فصل: تفسير الآية رقم (54):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والاستفهام تقريري.
وعديّ {أعلَمَ} بالباء لأنَّه بصيغة التفضيل صار قاصرًا.
والمعنى أنّ الله أعلم بالشاكرين من عباده فلذلك منّ على الذين أشاروا إليه بقولهم: {أهؤلاء مَنّ الله عليهم} بمنَّة الإيمان والتوفيق.
ومعنى علمه تعالى بالشاكرين أنَّه أعلم بالذين جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مستجيبين لدعوته بقريحة طالبين النجاة من الكفر راغبين في حسن العاقبة، فهو يلطف بهم ويسهِّل لهم الإيمان ويحبِّبه إليهم ويزيّنه في قلوبهم ويزيدهم يومًا فيومًا تمكّنًا منه وتوفيقًا وصلاحًا، فهو أعلم بقلوبهم وصدقهم من الناس الذين يحسبون أنّ رثاثة حال بعض المؤمنين تطابق حالة قلوبهم في الإيمان فيأخذون الناس ببزّاتهم دون نيَّاتهم.
فهذا التذييل ناظر إلى قوله: {إنّما يستجيب الذين يسمعون} [الأنعام: 36].
وقد عُلم من قوله: {أليس الله بأعلم بالشاكرين} أنَّه أيضًا أعلم بأضدادهم.
ضدّ الشكر هو الكفر، كما قال تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنَّكم ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد} [إبراهيم: 7] فهو أعلم بالذين يأتون الرسول عليه الصلاة والسلام مستهزئين متكبِّرين لا هَمّ لهم إلاّ تحقير الإسلام والمسلمين، وقد استفرغوا وسعهم ولبّهم في مجادلة الرسول صلى الله عليه وسلم وتضليل الدهماء في حقيقة الدين.
ففي الكلام تعريض بالمشركين. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا}.
نحن هنا أمام بعضين: بعض قد استعلى أن يجتمع ببعض آخر مستضعف عند رسول أرسله الله. ويمتحن الله البعض بالفتنة، والفتنة هي الاختبار. إن بعضًا من الناس يظن أن الفتنة أمر مذموم، لا، إن الفتنة لا تذم لذاتها، وإنما تذم لما تؤول إليه. فالاختبار- إذن- لا يذم لذاته، وإنما يذم لما يؤول إليه. وتأتي الفتنة ليُرى صدق اليقين الإيماني، وها هوذا الحق سبحانه وتعالى يقول: {أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الذين مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين} [العنكبوت: 2- 3].
إن الحق سبحانه يختبر مدى صدق الإنسان حين يعلن الإيمان، إنه سبحانه يختبرهم بالمحن والنعم، وقد اختبر الحق الأمم السابقة بالتكاليف والنعم والمحن ويظهر ويبرز إلى الوجود ما سبق أن علمه سبحانه أزلًا، ويميز أهل الصدق في الإيمان عن الكاذبين في الإيمان. فمن صبر على الاختبار والفتنة فقد ثبت صدقه ويقينه، ومن لم يصبر فقد دّل بعمله هذا على أنه كان يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به ورضي، وإن أصابه شر وفتنة انقلب على وجهه ونكص على عقبيه فخسر الدنيا والآخرة.
إذن فالفتنة مجرد اختبار. والوجود الذي نراه مبني كله على المفارقات، وعلى هذه المفارقات نشأت حركة الحياة. ويجب الإيمان بقدر الله في خلقه؛ فهذا طويل، وذاك قصير، هذا أبيض، وذاك أسود، هذا مبصر وذلك أعمى، هذا غني، وذلك فقير، هذا صحيح، وذلك سقيم، وذلك ليكون كل نقيض فتنة للآخر.
فالمريض- على سبيل المثال- فتنة للصحيح، والصحيح فتنة للمريض، ويستقبل المريض قدر الله في نفسه ولا ينظر بحقد أو غيظ للصحيح، ولكن له أن ينظر هل يستعلي الصحيح عليه ويستذله، أو يقدم له المساعدة؟ والفقير فتنة للغني، وهو ينظر إلى الغني ليعرف أيحتقره، أيحرجه، أيستغله، والغني فتنة للفقير، يتساءل الغني أينظر إليه الفقير نظرة الحاسد. أم الراضي عن عطاء الله لغيره. وهكذا تكون الفتن.
