فصل: قال الخطيب الشربيني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: معنى الآية إن إيمانهم يهديهم إلى مزايا من الألطاف ولوامع من الأنوار بحيث تزول بواسطتها عنهم الشكوك والشبهات فتؤدي إلى حصول المثوبات ولذلك جعل {تجري من تحتهم الأنهار} بيانًا له وتفسيرًا لأن التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها. فهذه الهداية عبارة عن الفوائد الزوائد الحاصلة في الدنيا بعد الإيمان.
قال القفال: فعلى هذا الوجه كان المعنى يهديهم ربهم بإيمانهم وتجري من تحتهم الأنهار إلا أنه حذف الواو وجعل قوله: {تجري} خبرًا مستأنفًا منقطعًا عما قبله. والتحقيق في تقرير هذا الوجه أن العلم نور والجهل ظلمة والروح كاللوح والعلوم والعارف كالنقوش ولكن حالهم بالضد من النقوش الجسمانية، فإن تزاحم النقوش الجسمانية يكدر اللوح وتوارد النقوش المعنوية وتكاثرها يزيد لوح الروح لمعانًا وإشراقًا حتى إنه يقوى بها على تحصيل المعارف الباقية بسهولة، فليس فهم الرجل المنتهي للعلوم والحقائق كفهم المبتدئ، فإن الإنسان إذا آمن بالله فقد أشرق روحه بنور المعرفة، وإذا واظب على الأعمال الصالحة حصلت له ملكة التوجه إلى الآخرة والإعراض عن الدنيا، ولا تزال تتزايد إشراقات هذه المعارف والملكات فيرتقي في معارجها لحظة فلحظة، ولما كان لا نهاية لمراتب المعارف والأنوار العقلية فلا نهاية لمراتب هذه الهداية.
وفي قوله: {يهديهم ربهم بإيمانهم} دليل لمن قال إن العلم بالمقدمتين لا يوجب العلم بالنتيجة ولكنهما يعدّان الذهن لحصول الفيض من الجواد المطلق. ومعنى {تجري من تحتهم الأنهار} أنهم يكونون في البساتين على مواضع مرتفعة كالسرر والأرائك والأنهار تجري من بين أيديهم.
{دعواهم فيها} قال بعض المفسرين: أي دعاؤهم ونداؤهم كما يدعو القانت بقوله: اللهم إياك نعبد: وقيل: الدعاء العبادة كقوله: {وأعتزلكم وما تدعون من دون الله} [مريم: 48] وإنما تكون هذه عبادتهم لا على سبيل التكليف بل على سبيل الإلهام والعادة ابتهاجًا بذكر الله. وقيل: الادعاء بين المتخاصمين والمعنى أن أهل الجنة يدعون في الدنيا والآخرة تنزيه الله من المعايب والإقرار له بالإلهية.
قال القفال: أصله من الدعاء لأن الخصم يدعو خصمه إلى من يحكم بينهما. وقيل: أي طريقتهم وسيرتهم وذلك لأن المدعي للشيء مواظب عليه فيمكن أن يجعل الدعوى كناية عن الملازمة وإن لم يكن في قولهم سبحانك اللهم دعاء ولا دعوى. وقيل: أي تمنيهم كقوله: {ولهم ما يدعون} [يس: 57] أي ما يتمنونه. وتقول العرب: ادّع عليّ ما شئت أي تمن فكان تمنيهم في الجنة ليس إلا تسبيح الله وتقديسه، ولقد كانوا في الدنيا يدعون في الحروب من يسكنون إليه ويستنصرونه فيقولون: يا آل فلان فأخبر الله تعالى عنهم أن أنسهم في الجنة بذكر الله وسكونهم بتحميده {وتحيتهم فيها سلام} أي بعضهم يحيي بعضًا بالسلام. وقيل: هي تحية الله أو الملائكة إياهم إضافة للمصدر إلى المفعول {وآخر دعواهم أن الحمد} هي {أن} المخففة من الثقيلة وأصله أنه الحمد {لله} على أن الضمير للشأن.
قال أهل الظاهر من المفسرين: في سبب تخصيص هذه الأذكار بأهل الجنة أن قوله: {سبحانك اللهم} علم بين أهل الجنة وخدامهم إذا سمعوا ذلك منهم أتوهم بما يشتهونه.
