فصل: تفسير الآية رقم (24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} الفتنة الاختبار أي لم يكن جوابهم حين اختبروا بهذا السؤال، ورأوا الحقائق، وارتفعت الدواعي {إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} تبرءوا من الشِّرك وانتفَوا منه لما رأوا من تجاوزه ومغفرته للمؤمنين.
قال ابن عباس: يغفر الله تعالى لأهل الإخلاص ذنوبهم، ولا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره، فإذا رأى المشركون ذلك؛ قالوا إن ربنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشِّرك فتعالَوا نقول إنا كنا أهل ذنوب ولم نكن مشركين؛ فقال الله تعالى: أما إذْ كتموا الشِّرك فاختموا على أفواهِهم، فيختم على أَفواهِهِم، فتنطق أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون، فعند ذلك يعرف المشركون أن الله لا يُكتَم حديثًا؛ فذلك قوله: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرسول لَوْ تسوى بِهِمُ الأرض وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثًا} [النساء: 42].
وقال أبو إسحاق الزجاج: تأويل هذه الآية لطيف جدًا، أخبر الله عزّ وجلّ بقصص المشركين وافتتانهم بشركهم، ثم أخبر أن فتنتهم لم تكن حين رأوا الحقائق إلاَّ أن انتفوا من الشِّرك، ونظير هذا في اللغة أن ترى إنسانًا يُحبُّ غاويًا فإذا وقع في هَلَكة تبرأ منه، فيقال: ما كانت محبتك إياه إلاَّ أن تبرأت منه.
وقال الحسن: هذا خاص بالمنافقين جروا على عادتهم في الدنيا، ومعنى {فِتْنَتُهُمْ} عاقبة فتنتهم أي كفرهم.
وقال قَتَادة: معناه معذرتهم.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هُريرة قال: «فيلقى العبدَ فيقول أي فُلْ ألم أُكرمْك وأُسودْك وأُزوّجْك وأُسخر لك الخيلَ والإبل وأَذرْكَ تَرْأَس وَتَرْبَع فيقول بلى أي رب فيقول أفظننت أنك مُلاقِيّ فيقول لا فيقول إني أنساك كما نَسِيتني ثم يلقى الثاني فيقول له ويقول هو مثل ذلك بعينه ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسولك وصَلَّيتُ وصُمتُ وتَصدقتُ ويُثني بخير ما استطاع قال فيقال هاهنا إذًا ثم يقال له الآن نَبعثُ شاهدًا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليّ فيُختَم على فِيِه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذُه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليُعذِر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي سخط الله عليه». اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)}.
ونعرف أن الفتنة هي الاختبار. وللفتنة وسائل متعددة؛ فأنت تختبر الشيء لتعرف الرديء من الجيد، والحقيقي من المزيف. ونحن نختبر الذهب ونفتنه على النار وكذلك الفضة. وهكذا نرى أن الفتنة في ذاتها غير مذمومة، لكن المذموم والممدوح هو النتيجة التي نحصل عليها من الفتنة؛ فالامتحانات التي نضعها لأبنائنا هي فتنة، ومن ينجح في هذا الامتحان يفرح ومن يرسب يحزن. إذن فالنتيجة هي التي يفرح بها الإنسان أو التي يحزن من أجلها الإنسان، وبذلك تكون الفتنة أمرًا مطلوبًا فيمن له اختيار. وأحيانًا تطلق الفتنة على الشيء الذي يستولي على الإنسان بباطل.
إن الحق يحشر المشركين مع آلهتهم التي أشركوا بها ويسألهم عن هذه الآلهة فيقولون: {والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}. وهم في ظاهر الأمر يدافعون عن أنفسهم، وفي باطن الأمر يعرفون الحقيقة الكاملة وهي أن المُلْك كله الله، ففي اليوم الآخر لا شركاء لله؛ ذلك أنه لا اختيار للإنسان في اليوم الآخر. ولكن عندما كان للإنسان اختيار في الدنيا فقد كان أمامه أن يؤمن أو يكفر. وإيمان الدنيا الناتج عن الاختيار هو الذي يقام عليه حساب اليوم الآخر، أما إيمان الاضطرار في اليوم الآخر فلا جزاء عليه إلا جهنم لمن كفر أو أشرك بالله في الدنيا. ولو أراد الله لنا جميعًا إيمان الاضطرار في الدنيا لأرغمنا على طاعته مثلما فعل مع الملائكة ومع سائر خلقه.
لقد قهر الحق سبحانه كل أجناس الوجود ما عدا الإنسان، وكان القهر للأجناس لإثبات القدرة، ولكن التكريم للإنسان جاء بالاختيار ليذهب إلى الله بالمحبة.
