فصل: تفسير الآية رقم (61):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفيه أنه لا ضد له ولا ند إذ لو كان في الوجود واجب آخر لكانت مفاتح الغيب حاصلة أيضًا عنده فيبطل هذا الحصر، ولا يمكن أن تكون هذه المفاتح عند شيء من الممكنات لأن المحاط لا يحيط بمحيطه فلا يحيط ما دون الواجب بالواجب، فلا يكون المفتاح الأوّل للعلم بجميع المعلومات إلا عنده. ثم إن قوله: {وعنده مفاتح الغيب} قضية معقولة مجردة، والإنسان الذي يقوي على الإحاطة بمعنى هذه القضية نادر جدًا والقرآن إنما نزل لينتفع به جميع الناس فذكر من الأمور المحسوسة الداخلة تحت تلك القضية الكلية أمثالًا لها ليعين الحس العقل فقال: {ويعلم ما في البر والبحر} لأن ذكر هذا المحسوس يكشف عن حقيقة عظيمة لذلك المعقول، وقدم ذكر البر لأن الإنسان قد شاهد أحوال البر وكثرة ما فيه من المدن والقرى والجبال والتلال والمعادن والنبات والحيوان، وأما البحر فإحاطة الحس بأحواله أقل مع كثرة ما فيها من العجائب والغرائب أيضًا. ثم أفرد من هذه المحسوسات قسمًا فقال: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها} أي لا يتغير حال ورقة إلا والحق يعلمها. ثم عدل عن التعجيب من كثرة المدركات إلى التعجيب من صغر المدرك وخفائه فقال: {ولا حبة في ظلمات الأرض} وفي تخصيص الحبة والورقة تنبيه للمكلفين على أمر الحساب لأنه إذا كان بحيث لا يهمل أمر الأشياء التي ليس لها ثواب ولا عقاب فلأن لا يهمل أمر المكلفين أولى. ثم عاد إلى ذكر القضية الكلية المجردة بعبارة أخرى فقال: {ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} قال في الكشاف: ولا حبة ولا رطب ولا يابس عطف على ورقة وداخل في حكمها كأنه قيل: وما يسقط شيء من هذه الأشياء إلا وهو يعلمه. وقوله: {إلا في كتاب مبين} كالتكرير لقوله: {إلا يعلمها} ومعنى {إلا في كتاب مبين} واحد. والكتاب المبين علم الله أو اللوح. قال علماء التفسير: يجوز أن يكون الله جل شأنه أثبت كيفية المعلومات في كتاب من قبل أن يخلق الخلق لتقف الملائكة على نفاذ علمه في المعلومات وأنه لا يغيب عنه شيء، فيكون في ذلك عبرة كاملة للملائكة الموكلين باللوح المحفوظ لأنهم يقابلون به ما يحدث في العالم فيجدونه موافقًا له. أو لأنه إذا كتب أحوال جميع الموجودات في ذلك الكتاب على التفصيل التام امتنع تغيرها وإلا لزم الكذب أو الجهل فتصير كتبة جملة الأحوال في ذلك الكتاب سببًا تامًا في أنه يمتنع تقدم ما تأخر وتأخر ما تقدم.
ثم لما بين كمال علمه أردفه ببيان كمال قدرته بقوله: {وهو الذي يتوفاكم} أي يتوفى أنفسكم التي بها تقدرون على الإدراك والتمييز. وذلك أن الأرواح الجسمانية تغور حالة النوم من الظاهر إلى الباطن فتتعطل الحواس عن بعض الاعمال، وأما عند الموت فتصير جملة البدن معطلة عن كل الأعمال فلهذا كان النوم أخا الموت فصح إطلاق لفظ الوفاة على النوم من هذا الوجه {ويعلم ما جرحتم} أي ما كسبتم من العمل بالنهار ومنه الجوارح للأعضاء وللسباع {ثم يبعثكم فيه} أي يردّ إليكم أرواحكم بالنهار {ليقضي أجل مسمى} أي أعماركم المكتوبة. وقضاء الأجل فصل مدة العمر من غيرها بالموت. ثم لما ذكر أنه يميتهم أولًا ثم يوقظهم ثانيًا كان ذلك جاريًا مجرى الإحياء بعد الإماتة فلا جرم استدل بذلك على صحة البعث في القيامة فقال: {ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون} في ليلكم ونهاركم وجميع أحوالكم وأوقاتكم. واعلم أن في هذه الآية إشكالًا لأن قوله: {ويعلم ما جرحتم بالنهار} كان ينبغي أن يكون بعد قوله: {ثم يبعثكم فيه} فإن البعث في النهار مقدم على الكسب فيه بل على تعلق العلم بالكسب. ويمكن أن يجاب بأن المراد ويعلم ما جرحتم في النهار الماضي بدليل قوله: {جرحتم} دون تجرحون ثم يبعثكم في النهار الآتي. والغرض بيان إحاطة علمه وقدرته بالزمانين المحيطين بالليل. ولعل صاحب الكشاف لمكان هذا الإشكال عدل عن هذا التفسير إلى أن قال: {وهو الذي يتوفاكم بالليل} والخطاب للكفرة أي أنتم منسدحون الليل كالحيف. والانسداح الانبطاح أو الاستلقاء {ويعلم ما جرحتم بالنهار} ما كسبتم من الآثام فيه {ثم يبعثكم} من القبور {فيه} أي في شأن ذلك الذي قطعتم به أعماركم من النوم بالليل وكسب الآثام في النهار ومن أجله كقولك: فيم دغوتني؟ فيقول: في أمر كذا {ليقضي أجل مسمى} وهو الأجل الذي سماه وضربه لبعث الموتى وجزائهم على أعمالهم {ثم إليه مرجعكم} وهو المرجع إلى موقف الحساب. والأصوب عندي أن يقال: الخطاب عام، وكذا الكسب في النهار فينبغي أن لا يقيد بالآثام. أما الضمير في {فيه} فيكون جاريًا مجرى اسم الإشارة إلى الكسب. والبعث هو البعث من القبور إلى آخر ما قال والله علم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60)}.
