فصل: تفسير الآية رقم (81):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (81):

قوله تعالى: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

وتعجب منهم في ظنهم خوفه من معبوداتهم بقوله منكرًا: {وكيف أخاف ما أشركتم} أي من دون الله من الأصنام وغيرها مع أنها لا تقدر على شيء {ولا} أي والحال أنكم أنتم لا {تخافون أنكم أشركتم بالله} أي المستجمع لصفات العظمة والقدرة على العذاب والنقمة.
ولما كان له سبحانه أن يفعل ما يشاء قال: {ما لم ينزل به} أي بإشراكه؛ ولما كان المقام صعبًا لأنه أصل الدين، أثبت الجار والمجرور وقدمه فقال: {عليكم سلطانًا} أي حجة تكون مانعة من إنزاله الغضبَ بكم، والحاصل أنه عليه السلام أوقع الأمن في موضعه وهم أوقعوه في موضع الخوف، فعجب منهم لذلك فبان أن هذا وقول شعيب عليه السلام في الأعراف {وما يكون لنا أن نعود فيها إلاّ أن يشاء الله ربنا} [الأعراف: 89]- الآية، وقوله تعالى في الكهف {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا إلاّ أن يشاء الله} [الكهف: 24] من مشكاة واحدة؛ ولما كان المحذور المنفي هنا إنما هو خوف الضرر من آلهتهم، وكان حصول الضرر لمخالفها بواسطة أتباعها أو غيرهم من سنن الله الجارية في عباده، اقتصر الخليل عليه السلام على صفة الربوبية المقتضية للرأفة والرحمة والكفاية والحماية، وقد وقع في قصته الأمران: إمكانهم من أسباب ضرره بإيقاد النار وإلقائهم له فيها، ورحمته بجعلها عليه بردًا وسلامًا؛ ولما كان المحذور في قصة شعيب عليه السلام العود في ملتهم، زاد الإتيان بالاسم الأعظم الجامع لجميع الكمالات المنزه عن جميع النقائص المقتضي لاستحضار الجلال والعظمة والتفرد والكبر المانع من دنو ساحات الكفر- والله الموفق.
ولما بان كالشمس بما أقام من الدليل أنه أحق بالأمن منهم، قال مسببًا عما مضى تقريرًا لهم: {فأيّ الفريقين} أي حزب الله وحزب ما أشركتم به، ولم يقل: فأيّنا، تعميمًا للمعنى {أحق بالأمن} وألزمهم بالجواب حتمًا بقوله: {إن كنتم تعلمون} أي إن كان لكم علم فأخبروني عما سألتكم عنه. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن هذا من بقية الجواب عن الكلام الأول، والتقدير: وكيف أخاف الأصنام التي لا قدرة لها على النفع والضر، وأنتم لا تخافون من الشرك الذي هو أعظم الذنوب.
وقوله: {مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سلطانا} فيه وجهان: الأول: أن قوله: {مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سلطانا} كناية عن امتناع وجود الحجة والسلطان في مثل هذه القصة.
ونظيره قوله تعالى: {وَمَن يَدْعُ مَعَ الله إلها ءَاخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: 117] والمراد منه امتناع حصول البرهان فيه، والثاني: أنه لا يمتنع عقلًا أن يؤمر باتخاذ تلك التماثيل والصور قبلة للدعاء والصلاة فقوله: {مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا} معناه: عدم ورود الأمر به.
وحاصل هذا الكلام: مالكم تنكرون على الأمن في موضع الأمن، ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع الخوف؟ ولم يقل: فأينا أحق بالأمن أنا أم أنتم؟ احترازًا من تزكية نفسه فعدل عنه إلى قوله: {فَأَىُّ الفريقين} يعني فريقي المشركين والموحدين.
ثم استأنف الجواب عن السؤال بقوله: {الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ} وهذا من تمام كلام إبراهيم في المحاجة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون إنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانًا}.
