فصل: تفسير الآية رقم (22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21)}.
شؤم الخذلان بلغ بالنكاية فيهم ما جرَّهم إلى الإصرار على الكذب على الله تعالى، ثم لم يستحيوا من اطلاعه، ولم يخشوا من عذابه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (22):

قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (22)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان معنى هذا أنهم أكذب الناس، دل عليه بكذبهم يوم الحشر بعد انكشاف الغطاء فقال: {ويوم} أي اذكر كذبهم على الله وتكذيبهم في هذه الدار، واذكر أعجب من ذلك، وهو كذبهم في عالم الشهادة عند كشف الغطاء وارتفاع الحجب يوم {نحشرهم} أي نجمعهم بما لنا من العظمة وهم كارهون صاغرون {جميعًا} أي أهل الكتاب والمشركين وغيرهم ومعبوداتهم، وأشار إلى عظمة ذلك اليوم وطوله ومشقته وهوله بقوله بأداة التراخي: {ثم نقول} أي بما لنا من العظمة التي انكشفت لهم أستارها وتبدت لهم بحورها وأغوارها توبيخًا وتنديمًا {للذين أشركوا} أي سموا شيئًا من دوننا إلهًا وعبدوه بالفعل من الأصنام أو عزير أو المسيح أو الظلمة أو النور أو غير ذلك، أو بالرضى بالشرك، فإن الرضى بالشيء فعل له لاسيما إن انضم إليه تكذيب المحق والشهادة للمبطل بأن دينه خير {أين شركاؤكم} أضافهم إلى ضميرهم لتسميتهم لهم بذلك {الذين كنتم تزعمون} أي أنهم شركاؤنا بالعبادة أو الشهادة بما يؤدي إليها، ادعوهم اليوم لينقصوكم مما نريد من ضركم، أو يرفعوكم مما نريد من وضعكم، وسؤالهم هذا يجوز أن يكون مع غيبة الشركاء عنهم وأن يكون عند إحضارهم لهم، فيكون الاستفهام عما كانوا يظنون من نفعهم، فكأن غيبته غيبتهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وأما قوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا}.
ففي ناصب قوله: {وَيَوْمَ} أقوال:
الأول: أنه محذوف وتقديره {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ} كان كيت وكيت، فترك ليبقى على الابهام الذي هو أدخل في التخويف، والثاني: التقدير اذكر يوم نحشرهم، والثالث: أنه معطوف على محذوف كأنه قيل لا يفلح الظالمون أبدًا ويوم نحشرهم.
وأما قوله: {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} فالمقصود منه التقريع والتبكيت لا السؤال، ويحتمل أن يكون معناه أين نفس الشركاء، ويحتمل أن يكون المراد أين شفاعتهم لكم وانتفاعكم بهم، وعلى كلا الوجهين: لا يكون الكلام إلا توبيخًا وتقريعًا وتقريرًا في نفوسهم أن الذي كانوا يظنونه مأيوس عنه، وصار ذلك تنبيهًا لهم في دار الدنيا على فساد هذه الطريقة، والعائد على الموصول من قوله: {الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} محذوف، والتقدير: الذين كنتم تزعمون أنهم شفعاء، فحذف مفعول الزعم لدلالة السؤال عليه، قال ابن عباس: وكل زعم في كتاب الله كذب. اهـ.