إنه يتوفَّى الأنفس في حال النوم وفي حال الوفاة، وكما أنه لا يعاقبك بالليل فإنه لا يعذبك- إذا توفَّاك- على ما جرحت بالنهار مع علمه بأفعالك، فبالحريِّ ألا يعذِّبَك غدًا- إذا توفَّاك- على ما علمه من قبيح أحوالك. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُم بالليل وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار} الآية.
ذكر في هذه الآية الكريمة أن النوم وفاة، وأشار في موضع آخر إلى أن وفاة صغرى وأن صاحبها لم يمت حقيقة، وأنه تعالى يرسل روحه إلى بدنه حتى ينقضي أجله، وأن وفاة الموت التي هي الكبرى قد مات صاحبها، ولذا يمسك روحه عنده، وذلك في قوله تعالى: {الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ التي قضى عَلَيْهَا الموت وَيُرْسِلُ الأخرى إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر: 42]. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {باللَّيْلِ} متعلّق بما قبله على أنه ظَرْفٌ له، والباءُ تأتي بمعنى في، وقَدْ تقدَّم منه جملة صالحة.
وقال أبو البقاء هنا: وجاز ذلك؛ لأن الباءس للإلْصَاقِ والمُلاصِقُ للزمان والمكان حَصِلٌ فيها، يعني في هذه العلاقةِ المجوزة للتَّجَوُّرِ، وعلى هذا فلا حَاجَةَ إلى أن يَنُوب حَرْفٌ مكان آخر، بل نقول: هي هنا للإلْصَاقِ مَجَازًا، نحو ما قالوه في مررتُ بزيد، وأسند التَّوَفِّي هنا إلى ذاتِهِ المُقَدَّسَةِ، لأنه لا ينفر منه هنا، إذ المُرَادُ به الدَعَةُ والرَّاحَةُ، وأسند إلى غيره في قوله: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام: 61] {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت} [السجدة: 11] لأنه ينفر منه، إذا المُرَادُ به المَوْتُ.
وهاهنا بحْثٌ، وهو أن النائم لا شكَّ أنَّهُ حيُّ، ومتى كان حَيًّا لم تكن رُوحُهُ مَقْبُوَضَةً ألْبَتَّةً فلابد هاهنا من تأويلٍ، وهو أنه حالَ النوم تَغُورُ الأرواح الحسَّاسَةُ من الظاهر في الباطن، فصارت الحواسُّ الظاهِرَةُ مُعَطَّلَةً عن أعمالها، فعند النوم صار ظَاهِرُ الجَسَدِ مُعَطَّلًا عن كُلِّ الأعمال، فحصل بين النَّوءم وبين الموت مُشَابَهَةٌ من هذه الحَيْثِيَّةِ، فلذلك صَحَّ إطلاق لفظ المَوْتِ والوفَاةِ على النوم.
قوله: {مَا جَرَحْتُمْ} الظاهر أنها مَصْدَرِيَّةٌ، وإن كان كونها موصولة اسميةً أكثر ويجوز أن تكون نَكِرَةً مَوْصُوفَةً بما بعدها، والعَائِدُ على كلا التقديرين الآخرين مَحْذُوفٌ، وكذا عند الأخْفَشِ وابن السّراجِ على القول الأول.
و{بالنَّهَارِ} كقوله: {باللَّيْلِ} والضميرُ في {فيه} عائد على {النهار} وهذا هو الظاهر.
قال أبو حيَّان: عاد عليه لَفْظًا، والمعنى: في يوم آخر، كما تقول: عندي دِرْهَمٌ ونَصْفهُ.
