فصل: تفسير الآية رقم (66):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجَلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا}.
إذا أراد الله هلاك قومٍ أمر البلاء حتى يحيط بهم سرادقه كما يحيط بالكفار غدًا إذا أدركتهم العقوبة، وخرج بعضهم على بعض؛ حتى يتبرأ التابع من المتبوع، والمتبوع من التابع.
قوله جلّ ذكره: {وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}.
لا طعمَ أردأ للإنسان من طعم الإنسان: إن شِئْتَ من الولاية والمحبة، وإن شئت في العداوة والبغضة؛ فَمَنْ مُنِي بالبغضة مع أشكاله تنغَّصَ عليه عَيْشُه في الدنيا، ومَنْ مُنِيَ بمحبة أمثاله تكدَّر عليه حالُه مع المولى، ومن صانَه عن الخلق فهو المحفوظ (المعاني). اهـ.

.قال القاسمي:

قال الخفاجى: فإن قلت: كيف أجيبت الدعويان، وسيكون خسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب؟ أي كما رواه الترمذى وغيره؟
قلت: الممنوع: خسف مستأصل لهم، وأما عدم إجابته في بأسهم، فبذنوب منهم، ولأنهم بعد تبليغه صلى الله عليه وسلم لهم، ونصيحته لهم، لم يعملوا بقوله. اهـ.

.تفسير الآية رقم (66):

قوله تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{و} الحال أنه {كذب به} أي هذا العذاب أو القرآن المشتمل على الوعد والوعيد والأسباب المبينة للخلق جميع ما ينفعهم ليلزموه وما يضرهم ليحذروه {قومك} أي الذين من حقهم أن يقوموا بجميع أمرك ويسروا بسيادتك، فإن القبيلة إذا ساد أحدها عزت به، فإن عزه عزها وشرفه شرفها، ولاسيما إذا كان من بيت الشرف ومعدن السيادة، وإذا سفل أحدها اهتمت به غاية الاهتمام وسترت عيوبه مهما أمكنها فإن عاره لاحق بها، فهو من عظيم التوبيخ لهم ودقيق التقريع، وزاد ذلك بقوله: {وهو} أي والحال أنه {الحق} أي الثابت الذي لا يضره التكذيب به ولا يمكن زواله.
ولما كان الإنسان ربما حصل له اللوم بسبب قومه كان صلى الله عليه وسلم في هذا المقام بمعرض أن يخاف عاقبة ذلك ويقول: فماذا أصنع بهم؟ فقال تعالى معلمًا أنه ليس عليه بأس من تكذيبهم: {قل لست} وقدم الجار والمجرور للاهتمام به معبرًا بالأداة الدالة على القهر والغلبة فقال: {عليكم بوكيل} أي حفيظ ورقيب لأقهركم على الرد عما أنتم فيه. اهـ.

.قال الفخر:

