فصل: تفسير الآية رقم (37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأنعام: الآيات 30- 31]

{وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (31)}.
{وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ} مجاز عن الحبس للتوبيخ والسؤال، كما يوقف العبد الجاني بين يدي سيده ليعاتبه. وقيل: وقفوا على جزاء ربهم. وقيل عرفوه حق التعريف قالَ مردود على قول قائل قال: ما ذا قال لهم ربهم إذ وقفوا عليه فقيل: قال: {أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ} وهذا تعيين من اللّه تعالى لهم على التكذيب. وقولهم- لما كانوا يسماعون من حديث البعث والجزاء: ما هو بحق وما هو إلا باطل {بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} بكفركم بلقاء اللّه ببلوغ الآخرة وما يتصل بها. وقد حقق الكلام فيه في مواضع أخر. وحَتَّى غاية لكذبوا لا لخسر، لأن خسرانهم لا غاية له. أي ما زال بهم التكذيب إلى حسرتهم وقت مجيء الساعة. فإن قلت: أما يتحسرون عند موتهم؟ قلت: لما كان الموت وقوعا في أحوال الآخرة ومقدّماتها، جعل من جنس الساعة وسمى باسمها، ولذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «من مات فقد قامت قيامته». أو جعل مجيء الساعة بعد الموت لسرعته كالواقع بغير فترة بَغْتَةً فجأة وانتصابها على الحال بمعنى باغتة، أو على المصدر كأنه قيل: بغتتهم الساعة بغتة فَرَّطْنا فِيها الضمير للحياة الدنيا، جيء بضميرها وإن لم يجر لها ذكر لكونها معلومة، أو للساعة على معنى: قصرنا في شأنها وفي الإيمان بها، كما تقول: فرّطت في فلان. ومنه: {فرّطت في جنب اللّه}، {يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ} كقوله: {فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} لأنه اعتيد حمل الأثقال على الظهور، كما ألف الكسب بالأيدى {ساءَ ما يَزِرُونَ} بئس شيئا يزرون وزرهم، كقوله: {ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ}.

.[سورة الأنعام: آية 32]

{وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (32)}.
جعل أعمال الدنيا لعبًا ولهوًا واشتغالا بما لا يعنى ولا يعقب منفعة، كما تعقب أعمال الآخرة المنافع العظيمة. وقوله: {لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} دليل على أن ما عدا أعمال المتقين لعب ولهو. وقرأ ابن عباس رضى اللّه عنه: ولدار الآخرة. وقرئ: {تعقلون} بالتاء والياء.

.[سورة الأنعام: آية 33]

{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)}.
{قَدْ} في {قَدْ نَعْلَمُ} بمعنى ربما الذي يجيء لزيادة الفعل وكثرته، كقوله:
أَخُو ثِقَةٍ لَا تُهْلِكُ الْخَمْرُ مَالَهُ ** وَلَكِنَّهُ قَدْ يُهْلِكُ المَالَ نَائِلُهْ

والهاء في {إِنَّهُ} ضمير الشأن {لَيَحْزُنُكَ} قرئ بفتح الياء وضمها. و{الَّذِي يَقُولُونَ} هو قولهم ساحر كذاب {لا يُكَذِّبُونَكَ} قرئ بالتشديد والتخفيف، من كذبه إذا جعله كاذبا في زعمه وأكذبه إذا وجده كاذبا. والمعنى أن تكذيبك أمر راجع إلى اللّه، لأنك رسوله المصدق بالمعجزات فهم لا يكذبونك في الحقيقة وإنما يكذبون اللّه بجحود آياته، فاله عن حزنك لنفسك وإن هم كذبوك وأنت صادق، وليشغلك عن ذلك ما هو أهمّ وهو استعظامك بجحود آيات اللّه تعالى والاستهانة بكتابه. ونحوه قول السيد لغلامه- إذا أهانه بعض الناس: إنهم لم يهينوك وإنما أهانونى.
وفي هذه الطريقة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ} وقيل: فإنهم لا يكذبونك بقلوبهم، ولكنهم يجحدون بألسنتهم. وقيل: فإنهم لا يكذبونك لأنك عندهم الصادق الموسوم بالصدق، ولكنهم يجحدون بآيات اللّه.
وعن ابن عباس رضى اللّه عنه: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسمى الأمين فعرفوا أنه لا يكذب في شيء، ولكنهم كانوا يجحدون. وكان أبو جهل يقول: ما نكذبك لأنك عندنا صادق، وإنما نكذب ما جئتنا به.
وروى أنّ الأخنس بن شريق قال لأبى جهل: يا أبا الحكم، أخبرنى عن محمد، أصادق هو أم كاذب، فإنه ليس عندنا أحد غيرنا؟ فقال له: واللّه إن محمدًا لصادق وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصىّ باللواء والسقاية والحجابة والنبوّة، فما ذا يكون لسائر قريش، فنزلت، وقوله: {وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ} من إقامة الظاهر مقام المضمر، للدلالة على أنهم ظلموا في جحودهم.

