فصل: تفسير الآية رقم (47):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ حمزة، والكسائي {يَصْدِفُونَ} بإشْمَامِ الزَّاين والباقون بالصاد.
قوله: {انظر كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيات}.
{كيف} مَعْمُول لـ {نُصرِّفُ} ونَصبُها: إمَّا على التَّشْبيه بالحالِ، أو التشبيه بالظَّرْفِ، وهي مُعْلِّقةٌ لـ {انظر} فهي في مَحَلِّ نصب بإسْقَاطِ حرفِ الجرِّ، وهذا ظاهرٌ مما تقدَّم.
و{نُصَرِّف}: نُبَيِّنُ، و{يَصْدِفُون} معناه: يُعْرِضُونَ، يقال: صَدَق عن الشيء صَدفًا وصدوفًا وصدافيةً، وصادَفْتُهُ مُصادفَةً أي: لقِيتُهُ عن إعْراضٍ من جهتِهِ.
قال عِدِيُّ بْنُ الرقَاعِ: [البسيط]
إذَا ذَكَرْنَ حَدِيثًا قُلْنَ أحْسَنَه ** وهُنَّ كُلِّ سُوءِ يُتَّقَى صُدُفُ

صُدُف جمع صَدُوف كصُبُر في جمع صَبُور.
وقيل: معنى صَدَف: مال، مأخوذة من الصَّدَفِ في البعيرِ، وهو ان يميل خُفُّهُ من اليد إلى الرِّجْلِ من الجانب الوَحْشِيّ.
والصَّدَفُ جمع صَدَفَة، وهي المحَارَةُ التي تكون فيها الدُّرَّة.
قال: [البسيط]
وَزَادَهَا عَجَبًا أنْ رُحْتُ فِي سُبُلٍ ** وَمَا دَرَتْ دَوَرَانَ الدُّرِّ في الصَّدَفِ

والصَّدَفُ والصُّدُف بفتح الصاد والداله ناحية الجَبَلِ المُرْتفعِ، وسأتي لهذا مزيدُ بيان. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (47):

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قرن الأخذ بالبغت تارة صريحًا وتارة بإسقاط الكاف؛ كان ربما وقع في وهم السؤالُ عن حالة الجهر، أتبع ذلك ذكره مفصلًا لما أجمل من الأحوال في الآيتين قبل فقال: {قل أرءيتكم} ولما كان المعنى: أخبروني، وكان كأنه قيل: عما ذا؟ قيل: {إن أتاكم عذاب الله} أي الذي له جميع صفات الكمال فلا يعجزه شيء {بغتة} أي بحيث لا يرى إلا ملتبسًا بكم من غير أن يشعر به ويظهر شيء من أماراته، {أو جهرة} أي بحيث ترونه مقبلًا إليكم مقدمًا عليكم {هل}.
ولما كان المخوف بالذات هو الهلاك من غير نظر إلى تعيين الفاعل، بني للمفعول قوله: {يهلك} أي في واحدة من الحالتين هلاكًا هو الهلاك، وهو هلاك السخط {إلا القوم} أي الذين لهم قوة المدافعة وشدة المقاتلة في زعمكم والمقاومة {الظالمون} أي بوضع الأشياء في غير مواضعها من إعطاء الشيء لمن لا يستحقه ومنع المستحق ما له، وأما المصلح فإنه ناج إما في الدارين وإما في الآخرة التي من فاز فيها فلا توى عليه؛ وذكر أبو حيان أنه لما كان مطلق العذاب صالحًا لكل ما يعلم من تفاصيل أهواله وما لا يعلم، كان التوعد به أهول، فلذلك أكد فيه في الآيتين الخطاب بالضمير بحرف الخطاب، والتوعد بأخذ السمع وما معه من جملة الأنواع التي اشتمل عليها ذلك المطلق فأعري من حرف الخطاب. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن الدليل المتقدم كان مختصًا بأخذ السمع والبصر والقلب وهذا عام في جميع أنواع العذاب، والمعنى: أنه لا دافع لنوع من أنواع العذاب إلا الله سبحانه، ولا محصل لخير من الخيرات إلا الله سبحانه، فوجب أن يكون هو المعبود بجميع أنواع العبادات لا غيره.
