فصل: سؤال: ما الحكمة من تحريم الميتة؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.فائدة: في قوله: {وما أهل به لغير الله}:

قوله: {وما أهل به لغير الله} قدم {به} في هذه السورة وأخرها في المائدة والأنعام 145 والنحل 115.
لأن تقديم الباء الأصل فإنها تجري مجرى الهمزة والتشديد في التعدي فكانت كحرف من الفعل فكان الموضع الأول أولى بما هو الأصل ليعلم ما يقتضيه اللفظ ثم قدم فيما سواها ما هو المستنكر وهو الذبح لغير الله وتقديم ما هو الغرض أولى ولهذا جاز تقديم المفعول على الفاعل والحال على ذي الحال والظرف على العامل فيه إذا كان ذلك أكثر للغرض في الإخبار. اهـ.

.قال البغوى:

والميتة كل ما لم تدرك ذكاته مما يذبح. اهـ.

.فائدة في الذبيحة لغير الله تعالى:

قال العلماء: لو أن مسلمًا ذبح ذبيحة، وقصد بذبحها التقرب إلى غير الله صار مرتدًا وذبيحته ذبيحة مرتد، وهذا الحكم في غير ذبائح أهل الكتاب، أما ذبائح أهل الكتاب، فتحل لنا لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ} [المائدة: 5]. اهـ.

.سؤال: ما الحكمة من تحريم الميتة؟

الجواب كما ذكره الشيخ الطاهر بن عاشور:
اعلم أن حكمة تحريم الميتة فيما أرى هي أن الحيوان لا يموت غالبًا إلاّ وقد أصيب بعلة والعلل مختلفة وهي تترك في لحم الحيوان أجزاء منها فإذا أكلها الإنسان قد يخالط جزءًا من دمه جراثيم الأمراض، مع أن الدم الذي في الحيوان إذا وقفت دورته غلبت فيه الأجزاء الضارة على الأجزاء النافعة، ولذلك شرعت الذكاة لأن المذكى مات من غير علة غالبًا ولأن إراقة الدم الذي فيه تجعل لحمه نقيًا مما يخشى منه أضرار.
ومن أجل هذا قال مالك في الجنين: إن ذكاته ذكاة أمه؛ لأنه لاتصاله بأجزاء أمه صار استفراغ دم أمه استفراغًا لدمه ولذلك يموت بموتها فسلم من عاهة الميتة وهو مدلول الحديث الصحيح «ذكاة الجنين ذكاة أمه» وبه أخذ الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يؤكل الجنين إذا خرج ميتًا فاعتبر أنه ميتة لم يذكَّ، وتناول الحديث بما هو معلوم في الأصول، ولكن القياس الذي ذكرناه في تأييد مذهب مالك لا يقبل تأويلًا. اهـ.

.فائدة في قوله تعالى: {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}:

34- قوله في هذه السورة: {فلا إثم عليه} 173 وفي السور الثلاث بحذفها لأنه لما قال في الموضع الأول {فلا إثم عليه} صريحا كان نفي الإثم في غيره تضمينا لأن قوله: {غفور رحيم} يدل على أنه لا إثم عليه.
35- قوله: {إن الله غفور رحيم} في هذه السورة خلاف سورة الأنعام فإن فيها {فإن ربك غفور رحيم} لأن لفظ الرب تكرر في الأنعام مرات ولأن في الأنعام قوله: {وهو الذي أنشأ جنات معروشات} 141 الآية.
وفيها ذكر الحبوب والثمار وأتبعها بذكر الحيوان من الضأن والمعز والإبل وبها تربية الأجسام فكان ذكر الرب فيها أليق. اهـ.

.فوائد ونفائس ومسائل للفخر:

قال الفخر:

.الفصل الثاني في تحريم الدم:

وفيه مسألتان:

.المسألة الأولى: تحريم الدم:

الشافعي رضي الله عنه حرم جميع الدماء سواء كان مسفوحًا أو غير مسفوح وقال أبو حنيفة: دم السمك ليس بمحرم، أما الشافعي فإنه تمسك بظاهر هذه الآية، وهو قوله: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ} وهذا دم فوجب أن يحرم، وأبو حنيفة تمسك بقوله تعالى: {قُل لا أَجِدُ في مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [الأنعام: 145] فصرح بأنه لم يجد شيئًا من المحرمات إلا هذه الأمور، فالدم الذي لا يكون مسفوحًا وجب أن لا يكون محرمًا بمقتضى هذه الآية فإذن هذه الآية خاصة وقوله: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم} عام والخاص مقدم على العام، أجاب الشافعي رضي الله عنه بأن قوله: {قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} ليس فيه دلالة على تحليل غير هذه الأشياء المذكورة في هذه الآية، بل على أنه تعالى ما بين له إلا تحريم هذه الأشياء، وهذا لا ينافي أن يبين له بعد ذلك تحريم ما عداها، فلعل قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة} نزلت بعد ذلك، فكان ذلك بيانًا لتحريم الدم سواء كان مسفوحًا أو غير مسفوح، إذا ثبت هذا وجب الحكم بحرمة جيمع الدماء ونجاستها فتجب إزالة الدم عن اللحم ما أمكن، وكذا في السمك، وأي دم وقع في الماء والثوب فإنه ينجس ذلك المورود.
.....

.الفصل الثالث: في الخنزير:

وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: تحريم الخنزير:

أجمعت الأمة على أن الخنزير بجميع أجزائه محرم، وإنما ذكر الله تعالى لحمه لأن معظم الإنتفاع متعلق به، وهو كقوله: {إِذَا نُودِيَ للصلاة مِن يَوْمِ الجمعة فاسعوا إلى ذِكْرِ الله وذروا البيع} [الجمعه: 9] فخص البيع بالنهي لما كان هو أعظم المهمات عندهم، أما شعر الخنزير فغير داخل في الظاهر وإن أجمعوا على تحريمة وتنجيسه، واختلفوا في أنه هل يجوز الانتفاع به للخرز، فقال أبو حنيفة ومحمد: يجوز، وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز، وقال أبو يوسف: أكره الخرز به، وروي عنه الإباحة، حجة أبي حنيفة ومحمد أنا نرى المسلمين يقرون الأساكفة على استعماله من غير نكير ظهر منهم، ولأن الحاجة ماسة إليه، وإذا قال الشافعي في دم البراغيث، أنه لا ينجس الثوب لمشقة الإحتراز فهلا جاز مثله في شعر الخنزير إذا خرز به؟

.المسألة الثانية: اختلفوا في خنزير الماء:

قال ابن أبي ليلى ومالك والشافعي والأوزاعي: لا بأس بأكل شيء يكون في البحر، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يؤكل، حجة الشافعي قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] وحجة أبي حنيفة أن هذا خنزيرفيحرم لقوله تعالى: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمُ الخنزير} [المائدة: 3] وقال الشافعي: الخنزير إذا أطلق فإنه يتبادر إلى الفهم خنزير البر لا خنزير البحر، كما أن اللحم إذا أطلق يتبادر إلى الفهم لحم غير السمك لا لحم السمك بالاتفاق ولأن خنزير الماء لا يسمى خنزيرًا على الإطلاق بل يسمى خنزير الماء.

.المسألة الثالثة: ولوغ الخنزير في الإناء:

للشافعي رضي الله عنه قولان: في أنه هل يغسل الإناء من ولغ الخنزير سبعًا؟ أحدها: نعم تشبيها له بالكلب والثاني: لا لأن ذلك التشديد إنما كان فطما لهم عن مخالطة الكلاب وهم ما كانوا يخالطون الخنزير فظهر الفرق.

.الفصل الرابع: في تحريم ما أهل به لغير الله:

من الناس من زعم أن المراد بذلك ذبائح عبدة الأوثان الذين كانوا يذبحون لأوثانهم، كقوله تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب} [المائدة: 3] وأجازوا ذبيحة النصراني إذا سمى عليها باسم المسيح، وهو مذهب عطاء ومكحول والحسن والشعبي وسعيد بن المسيب، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه لا يحل ذلك والحجة فيه أنهم إذا ذبحوا على اسم المسيح فقد أهلوا به لغير الله، فوجب أن يحرم وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إذا سمعتم اليهود والنصارى يهلون لغير الله فقلا تأكلوا وإذا لم تسمعوهم فكلوا فإن الله تعالى قد أحل ذبائحهم، وهو يعلم ما يقولون، واحتج المخالف بوجوه الأول: إنه تعالى قال: {وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ} [المائدة: 5] وهذا عام، الثاني: أنه تعالى قال: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب} فدل على أن المراد بقوله: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله} هو المراد بقوله: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب} الثالث: أن النصراني إذا سمى الله تعالى وإنما يريد به المسيح فإذا كانت إرادته لذلك لم تمنع حل ذبيحته مع أنه يهل به لغير الله فكذلك ينبغي أن يكون حكمه إذا أظهر ما يضمره عند ذكر الله وإرادته المسيح.
والجواب عن الأول: أن قوله: {وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ} عام وقوله: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله} خاص والخاص مقدم على العام وعن الثاني: أن قوله: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب} لا يقتضي تخصيص قوله: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله} لأنهما آيتان متباينتان ولا مساواة بينهما وعن الثالث: أنا إنما كلفنا بالظاهر لا بالباطن، فإذا ذبحه على اسم الله وجب أن يحل، ولا سبيل لنا إلى الباطن.