إن من البشر من هو موهوب هبة ما، وهناك من سلب الله منه هذه الهبة، وهذا العطاء وذلك السلب كلاهما فتنة؛ لنؤمن بأن خالق الوجود نثر المواهب على الخلق ولم يجعل من إنسان واحد مجمع مواهب؛ حتى يحتاج كل إنسان إلى مواهب غيره، وليقوم التعاون بين الناس، وينشأ الارتباط الاجتماعي.
وعندما يخلق الله الإنسان بعاهة من العاهات فهو سبحانه يعوضه بموهبة ما. هكذا نرى أن العالم كله قد فتن الله بعضه ببعض، وكذلك كانت الجماعة المؤمنة فتنة للجماعة الكافرة، وكانت الجماعة الكافرة فتنة لرسول الله، ورسول الله فتنة لهم فساعة يرى رسول الله الكفار وهم يجترئون عليه ويقولون:
{وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31].
يعرف أن هؤلاء القوم يستكثرون عليه أن ينزل عليه هذا القرآن العظيم، وفي هذا القول فتنة واخْتبار لرسول الله، وهو يصبر على ذلك ويمضي إلى إتمام البلاغ عن الله ولا يلتفت إلى ما يقولون، بل يأخذ هذا دليلًا على قوة المعجزة الدالة على صدق رسالته.
والجماعة التي استكبرت وطلبت طرد المستضعفين هم فتنة للمستضعفين، والمستضعفون فتنة لهم، فلو أن الإيمان قد اختمر في نفوس المستكبرين لما استكبروا أن يسبقهم الضعاف إلى الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذن فكلنا يفتن بعضنا بعضًا. وكل إنسان عندما يرى موهوبًا بموهبة لا توجد لديه فليعلم أنها فتنة له وعليه أن يقبلها ويرضى بها في غيره. وما عُبِدَ الله بشيء خيرا من أن يحترم خلق الله قدر الله في بعضهم بعضًا، ولذلك يختبرنا الحق جميعًا، فإن كنت مؤمنا بالله فاحترم قدر الله في خلق الله حتى يجعل الله غيرك من الناس يحترمون قدر الله فيك.
والحق سبحانه وتعالى يقول: {وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ليقولوا أهؤلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بالشاكرين} [الأنعام: 53].
ووجه الفتنة هنا أن قومًا طلبوا طرد المستضعفين وقالوا كما حكى الله عنهم: {أهؤلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا}؟ كأنهم تساءلوا عن المركز الاجتماعي للمستضعفين من المؤمنين، ويأتيهم الرد من الله: {أَلَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بالشاكرين}. فسبحانه هو العليم أزلًا بالبشر، ولا يقترح عليه أحد ما يقرره. وقد سبق للذين كفروا أن قالوا: {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ}.
وجاءهم الرد من الحق سبحانه وتعالى فقال: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي الحياة الدنيا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32].
وهكذا نعلم أن الحق سبحانه وتعالى لم يضع مفاتيح الرسالة في أيدي المشركين أو غيرهم، ليوزعوا هم الأمور ويقوموا بتدبير الأمر. بل هو سبحانه وتعالى الذي يوزع المواهب في البشر رزقًا منه ليعتمد كل إنسان على الآخرين في مواهبهم التي يعجز عنها، ويعتمد عليها الآخرون في موهبته التي يعجزون عنها. ومسألة النبوة هي اصطفاء إلهي يكبر ويسمو على كل مقامات الدنيا. ويدل السياق إذن على أن بعضًا من كبار العرب طلبوا أن يطرد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضًا من المستضعفين، فأراد الله أن يطمئن المستضعفين بشيء عجل لهم به في الدنيا وإن كان قد جعله لبقية المؤمنين في الآخرة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
الكاف في مَحَلِّ نَصبٍ على أنها نَعْتٌ لمصدر محذوف، والتقدير: ومثل ذلك الفُتُون المتقدم الذي فُهِمَ من سياق أخبار الأمم الماضية فتنَّا بعضَ هذه الأمَّةِ ببعْض، فالإشَارَةُ بذلك إلى الفُتُونِ المَدْلُولِ عليه بقوله: {فَتَنَّا}، ولذلك قال الزمخشري: ومثل ذلك الفتن العظيم فتن بعض الناسِ ببعضٍ فجعل الإشارة لِمصدَرِ فَتَنَّا.
وانظر كيف لم يَتَلَّفَظْ هو بإسناد الفِتْنَةِ إلى اللَّهِ تعالى في كلامِهِ، وإن ان البارئ- تعالى قد أسْنَدَها، بل قال: فتن بعض الناس فَبَناهُ للمفعُول على قَاعِدةِ المعتزلة.