فإن قيل: ما المراد بقوله: {بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً} قلنا العذاب الذي يجيئهم إما أن يجيئهم من غير سبق علامة تدلهم على مجيء ذلك العذاب أو مع سبق هذه العلامة.
فالأول: هو البغتة.
والثاني: هو الجهرة.
والأول سماه الله تعالى بالبغتة، لأنه فاجأهم بها وسمى الثاني جهرة، لأن نفس العذاب وقع بهم وقد عرفوه حتى لو أمكنهم الاحتراز عنه لتحرزوا منه.
وعن الحسن أنه قال: {بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً} معناه ليلًا أو نهارًا.
وقال القاضي: يجب حمل هذا الكلام على ما تقدم ذكره لأنه لو جاءهم ذلك العذاب ليلًا وقد عاينوا مقدمته، لم يكن بغتة ولو جاءهم نهارًا وهم لا يشعرون بمقدمته لم يكن جهرة.
فأما إذا حملناه على الوجه الذي تقدم ذكره، استقام الكلام.
فإن قيل: فما المراد بقوله: {هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الظالمون} مع علمكم بأن العذاب إذا نزل لم يحصل فيه التمييز.
قلنا: إن الهلاك وإن عم الأبرار والأشرار في الظاهر، إلا أن الهلاك في الحقيقة مختص بالظالمين الشريرين، لأن الأخيار يستوجبون بسبب نزول تلك المضار بهم أنواعًا عظيمة من الثواب والدرجات الرفيعة عند الله تعالى، فذاك وإن كان بلاء في الظاهر، إلا أنه يوجب سعادات عظيمة؟
أما الظالمون فإذا نزل البلاء بهم فقد خسروا الدنيا والآخرة معًا، فلذلك وصفهم الله تعالى بكونهم هالكين وذلك تنبيه على أن المؤمن التقي النقي هو السعيد، سواء كان في البلاء أو في الآلاء والنعماء وأن الفاسق الكافر هو الشقي، كيف دارت قضيته واختلفت أحواله، والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً}.
الحسن: {بغتة} ليلًا {أو جهرة} نهارًا.
وقيل: بغتة فجأة.
وقال الكسائي: يُقال بَغَتهم الأمرُ يَبغَتهم بَغْتًا وبغتة إذا أتاهم فجأة، وقد تقدّم.
{هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الظالمون} نظيره {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون} [الأحقاف: 35] أي هل يهلك إلاَّ أنتم لشرككم؛ والظلم هنا بمعنى الشرك، كما قال لقمان لابنه: {يا بني لاَ تُشْرِكْ بالله إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون}.
هذا تهديد ثالث فالأول بأحد أمرين: العذاب والساعة، والثاني: بالأخذ والختم، والثالث: بالعذاب فقط.
قيل: {بغتة} فجأة لا يتقدم لكم به علم وجهرة تبدو لكم مخايلة ثم ينزل.
وقال الحسن: {بغتة} ليلًا و{جهرة} نهارًا.