.[سورة الأنعام: آية 34]

{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)}.
{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ} تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهذا دليل على أن قوله: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} ليس بنفي لتكذيبه، وإنما هو من قولك لغلامك: ما أهانوك ولكنهم أهانونى {عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا} على تكذيبهم وإيذائهم {وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ} لمواعيده من قوله: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ} {وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} بعض أنبائهم وقصصهم وما كابدوا من مصابرة المشركين.

.[سورة الأنعام: الآيات 35- 36]

{وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (35) إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)}.
كان يكبر على النبي صلى اللّه عليه وسلم كفر قومه وإعراضهم عما جاء به فنزل {لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ}، {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}، {وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ} منفذًا تنفذ فيه إلى ما تحت الأرض حتى تطلع لهم آية يؤمنون بها {أَوْ سُلَّمًا فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ} منها {بِآيَةٍ} فافعل. يعنى أنك لا تستطيع ذلك. والمراد بيان حرصه على إسلام قومه وتهالكه عليه، وأنه لو استطاع أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها رجاء إيمانهم. وقيل: كانوا يقترحون الآيات فكان يورّ أن يجابوا إليها لتمادى حرصه على إيمانهم. فقيل له: إن استطعت ذلك فافعل، دلالة على أنه بلغ من حرصه أنه لو استطاع ذلك لفعله حتى يأتيهم بما اقترحوا من الآيات لعلهم يؤمنون. ويجوز أن يكون ابتغاء النفق في الأرض أو السلم في السماء هو الإتيان بالآيات، كأنه قيل: لو استطعت النفوذ إلى ما تحت الأرض أو الرقى إلى السماء لفعلت، لعل ذلك يكون لك آية يؤمنون عندها.
وحذف جواب أن كما تقول: إن شئت أن تقوم بنا إلى فلان نزوره {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى} بأن يأتيهم بآية ملجئة، ولكنه لا يفعل لخروجه عن الحكمة {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ} من الذين يجهلون ذلك ويرومون ما هو خلافه {إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} يعنى أن الذين تحرص على أن يصدّقوك بمنزلة الموتى الذين لا يسماعون، وإنما يستجيب من يسمع، كقوله: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى} {وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} مثل لقدرته على إلجائهم إلى الاستجابة بأنه هو الذي يبعث الموتى من القبور يوم القيامة {ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} للجزاء فكان قادرًا على هؤلاء الموتى بالكفر أن يحييهم بالإيمان. وأنت لا تقدر على ذلك. وقيل معناه: وهؤلاء الموتى- يعنى الكفرة- يبعثهم اللّه. ثم إليه يرجعون، فحينئذ يسماعون. وأما قبل ذلك فلا سبيل إلى استماعهم وقرئ: يرجعون، بفتح الياء. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)}.
مَنْ فقد الاستماع في سرائره عَدِمَ توفيقَ الاتِّباعِ بظاهره، والاختيارُ السابقُ في معلومه سبحانه غالبٌ. اهـ.