استفهام معناه التعجب والإنكار كأنه تعجب من فساد عقولهم حيث خوفوه خشبًا وحجارة لا تضر ولا تنفع، وهم لا يخافون عقبى شركهم بالله وهو الذي بيده النفع والضر والأمر كله {ولا تخافون} معطوف على {أخاف} فهو داخل في التعجب والإنكار واختلف متعلق الخوف فبالنسبة إلى إبراهيم علق الخوف بالأصنام وبالنسبة إليهم علقه بإشراكهم بالله تعالى تركًا للمقابلة، ولئلا يكون الله عديل أصنامهم لو كان التركيب ولا تخافون الله تعالى وأتى بلفظ {ما} الموضوعة لما لا يعقل لأن الأصنام لا تعقل إذ هي حجارة وخشب وكواكب، والسلطان الحجة والإشراك لا يصح أن يكون عليه حجة وكأنه لما أقام الدليل العقلي على بطلان الشركاء وربوبيتهم، نفى أيضًا أن يكون على ذلك دليل سمعي فالمعنى أن ذلك ممتنع عقلًا وسمعًا فوجب اطراحه، وقرئ {سلطانًا} بضم اللام والخلاف هل ذلك لغة فيثبت به بناء فعلان بضم الفاء والعين أو هو اتباع فلا يثبت به.
{فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون} لما خوفوه في مكان الأمن ولم يخافوا في مكان الخوف أبرز الاستفهام في صورة الاحتمال وإن كان قد علم قطعًا أنه هو الآمن لا هم كما قال الشاعر:
فلئن لقيتك خاليين لتعلمن ** أني وايك فارس الأحزاب

أي أينا ومعلوم عنده أنه هو فارس الأحزاب لا المخاطب وأضاف أيا إلى الفريقين، ويعني فريق المشركين وفريق الموحدين وعدل عن أينا أحق بالأمن أنا أم أنتم احترازًا من تجريد نفسه فيكون ذلك تزكية لها، وجواب الشرط محذوف أي إن كنتم من ذوي العلم والاستبصار فأخبروني أي هذين الفريقين أحق بالأمن. اهـ.

.قال أبو السعود:

وقوله تعالى: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ} استئناف مَسوقٌ لنفي الخوفِ عنه عليه السلام بحسَب زعمِ الكفَرةِ بالطريق الإلزاميِّ كما سيأتي بعد نفيه عنه بحسب الواقع ونفسِ الأمر، والاستفهامُ لإنكار الوقوعِ ونفيِه بالكلية، كما في قوله تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ الله} الآية، لا لإنكار الواقعِ واستبعادِه مع وقوعه، كما في قوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله} الخ، وفي توجيه الإنكارِ إلى كيفية الخوفِ من المبالغة ما ليس في توجيهه إلى نفسه بأن يقالَ أأخافُ لِما أن كلَّ موجود يجب أن يكونَ وجودُه على حال من الأحوال وكيفيةٍ من الكيفيات قطعًا، فإذا انتفى جميعُ أحواله وكيفياتِه فقد انتفى وجودُه من جميع الجهات بالطريق البرهاني، وقوله تعالى: {وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بالله} حال من ضمير {أخاف} بتقدير مبتدأ والواوُ كافيةٌ في الربط من غير حاجة إلى الضمير العائد إلى ذي الحال، وهو مقرِّرٌ لإنكار الخوفِ ونفيِه عنه عليه السلام ومُفيدٌ لاعترافهم بذلك، فإنهم حيث لم يخافوا في محلِّ الخوف فلأَنْ لا يَخافُ عليه السلام في محل الأمنِ أولى وأحرى، أي كيف أخافُ أنا ما ليس في حيز الخوفِ أصلًا وأنتم لا تخافون غائلةَ ما هو أعظمُ المخلوقات وأهولُها، وهو إشراكُكم بالله الذي ليس كمثله شيءٌ في الأرض ولا في السماء ما هو من جملة مخلوقاته، وإنما عبّر عنه بقوله تعالى: {مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ} أي بإشراكه {عَلَيْكُمْ سلطانا} على طريقة التهكّم مع الإيذان بأن الأمورَ الدينية لا يُعوَّل فيها إلا على الحُجة المنزلةِ من عند الله تعالى، وفي تعليق الخوفِ الثاني بإشراكهم من المبالغةِ ومراعاةِ حسنِ الأدب ما لا يخفى.