والمشركون بالله يفاجئهم الحق يوم القيامة بأنه لا إله إلا هو، ويحاولون الكذب لمحاولة الإفلات من العقوبة فيقولون: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}. وهم قد كذبوا بالله في الحياة فعلًا ويريدون الكذب على الله في اليوم الآخر قولًا، ولكن الله عليهم بخفايا الصدور وما كان من السلوك في الحياة الدنيا، ويوضح لهم في الآخرة أعمالهم ويعاقبهم العقاب الأليم.
وحين يسألهم الحق: {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ}؟ ففي هذا القول استفهام من الله، والاستفهام من العليم لا يقصد منه العلم، وإنما يقصد به الإقرار مِن المسئول. وفي حياتنا اليومية يمكننا أن نرى السؤال من التلميذ لأستاذه؛ ليعلم التلميذ ما يجهل. ونرى السؤال يرد مرة بعد أخرى من الاستاذ لتلميذه لا ليعلم ما لم يعلم، ولكن ليقرر التلميذ بما يعلمه وبما تعلمه من أستاذه. فإذا سأل الحق خلقه سؤالًا، أيسألهم سبحانه ليعلم؟ حاشا لله أن يكون الأمر كذلك. وإنما يسأل الحق عباده ليكون سؤال إقرار. والإقرار هنا فيه تبكيت أيضًا؛ لأنه سؤال لا جواب له، فمعاذ الله أن يوجد له شركاء. وعندما يقول الحق لهم: {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ}؟ فمعنى ذلك هو الاستبعاد أن يوجد له سبحانه شركاء.
وبذلك يوبخهم ويبكتهم الحق على أنهم أشركوا بالله ما لا وجود له.
لقد أشركوا بالله في الدنيا لمجرد التخلص من موجبات الإيمان. وها هم أولاء في المشهد العظيم يعرفون قدر كذبهم في الدنيا، فلا ملك لأحد إلا الله، ولا معبود سواه، فينطقون بما يشهدون: {والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}.
ولقائل أن يقول: ولكن هناك في موضع آخر من القرآن نجد أن الله يقول في حق مثل هؤلاء: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 34- 36].
إنهم في يوم الهول الأكبر يعرفون أنهم كذبوا في الدنيا، وهم لا ينطقون بأي قول ينفعهم، ولا يأذن لهم الحق بأن يقدموا أعذارًا أو اعتذارًا. ونقول لمن يظن أن المكذبين لا ينطقون: إنهم بالفعل لا ينطقون قولًا يغيثهم من العذاب الذي ينتظرهم، وهم يقعون في الدهشة البالغة والحيرة، بل إن بعضًا من هؤلاء المكذبين بالله واليوم الآخر يكون قد صنع شيئًا استفادت به البشرية أو تطورت به حياة الناس، فيظن أن ذلك العمل سوف ينجيه، إن هؤلاء قد يأخذون بالفعل حظهم وثوابهم من الناس الذين عملوا من أجلهم ومن تكريم البشرية لهم، ولكنهم يتلقون العذاب في اليوم الآخر لأنهم أشركوا بالله. ولم يكن الحق في بالهم لحظة أن قدموا ما قدموا من اختراعات، ولذلك يقول الحق: {والذين كفروا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمآن مَاءً حتى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ الله عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ والله سَرِيعُ الحساب} [النور: 39].
وهكذا نعلم أن أعمال الكافرين أو المشركين يجازيهم الحق سبحانه عليها بعدله في الدنيا بالمال أو الشهرة، ولكنها أعمال لا تفيد في الآخرة. وأعمالهم كمثل البريق اللامع الذي يحدث نتيجة سقوط أشعة الشمس على أرض فسيحة من الصحراء، فيظنه العطشان ماء، وما أن يقترب منه حتى يجده غير نافع له، كذلك أعمال الكافرين أو المشركين يجدونها لا تساوي شيئًا يوم القيامة. والمشرك من هؤلاء يعرف حقيقة شركه يوم القيامة. ولا يجد إلا الواحد الأحد القهار أمامه، لذلك يقول كل واحد منهم: {والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}. إن المشرك من هؤلاء ينكر شركه. وهذا الإنكار لون من الكذب.
إن المشركين يكذبون، ويقول الحق سبحانه عنهم: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ على شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون} [المجادلة: 18].
وحين يبعثهم الحق يوم القيامة يقسمون له أنهم كانوا مؤمنين كما كانوا يقسمون في الدنيا، لكن الله يصفهم بالكذب، لقد كان بإمكانهم أن يدلسوا على البشر بالحلف الكاذب في الدنيا، ولكن ماذا عن الله الذي لا يمكن أن يدلس عليه أحد.