.قال الطبري:

قوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22)}.
يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء المفترين على الله كذبًا، والمكذبين بآياته، لا يفلحون اليومَ في الدنيا، ولا يوم نحشرهم جميعًا- يعني: ولا في الآخرة.
ففي الكلام محذوف قد استغني بذكر ما ظَهر عما حذف.
وتأويل الكلام: إنه لا يفلح الظالمون اليوم في الدنيا، {ويوم نحشرهم جميعًا}، فقوله: {ويوم نحشرهم}، مردود على المراد في الكلام. لأنه وإن كان محذوفًا منه، فكأنه فيه، لمعرفة السامعين بمعناه {ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم}، يقول: ثم نقول، إذا حشرنا هؤلاء المفترين على الله الكذب، بادِّعائهم له في سلطانه شريكًا، والمكذِّبين بآياته ورسله، فجمعنا جميعهم يوم القيامة {أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون}، أنهم لكم آلهة من دون الله، افتراء وكذبًا، وتدعونهم من دونه أربابًا؟ فأتوا بهم إن كنتم صادقين!. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ويوم نحشرهم جميعًا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون} قيل: {يوم} معمول لا ذكر محذوفة على أنه مفعول به قاله ابن عطية وأبو البقاء.
وقيل: لمحذوف متأخر تقديره {ويوم نحشرهم} كان كيت وكيت فترك ليبقى على الإبهام الذي هو أدخل في التخويف قاله الزمخشري.
وقيل: العامل انظر كيف كذبوا يوم نحشرهم.
وقيل: هو مفعول به لمحذوف تقديره وليحذروا يوم نحشرهم.
وقيل: هو معطوف على ظرف محذوف، والعامل فيه العامل في ذلك الظرف والتقدير أنه لا يفلح الظالمون اليوم في الدنيا ويوم نحشرهم قاله الطبري.
وقرأ الجمهور {نحشرهم} {ثم نقول} بالنون فيهما.
وقرأ حميد ويعقوب فيهما بالياء.
وقرأ أبو هريرة {نحشرهم} عائد على الذين افتروا على الله الكذب، أو كذبوا بآياته وجاء {ثم نقول للذين أشركوا} بمعنى ثم نقول لهم ولكنه نبه على الوصف المترتب عليه توبيخهم ويحتمل أن يعود على الناس كلهم وهم مندرجون في هذا العموم ثم تفرد بالتوبيخ المشركون.
وقيل: الضمير عائد على المشركين وأصنامهم ألا ترى إلى قولهم: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله} وعطف ب {بثم} للتراخي الحاصل بين مقامات يوم القيامة في المواقف، فإن فيه مواقف بين كل موقف وموقف تراخ على حسب طول ذلك اليوم، و{أين شركاؤكم} سؤال توبيخ وتقريع وظاهر مدلول {أين شركاؤكم} غيبة الشركاء عنهم أي تلك الأصنام قد اضمحلت فلا وجود لها.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يشاهدوهم إلا أنهم حين لا ينفعونهم ولا يكون منهم ما رجوا من الشفاعة فكأنهم غيب عنهم وأن يحال بينهم وبينهم في وقت التوبيخ ليفقدوهم في الساعة التي علقوا بهم الرجاء فيها فيروا مكان خزيهم وحسرتهم، انتهى.
والمعنى أين آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله؟ وأضيف الشركاء إليهم لأنه لا شركة في الحقيقة بين الأصنام وبين شيء، وإنما أوقع عليها اسم الشريك بمجرد تسمية الكفرة فأضيفت إليهم بهذه النسبة والزعم القول الأميل إلى الباطل والكذب في أكثر الكلام، ولذلك قال ابن عباس: كل زعم في القرآن فهو بمعنى الكذب وإنما خص القرآن لأنه ينطلق على مجرد الذكر والقول ومنه قول الشاعر:
تقول هلكنا وإن هلكت وإنما ** على الله أرزاق العباد كما زعم

وقال ابن عطية: وعلى هذا الحد يقول سيبوية: زعم الخليل ولكن ذلك يستعمل في الشيء الغريب الذي تبقى عهدته على قائله؛ انتهى.
وحذف مفعولًا {يزعمون} اختصارًا إذ دل ما قبله على حذفهما والتقدير تزعمونهم شركاء، ويحسن أن يكون التقدير كما قال بعضهم: {أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون} أنها تشفع لكم عند الله عز وجل. اهـ.

