فصل: تفسير الآية رقم (155):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154)}
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {تمامًا على الذي أحسن} قال: على المؤمنين المحسنين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صخر وفي قوله: {تمامًا على الذي أحسن} قال: تمامًا لما قد كان من إحسانه إليه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {تمامًا على الذي أحسن} قال: تمامًا لنعمه عليهم وإحسانه إليهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {تمامًا على الذي أحسن} قال: من أحسن في الدنيا تمَّم الله ذلك له في الآخرة. وفي لفظ: تمت له كرامة الله يوم القيامة. وفي قوله: {وتفصيلًا لكل شيء} أي تبيانًا لكل شيء، وفيه حلاله وحرامه.
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن هرون قال: قراءة الحسن {تماما على المحسنين}.
وأخرج ابن الأنباري عن هرون قال: في قراءة عبد الله: {تمامًا على الذين أحسنوا}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {تفصيلًا لكل شيء} قال: ما أمروا به وما نهوا عنه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: لما ألقى موسى الألواح لفي الهدى والرحمة وذهب التفصيل. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا}
أصل {ثُمَّ}: المُهلة في الزمان، وقد تأتي للمُهْلة في الإخبار.
وقال الزَّجَّاج: وهو مَعْطُوف على {أتْلُ} تقديره: أتْلُ ما حرَّم ثم أتْلُ ما آتيْنَا.
وقيل: هو مَعْطُوف على {قَلْ} أي: على إضْمَار قل، أي: ثم قل: آتينا.
وقيل: تقديره: ثم أخْبِرُكم آتَيْنا.
وقال الزمخشري: عطف على وصَّاكُم به قال: فإن قلت: كيف صَحَّح عطفه عليه بثم، والإيتَاء قبل التَّوْصِيَة به بَدّهْر طَويل؟
قال شهاب الدين: هذه التَّوصية قديمة لم يَزلْ تتواصها كل أمَّةٍ على لسان نبيِّها، فكأنه قيل: ذلك وَصَّاكُم به يا بَنِي آدَمَ قَديمًا وحَديثًا، ثم أعْظَم من ذَلِك أنَّا آتَيْنَا موسى الكِتَاب.
وقيل: هو مَعْطُوف على ما تقدَّم قبل شَطْر السورة من قوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ} [الأنعام: 84].
وقال ابن عطية- رحمه الله تعالى: مهلتها في تَرْتَيب القَوْلِ الذي أمر به محمَّد صلى الله عليه وسلم كأنَّه قال: ثم مِمَّاه وصِّيْنَاه أنا أتَيْنَا مُوسى الكتاب، ويدعو إلى ذلك أن موسى عليه السلام مُتقدِّم بالزمان على محمَّد- عليه الصلاة والسلام-.
وقال أبُو حيَّان: والذي ينبغي أن يُسْتَعْمَل للعَطْفِ كالواو من غير اعِتِبَار مُهْلَةٍ، وبذلك قال بَعْض النَّحْويِّين.
قال شهاب الدّين: وهذه استراحة، وأيضًا لا يلزم من انتفاء المهلة الترتيب فكان ينبغي أن يقول من غير اعتبار ترتيب ولا مهلة على أن الفرض في هذه الآية عدم الترتيب في الزمان.
قوله: {تَمَامًا} يجوز فيه خَمْسَة أوْجُه:
أحدهما: أنَّه مفعول من أجْلِهِ، أي: لأجْل تمامِ نِعْمَتِنَا.
الثاني: أنَّه حالٌ من الكِتَاب، أي: حَالَ كَوْنه تَمَامًا.
الثالث: أنَّه نَصْب على المصدرِ؛ لأنَّه بمعنى: آتيناهُ تمامٍ، لا نقصان.
الرابع: أنه حالٌ من الفاعل، أي: مُتِمِّين.
الخامس: أنَّه مصدرٌ مَنْصُوب بفِعْل مُقَدَّر من لفظه، ويكون مصدرًا على حَذْف الزَّوائِد، والتقدير: أتَمْنَاهُ إتْمَامًا، و{على الذي} مُتعلِّق بـ {تمامًا} أو بمحذُوف على أنَّه صِفَة، هذا إذا لم يُجْعَلْ مصدرًا مؤكَّدًا، فإن جُعِلَ، تعيِّن جعلُه صِفَة.
و{أحسن} فيه وجهان:
أظهرهما: أنه فِعْلٌ ماض واقعٌ صلةً للموصول، وفاعله مُضْمَرٌ يعود على مُوسى- عليه الصلاة والسلام- أي: تمامًا على الذي أحْسَن؛ فيكون الذي عبارةٌ عن مُوسَى.
وقال أبو عبيدة: على كُلِّ من أحْسَن، أي: أتممنا فَضِيلَة مُوسَى- عليه الصلاة والسلام- بالكتاب على المُحْسِنين من قومه، أي: على من أحْسَن من قومه، وكان فيهم مُحْسنٌ ومُسِيءٌ، وتدُلُّ عليه قِرَاءة ابن مَسْعُود: وعلى الذي أحْسَن.
وقيل: كُلُّ من أحسن، أي: الذي أحْسَنَهُ موسى من العِلْم، والحِكْمَة، والإحْسَان في الطاعة والعِبَادة، وتَبْلِيغ الرِّسَالة.
وقيل: {الذي} عِبَارةٌ عمّا عَمِلَهُ مُوسى- عليه الصلاة والسلام- وأتقنه، أي: تمامًا على الذي أحْسَنَهُ موسى- عليه الصلاة والسلام-.
والثاني: أنَّ {أحَسْن} اسمٌ على وَزْن أفْعَل، كافْضَل وأكْرَم، واستَغْنَى بِوَصْف الموصُول عن صِلَتِهِ، وذلك أنَّ المَوْصُول متى وُصِف بِمَعْرِفَة، نحو: مَرَتُ بالذي أخيك، أو بِمَا يُقارب المَعْرِفَة، نحو: مَررْت بالذي خَيْر مِنْكَ، وبالذي أحْسَن منك، جاز ذلك، واستغنى به عن صِلته، وهو مَذْهَبُ الفرَّاء، وأنشد قوله: [الزجر]
حتَّى إذَا كَانَا هُمَا اللَّذِين ** مِثْلَ الجَدِيليْن المُحَمْلَجَيْنِ