وهكذا نرى أن فتنة هؤلاء هي فتنة كبرى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]. اهـ.

.سؤال وجواب:

فإن قيل: كيف يجحدونه وقد قال الله ولا يكتمون الله حديثًا؟
فالجواب: أن ذلك يختلف باختلاف طوائف الناس واختلاف المواطن، فيكتم قوم ويقر آخرون، ويكتمون في موطن ويقرون في موطن آخر، لأن يوم القيامة طويل وقد قال ابن عباس لما سئل عن هذا السؤال: إنهم جحدوا طمعًا في النجاة، فختم الله على أفواههم، وتكلمت جوارحهم فلا يكتمون الله حديثًا. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قرأ حمزة والكسائي: {يَكُنْ} بالياء من تحت، {فتنتهم} نَصْبًا.
وابن كثير، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {تَكُنْ} بالتاء من فوق، {فَتْنَتُهُمْ} رفعًا.
والباقون بالتاء من فوق أيضًا، {فِتنتَهم} نصبًا.
فأمَّا قراءة الأخويْنِ فهي أفْصَحُ هذه القراءات لإجرائِهَا على القواعد من غير تأويل، وَوَجْهُهَا أنَّ {فتنتهم} خبر مقدَّمٌ، وإن قالوا بتاويل اسم مؤخر.
والتقدير: ثم لم تكن فِتْنَتهُمْ إلاَّ قولُهم.
وإنما كانت أفصحٍ؛ لأنه إذا اجتمع اسْمَانِ: أحدهما أعرفُ، فالأحْسْنُ جعله اسمًا مُحَدَّثًا عنه، والآخر خَبَرًا حديثًا عنه.
و{أن قالوا} يشبه المضمر، والمضمر أعرف المعارف، وهذه القراءة جُعِلَ الأعرفُ فيها اسْمًا لكان وغير الأعرافِ خبرها، ولم يؤنّث الفعل لإسناده إلى مذكر.
قال الواحدي: والاختبارُ قراءة من جعل {أن قالوا} الاسم ذوي الخبر؛ لأنه إذا وصلت بالفعل لم تُوصَفْ، فأشبهت بامتناع وَصْفِهَا المُضْمَرِ، فكما أنَّ المُضْمَرَ، والمظهر إذا اجتمعا كان جَعْلُ المضمر اسمًا أوْلَى من جعله خبرًا، تقول: كنت القائم.
وأما قراءة ابن كثير ومن معه في {فتنتهم} اسْمُهَا، ولذلك أنِّثَ الفِعلُ لإسناده إلى مؤنُّ، و{إلاَّ أنْ قالوا} خَبَرُهَا، وفيه أنك جعلت غير الأعرف اسمًان والأعرف خبرًا، فليست في قُوَّةِ الأولَى.
وأمَّا قراءةُ الباقين في {فتنتهم} خبر مقدمٌ و{إلاَّ أن قالوا} اسم مؤخَّرٌ، وهذه القراءةُ وإن كان فيها جَعْلُ الأعْرَفِ اسْمًا- كالقراءة الأولى، إلا أنَّ فيها لِحَاقُ علامَةِ تأنيث في الفعل مع تذكير الفاعل، ولكنه بتأويل.
فقيل: لأنه قوله: {إلاَّ أنْ قالوا} في قوة مقالتهم.
وقيل: لأنه هو الفِتْنَةُ في المعنى، وإذا أخبر عن الشَّيءِ بمؤنَّثٍ اكتسب تأنيثًا، فعومل مُعامَلتهُ.
وجعل أبو علي منه {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] لمَّا كانت الأمْثَالُ هي الحَسَنَاتُ في المعنى عُومِلَ مُعَامَلَة المُؤنَّثِ، فسقطت التاء من عَدَدِهِ، ومثلُ الآية قوله: [الطويل]
ألَمْ يَكُ غَدْرًا مَا فَعَلْتُمْ بسَمْعَلٍ ** وَقَدْ خَابَ مَنْ كَانَتْ سِرِيرتَه الغَدْرُ

ف كانت مُسْند إلى الغَدْرِ وهو مذكَّر، لكن لما أخبر عنه بمؤنث أنَّث فِعلَه.
ومثله قول لَبيدٍ: [الكامل]
فَمَضَ وَقَدَّمِهَا وَكَانَتْ عَادَةً ** مِنْهُ إذَا هِيَ عَرَّدَتْ إقْدَامُهَا

قال أبو عَلِيّ: فأنَّث الإقدام لما كان كالعادة في المعنى قال: وقد جاء في الكلام: ما جاءَتْ حَاجَتُكَ فأنّث ضمير ما حيث كانت كالحاجة في المَعْنَى، ولذلك نصب حاجتك.