هذا، وأما ما قيل من أن قوله تعالى: {وَلاَ تَخَافُونَ} الخ، معطوفٌ على أخاف داخل معه في حكم الإنكار والتعجيب فمما لا سبيلَ إليه أصلًا، لإفضائه إلى فساد المعنى قطعًا، كيف لا وقد عرَّفتُك أن الإنكارَ بمعنى النفي بالكلية فيؤول المعنى إلى نفي الخوفِ عنه عليه الصلاة والسلام، ونفي نفيه عنهم، وأنه بيِّنُ الفساد، وحملُ الإنكارِ في الأول على معنى نفي الوقوعِ وفي الثاني على استبعاد الواقع مما لا مَساغَ له، على أن قوله تعالى: {فَأَىُّ الفريقين أَحَقُّ بالأمن} ناطقٌ ببُطلانه حتمًا، فإنه كلام مرتَّبٌ على إنكار خوفِه عليه الصلاة والسلام في محل الخوف، مَسوقٌ لإلجائهم إلى الاعتراف باستحقاقه عليه الصلاة والسلام لما هو عليه من الأمن، وبعدم استحقاقِهم لما هم عليه، وإنما جيءَ بصيغة التفضيلِ المُشعِرَةِ باستحقاقهم له في الجملة لْاستنزالهم عن رُتبة المكابرةِ والاعتسافِ بسَوْق الكلام على سَنن الإنصاف، والمرادُ بالفريقين الفريقُ الآمنُ في محل الأمن والفريقُ الآمنُ في محلِّ الخوف، فإيثارُ ما عليه النظمُ الكريم على أن يُقال فأيُّنا أحقُّ بالأمن أنا أم أنتم؟ لتأكيد الإلجاءِ إلى الجواب الحقِّ بالتنبيه على علّة الحُكم، والتفادي عن التصريح بتخطئتهم لا لمجردِ الاحترازِ عن تزكية النفس {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} المفعولُ إما محذوفٌ تعويلًا على ظهوره بمعونه المقام، أي إن كنتم تعلمون من أحقُّ بذلك، أو قصدًا إلى التعميم أي إن كنتم تعلمون شيئًا، وإما متروكٌ بالمرة، أي إن كنتم مِنْ أوُلي العلم، وجوابُ الشرط محذوفٌ أي فأخبروني. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ} استئناف كما قال شيخ الإسلام مسوق لنفي الخوف عنه عليه السلام بحسب زعم الكفرة بالطريق الإلزامي بعد نفيه عنه بحسب الواقع ونفس الأمر؛ والاستفهام لإنكار الوقوع ونفيه بالكلية؛ وفي توجه الانكار إلى كيفية الخوف من المبالغة ما ليس في توجيهه إلى نفسه بأن يقال: أأخاف لما أن كل موجود لا يخلو عن كيفية فإذا انتفى جميع كيفياته فقد انتفى وجوده من جميع الجهات بالطريق البرهاني، و{كَيْفَ} حال والعوامل فيها {أَخَافُ} و(ما) موصولة أو نكرة موصوفة والعائد محذوف، وجوز أن تكون مصدرية.
وقوله تعالى: {وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بالله} في موضع الحال من ضمير {أَخَافُ} بتقدير مبتدأ لمكان الواو.
وقيل: لا حاجة إلى التقدير لأن المضارع المنفي قد يقرن بالفاء، ولا حاجة هنا إلى ضمير عائد إلى ذي الحال لأن الواو كافية في الربط وهو مقرر لإنكار الخوف ونفيه عنه عليه السلام ومفيد لاعترافهم بذلك فإنهم حيث لم يخافوا في محل الخوف فلأن لا يخاف عليه السلام في محل الأمن أولى وأحرى أي كيف أخاف أنا ما ليس في حيز الخوف أصلًا وأنتم لا تخافون غائلة ما هو أعظم المخوفات وأهولها وهو إشراككم بالله تعالى الذي {فطر السموات والأرض} ما هو من جملة مخلوقاته، وعبر عنه بقوله سبحانه: {مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سلطانا} أي حجة على طريق التهكم قيل مع الإيذان بأن الأمور الدينية لا يعول فيها إلا على الحجة المنزلة من عند الله تعالى.
وضمير {بِهِ} عائد على الموصول والكلام على حذف مضاف أي بإشراكه.
وجوز أن يكون راجعًا إلى الإشراك المقيد بتعلقه بالموصول ولا حاجة إلى العائد، وهو على ما قيل مبني على مذهب الأخفش في الاكتفاء في الربط برجوع العائد إلى ما يتلبس بصاحبه.