بنصب مِثْلَ على أنه صِفَةٌ للَّذِيْن المنصُوب على خَبَر كان، ويجُوز أن تكون الَّذي مصدريَّة، وأحْسَنَ فعل ماضٍ صِلَتُها والتقدير: تمامًا على إحْسَانِه، أي: إحْسان الله تعالى إليه، وإحْسَان مُوسَى إليهم، وهُو رأي يُونُس والفراء؛ كقوله: [البسيط]
فَثَبَّتَ اللَّهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ ** تَثْبِيتَ عِيسى ونَضراص كالَّذِي نُصِرُوا

وقد تقدَّم: تَحْقِيقُ هذا.
وفتح نُون {أحْسَنَ} قراءة بالعامَّة وقرأ يَحْيَى بن يَعْمُر، وبان أبِي إسْحَاق برفعها، وفيها وجهان:
أظهرهما: أنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أي: على الذي هو أحْسَن، فحذف العَائِد، وإن لم تَطُل الصِّلَةُ، فهي شَاذَّةٌ من جِهَة ذلك، وقد تقدَّم بدلائله عِنْد قوله: {مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26]، فيمن رفع بَعُوضَةٌ.
الثاني: أن يكُون {الَّذِي} واقِهًا موقع الذين، وأصلُ {أحْسن}: أحْسَنُوا بواو الضَّمير، حُذِفَت الواوُ اجتِزَاءً بحركة ما قبلها، قاله التبريزيُّ؛ وأنشد في ذلك فقال: [الوافر]
فلَوْ أنَّ الأطِبَّاء كَانُ حَوْلي ** وكان مَعَ الأطِبَّاءِ الأسَاة

قال الآخرُ في ذلك هذا البيت: [الوافر]
إذا مَا شَاءُ ضَرُّوا مَن أرَادُوا ** ولا يَألُوهُمُ أحَدٌ ضِرَارا

وقول الآخر في ذلك: [الزجر]
شَبُّوا على المَجْدِ وَشَابُوا واكتَهَلُ

يريد اكْتَهَلُوا، فحذف الواو، وسكن الحَرْف قبلها، وقد تقدَّم أبْيَاتٌ أخر كَهَذِهِ في غُضُون ها الكتاب، ولكن جَمَاهير النُّحَاة تَخُصُّ هذا بِضَرُورَة الشِّعر.
وقوله: {وتَفْصيلًا} وما عُطِفَ عليه؛ مَنْصُوب على ما ذُكِرَ في {تَمَامًا}
والمعنى: بيانًا لكلِّ شيءٍ يحتاجُ إليه من شرائع الدِّين. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154)}
يهوِّن عليهم مشقة مقاساة التكليف بما ذكر من التعريف بأنَّ الذين كانوا قبلنا كانوا في الضعف والعجز مثلها، ثم صَبرُوا فظَفروا، وأخْلَصُوا فخَلُصُوا. اهـ.

