فصل: فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشريف الرضي:

ومن السورة التي يذكر فيها {إذا الشمس كورت}:

.[التكوير (81): الآيات 8- 9]

{وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قتلت (9)}.
قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قتلت} [8، 9] وهذه استعارة.
والمراد- واللّه أعلم- أنها سئلت لا لاستخراج الجواب منها، ولكن لاستخراج الجواب من قاتلها. ويكون ذلك على جهة التوبيخ للقاتل إذ قتل من لا يعرب عن نفسه، ولم يذنب ذنبا يؤخذ بجريرته. وقيل معنى سئلت أي طلب بدمها، كما يقول القائل: سألت فلانا حقى عليه. أي طالبته به. وإنما سميت موءودة للثّقل الذي يلقى عليها من التراب. وتقول: آدنى هذا الأمر.
أي أثقلنى. ومنه قوله تعالى: {وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} أي لا يثقله ذلك، كما يثقل أحدنا في الشاهد حفظ المتشعبات، وضبط المنتشرات.

.[التكوير (81): الآيات 15- 16]

{فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الجوار الْكُنَّسِ (16)}.
وقوله سبحانه: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الجوار الْكُنَّسِ} [15، 16] وهاتان استعارتان. فهما جميعا في صفة النجوم. فأما الخنّس فالمراد بها التي تخنس نهارا، وتطلع ليلا. والخنّس جمع خانس وهو الذي يقبع ويستسرّ، ويخفى ويستتر. وأما الكنّس فجمع كانس، وهو أيضا المتوارى المستخفى، مشبّها بانضمام الوحشية إلى كناسها، وهو الموضع الذي تأوى إليه من ظلال شجر. وألفاف خمر. وجمعه كنّس.
فشبه سبحانه انقباء النجوم في بروجها، بتوارى الوحوش في كنسها.

.[التكوير (81): آية 18]

{وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (18)}.
وقوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ} [18] وهذه من الاستعارات العجيبة.
والتنفس هاهنا عبارة عن خروج ضوء الصبح من عموم غسق الليل. فكأنه متنفّس من كرب، أو متروّح من همّ، ومن ذلك قولهم: قد نفّس عن فلان الخناق. أي انجلى كربه، وانفسح قلبه. وقد يجوز أن يكون معنى إِذا تَنَفَّسَ أي إذا انشق وانصدع.
من قولهم: تنفّس الإناء إذا انشق، وتنفست القوس إذا انصدعت. وهذا التأويل يخرج اللفظ من باب الاستعارة. وقد استقصينا الكلام على هذا المعنى، في كتابنا الكبير، عند موضع اقتضى ذكره. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة التكوير:
بدأت سورة التكوير باثنى عشر حدثا تلابس قيام الساعة، وعودة الناس إلى ربهم للحساب الكبير 1- {إذا الشمس كورت}. توقف إشعاعها وساد الظلام.
2- {وإذا النجوم انكدرت} تساقطت واختل نظامها.
3- {وإذا الجبال سيرت}. نسفت وتفتت.
4- {وإذا العشار عطلت}. جفت السحب وامتنع المطر.
5- {وإذا الوحوش حشرت}. تلاقت من مقارها البعيدة.
6- {وإذا البحار سجرت}. فاضت على شواطئها وطاردت الحيوان والإنسان.
7- {وإذا النفوس زوجت} عادت الأرواح إلى الأبدان بعدما فارقتها أمدا..
8- {وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت} هذا بدء المؤاخذة على الجرائم التي اقترفها الناس.
9- {وإذا الصحف نشرت} كل إنسان يتقدم بكتاب أعماله.
10- {وإذا السماء كشطت} امحت معالمها.
11- {وإذا الجحيم سعرت} لاستقبال المجرمين.
12- {وإذا الجنة أزلفت}. قربت بنعيمها من الصالحين.
{علمت نفس ما أحضرت}. إن هذه الآيات لخصت ما وقع قبل قيام الساعة وتوزع الناس على مصايرهم!! وقد علمنا أن الأرض صغرى بنات الشمس، وأن الشمس وأسرتها شئ ضئيل في العالم الضخم، ومع ذلك فإن الأرض ضمت الجنس الذي يستغفر حملة العرش لأخطائه! إنه جنس غلفته النعم الإلهية، ومع ذلك فصلته بالله مضطربة وكنوده له شديد. وفى هذه السورة يقسم الله بالكواكب المسخرة بأمره على أن القرآن حق وأن محمدا أرسل به هداية للناس ورحمة من الله {فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس إنه لقول رسول كريم}. إنه قسم بعظمة الكون على عظمة الوحى، فكلاهما دليل على الله. هذه آية صامتة، وتلك آية ناطقة. والقرآن هو الكتاب الوحيد الذي تتلوه فتشعر بعمق الصلة بين الأرض وسائر الفلك، وبينها جميعا وبين الخالق الكبير. وقد ذكرت الآيات جبريل- روح القدس- فبينت أنه ملك مقرب له عند الله مكانة العبد الأمين {ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين}. وأنه حمل الوحى إلى محمد الذي تلقاه وبلغه، واصطبغ بروحه وتخلق بأخلاقه، وجاهد به الزائفين والجاحدين، وأقام به دولة ضمت المشارق والمغارب. وسورة التكوير من أوائل ما نزل، ومع ذلك فقد قررت عالمية الرسالة، وأن العصابة التي تتنكر لها في مكة عائق محقور {فأين تذهبون إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم}. على العبد أن يضع البذور الصالحة وسينضج الله له ما بذر وما زرع أحد تفاحا فأخرج الله له بصلا!! ما يجنى أحد إلا ما غرس. اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة التكوير:
أقول: لما ذكر في عبس: {فإِذا جاءت الصاخة يوم يفِرُ المرءُ مِن أَخيه} ذكر يوم القيامة كأنه رأى عين وفي الحديث: «من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى عين فليقرأ: {إِذا الشمسُ كورت} و{إِذا السماءُ انفطرت} و{إِذا السماءُ انشَقَت}». اهـ.

.تفسير الآيات (1- 9):

قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كورت (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكدرت (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سيرت (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عطلت (4) وَإِذَا الوحوش حشرت (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سجرت (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زوجت (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قتلت (9)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
(بسم الله) الواحد القهار (الرحمن) الذي عمت نعمة إيجاده وبيانه الأبرار والفجار (الرحيم) الذي خص أهل وداده بما أسعدهم في دار القرار.
لما ختمت سورة عبس بوعيد الكفرة الفجرة بيوم الصاخة لجحودهم بما لهذا القرآن من التذكرة، ابتدئت هذه بإتمام ذلك، فصور ذلك اليوم بما يكون فيه من الأمور الهائلة من عالم الملك والملكوت حتى كأنه رأى عين كما رواه الإمام أحمد والترمذي والطبراني وغيرهم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم برجال ثقات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب أن ينظر إلى يوم القيامة رأي العين فليقرأ {إذا الشمس كورت} [التكوير: 1]» فقال بادئاً بعالم الملك والشهادة لأنه أقرب تصوراً لما يغلب على الإنسان من الوقوف مع المحسوسات، معلماً بأنه سيخرب تزهيداً في كل ما يجر إليه وحثاً على عدم المبالاة والابتعاد من التعلق بشيء من أسبابه: {إذا الشمس} أي التي هي أعظم آيات السماء الظاهرة وأوضحها للحس.
ولما كان المهول مطلق تكويرها الدال على عظمة مكورها، بني للمفعول على طريقة كلام القادرين قوله: {كورت} أي لفت بأيسر أمر من غير كلفة ما أصلاً، فأدخلت في العرش- كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما فذهب ما كان ينبسط من نورها، من كورت العمامة- إذا لففتها فكان بعضها على بعض وانطمس بعضها ببعض، والثوب- إذا جمعته فرفعته، فالتكوير كناية عن رفعها أو إلقائها في جهنم زيادة في عذاب أهلها ولاسيما عبدتها، أو ألقيت عن فلكها، من طعنه فكوره أي ألقاه مجتمعاً، والتركيب للإدارة والجمع والرفع للشمس، فعل دل عليه {كورت} لأن {إذا} تطلب الفعل لما فيها من معنى الشرط، ولما كان التأثير في الأعظم دالاًّ على التأثير فيما دونه بطريق الأولى، أتبع ذلك قوله معمماً بعد التخصيص: {وإذا النجوم} أي كلها صغارها وكبارها {انكدرت} أي انقضّت فتهاوت وتساقطت وتناثرت حتى كان ذلك كأنه بأنفسها من غير فعل فاعل في غاية الإسراع، أو أظلمت، من كدرت الماء فانكدر، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة- في البحر ثم يبعث عليها ريحاً دبوراً فتضرمها فتصير ناراً، وقال الكلبي وعطاء: تمطر السماء يومئذ نجوماً، لا يبقى نجم إلاّ وقع.
ولما بدأ بأعلام السماء لأنها أشهر وأعم تخويفاً وإرهاباً، وذكر منها اثنين هما أشهر ما فيها وأعمها نفعاً، أتبعها أعلام الأرض فقال مكرراً للظرف لمزيد الاعتناء بالتهويل: {وإذا الجبال} أي التي هي في العالم السفلي كالنجوم في العالم العلوي، وهي أصلب ما في الأرض، ودل على عظمة القدرة بالبناء للمفعول فقال: {سيرت} أي وقع تسييرها بوجه الأرض فصارت كأنها السحاب في السير والهباء في النثر لتستوي الأرض فتكون قاعاً صفصفاً لا عوج فيها، لأن ذلك اليوم لا يقبل العوج في شيء من الأشياء بوجه.
ولما ذكر أعلام الجماد، أتبعه أعلام الحيوان النافع الذي هو أعز أموال العرب وأغلبها على وجه دل على عظم الهول فقال: {وإذا العشار} أي النوق التي أتى على حملها عشرة أشهر، جمع عشراء مثل نفساء، وهي أحب أموال العرب إليهم وأنفسها عندهم لأنها تجمع اللحم والظهر واللبن والوبر، روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر في أصحابه بعشار من النوق حفّل، فأعرض عنها وغض بصره فقيل له: يا رسول الله! هذا أنفس أموالنا، لم لا تنظر إليها؟ فقال: قد نهاني الله عن ذلك، ثم تلا {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا} [طه: 131] الآية» ولا يزال ذلك اسمها حتى تضع لتمام السنة {عطلت} أي تركت مهملة كأنه لا صاحب لها مع أنها أنفس أموالهم، فكانت إذا بلغت ذلك أحسنت إليها وأعزتها واشتد إقبالها عليها: وقالت: جاء خيرها من ولد ولبن، لأن الأمر، لاشتغال كل أحد بنفسه، أهول من أن يلتفت أحد إلى شيء وإن عز.