وذكر متعلق الإشراك وهو الاسم الجليل في الجملة الحالية دون الجملة الأولى قيل لأن المراد في الجملة الحالية تهويل الأمر وذكر المشرك به أدخل في ذلك.
وقال بعض المحققين: الظاهر أن يقال في وجه الذكر في الثانية والترك في الأولى أنه لما قيل قبيل هذا {وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} [الأنعام: 80] كان (ما) هنا كالتكرار له فناسب الاختصار وأنه عليه السلام حذفه إشارة إلى بعد وحدانيته تعالى عن الشرك فلا ينبغي عنده نسبته إلى الله تعالى ولا ذكر معه.
ولما ذكر حال المشركين الذين لا ينزهونه سبحانه عن ذلك صرح به، وقيل: إن ذكر الاسم الجليل في الجملة الثانية ليعود إليه الضمير في {مَا لَمْ يُنَزّلْ} وليس بشيء لأنه يكفي سبق ذكره في الجملة، وقيل: لأن المقصود إنكاره عليه السلام عدم خوفهم من إشراكهم بالله تعالى لأنه المنكر المستبعد عند العقل السليم لا مطلق الإنكار ولا كذلك في الجملة الأولى فإن المقصود فيها إنكار أن يخاف عليه السلام غير الله تعالى سواء كان مما يشركه الكفار أو لا؛ وليس بشيء أيضًا لأن الجملة الثانية ليست داخلة مع الأولى في حكم الإنكار إلا عند مدعي العطف وهو مما لا سبيل إليه أصلًا لإفضائه إلى فساد المعنى قطعًا لما تقدم أن الإنكار بمعنى النفي بالكلية فيؤول المعنى إلى نفي الخوف عنه عليه السلام ونفي نفيه عنهم وإنه بين الفساد، وأيضًا إن {مَا أَشْرَكْتُمْ} كيف يدل على ما سوى الله تعالى غير الشريك؟ إن هذا إلا شيء عجاب ثم إن الآية نص في أن الشرك مما لم ينزل به سلطان.
وهل يمتنع عقلًا حصول السلطان في ذلك أم لا؟ ظاهر كلام بعضهم.
وفي أصول الفقه ما يؤيده في الجملة الثاني والذي اختاره الأول، وقول الإمام: إنه لا يمتنع عقلًا أن يؤمر باتخاذ تلك التماثيل والصور قبلة للدعاء ليس من محل الخلاف كما لا يخفى على الناظر فانظر.
{فَأَىُّ الفريقين أَحَقُّ بالامن} كلام مرتب على إنكار خوفه عليه السلام في محل الأمن مع تحقق عدم خوفهم في محل الخوف مسوق لإلجائهم إلى الاعتراف باستحقاقه عليه السلام لما هو عليه من الأمن وبعدم استحقاقهم لما هم عليه، وبهذا يعلم ما في دعوى أن الانكار في الجملة الأولى لنفي الوقوع وفي الثانية لاستبعاد الواقع، وإنما جيء بصيغة التفضيل المشعرة باستحقاقهم له في الجملة لاستنزالهم عن رتبة المكابرة والاعتساف بسوق الكلام على سنن الانصاف، والمراد بالفريقين الفريق الآمن في محل الأمن والآمن في محل الخوف، فإيثار ما في النظم الكريم كما قيل على أن يقال: فأينا أحق بالأمن أنا أم أنتم؟ لتأكيد الإلجاء إلى الجواب (الحق) بالتنبيه على علة الحكم والتفادي عن التصريح بتخطئتهم التي ربا تدعو إلى اللجاج والعناد مع الإشارة بمافي النظم إلى أن أحقية الأمن لا تخصه عليه السلام بل تشمل كل موحد ترغيبًا لهم في التوحيد.
{إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي من هو أحق بذلك أو شيء من الأشياء أو إن كنتم من أولي العلم فأخبروني بذلك.
وقرئ {سلطانا} بضم اللام، وهي لغة اتبع فيها الضم الضم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ} عطفت جملة {وكيف أخاف} على جملة: {ولا أخاف ما تشركون به} [الأنعام: 80] ليبيّن لهم أنّ عدم خوفه من آلهتهم أقلّ عجبًا من عدم خوفهم من الله تعالى، وهذا يؤذن بأنّ قومه كانوا يعرفون الله وأنَّهم أشركوا معه في الإلهية غيره فلذلك احتجّ عليهم بأنّهم أشركوا بربّهم المعتَرف به دون أن يُنَزّل عليهم سلطانًا بذلك.