الضمير في قوله: {وَكَذَّبَ بِهِ} إلى ماذا يرجع فيه أقوال: الأول: أنه راجع إلى العذاب المذكور في الآية السابقة {وَهُوَ الحق} أي لابد وأن ينزل بهم.
الثاني: الضمير في {به} للقرآن وهو الحق أي في كونه كتابًا منزلًا من عند الله.
الثالث: يعود إلى تصريف الآيات وهو الحق لأنهم كذبوا كون هذه الأشياء دلالات، ثم قال: {قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} أي لست عليكم بحافظ حتى أجازيكم على تكذيبكم وإعراضكم عن قبول الدلائل.
إنما أنا منذر والله هو المجازي لكم بأعمالكم قال ابن عباس والمفسرون: نسختها آية القتال وهو بعيد. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} وفيما كذَّبوا به قولان:
أحدهما: أنه القرآن، قاله الحسن، والسدي.
والثاني: تصريف الآيات، قاله بعض المتأخرين.
{وَهُوَ الْحَقُّ} يعني ما كذَّبوا به، والفرق بين الحق والصواب أن الحق قد يُدْرَكُ بغير طلب، والصواب لا يُدْرَكُ إلا بطلب.
{قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: معناه لست عليكم بحفيظ لأعمالكم لأجازيكم عليها، وإنما أنا منذر، قاله الحسن.
والثاني: لست عليكم بحفيظ أمنعكم من أن تكفروا، كما يمنع الوكيل على الشيء من إلحاق الضرر به، قاله بعض المتأخرين.
والثالث: معناه لست آخذكم بالإِيمان اضطرارًا وإجبارًا، كما يأخذ الوكيل بالشيء، قاله الزجاج. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وكذب به قومك} في هاء {به} ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها كناية عن القرآن.
والثاني: عن تصريف الآيات.
والثالث: عن العذاب.
قوله تعالى: {قل لست عليكم بوكيل} فيه قولان:
أحدهما: لست حفيظًا على أعمالكم لأُجازيكم بها، إنما أنا منذر، قاله الحسن.
والثاني: لست حفيظًا عليكم أخذكم بالإيمان، إنما أدعوكم إلى الله قاله، الزجاج.
فصل:
وفي هذا القدر من الآية قولان:
أحدهما: أنه اقتضى الاقتصار في حقهم على الإنذار من غير زيادة، ثم نسخ ذلك بآية السيف.
والثاني: أن معناه لست حفيظًا عليكم، إنما أُطالبكم بالظواهر من الإِقرار والعمل، لا بالأسرار؛ فعلى هذا هو محكم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وكذب به قومك وهو الحق} قال السديّ: {به} عائد على القرآن الذي فيه جاء تصريف الآيات.
وقال الزمخشري: {به} راجع إلى العذاب وهو الحق أي لابد أن ينزل بهم.
وقال ابن عطية: ويحتمل أن يعود على الوعيد الذي تضمنته الآية ونحا إليه الطبري.
وقيل: يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لقرب مخاطبته بعد ذلك بالكاف؛ انتهى.
وقرأ ابن أبي عبلة: وكذبت به قومك بالتاء، كما قال: {كذبت قوم نوح} والظاهر أن قوله: {وهو الحق} جملة استئناف لا حال.
{قل لست عليكم بوكيل} أي لست بقائم عليكم لإكراهكم على التوحيد.
وقيل: {بوكيل} بمسلط وقيل: لا أقدر على منعكم من التكذيب إجبارًا إنما أنا منذر.
قال ابن عطية: وهذا كان قبل نزول الجهاد والأمر بالقتال ثم نسخ.
وقيل: لا نسخ في هذا إذ هو خبر والنسخ فيه متوجه لأن اللازم من اللفظ لست الآن وليس فيه أنه لا يكون في المستقبل. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} أي بالقرآن.
وقرأ ابن أبي عَبْلَة {وكذبت}.
بالتاء {وَهُوَ الحق} أي القصص الحق.
{قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} قال الحسن: لست بحافظ أعمالكم حتى أجازيكم عليها، إنما أنا مُنْذِر وقد بلّغت؛ نظيره {وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} أي أحفظ عليكم أعمالكم.
ثم قيل: هذا منسوخ بآية القتال.
وقيل: ليس بمنسوخ، إذ لم يكن في وُسعه إيمانهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَكَذَّبَ بِهِ} أي بالعذاب الموعود أو القرآنِ المجيد الناطقِ بمجيئه، {قَوْمِكَ} أي المعاندون منهم، ولعل إيرادَهم بهذا العنوان للإيذان بكمالِ سوءِ حالِهم، فإن تكذيبَهم بذلك مع كونهم من قومه عليه الصلاة والسلام مما يقضي بغاية عَتُوِّهم ومكابرتهم، وتقديم الجار والمجرور على الفاعل لما مر مرارًا من إظهار الاهتمام بالمقدَّمِ والتشويق إلى المؤخر، وقوله تعالى: {وَهُوَ الحق} حال من الضمير المجرورِ أي كذبوا به والحال أنه الواقعُ لا محالة، أو أنه الكتابُ الصادقُ في كل ما نطقَ به، وقيل: هو استئنافٌ، وأيًا ما كان ففيه دلالةٌ على عِظَم جنايتِهم ونهاية قُبْحِها {قُلْ} لهم منبِّهًا على ما يؤول إليه أمرُهم وعلى أنك قد أديتَ ما عليك من وظائف الرسالة {لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} بحفيظٍ وُكِّلَ إليَّ أمرُكم لأمنَعَكم من التكذيب وأُجبِرَكم على التصديق، إنما أنا منذرٌ وقد خرجتُ عن العُهدة حيث أخبرتُكم بما سترَونه. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَكَذَّبَ بِهِ} أي القرآن كما قال الأزهري وروي ذلك عن الحسن، وقيل: الضمير لتصريف الآيات، واختاره الجبائي والبلخي.
وقيل: هو للعذاب واختاره غالب المفسرين {قَوْمِكَ} أي قريش، وقيل: هم وسائر العرب، وأيًا ما كان فالمراد المعاندون منهم، قيل: ولعل إيرادهم بهذا العنوان للإيذان بكمال سوء حالهم فإن تكذيبهم بذلك مع كونهم من قومه عليه الصلاة والسلام مما يقضي بغاية عتوهم ومكابرتهم، وتقديم الجار والمجرور على الفاعل لما مر مرارًا.
{وَهُوَ الحق} أي الكتاب الصادق في كل ما نطق به لا ريب فيه أو المتحقق الدلالة أو الواقع لا محالة.
والواو حالية والجملة بعدها في موضع الحال من الضمير المجرور، وقيل: الواو استئنافية وبعدها مستأنفة.
وأيًا ما كان ففيه دلالة على عظم جنايتهم ونهاية قبحها.
{قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} أي (بموكل فوض أمركم إلى أحفظ أعمالكم لأجازيكم بها) إنما أنا منذر ولم آل جهدًا في الإنذار والله سبحانه هو المجازي قاله الحسن.
وقال الزجاج: المراد إني لم أومر بحربكم ومنعكم عن التكذيب وفي معناه ما نقل عن الجبائي.
والآية على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما منسوخة بآية القتال ولا بعد في ذلك على المعنى الثاني. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} عطف على {انظر كيف نُصَرّفُ الآيات} [الأنعام: 65]، أي لعلَّهم يفقهون فلم يفقهوا وكذّبوا.
وضمير {به} عائد إلى العذاب في قوله: {على أن يبعث عليكم عَذَابًا} [الأنعام: 65]، وتكذيبهم به معناه تكذيبهم بأنّ الله يعذّبهم لأجل إعراضهم.
والتعبير عنهم بـ {قومك} تسجيل عليهم بسوء معاملتهم لمن هو من أنفسهم، كقوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلاّ المودّة في القُرْبى} [الشورى: 23]، وقال طرفة:
وظُلْمُ ذوي القُربى أشدُّ مضاضةً ** على المرْء من وقْع الحُسام المهنّدِ