قال شهابُ الدين: ولا حَاجَة في الظَّاهِرِ على عَوْدِهِ على نظير المذكور، إذ عَوْدُهُ على المذكور لا مَحْذُورَ فيه.
وأمَّا ما ذكره من نحو درهم ونِصْفهُ فلضروة انْتِفَاءِ العِيِّ من الكلامِ، قالوا: لأنك إذا قلت: عندي درهمٌ أنَّ عندك نصفه ضرورة.
فقولك بعد ذلك: ونصفه تضطَرُّ إلى عَوْدِهِ إلى نظير ماعندك، بخلاف ما نَحْنُ فيه.
وقيل: يعود على اللَّيل.
وقيل: يعود على التَّوَفِّي، وهو النوم أي: يوقظكم في خلالِ النوم.
وقال الزمخشري: ثم يَبْعَثكُمْ من القبور في شَأنِ الذي قطعتم به أعْمَارَكُمْ من النوم باللَّيْلِ، وكَسْب الآثام بالنهار انتهى. وهو حَسَنٌ.
قوله: {ليُقْضَى أجَلٌ} الجمهور على {لِيُقْضَى} مبنيًّا للمعفولِ، و{أجَلٌ} رفع به، وفي الفاعل المَحْذُوفِ احتمالان:
أحدهما: أنه ضمير البَارِئ تعالى.
والثاني: أنه ضير المخاطبين أي: لتقضوا آجالكم.
وقرأ أبو رجاءٍ، وطلحة: {ليَقْضِي} مَبْنيًا للفاعل، وهو الله تعالى، و{أجَلًا} مفعول به، و{مُسَمى} صفة، فهو مرفوع على الأوَّل، ومنصوب على الثاني وتيرتَّبُ على ذلك خلافٌ للقُرَّاءِ في إمالَةِ ألفِهِ، واللام في {ليقضي} متعلّقة بما قبلها من مجموع الفِعْلَيْن، أي: يتوفاكم ثُمَّ يبعثكم لأجْلِ ذلك.
والمرادُ: الأجَلُ المسمَّى، أي: عمركم المكتوب. اهـ. باختصار.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {وأنذر به} أي بهذه الحقائق والمعاني {الذين يخافون} أي يرجون {أن يحشروا إلى ربهم} بجذبات العناية ويتحقق لهم أن {ليس لهم} في الوصول إلى الله: {من دونه ولي} من الأولياء {ولا شفيع} يعني من الأنبياء، لأن الوصول لا يمكن إلا بجذبات الحق. {ولا تطرد الذين يدعون} أخبر عن الفقراء أنهم جلساؤه بالغداة والعشي كما قال: «أنا جليس من ذكرني».
فلا تطردهم عن مجالستك فإنهم يطلبوني في متابعتك لا يريدون الدنيا ولا الآخرة ولكن يريدون وجهه.
وكل له سؤل ودين ومذهب ** ووصلكم سؤلي وديني رضاكم

قال المحققون: الإرادة اهتياج يحصل في القلب يسلب القرار من العبد حتى يصل إلى الله. فصاحب الإرادة لا يهدأ ليلًا ولا نهارًا، ولا يجد من دون الوصول إلى الله سبحانه سكونًا ولا قرارًا {ما عليك من حسابهم من شيء} يعني الذي لنا معك في الحساب من المواصلة والتوحيد في الخلوة فإنهم ليسوا في شيء من ذلك ليكون عليك ثقلًا {وما من حسابك عليهم من شيء} أي الذي لنا معهم في الحساب من التفرد للوصول والوصال ليس لك إلى ذلك حاجة ليثقل عليهم {فتطردهم} فتكسر قلوبهم بالطرد {فتكون من الظالمين} بوضع الكسر مقام الجبر فإنك بعثت لجبر قلوبهم لا لكسر قلوبهم كقوله: {واخفض جناحك للمؤمنين} [الحجر: 88] {وكذلك فتنا بعضهم ببعض} ليشكر الفاضل وليصبر المفضول فيستويان في الفضل فلهذا قيل: لسليمان ولأيوب كليهما: نعم العبد. مع قدرة سليمان على أسباب الطاعة وعجز أيوب عنها. ومن فتنة الفاضل في المفضول رؤية فضله على المفضول أو تحقيره، ومنع حقه عنه في فضله، ومن فتنة المفضول في الفاضل حسده على فضله وسخطه عليه في منع حقه من فضله عنه، فإن المعطي والمانع هو الله. ومنه أن لا يرى الفاضل مستحقًا للفضل ليقولوا {أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا} {فقل سلام عليكم} إنه سبحانه من كمال فضله على الفقراء حملهم محمل الأكابر والملوك في الدنيا فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: «كن مبتدئًا بالسلام عليهم وفي الآخرة فألهم الملائكة أن يسلموا عليهم في الجنة» {سلام عليكم طبتم} [الزمر: 73] بل سلم بذاته عليهم {سلام قولًا من رب رحيم} [يس: 58] وكل ذلك