وقال مجاهد: {بغتة} فجأة آمنين و{جهرة} وهم ينظرون، ولما كانت البغتة تضمنت معنى الخفية صح مقابلتها للجهرة وبدئ بها لأنها أردع من الجهرة، والجملة من قوله: {هل يهلك} معناها النفي أي ما يهلك {إلا القوم الظالمون} ولذلك دخلت {إلا} وهي في موضع المفعول الثاني لأرأيتكم والرابط محذوف أي هل يهلك به؟ والأول من مفعولي {أرأيتكم} محذوف من باب الإعمال لما قررناه، ولما كان التهديد شديدًا جمع فيه بين أداتي الخطاب والخطاب لكفار قريش والعرب وفي ذكر الظلم تنبيه على علة الإهلاك والمعنى هل يهلك إلا أنتم لظلمكم؟. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قُلْ أَرَأَيْتُكُم} تبكيتٌ آخَرُ لهم بإلجائهم إلى الاعترافِ باختصاص العذاب بهم {إِنْ أتاكم عَذَابُ الله} أي عذابُه العاجلُ الخاصُّ بكم كما أتى مَنْ قبلكم من الأمم {بَغْتَةً} أي فجأةً من غير أن يظهرَ منه مخايِلُ الإتيان وحيثُ تضمّن هذا معنى الخُفية قوبل بقوله تعالى: {أَوْ جَهْرَةً} أي بعد ظهورِ أماراتِه وعلائمه، وقيل: ليلًا أو نهارًا كما في قوله تعالى: {بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا} لما أن الغالبَ فيما أتى ليلًا البغتةُ وفيما أتى نهارًا الجهرةُ، وقرئ بغتة أو جهرة وهما في موضع المصدر أي إتيانَ بغتةٍ أو إتيانَ جهرة، وتقديمُ البغتة لكونها أهولَ وأفظعَ، وقوله تعالى: {هَلْ يُهْلَكُ} متعلَّق الاستخبار، والاستفهام للتقرير أي قل لهم تقريرًا لهم باختصاص الهلاكِ بهم أخبروني إن أتاكم عذابُه تعالى حسبما تستحقونه هل يُهلك بذلك العذاب إلا أنتم؟ أي هل يُهلك غيرُكم ممن لا يستحقه؟ وإنما وُضع موضعَه {إِلاَّ القوم الظالمون} تسجيلًا عليهم بالظلم وإيذانًا بأن مناطَ إهلاكهم ظلمُهم الذي هو وضعُهم الكفرَ موضعَ الإيمان.
وقيل: المرادُ بالظالمين الجنسُ وهم داخلون في الحكم دخولًا أوليًا. قال الزجاج: هل يُهلك إلا أنتم ومن أشبهكم؟ ويأباه تخصيصُ الإتيان بهم، وقيل: الاستفهامُ بمعنى النفي فمتعلَّق الاستخبارِ حينئذ محذوفٌ كأنه قيل: أخبروني إن أتاكم عذابه تعالى بغتة أو جهرة ماذا يكون الحال؟ ثم قيل بيانًا لذلك: ما يُهلك إلا القومُ الظالمون أي ما يُهلك بذلك العذاب الخاصِّ بكم إلا أنتم. فمن قيَّد الهلاكَ بهلاك التعذيب والسُخط لتحقيق الحصْرِ بإخراج غيرِ الظالمين لِما أنه ليس بطريقِ التعذيب والسَّخَطِ بل بطريق الإثابة ورفع الدرجة فقد أهمل ما يُجديه واشتغل بما لا يَعنيه وأخلَّ بجزالة النظم الكريم وقرئ هل يَهلِك من الثلاثي. اهـ.

.قال الشوكاني:

قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أتاكم عَذَابُ الله} أي أخبروني عن ذلك، وقد تقدّم تفسير البغتة قريبًا أنها الفجأة.
قال الكسائي: بغتهم يبغتهم بغتا وبغتة: إذا أتاهم فجأة، أي من دون تقديم مقدّمات تدل على العذاب.
والجهرة أن يأتي العذاب بعد ظهور مقدمات تدل عليه.
وقيل البغتة: إتيان العذاب ليلًا، والجهرة: إتيان العذاب نهارًا كما في قوله تعالى: {بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا} [يونس: 50].
{هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الظالمون} الاستفهام للتقرير، أي ما يهلك هلاك تعذيب وسخط إلا القوم الظالمون.
وقرئ {يهلك} على البناء للفاعل.
قال الزجاج: معناه هل يهلك إلا أنتم ومن أشبهكم؟ انتهى. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ أَرَأَيْتُكُم} تبكيت آخر لهم بالجائهم إلى الاعتراف باختصاص العذاب بهم {إِنْ أتاكم عَذَابُ الله} أي العاجل الخاص بكم كما أتى أضرابكم من الأمم قبلكم {بَغْتَةً} أي فجأة من غير ظهور أمارة وشعور ولتضمنها بهذا الاعتبار ما في الخفية من عدم الشعور صح مقابلتها بقولخ سبحانه: {أَوْ جَهْرَةً} وبدأ بها لأنها أردع من الجهرة.