وتقدّم وجه تعدية فعل (كذّب) بالباء عند قوله تعالى: {وكذّبتم به} في هذه السورة [57].
وجملة {وهو الحقّ} معترضة لقصد تحقيق القدرة على أن يبعث عليهم عذابًا إلخ.
وقد تحقّق بعض ذلك بعذاببٍ من فوقهم وهو عذاب القحط، وبإذاقتهم بأس المسلمين يوم بدر.
ويجوز أن يكون ضمير به عائدًا إلى القرآن، فيكون قوله: {وكذّب به} رجوعًا بالكلام إلى قوله: {قل إنِّي على بيِّنة من ربِّي وكذّبتم به} [الأنعام: 57]، أي كذّبتم بالقرآن، على وجه جعل (مِنْ) في قوله: {من ربِّي} [الأنعام: 57] ابتدائية كما تقدّم، أي كذّبتم بآية القرآن وسألتم نزولَ العذاب تصديقًا لرسالتي وذلك ليس بيدي.
ثم اعتُرض بجمل كثيرة.
أولاها: {وعنده مفاتح الغيب} [الأنعام: 59]، ثم ما بعده من التعريض بالوعيد، ثم بنى عليه قوله: {وكذّب به قومك وهو الحقّ} فكأنّه قيل: قل إنّي على بيّنة من ربّي وكذّبتم به وهو الحقّ قُل لست عليكم بوكيل.
وقوله: {قل لست عليكم بوكيل} إرغام لهم لأنَّهم يُرُونَه أنَّهم لمَّا كذّبوه وأعرضوا عن دعوته قد أغاظوه، فأعلمهم الله أنَّه لا يغيظه ذلك وأنّ عليه الدعوة فإذا كانوا يُغيظون فلا يغيظون إلاّ أنفسهم.
والوكيل هنا بمعنى المدافع الناصر، وهو الحفيظ.
وتقدّم عند قوله تعالى: {وقالوا حسبُنا الله ونعم الوكيل} في سورة [آل عمران: 173].
وتعديته بـ (على) لتضمنّه معنى الغلبة والسلطة، أي لست بقيِّم عليكم يمنعكم من التكذيب، كقوله تعالى: {فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظًا إن عليك إلاّ البلاغ} [الشورى: 48]. اهـ.