نتيجة سلامتهم من ظلمة الخلقة بإصابة رشاش النور في الأزل فلهذا قال: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} أي الرحمة الخاصة كما خص الخضر في قوله: {وآتيناه رحمة من عندنا} [الكهف: 65] والرحمة العامة كما في الحديث الرباني للجنة «إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي» {أنه من عمل منكم} أي من المؤمنين {سوءًا بجهالة} أي بجهالة الجهولية التي جبل الإنسان عليها لا بجهالة الضلالة التي هي نتيجة إخطاء النور فإن هذه لا توبة لها {ثم تاب من بعده} أي رجع إلى الله بقدم السير من بعد إفساد الاستعداد الفطري وأصلح الاستعداد بالأعمال الصالحة لقبول الفيض. {قل إني نهيت} في الأزل بإصابة النور المرشش. {ما عندي ما تستعجلون به} من عبادة الهوى {لقضي الأمر} يعني أمر القتال والخصومات ولاسترحت من أذيتكم لأن الشيء إنما ينفعل عن ضده لا عن شبيهه {وعنده مفاتح الغيب} يعني العلوم العقلية التي هي سبب فتح باب صور عالم الشهادة كالنقاش ينشيء الصور في ذهنه ثم يصوّرها في الخارج.
وإنما وحد الغيب وجمع المفاتح لأن عالم الغيب عالم التكوين وهو واحد في جميع الأشياء وفي الملكوت كثرة يعلم التكوين {ويعلم ما في البر} وهو عالم الشهادة {والبحر} وهو عالم الغيب {و} بهذا العلم {ما تسقط من ورقة} عن شجرة الوجود {إلا يعلمها} لأنه مكونها ومسقطها {ولا حبة} هي حبة الروح {في ظلمات} صفات أرض النفس، أو حبة المحبة في ظلمات أرض القلب {ولا رطب ولا يابس} الرطب المؤمن، واليابس ما سيصير موجودًا وما قد صار. أو الرطب الروحانيات. واليابس الجمادات. أو الرطب المؤمن، واليابس الكافر. أو الرطب العالم، واليابس الجاهل. أو الرطب العارف، واليابس الزاهد. أو الرطب أهل المحبة، واليابس أهل السلوة. أو الرطب صاحب الشهود، اليابس صاحب الوجود. أو الرطب الباقي بالله واليابس الباقي بنصيبه {وهو الذي يتوفاكم بالليل} ليل القضاء {ويعلم ما جرحتم بالنهار} نهار القدر أو الليل، ليل صفات البشرية والنهار نهار الشهود في عالم الوحدة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (61):

قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أخبر بتمام العلم والقدرة، أخبر بغالب سلطنته وعظيم جبروته وأن أفعاله هذه على سبيل القهر لا يستطاع مخالفتها، فلو بالغ أحد في الاجتهاد في أن ينام في غير وقته ما قدر، أو أن يقوم وقت النوم لعجز، أو أن يحيي وقت الموت لم يستطع إلى غير ذلك فقال: {وهو} أي يفعل ذلك والحال أنه وحده بما له من غيب الغيب وحجب الكبرياء {القاهر} وصور ذلك بقوله: {فوق عباده} أي في الإحاطة بالعلم والفعل، أما قهره للعدم فبالتكوين والإيجاد، وأما قهره للوجود فبالإفناء والإفساد بنقل الممكن من العدم إلى الوجود تارة ومن الوجود إلى العدم أخرى، فيقهر النور بالظلمة والظلمة بالنور، والنهار بالليل والليل بالنهار- إلى غير ذلك من ضروب الكائنات وصروف الممكنات {ويرسل} ورجع إلى الخطاب لأنه أصرح فقال: {عليكم} من ملائكته {حفظة} أي يحفظون عليكم كل حركة وسكون لتستحيوا منهم وتخافوا عاقبة كتابتهم.
ويقوم عليكم بشهادتهم الحجة على مجاري عاداتكم، وإلا فهو سبحانه غني عنهم، لأنه العالم القادر فيحفظونكم على حسب مراده فيكم {حتى إذا جاء}.
ولما كان تقديم المفعول أخوف قال: {أحدكم الموت} أي الذي لا محيد له عنه ولا محيص {توفته} أي أخذت روحه كاملة {رسلنا} من ملك الموت وأعوانه على ما لهم من العظمة بالإضافة إلينا {وهم لا يفرطون} في نفس واحد ولا ما دونه ولا ما فوقه بالتواني عنه ليتقدم ذلك عن وقته أو يتأخر. اهـ.