.قال القرطبي:

{ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ} سؤال إفضاح لا إفصاح.
{الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} أي في أنهم شفعاء لكم عند الله بزعمكم، وأنها تُقرّبكم منه زُلْفَى؛ وهذا توبيخ لهم.
قال ابن عباس: كل زعم في القرآن فهو كذبٌ. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} منصوبٌ على الظرفية بمُضمر مؤخَّرٍ قد حُذف إيذانًا بضيق العبارة عن شرحه وبيانه، وإيماءً إلى عدم استطاعة السامعين لسماعِه لكمال فظاعةِ ما يقع فيه من الطامة والداهية التامة، كأنه قيل: ويوم نحشرهم جميعًا {ثُمَّ نَقُولُ} لهم ما نقول كانَ من الأحوال والأهوال ما لا يحيط به دائرةُ المقال، وتقديرُ صيغةِ الماضي للدَلالة على التحقّق ولحُسنِ موقَعِ عطفِ قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} إلخ عليه، وقيل: منصوب على المفعولية بمضمر مقدّم، أي واذكر لهم للتخويف والتحذير يوم نحشرهم الخ، وقيل: وليتقوا أو ليحذروا يوم نحشرهم الخ، والضمير للكل، وجميعًا حال منه وقرئ {يَحشرُهم جميعًا ثم يقول} بالياء فيهما {لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ} أي نقول لهم خاصة للتوبيخ والتقريع على رؤوس الأشهاد {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ} أي آلهتُكم التي جعلتموها شركاءَ لله سبحانه، وإضافتُها إليهم لما أن شِرْكتَها ليست إلا بتسميتهم وتقوُّلهم الكاذب كما ينبئ عنه قوله تعالى: {الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} أي تزعُمونها شركاءَ، فحُذِف المفعولان معًا، وهذا السؤالُ المُنبِئ عن غَيْبة الشركاءِ مع عموم الحشر لها لقوله تعالى: {احشروا الذين ظَلَمُواْ وأزواجهم وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} وغيرِ ذلك من النصوص إنما يقع بعد ما جرى بينها وبينهم من التبرُّؤ من الجانبين، وتقطَّع ما بينهم من الأسباب والعلائقِ حسبما يحكيه من قوله تعالى: {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} الخ، ونحوُ ذلك من الآيات الكريمة، إما بعدم حضورِها حينئذٍ في الحقيقة بإبعادها من ذلك الموقف، وإما بتنزيل عدمِ حضورها بعُنوان الشِرْكة والشفاعة منزلةَ عدم حضورها في الحقيقة، إذ ليس السؤالُ عنها من حيث ذواتُها، بل إنما هو من حيث إنها شركاءُ كما يُعرب عنه الوصفُ بالموصول، ولا ريب في أن عدم الوصفِ يوجب عدمَ الموصوف من حيث هو موصوف، فهي من حيث هي شركاءُ غائبةٌ لا محالة وإن كانت حاضرةً من حيث ذواتُها أصنامًا كانت أو غيرها، وأما ما يقال من أنه يُحال بينها وبينهم في وقت التوبيخ ليفقِدوهم في الساعة التي علّقوا بها الرجاءَ فيها فيرَوْا مكان خِزْيهم وحسرتِهم فربما يُشعِر بعدم شعورِهم بحقيقة الحال وعدمِ انقطاع حبالِ رجائهم عنها بعدُ. وقد عرفت أنهم شاهدوها قبل ذلك، وانصرمت عُروةُ أطماعهم عنها بالكلية، على أنها معلومة لهم من حين الموت والابتلاءِ بالعذاب في البرزخ، وإنما الذي يحصُل يوم الحشر الانكشافُ الجليُّ واليقين القويُّ، المترتبُ على المحاضَرة والمحاوَرة. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} منصوب على الظرفية بمضمر يقدر مؤخرًا وضمير {نَحْشُرُهُمْ} للكل أو للعابدين للآلهة الباطلة مع معبوداتهم و{جَمِيعًا} حال منه أي ويوم نحشر كل الخلق أو الكفار وآلهتهم جميعًا ثم نقول لهم ما نقول كان كيت وكيت.
وترك هذا الفعل من الكلام ليبقى على الإبهام الذي هو أدخل في التخويف والتهويل.
وقدر ماضيًا ليدل على التحقيق ويحسن عطف {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} [الأنعام: 23] إلخ عليه، وجوز نصبه على المفعولية بمضمر مقدر أي واذكر لهم للتخويف والتحذير يوم نحشرهم واختاره أبو البقاء، وقيل: التقدير ليتقوا أو ليحذروا يوم نحشرهم إلخ.
{ثُمَّ نَقُولُ} للتوبيخ والتقريع على رؤوس الأشهاد {لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ} بالله تعالى ما لم ينزل به سلطانًا: {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ} أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله عز اسمه فالإضافة لأدنى ملابسة و{أَيْنَ} للسؤال عن غير الحاضر، وظاهر قوله تعالى: {احشروا الذين ظَلَمُواْ وأزواجهم وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ} [الصافات: 22] وغيره من الآيات يقتضي حضورهم معهم في المحشر فأما أن يقال: إن هذا السؤال حين يحال بينهم بعد ما شاهدوهم ليشاهدوا خيبتهم كما قيل:
كما أبرقت قوما عطاشا غمامة ** صفلما رأوها أقشعت وتجلت