وإنما لم يقل: خفية لأن الإخفاء لا يناسب شأنه تعالى.
وزعم بعضهم أن البغتة استعارة للخفية بقرينة مقابلتها بالجهرة وإنها مكنية من غير تخييلية.
ولا يخفى أنه على ما فيه تعسف لا حاجة إليه فإن المقابلة بين الشيء والقريب من مقابله كثيرة في الفصيح.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «بشروا ولا تنفروا».
وعن الحسن أن البغتة أن يأتيهم ليلا والجهرة أن يأتيهم نهارًا.
وقرئ {بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً} بفتح الغين والهاء على أنهما مصدران كالغلبة أي أتيانا بغتة أو أتيانا جهرة.
وفي المحتسب لابن جني أن مذهب أصحابنا في كل حرف حلق ساكن بعد فتح لا يحرك إلا على أنه لغة فيه كالنهر والنهر والشعر والشعر والحلب والحلب والطرد والطرد.
ومذهب الكوفيين أنه يجوز تحريك الثاني لكونه حرفًا حلقيًا قياسيًا مطردًا كالبحر والبحر، وما أرى الحق إلا معهم.
وكذا سمعت من عامه عقيل.
وسمعت الشجري يقول: محموم بفتح الحاء.
وليس في كلام العرب مفعول بفتح الفاء.
وقالوا: اللحم يريد اللحم.
وسمعته يقول تغدو بمعنى تغدوا.
وليس في كلامهم مفعل بفتح الفاء وقالوا: سار نحوه بفتح الحاء ولو كانت الحركة أصلية ما صحت اللام أصلًا اه.
وهي كما قال الشهاب فائدة ينبغي حفظها.
وقرئ {بَغْتَةً} بالواو الواصلة.
{هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الظالمون} أي إلا أنتم ووضع الظاهر موضع ضميرهم تسجيلًا عليهم بالظلم وإيذانًا بأن مناط إهلاكهم ظلمهم ووضعهم الكفر موضع الإيمان والإعراض موضع الإقبال وهذا كما قال الجماعة متعلق الاستخبار والاستفهام للتقرير أي قل تقريرًا لهم باختصاص الهلاك بهم أخبروني إن أتاكم عذابه جل شأنه حسبما تستحقونه هل يهلك بذلك العذاب إلا أنتم أي هل يهلك غيركم ممن لا يستحقه، وقيل: المراد بالقوم الظالمين الجنس وهم داخلون فيه دخولًا أوليًا.
واعترض بأنه يأباه تخصيص الإتيان بهم، وقيل: الاستفهام بمعنى النفي لأن الاستثناء مفرغ والأصل فيه النفي، ومتعلق الاستخبار حينئذ محذوف كأنه قيل: أخبروني إن أتاكم عذابه عز وجل بغتة أو جهرة ماذا يكون الحال.
ثم قيل: بيانًا لذلك ما يهلك إلا القوم الظالمون أي ما يهلك بذلك العذاب الخاص بكم ألا أنتم.
وقيد الطبرسي وغيره الهلاك بهلاك التعذيب والسخط توجيهًا للحصر إذ قد يهلك غير الظالم لكن ذلك رحمة منه تعالى به ليجزيه الجزاء الأوفى على ابتلائه، ولعله اشتغال بما لا يعني.
وقرئ {يُهْلَكُ} بفتح الياء. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)} استئناف للتهديد والتوعّد وإعذار لهم بأنّ إعراضهم لا يرجع بالسوء إلاّ عليهم ولا يضرّ بغيرهم، كقوله: {وهم يَنْهَوْن عنه ويَنْأوْن عنه وإنْ يُهْلِكُون إلاّ أنفسهم وما يشعرون} [الأنعام: 26].