وجعل ابن عطية الإشارة إلى طلب الطَّرْدِ، فإن قال بعد كلام يتعلٌّق بالتفسير: والإشارة بذلك إلى ما ذُكِرَ من طلبهِمْ أن يطرد الضَّعفَةَ.
قال أبُو حيَّان: ولا ينتظم هذا التَّشْبيه؛ إذ يصير التقدير: مثل طلب الطرد فَتَنَّا بعضهم ببعض والمَتَبَادَرُ إلى الذَّهْنِ من قولك: ضربتُ مثل ذلك المُمَاثَلَةُ في الضرب، أي: مثل ذلك الضرب لا أن تَقَعَ المُمَاثَلَةُ في غير الضَّربِ، وقد تقدَّم مِرَارًا أن سيبويه يجعل مثل ذلك حالًا من ضير المَصْدَرِ المقدر.
قوله: {لِيَقُولُوا} في هذه اللام وجهان:
أظهرهما:- وعليه أكثر المعربين والمُفسِّرين- أنها لام كي، والتقدير: ومثل ذلك الفُتُون فَتَنَّا ليقولوا هذه المقالة ابْتِلاءً مَنَّا وامْتِحَانًا.
والثاني: أنها لام الصَّيْرُورَةِ أي: العاقبة كقوله: [الوافر]
لِدثوا لِلْمَوْتِ وابْنُوا لِلْخَرَابِ

{فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} [القصص: 8]، ويكون قولهم: {أهُؤلاء} إلى آخره صادرًا على سبيل الاسْتِخْفَافِ.
قوله: {أهَؤلاءِ} يجوز فيه وجهان:
أظهرهما: أنه منصوب المَحَلِّ على الاشْتَغَالِ بفعلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ الفعل الظاهر، العاملُ في ضميره بِوَساطَةِ على، ويكون المفسِّر من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، والتقدير: أفَضَّلَ الله هؤلاء مَنَّ عليهم، أو اختار هؤلاء مَنَّ عليهم، ولا مَحَلِّ لقوله: {مَنَّ اللَّهُ عليهم} لكونها مُفَسّرة، وإنِّما رجَّح هنا إضمار الفعل؛ لأنه وقع بد أداةِ يغلبُ إيلاءُ الفعلِ لها.
والثاني: أنه مرفوع المَحَلّ على أنه مبتدأ، والخبر: مَنَّ اللَّهُ عليهم، وهذا وإن كان سَالِمًا من الإضْمَارِ الموجود في الوجه الذي قبله، إلاَّ أنه مَرْجوحٌ لما تقدَّم، و{عليهم} مُتعلِّقٌ بـ {مَنَّ}.
و{من بَيْنِنَا} يجوز أن يتعلَّق به أيضًا.
قال أبو البقاء: أي مَيَّزَهُمْ عَلَيْنَا، ويجوز أن يكون حالًا.
قال أبو البقاء أيضًا: مَنَّ عليهم منفردين، وهذان التفسيران تفسيرا مَعْنِى لا تفسيرًا إعراب، إلاَّ أنه لم يَسُقْهُمَا إلاَّ تَفْسِيرَيْ إعراب.