وإما أن يقال: إنه حال مشاهدتهم لهم لكنهم لما لم ينفعوهم نزلوا منزلة الغيب كما تقول لمن جعل أحدًا ظهيرًا يعينه في الشدائد إذا لم يعنه وقد وقع في ورطة بحضرته أين زيد؟ فتجعله لعدم نفعه وإن كان حاضرًا كالغائب أو الكلام على تقدير مضاف أي أين نفعهم وجدواهم؟، والتزم بعضهم القول بأنهم غيب لظاهر السؤال، وقوله تعالى: {وَمَا نرى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الذين} إلى قوله سبحانه: {وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 94].
وأجيب أن يكون ذلك في موطن آخر جمعا بين الآيات أو المعنى وما نرى شفاعة شفعائكم.
وقال شيخ الإسلام: إن هذا السؤال المنبئ عن غيبة الشركاء مع عموم الحشر لها للآيات الدالة على ذلك إنما يقع بعد ما جرى بينها وبينهم من التبري من الجانبين وتقطع ما بينهم من الأسباب حسبما يحكيه قوله سبحانه: {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} [يونس: 28] إلخ ونحوه اما لعدم حضورها حينئذ في الحقيقة بابعادها من ذلك الموقف، وإما بتنزيل عدم حضورها بعنوان الشركة والشفاعة منزلة عدم حضورها في الحقيقة إذ ليس السؤال عنها من حيث (ذواتها بل وإنما هو من حيث) هي شركاء كما يعرب عنه الوصف بالموصول، ولا ريب في أن عدم الوصف يوجب عدم الموصوف من حيث هو موصوف فهي من حيث هي شركاء غائبة لا محالة وإن كانت حاضرة من حيث ذواتها أصنامًا كانت أو لا.
وأما ما يقال من أنه يحال بينها وبينهم وقت التوبيخ ليفقدوهم في الساعة التي علقوا بها الرجاء (فيها) فيروا مكان خزيهم وحسرتهم فربما يشعر بعدم شعورهم بحقيقة الحال وعدم انقطاع حبال رجائهم عنها بعد.
وقد عرفت أنهم شاهدوها قبل ذلك وانصرمت عروة أطماعهم عنها بالكلية على أنها معلومة لهم من حين الموت والابتلاء بالعذاب في البرزخ.
وإنما الذي يحصل في الحشر الانكشاف الجلي واليقين القوي المترتب على المحاضرة والمحاورة. اهـ.