.قال محمد بن أبي بكر الرازي:

فإن قيل: إذا بعث الله الموتى من قبورهم فقد رجعوا إليه بالحياة بعد الموت فما فائدة قوله: {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)}؟
قلنا: المراد به وقوفهم بين يديه للحساب والجزاء وذلك غير البعث وهو إحياؤهم بعد الموت، فلا تكرار فيه. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ}.
و{يستجيب} معناها أنهم يطيعون أمر الآمر ونهي الناهي. وهناك فارق بين الاستجابة والإجابة؛ ف الاستجابة هي: أن يجيبك من طلبت منه إلى ما طلبت ويحققه لك، والإجابة هي: أن يجيبك من سألت ولو بالرفض لما تقول، وقد يكون الجواب ضد مطلوب ما سألت. ويقول الحق: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الذين يَسْمَعُونَ} أي أن الذين يستجيبون لنداء الحق هم الذين يسمعون بآذانهم وقلوبهم مصدقة؛ لأن هناك فارقًا بين سماع ظاهره سماع وباطنه انصراف، وبين سماع ظاهره طاعة وباطنه محبة لهذه الطاعة. ونعلم أن استقبال المسموع شيء، وانفعال الإنسان بالمسموع شيء آخر.
وعندما يتحد حسن الاستماع مع انفعال الحب لتنفيذ ما سمعه الإنسان فهذا ما يطلبه الإيمان. والمؤمنون هم الذين يستمعون لكلمات الله بانفعال الحب، وهم يختلفون عن هؤلاء الذين يسمعون الكلام من أذن ويخرجونه من الأذن الأخرى، ويتركون الكلمات بلا تطبيق، ولا يبقى في النفس الواعية من آثار الكلام شيء.
وهكذا نرى أن الله قد صنع وخلق في الإنسان من الحواس ما تهديه وترشده إلى الإيمان أو إلى الكفر؛ فالأذن عند المؤمن تسمع، والقلب يصدق، والعقل يمحص ويؤمن. أما الكافر فأذنه تسمع وقلبه يعارض، وعقله يبحث في أسباب الكفر رغبة فيه وسعيًا إليه، ولذلك لا تؤدي حواسه مهامها بانسجام، وكأن الذين يسمعون ولا يستجيبون هم من الموتى. فالأمر- إذن ليس مقصورًا على السمع بل المطلوب أن يكون هناك سماع انفعال بالمسموع وانصياع له، ولا تظن أن الله يعجز عن أن يجعل الذي لا يسمع سماع طاعة يهتدي ويستقيم، فلا شيء ولا كائن يتأبى على الله؛ لأنه سبحانه يحيي الموتى.
وما دام هو سبحانه يحيي الموتى فهو لا يتطلب إيمانا جبريًا. إنما يطلب إيمان الاختيار والاقتناع، وهو سبحانه لو شاء لأنزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين، وسبحانه يطلب قلوبًا لا قوالب. إذن فالذين يستجيبون لداعي الإيمان هم الأحياء حقًا، أما الذين لا يستجيبون فهم في حكم الأموات، وهم من بعد موتهم وانتهاء حياتهم سيبعثهم الله ليسألهم عن أفعالهم في الحياة الدنيا. وعندما يرجعون إلى الله سوف يجدون الحساب. ونعلم أن المرجع أخيرًا ودائمًا إلى الله. ومن يرجع إلى الله وعمله طيب يتعجل الجزاء الطيب ويتشوق ويتشوف إليه، أما من يرجعه الله قَهْرًا فهو يخشى الجزاء الأليم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {والموتى يَبْعَثُهُمُ الله} فيه ثلاثة أوجه:
أظهرها: أنها جملة من مبتدأ وخبر سِيقَتْ للإخبار بقُدْرتِهِ، وأنَّ من قدرَ على بَغْثِ الموتى يقدر على إحياء قلوب الكَفَرةِ بالإيمان، فلا تَتَأسَّفْ على من كفر.
والثاني: أن المَوْتى مَنْصُوبٌ بفعلٍ مُضْمَر يُفَسِّرُهُ الظَّاهر بعده، ورجح هذا الوحه على الرَّفع بالابتداء لطعف جملة الاشتغال على جملة فعلية قبلها، فهو نظير: {والظالمين أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإنسان: 31] بعد قوله: {يُدْخِلُ} [الإنسان: 31].
والثالث: أنَّهُ مرفوع على الموصول قبله، والمراد بـ {الموتى} الكفَّار أي: إما يستجيب المؤمنون السَّامِعُون من أوَّل وَهْلَةٍ، والكافرون الذين يجيبهم الله تعالى بالإيمان ويوفقهم له، فالكافرون يبعثهم الله ثم إليه يرجعون، وحينئذٍ يسمعون، وأمّا قبل ذلك فلا يسمعون ألْبَتَّةَ، وعلى هذا فتكون الجملة من قوله: {يَبْعَثُهُمُ الله} في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحال، إلاّ أنْ هذا القول يبعده قوله تعالى: {ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}، إلا أن يكون من ترشيح المجاز، وقد تقدَّم له نظائرُ.
وقرئ {يَرْجِعُونَ} من رجع الاَّزم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (37):

قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما سلاه صلى الله عليه وسلم فيما أخبرته من أقوالهم بما شرح صدره وسر خاطره، وأعلمه تخفيفًا عليه أن أمرهم إنما هو بيده، ذكَّره بعضَ كلامهم الآئل إلى التكذيب عقب إخباره بالحشر الذي يجازي فيه كلًا بما يفعل، فقال عطفًا على قوله: {وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا} [الأنعام: 29] وقوله: {وقالوا لولا أنزل عليه ملك} [الأنعام: 8] يعجب منه تعجيبًا آخر: {وقالوا} أي مغالطة أو عنادًا أو مكابرة {لولا} أي هلا {نزل} أي بالتدريج {عليه} أي خاصة {آية} أي واحدة تكون ثابتة بالتدريج لا تنقطع، وهذا منهم إشارة إلى أنهم لا يعدون القرآن آية ولا شيئًا مما رأوه منه صلى الله عليه وسلم من غير ذلك نحو انشقاق القمر {من ربه} أي المحسن إليه على حس ما يدعيه لنستدل بها على ما يقول من التوحيد والبعث.
ولما كان في هذا- كما تقدم- إشارة منهم إلى أنه لم يأت بآية على هذه الصفة إما مكابرة وإما مغالطة، أمره بالجواب بقوله: {قل إن الله} أي الذي له جميع الأمر {قادر على أن} وأشار بتشديد الفعل إلى آية القرآن المتكررة عليهم كل حين تدعوهم إلى المبارزة وتتحداهم بالمبالغة والمعاجزة فقال: {ينزل} وقراءة ابن كثير بالتخفيف مشيرة إلى أنهم بلغوا في الوقاحة الغاية، وأنهم لو قالوا: لولا أنزل، أي مرة واحدة، لكان أخف في الوقاحة، أو إلى أنه أنزل عليهم أيّ آية، كانت تلجئهم وتضطرهم إليه في آن واحد كما قال تعالى: {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين} [الشعراء: 4] ولكنه لا يسأل ذلك إلا بالتدريج كما يشير إليه صيغة التفعيل في قراءة غيره المذكرة بأن آية القرآن لا تنقضي، بل كلما سمعها أحد منهم أو من غيرهم طول الدهر كانت منزلة عليه لكونها واصلة إليه، فهو أبلغ من مطلوبهم آية ينزل عليه وحده، والحاصل أنهم طلبوا آية باقية محضة، فلوح لهم إلى آية هي- مع كونها خاصة به فيما حصل له من الشرف- عامة لكل من بلغته، باقية طول المدى {آية} أي مما اقترحوه ومن غيره، لا يعجزه شيء، وفي كل شيء له من الآيات ما يعجز الوصف، وكفى بالقرآن العظيم مثالًا لذلك {ولكن أكثرهم لا يعلمون} أي ليس فيهم قابلية العلم، فهم لا يتفكرون في شيء من ذلك الذي يحدثه من مصنوعاته ليدلهم على أنه على كل شيء قدير، فلا فائدة لهم في إنزال ما طلبوه، وأما غير الأكثر فهو سبحانه يردهم بآية القرآن أو غيرها مما لم يقترحوه. اهـ.