والجملة من قول: {أهؤلاءِ مَنَّ اللِّهُ} الفرقُ بين الباءين أن الأولى لا تعلُّق لها لكونها زَائِدة في خبر {ليس}، والثانية متعلّقة بـ {أعلم} وتعدِّي العمل بها لِمَا ضُمِّن من معنى الإحاطَةِ، وكثيرًا ما يقع ذلك في عبارة العلماء، فيقولون: علم بكذا والعلم بكذا لما تقدَّم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (54):

قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما نهاه صلى الله عليه وسلم عن طردهم، علمه كيف يلاطفهم فقال عاطفًا على ما تقديره: وإذا جاءك الذين يحتقرون الضعفاء من عبادي فلا تحفل بهم: {وإذا جاءك} وأظهر موضع الإضمار دلالة على الوصف الموجب لإكرامهم وتعميمًا لغيرهم فقال: {الذين يؤمنون} أي هم أو غيرهم أغنياء كانوا أو فقراء، وأشار بمظهر العظمة إلى أنهم آمنوا بما هو جدير بالإيمان به فقال: {بآياتنا} على ما لها من العظمة بالنسبة إلينا {فقل} أي لهم بادئًا بالسلام إكرامًا لهم وتطييبًا لخواطرهم {سلام عليكم} أي سلامة مني ومن الله، ونكره لما يلحقهم في الدنيا من المصائب؛ ثم علل ذلك بقوله: {كتب ربكم} أي المحسن إليكم {على نفسه الرحمة} ثم علل ذلك بقوله واستأنف بما حاصله أنه علم من الإنسان النقصان، لأنه طبعه على طبائع الخسران إلا من جعله موضع الامتنان فقال: {أنه من عمل منكم سوءًا} أي أيّ سوء كان ملتبسًا {بجهالة} أي بسفه أو بخفة وحركة أخرجته عن الحق والعلم حتى كان كأنه لا يعلم شيئًا {ثم تاب} أي رجع بالندم والإقلاع وإن طال الزمان، ولذا أدخل الجار فقال: {من بعده} أي بعد ذلك العمل {وأصلح} بالاستمرار على الخير {فإنه} أي ربكم بسبب هذه التوبة يغفر له لأنه دائمًا {غفور} أي بالغ الستر والمحو لما كان من ذلك {رحيم} يكرم من تاب هذه التوبة بأن يجعله كمن أحسن بعد أن جعله بالغفر كمن لم يذنب، ومن أصر وأفسد فإنه يعاقبه، لأنه عزيز حكيم، وربما كانت الآية ناظرة إلى ما قذفهم به المشركون من عدم الإخلاص، ويكون حينئذ مرشحًا لأن المراد بالحساب المحاسبة على الذنوب. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اختلفوا في قوله: {وَإِذَا جَاءكَ الذين يُؤْمِنُونَ بئاياتنا} فقال بعضهم هو على إطلاقه في كل من هذه صفته.
وقال آخرون: بل نزل في أهل الصفة الذين سأل المشركون الرسول عليه السلام طردهم وإبعادهم، فأكرمهم الله بهذا الإكرام.
وذلك لأنه تعالى نهى الرسول عليه السلام أولًا عن طردهم، ثم أمره بأن يكرمهم بهذا النوع من الإكرام.
قال عكرمة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام ويقول: «الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأه بالسلام» وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عمر لما اعتذر من مقالته واستغفر الله منها.
وقال للرسول عليه السلام، ما أردت بذلك إلا الخير نزلت هذه الآية.
وقال بعضهم: بل نزلت في قوم أقدموا على ذنوب، ثم جاؤه صلى الله عليه وسلم مظهرين للندامة والأسف، فنزلت هذه الآية فيهم والأقرب من هذه الأقاويل أن تحمل هذه الآية على عمومها، فكل من آمن بالله دخل تحت هذا التشريف.
ولي هاهنا إشكال، وهو: أن الناس اتفقوا على أن هذه السورة نزلت دفعة واحدة، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن أن يقال في كل واحدة من آيات السورة أن سبب نزولها هو الأمر الفلاني بعينه؟!!. اهـ.
قال الفخر:
قوله: {وَإِذَا جَاءكَ الذين يُؤْمِنُونَ بئاياتنا}.
مشتمل على أسرار عالية، وذلك لأن ما سوى الله تعالى فهو آيات وجود الله تعالى، وآيات صفات جلاله وإكرامه وكبريائه، وآيات وحدانيته، وما سوى الله فلا نهاية له، وما لا نهاية له فلا سبيل للعقل في الوقوف عليه على التفصيل التام، إلا أن الممكن هو أن يطلع على بعض الآيات ويتوسل بمعرفتها إلى معرفة الله تعالى ثم يؤمن بالبقية على سبيل الإجمال ثم إنه يكون مدة حياته كالسائح في تلك القفار، وكالسابح في تلك البحار.
ولما كان لا نهاية لها فكذلك لا نهاية لترقي العبد في معارج تلك الآيات، وهذا مشرع جملي لا نهاية لتفاصيله.
ثم إن العبد إذا صار موصوفًا بهذه الصفة فعند هذا أمر الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم {سلام عَلَيْكُمُ} فيكون هذا التسليم بشارة لحصول السلامة.
وقوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} بشارة لحصول الرحمة عقيب تلك السلامة.
أما السلامة فالنجاة من بحر عالم الظلمات ومركز الجسمانيات ومعدن الآفات والمخالفات وموضع التغييرات والتبديلات، وأما الكرامات فبالوصول إلى الباقيات الصالحات والمجردات المقدسات، والوصول إلى فسحة عالم الأنوار والترقي إلى معارج سرادقات الجلال. اهـ.