.تفسير الآية رقم (155):

قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
فلما بين أن إنزال الكتب رحمة منه لأن غايتها الدلالة على منزلها فتمتثل أوامره وتتقى مناهيه وزواجره، بين أنه لم يخص تلك الأمم بذلك، بل أنزل على هذه الأمة كتابًا ولم يرض لها كونه مثل تلك الكتب، بل جعله أعظمها بركة وأبينها دلالة، فقال: {وهذا} أي القرآن {كتاب} أي عظيم {أنزلناه} أي بعظمتنا إليكم بلسانكم حجة عليكم {مبارك} أي ثابت كل ما فيه من وعد ووعيد وخير وغيره ثباتًا لا تمكن إزالته مع اليمن والخير.
ولما كان هذا معناه: وكان داعيًا إليه محببًا فيه، سبب عنه قوله: {فاتبعوه} أي ليكون جميع أموركم ثابتة ميمونة، ولما أمر باتباعه وكان الإنسان ربما تبعه في الظاهر، أمر بإيقاع التقوى المصححة للباطن إيقاعًا عامًا، ولذلك حذف الضمير فقال: {واتقوا} أي ومع ذلك فأوقعوا التقوى، وهي إيجاد الوقاية من كل محذور، فإن الخطر الشديد والسلامة على غير القياس، فلا تزايلوا الخوف من منزله بجهدكم، فإن ذلك أجدر أن يحملكم على تمام الاتباع وإخلاصه {لعلكم ترحمون} أي ليكون حالكم حال من يرجى له الإكرام بالعطايا الجسام، والآيتان ناظرتان إلى قوله تعالى: {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى}- إلى قوله: {وهم على صلاتهم يحافظون} [الأنعام: 92]. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن قوله: {وهذا كتاب} لا شك أن المراد هو القرآن وفائدة وصفه بأنه مبارك أنه ثابت لا يتطرق إليه النسخ كما في الكتابين، أو المراد أنه كثير الخير والنفع.
ثم قال: {فاتبعوه} والمراد ظاهر.
ثم قال: {واتقوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي لكي ترحموا.
وفيه ثلاثة أقوال: قيل اتقوا مخالفته على رجاء الرحمة، وقيل: اتقوا لترحموا، أي ليكون الغرض بالتقوى رحمة الله، وقيل: اتقوا لترحموا جزاء على التقوى. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وهذا كتاب أنزلناه مُبَارَكٌ} يعني: القرآن فيه بركة لمن آمن به، وفيه مغفرة للذنوب.
{فاتبعوه} يعني: اقتدوا به.
ويقال: اعملوا بما فيه من الأمر والنهي.
{واتقوا} يعني: واجتنبوا ولا تتخذوا إمامًا غير القرآن {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} يعني: لكي تُرْحَموا ولا تُعَذَّبوا. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وهذا} إشارة إلى القرآن، و{مبارك} وصف بما فيه من التوسعات وإزالة أحكام الجاهلية وتحريماتها وجمع كلمة العرب وصلة أيدي متبعيه وفتح الله على المؤمنين به ومعناه منمي خيره مكثر، والبركة الزيادة والنمو، و{فاتبعوه} دعاء إلى الدين، {واتقوا} الأظهر فيه أنه أمر بالتقوى العامة في جميع الأشياء بقرينة قوله: {لعلكم ترحمون}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مباركٌ} يعني: القرآن {فاتبعوه واتقوا} أن تخالفوه {لعلكم ترحمون} قال الزجاج: لتكونوا راجين للرحمة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون} هذا إشارة إلى القرآن و{أنزلناه} و{مبارك} صفتان لكتاب أو خبران عن هذا على مذهب من يجيز تعداد الأخبار، وإن لم يكن في معنى خبر واحد وكان الوصف بالإنزال آكد من الوصف بالبركة فقدم لأن الكلام مع من ينكر رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، وينكر إنزال الكتب الإلهية وكونه مباركًا عليهم هو وصف حاصل لهم منه متراخ عن الإنزال فلذلك تأخر الوصف بالبركة، وتقدم الوصف بالإنزال وكان الوصف بالفعل المسند إلى نون العظمة أولى من الوصف بالاسم لما يدل الإسناد إلى الله تعالى من التعظيم والتشريف، وليس ذلك في الاسم لو كان التركيب منزل أو منزل منا وبركة القرآن بما يترتب عليه من النفع والنماء بجمع كلمة العرب به والمواعظ والحكم والإعلام بأخبار الأمم السالفة والأجور التالية والشفاء من الأدواء.
والشفاعة لقارئه وعده من أهل الله وكونه مع المكرمين من الملائكة وغير ذلك من البركات التي لا تحصى، ثم أمر الله تعالى باتباعه وهو العمل بما فيه والانتهاء إلى ما تضمنه والرجوع إليه عند المشكلات، والظاهر في قوله: {واتقوا} أنه أمر بالتقوى العامة في جميع الأشياء.
وقيل: {واتقوا} مخالفته لرجاء الله الرحمة وقال التبريزي اتقوا غيره فانه منسوخ وقال التبريزي في الكلام اشارة وهو وصف الله التوراة بالتمام والتمام يؤذن بالانصرام.
قال الشاعر:
إذا تم أمر بدا نقصه ** توقع زوالًا إذا قيل تم

فنسخها الله بالقرآن ودينها بالإسلام ووصف القرآن بأنه مبارك في مواضع كثيرة، والمبارك هو الثابت الدائم في ازدياد وذلك مشعر ببقائه ودوامه. اهـ.