وقال الزمخشري: وإنما أنَّث أن قالوا لوُقُوعِ الخبر مؤنّثًا كقولهم: من كانت أمَّك.
قال أبو حيَّان: وكلام الزَّمخشري ملفقٌ من كلام أبي عَلِيّ، وأمَّا من كانت أمك فإنه حَمَلَ اسمَ كان على معنى مَنْ ن فإنَّ لها لَفْظًا مُفردًا مذكّرًا، ولها معنى بحسب ما تريد من إفراد وتَثنيٍة وجَمْعِ وتذكير وتأنيثٍ، وليس الحَمْلُ على المعنى لِمْرعَاةِ الخَبَرِ، ألا ترى أنه يجيء حيث لا خبر، كقوله: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يونس: 42].
وقوله: [الطويل]
............ ** تكُنْ مَثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطَحِبَانِ

قال شهاب الدين رحمه الله تعالى: ليت شِعْري، ولأي معنى خصَّ الزمخشري بهذا الاعتراض، فإنه وَارِدٌ على أبي عَلِيِّ أيضًا؟ إذ لقائل أن يقول: التأنيثُ في جَاءَتْ لحمل على معنى ما وإنْ لها هي أيضًا لفظًا ومعنى مَثْل مَنْ ن على أنه يقال: للتأنيث عِلَّتانِ، فذكر إحداهما، ورجَّح أبو عُبيدة قراءة الأخويْ ن بقراءة أبَيّ، وابن مسعود: وما كان فتنتهم إلاَّ أن قالوا فلم يُلْحِق الفعل علامة تأنيثٍ، ورجَّحها غيره بإجماعهم على نَصْبِ {حُجَّتهم} من قوله تبارك وتعالى: {كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ} [الجاثية: 25].
وقرئ شاذًا ثم لم يكن فتنتهم إلا أنه قالوا بتذكير يكنْ، ورفع فتنتهم.
ووجه شُذُوذِهَا سقوط علامةِ التأنيث، والفاعل مؤنّث لَفْظًا، وإن كان غير حَقيقيِّ، وجَعْلُ غير الأعْرَفِ اسمًا، والأعرف خبرًا، فهي خبرًا، فهي عَكْسُ القراءة الأولى، من الطَّرَفَيْنِ، و{أن قالوا} مما يجب تأخيره لِحصْرِهِ سواء أجُعِلَ اسمًا أم خبرًا.
قوله: {واللَّهِ رَبَّنَا} قرأ الأخوان: {ربَّنا} نَصْبًا، والباقون جرًا.
ونصبه: إمَّا على النِّداء، وإمَّا على النِّداء، وإمَّا على المَدْح، قاله ابن عطيَّة رحمه الله وإمَّا على إضْمَار أعني، قاله أبو البقاء، والتقدير: يا ربنا.
وعلى كُلِّ تقدير فالجملة مُعْتَرضَةٌ بين القسم وجوابه، وهو قوله: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} وخفضه من ثلاثة أوجه: النعت، والبدل، وعطف البَيان.
وقرأ عكرمة، وسلام بن مسكين: {واللَّهُ رَبُّنا} برفعهما على المبتدأ والخبر.
قال ابن عطية: وهذا على تَقدِيمٍ وتأخيرٍ، كأنهم قالوا: واللَّهِ ما كُنَّا مشركين واللَّهُ ربُّنَا يعني: أن ثَمَّ قَسَمًا مُضْمَرًا. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (24):

قوله تعالى: {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (24)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان هذا من أعجب العجب، أشار إليه بقوله: {انظر} وبالاستفهام في قوله: {كيف كذبوا} وبالإشارة إلى أنهم فعلوه مع علمهم بما انكشف لهم من الغطاء أنه لا يجديهم بقوله: {على أنفسهم} وهو نحو قوله: {فيحلفون له كما يحلفون لكم} [المجادلة: 18]- الآية.
ولما كان قولهم هذا مرشدًا إلى أن شركاءهم غابوا عنهم، فلم ينفعوهم بنافعة، وكان الإعلام بفوات ما أنهم مقبل عليه فرح به، سارًا لخصمه جالبًا لغمه، صرح به في قوله: {وضل} أي غاب {عنهم} إما حقيقة أو مجازًا، أو هما بالنظر إلى وقتين، ليكون إنكارًا {ما كانوا يفترون} أي يتعمدون الكذب في ادعاء شركته عنادًا لما على ضده من الدلائل الواضحة. اهـ.