و{كيف} استفهام إنكاري، لأنَّهم دعَوه إلى أن يخاف بأس الآلهة فأنكر هو عليهم ذلك وقلب عليهم الحجَّة، فأنكر عليهم أنَّهم لم يخافوا الله حين أشركوا به غيره بدون دليل نصبه لهم فجَمَعَت {كيف} الإنكارَ على الأمرين.
قالوا وفي قوله: {ولا تخافون أنَّكم أشركتم} يجوز أن تكون عاطفة على جملة: {أخاف ما أشركتم} فيدخل كلتاهما في حكم الإنكار، فخوفُه من آلهتهم مُنكر، وعدم خوفهم من الله منكر.
ويجوز أن تكون الواو للحال فيكون محلّ الإنكار هو دعوتَهم إيّاه إلى الخوف من آلهتهم في حال إعراضهم عن الخوف ممَّن هو أعظم سلطانًا وأشدّ بطشًا، فتفيد (كيف) مع الإنكار معنى التعجيب على نحو قوله تعالى: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم} [البقرة: 44].
ولا يقتضي ذلك أنّ تخويفهم إيَّاه من أصنامهم لا ينكَر عليهم إلاّ في حال إعراضهم عن الخوف من الله لأنّ المقصود على هذا إنكار تحميق ومقابلة حال بحال، لا بيان ما هو منكر وما ليس بمنكر، بقرينة قوله في آخره {فأي الفريقين أحقّ بالأمن}.
وهذا الوجه أبلغ.
و{ومَا أشركتُم} موصولة والعائد محذوف، أي ما أشركتُم به.
حذف لدلالة قوله: {ولا أخاف ما تشركون به} [الأنعام:] عليه، والموصول في محلّ المفعول (به)، ل {ما أشركتم}.
وفي قوله: {أنَّكم أشركتم} حُذفت (من) المتعلِّقة بـ {تخافون} لاطِّراد حذف الجارّ مع (أنّ)، أي من إشراككم، ولم يقل: ولا تخافون الله، لأنّ القوم كانوا يعرفون الله ويخافونه ولكنَّهم لم يخافوا الإشراك به.
{وما لم ينزّل به عليكم سلطانًا} موصول مع صلته مفعول {أنَّكم أشركتم}.
ومعنى {لم يُنزّل به عليكم} لم يخبركم بإلهية الأصنام التي عبدتموها ولم يأمركم بعبادتها خبَرًا تعلمون أنَّه من عنده فلذلك استعار لذلك الخبر التنزيل تشبيهًا لعظم قدره بالرفعة، ولبلوغه إلى من هم دون المخبِر، بنزول الشيء العالي إلى أسفلَ منه.
والسلطان: الحجّة لأنَّها تتسلَّط على نفس المخاصم، أي لم يأتكم خبر منه تجعلونه حجَّة على صحَّة عبادتكم الأصنام.
والفاء في قوله: {فأي الفريقين} تفريع على الإنكار، والتعجيب فَرع عليهما استفهامًا ملجئًا إلى الاعتراف بأنَّهم أوْلى بالخوف من الله من إبراهيم من آلهتهم.
والاستفهام بـ {أيّ} للتقرير بأنّ فريقه هو وحده أحقّ بالأمن.
والفريق: الطائفة الكثيرة من النّاس المتميِّزة عن غيرها بشيء يجمعها من نسب أو مكان أو غيرهما، مشتقّ من فَرَق إذا ميّز.
والفِرْقَة أقلّ من الفريق، وأراد بالفريقين هنا قومه ونفسه، فأطلق على نفسه الفريق تغليبًا، أو أراد نفسه ومن تبعه إن كان له أتباع ساعتئذٍ، قال تعالى: {فآمن له لوط} [العنكبوت: 26]، أو أراد من سيوجد من أتباع ملَّته، كما يناسب قوله: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: 82].
والتعريف في {الأمن} للجنس، وهو ضدّ الخوف، وجملة {إن كنتم تعلمون} مستأنفة ابتدائية، وجواب شرطها محذوف دلّ عليه الاستفهام، تقديره: فأجيبوني، وفيه استحثاث على الجواب. اهـ.