.الفصل الخامس: القائلون بأن كلمة {إِنَّمَا} للحصر:

اتفقوا على أن ظاهر الآية يقتضي أن لا يحرم سوى هذه الأشياء لكنا نعلم أن في الشرع أشياء أخر سواها من المحرمات فتصير كلمة {إِنَّمَا} متروكة الظاهر في العمل ومن قال إنها لا تفيد الحصر فالإشكال زائل.

.الفصل السادس: في المضطر:

وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: أكل المضطر لما حرم الله تعالى:

قال الشافعي رضي الله عنه: قوله تعالى: {فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} معناه أن من كان مضطرًا ولا يكون موصوفًا بصفة البغي، ولا بصفة العدوان ألبتة فأكل، فلا إثم عليه وقال أبو حنيفة معناه فمن اضطر فأكل غير باغ ولا عاد في الأكل فلا إثم عليه فخصص صفة البغي والعدوان بالأكل ويتفرع على هذا الاختلاف أن العاصي بسفره هل يترخص أم لا؟ فقال الشافعي رضي الله عنه لا يترخص لأنه موصوف بالعدوان فلا يندرج تحت الآية وقال أبو حنيفة بل يترخص لأنه مضطر غير باغ ولا عاد في الأكل فيندرج تحت الآية، واحتج الشافعي على قوله بهذه الآية وبالمعقول، أما الآية فهي أنه سبحانه وتعالى حرم هذه الأشياء على الكل بقوله: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم} [المائدة: 3] ثم أباحها للمضطر الذي يكون موصوفًا بإنه غير باغ ولا عاد، والعاصي بسفره غير موصوف بهذه الصفة لأن قولنا: فلان ليس بمتعد نقيض لقولنا: فلان متعد ويكفي في صدقة كونه متعديًا في أمر ما من الأمور سواء كان في السفر، أو في الأكل، أو في غيرهما، وإذا كان اسم المتعدي يصدق بكونه متعديًا في أمر ما أي أمر كان وجب أن يكون قولنا: فلان غير معتدلا يصدق إلا إذا لم يكن متعديًا في شيء من الأشياء ألبتة، فاذن قولنا: غير باغ ولا عاد لا يصدق إلا إذا انتفى عنه صفة التعدي من جميع الوجوه، والعاصي بسفره متعد بسفره، فلا يصدق عليه كونه غير عاد، وإذا لم يصدق عليه ذلك وجب بقاؤه تحت الآية وهو قوله: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم} أقصى ما في الباب أن يقال: هذا يشكل بالعاصي في سفره، فإنه يترخص مع أنه موصوف بالعدوان لكنا نقول: إنه عام دخله التخصيص في هذه الصورة، والفرق بين الصورتين أن الرخصة إعانة على السفر فإذا كان السفر معصية كانت الرخصة إعانة على المعصية، أما إذا لم يكن السفر في نفسه معصية لم تكن الإعانة عليه إعانة على المعصية فظهر الفرق، واعلم أن القاضي وأبا بكر الرازي نقلًا عن الشافعي أنه قال في تفسير قوله: {غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} أي باغ على إمام المسلمين، ولا عاد بأن لا يكون سفره في معصية، ثم قالا.
تفسير الآية غير باغ ولا عاد في الأكل أولى مما ذكره الشافعي رضي الله عنه، وذلك لأن قوله: {غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} شرط والشرط بمنزلة الاستثناء في أنه لا يستقل بنفسه فلابد من تعلقه بمذكور وقد علمنا أنه لا مذكور إلا الأكل لأنا بينا أن معنى الآية فمن اضطر فأكل غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه وإذا كان كذلك وجب أن يكون متعلقًا بالأكل الذي هو في حكم المذكور دون السفر الذي هو ألبتة غير مذكور.