ولما ذكر المقرعات الدالات على إرادة أمر عظيم، قرب ذلك الأمر بإفهام أنه الحشر، ودل على عمومه بذكر ما يظن إهماله فقال: {وإذا الوحوش} أي دواب البر التي لا تأنس بأحد التي يظن أنه لا عبرة بها ولا التفات إليها فما ظنك بغيرها {حشرت} أي بعثت وجمعت من كل أوب قهراً لإرادة العرض على الملك الأعظم والفصل فيما بينها في أنفسها حتى يقتص للجماء من القرناء وبينها وبين غيرها أيضاً حتى يسأل العصفور قاتله، لم قتله؟ قال قتادة: يحشر كل شيء للقصاص حتى الذباب- انتهى.
ولا يستوحش الوحش من الناس ولا الناس من الوحوش من شدة الأهوال، وذلك أهول وأفزع وأخوف وأفظع، قال القشيري: ولا يبعد أن يكون ذلك بإيصال منافع إليها جوازاً لا وجوباً كما قاله أهل البدع- انتهى.
وكل شيء في الدنيا يحضر في تلك الدار، فإذا وقع الفصل جعل الخبيث في جهنم زيادة في عذاب أهلها، والطيب في الجنة زيادة في نعيم أهلها.
ولما أفهم هذا الحشر، ذكر ما يدل على ما ينال أهل الموقف من الشدائد من شدة الحر فقال: {وإذا البحار} أي على كثرتها {سجرت} أي فجر بعضها إلى بعض حتى صارت بحراً واحدًّا وملئت حتى كان ما فيها أكثر منها وأحمئت حتى كان كالتنور التهاباً وتسعراً فكانت شراباً لأهل النار وعذاباً عليهم، ولا يكون هذا إلا وقد حصل من الحر ما يذيب الأكباد.
ولما ذكر من الآيات العلوية من عالم الملك اثنين ومن السفلية أربعة، فافهم جميع الخلق أن الأمر في غاية الخطر فتشوفت النفوس إلى ما يفعل، قال ذاكراً لما أراد من عالم الغيب والملكوت، وهو أمور ستة على عدد ما مضى من عالم الملك والشهادة ترغيباً في الأعمال الصالحة والقرناء الصالحين لئلا يزوج بما يسوءه وابتدأ بما يناسب تكوير الشمس: {وإذا النفوس} أي من كل ذي نفس من الناس وغيرهم {زوجت} أي قرنت بأبدانها وجمع كل من الخلق إلى ما كانت نفسه تألفه وتنزع إليه، فكانوا أصنافاً كما قال تعالى: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله} [الصافات: 22، 23] والتفاف الأزواج كالتفاف الشمس حتى يذهب نورها.
ولما صرح الأمر فكانت القلوب أحر من الجمر، ذكر ما هو المقصود الأعظم وهو السؤال على وجه يفهم العموم فقال: {وإذا الموءودة} أي ما دفن من الأولاد حياً بعد الولادة أو حصل تسبب في قتله قبل الولادة بدواء ونحوه، سميت موءودة لما يوضع عليها من التراب فيثقلها فيقتلها (وأداً) مقلوب (آداً) إذا أثقل، وإلقاؤها في البئر المحفور لها قريب من انكدار النجوم وتساقطها.
ولما كان هذا أهون القتل عندهم وكانوا يظنون أنه مما لا عبرة به، بين أنه معتنىً به وأنه لابد من بعثها وجعلها بحيث تعقل وتجيب وإن كان نفخ الروح فيها في زمن يسير فقال: {سئلت} أي وقع سؤالها عما يليق أن تسأل عنه، ثم قيل على طريق الاستئناف تخويفاً للوالدين: {بأي} أي بسبب أيّ {ذنب} يا أيها الجاهلون {قتلت} أي استحقت به عندكم القتل وهي لم تباشر سوءاً لكونها لم تصل إلى حد التكليف، فما ظنك بمن هو فوقها وبمن هو جان، وسؤالها هو على وجه التبكيت لقاتلها، فإن العرب كانت تدفن البنات أحياء مخافة الإملاق أو لحوق العار بهن، ويقولون: نردها إلى الله هو أولى بها، فلا يرضون البنات لأنفسهم ويرضونها لخالقهم، وكان فيهم من يتكرم عن ذلك ومن يفدي الموءودات ويربيهن، وليس في الآية دليل على تعذيب أطفال الكفرة ولا عدمه، فإن الكافر الذي يستحق الخلود قد يكون مستأمناً فلا يحل قتله، والأطفال ما عملوا ما يستحقون به القتل، ويؤخذ من سؤال المؤدة تحريم الظلم لكل أحد وكف اليد واللسان عن كل إنسان. اهـ.