فليس بشئ.
وقوله تعالى: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} أي ممنوعون من جهة الجَدِّ.
وقوله تعالى: {لَّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} أي الذي لم يوسَّع عليه في الرِّزق كما وُسِّع على غيره.
ومن قال: (أَراد به) الْكَلْب، فلم يَعْنِ اَن ذلك اسمٌ للكلب كما ظنه بعض من رَدّ عليه، وإِنما ذلك منه مثال لشيء كثيرا ما يَحْرِمُه الناس أي يمنعونه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (139):

قوله تعالى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر من سفههم ما فيه إقدام محض وما فيه إحجام خالص محت، أتبعه ما هو مختلط منهما فقال: {وقالوا} أي المشركون أو بعضهم وأقره الباقون {ما في بطون هذه} إشارة إلى ما اقتطعوه لآلهتهم، وبينوه بقولهم: {الأنعام} أي من الأجنة {خالصة} أي خلوصًا لا شوب فيه، أنث للحمل على معنى الأجنة، أو تكون التاء للمبالغة أو تكون مصدرًا كالعافية، أي ذو خالصة {لذكورنا}؛ ولما كان المراد العراقة في كل صفة، أتى بالواو فقال: {ومحرم} وحذف الهاء إما حملًا على اللفظ أو تحقيقًا لأن المراد ب {خالصة} المبالغة {على أزواجنا} أي إناثنا، وكأنه عبر بالأزواج بيانًا لموضع السفه بكونهن شقائق الرجال، هذا إن ولد حيًا {وإن يكن} أي ما في بطونها {ميتة} وكأنه أثبت هاء التأنيث مبالغة، وأنث الفعل أبو جعفر وابن عامر وأبو بكر عن عاصم حملًا على معنى ما ورفع الاسم على التمام ابن كثير وأبو جعفر وابن عامر، وذكر ابن كثير لأن التأنيث غير حقيقي، ونصب الباقون على جعلها ناقصة مع التذكير حملًا على لفظ ما {فهم} أي ذكورهم وإناثهم {فيه} أي ذلك الكائن الذي في البطون {شركاء} أي على حد سواء.
ولما كان ذلك كله وصفًا منهم للأشياء في غير مواضعها التي يحبها الله قال: {سيجزيهم وصفهم} أي بأن يضع العذاب الأليم في كل موضع يكرهون وصفه فيه، حتى يكون مثل وصفهم الذي لم يزالوا يتابعون الهوى فيه حتى صار خلقًا لهم ثابتًا فهو يريهم وخيم أثره، ثم علل ذلك بقوله: {إنه حكيم} أي لا يجازى على الشيء إلا بمثله ويضعه في أحق مواضعه وأعدلها {عليم} أي بالمماثلة ومن يستحقها وعلى أيّ وجه يفعل، وعلى أيّ كيفية يكون أتم وأكمل، وفي ذلك أتم إشارة إلى أن هذه الأشياء في غاية البعد عن الحكمة، فهو متعال عن أن يكون شرعها وهي سفه محض لا يفعلها إلاّ ظالم جاهل. اهـ.