واعلم أن هذا الكلام ضعيف، وذلك لأنا بينا أن قوله: {غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} لا يصدق إلا إذا انتفى عنه البغي والعدوان في كل الأمور، فيدخل فيه نفي العدوان بالسفر ضمنا، ولا نقول: اللفظ يدل على التعيين وأما تخصيصه بالأكل فهو تخصيص من غير ضرورة، فكان على خلاف الأصل، ثم الذي يدل على أنه لا يجوز صرفه إلى الأكل وجوه أحدها: أن قوله: {غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} حال من الاضطرار، فلابد وأن يكون وصف الاضطرار باقيا مع بقاء كونه غير باغ ولا عاد فلو كان المراد بكونه غير باغ ولا عاد كونه كذلك في الأكل لاستحال أن يبقى وصف الاضطرار معه لأن حال الأكل لا يبق وصف الاضطرار وثانيها: أن الإنسان ينفر بطبعه عن تناول الميتة والدم، وما كان كذلك لم يكن هناك حاجة إلى النهي عنه فصرف هذا الشرط إلى التعدي في الأكل يخرج الكلام عن الفائدة وثالثها: أن كونه غير باغ ولا عاد يفيد نفي ماهية البغي ونفي ماهية العدوان، وهذه الماهية إنما تنتفي عند انتفاء جميع أفرادها والعدوان في الأكل أحد أفراد هذه الماهية وكذا العدوان في السفر فرد آخر من أفرادها فاذن نفي العدوان يقتضي نفي العدوان من جميع هذه الجهات فكان تخصيصه بالأكل غير جائز، وأما الشافعي رضي الله عنه فإنه لا يخصصه بنفي العدوان في السفر بل يحمله على ظاهره، وهو نفي العدوان من جميع الوجوه، ويستلزم نفي العدوان في السفر وحينئذ يتحقق مقصوده ورابعها: أن الاحتمال الذي ذكرناه متأيد بآية أخرى وهي قوله تعالى: {فَمَنِ اضطر في مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} [المائدة: 3] وهو الذي قلناه من أن الآية تقتضي أن لا يكون موصوفًا بالبغي والعدوان في أمر من الأمور، واحتج أبو حنيفة رضي الله عنه بوجوه أحدها: قوله تعالى في آية أخرى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضطررتم إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وهذا الشخص مضطر فوجب أن يترخص.
وثانيها: قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] وقال: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة} [البقرة: 195] والامتناع من الأكل سعى في قتل النفس وإلقاء النفس في التهلكة، فوجب أن يحرم.
وثالثها: روي أنه عليه السلام رخص للمقيم يومًا وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها ولم يفرق فيه بين العاصي والمطيع.
ورابعها: أن العاصي بسفره إذا كان نائمًا فأشرف على غرق أو حرق يجب على الحاضر الذي يكون في الصلاة أن يقطع صلاته لإنجائه من الغرق أو الحرق فلأن يجب عليه في هذه الصورة أن يسعى في إنقاذ المهجة أولى.
وخامسها: أن يدفع أسباب الهلاك، كالفيل، والجمل الصؤل، والحية، والعقرب، بل يجب عليه، فكذا ههنا.
وسادسها: أن العاصي بسفره إذا اضطر فلو أباح له رجل شيئا من ماله فإنه يحل له ذلك بل يجب عليه فكذا هاهنا والجامع دفع الضرر عن النفس.
وسابعها: أن المؤنة في دفع ضرر الناس أعظم في الوجوب من كل ما يدفع المرء من المضار عن نفسه، فكذلك يدفع ضررالهلاك عن نفسه بهذا الأكل وإن كان عاصيًا، وثامنها: أن الضرورة تبيح تناول طعام الغير من دون الرضا بل على سبيل القهر، وهذا التناول محرم لولا الاضطرار فكذا هاهنا أجاب الشافعي عن التمسك بالعمومات بأن دليلنا النافي للترخص أخص من دلائلهم المرخصة والخاص مقدم على العام، وعن الوجوه القياسية بأنه يمكنه الوصول إلى استباحة هذه الرخص بالتوبة وإذا لم يتب فهو الجاني على نفسه، ثم عارض هذه الوجوه بوجه قوي وهو أن الرخصة إعانة على السفر فإذا كان السفر معصية كانت الرخصة إعانة على المعصية وذلك محال لأن المعصية ممنوع منها والإعانة سعي في تحصيلها والجمع بينهما متناقص والله أعلم.