قال ابن جريج: ورد في الأخبار أنه إذا مرّ بهم طير يشتهونه قالوا: {سبحانك اللهم} فيأتيهم الملك بذلك المشتهى، فإذا نالوا منه شهوتهم قالوا: {الحمد لله رب العالمين} وقال القاضي: إنه وعد المتقين بالثواب العظيم فإذا دخل أهل الجنة الجنة ووجدوا تلك المواعيد قالوا سبحانك اللهم أي نسبحك عن الخلف في الوعد. وقيل: ألهم الله بني آدم في الجنة بعد انقراض الدنيا ما افتخر به الملائكة قبلهم في قولهم:
{ونحن نسبح بحمدك} [البقرة: 30] ويمكن أن يقال: إن لكل إنسان معراجًا بحسب قوته فإذا وصل العارف الصادق إلى صفات جلال الله تعالى قال سبحانك، وإذا ارتقى منها إلى الذات قال اللهم، فإذا عجز عن ذلك المضمار واحترق في أوائل تلك الأنوار رجع من عالم الجلال إلى عالم الإكرام فأفاض الخير على جميع المحتاجين ويدفع المخافات والمكاره عنهم بكل ما أمكنه وذلك قوله: {وتحيتهم فيها سلام} ثم إذا شاهدوا أثر نعمة الله عليهم بالاستفاضة والإفاضة اختتموا الكلام بقولهم: {الحمد لله رب العالمين}. وعلى هذا يدور أمرهم في العروج والنزول ما داموا في الدنيا فيكون كذلك حالهم في العقبى لقوله: «كما تعيشون تموتون وكما تموتون تبعثون». اهـ.

.قال الخطيب الشربيني في الآيات السابقة:

سورة يونس عليه السلام مكية، إلا: {فإن كنت في شك} الآيتين أو الثلاث أو {ومنهم من يؤمن به} الآية مائة وتسع أو عشر آيات وعدد كلماتها ألف وثمانمائة واثنتان وثلاثون كلمة، وحروفها سبعة آلاف وخمسمائة وسبعة وستون حرفًا، وهي أوّل المئين، إن جعلنا براءة مع الأنفال من الطوال، وإلا فبراءة أولاهن.
{بسم الله} جامع العباد بعد تفريقهم بما له من العظمة والامتنان.
{الرحمن} الذي عمهم بالإيجاد وخص منهم من شاء بالإيمان.
{الرحيم} الذي خص أولياءه بالرضوان المبيح للجنان.
{الر} قال ابن عباس والضحاك و{الر} أنا الله أرى، {والمر} أنا الله أعلم وأرى. وقيل: أنا الرب لا رب غيري. وقال سعيد بن جبير: الر وحم ونون حروف اسم الرحمن. وقد سبق الكلام على حروف الهجاء أوّل البقرة، واتفقوا على أنّ {الر} وحده ليس آية، واتفقوا على أنّ قوله طه وحده آية، والفرق أنّ قوله تعالى: {الر} لا يشاكل كل مقاطع الآي التي بعده بخلاف قوله تعالى: {طه}؛ فإنه يشاكل مقاطع الآي التي بعده، وقرأ قالون وابن كثير وحفص بفتح الراء والألف بعدها، وورش بين اللفظين، والباقون بالإمالة المحضة.
{تلك} أي: الآيات العظيمة جدًّا التي اشتملت عليها هذه السورة أو السورة، التي تقدّمت هذه السورة أو هذه الحروف المقطعة المشيرة إلى أنَّ القرآن كلام الله تعالى قد أعجز القادرين على التلفظ بهذه الأحرف.
{آيات الكتاب} أي: الذكر الجامع لكل خير وهو هذا القرآن الذي وافق كل ما فيه من القصص كلّ ما في التوراة والإنجيل من ذلك فدل ذلك على صدق الآتي به قطعًا؛ لأنه لم يكن يعرف شيئًا من الكتابين ولا جالس أحدًا يعلمه.
{الحكيم} أي: المحكم. وقوله تعالى: {أكان للناس} أي: أهل مكة، استفهام إنكار للتعجب. وقوله تعالى: {عجبًا} خبر كان، والعجب تغير النفس بما لا تعرف سببه مما خرج عن العادة، ثم ذكر الحامل على العجب؛ وهو اسم كان بقوله تعالى: {أن أوحينا} أي: إيحاؤنا {إلى رجل منهم} أي: من أهل مكة ومن قريش، وهو محمد صلى الله عليه وسلم يعرفون صدقه ونسبه وأمانته، قيل: كانوا يقولون: العجب أنّ الله تعالى لم يجد رسولًا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب، وهو من فرط حماقتهم وقصور نظرهم على الأمور العاجلة، وجهلهم بحقيقة الوحي والنبوّة، وهو لم يكن صلى الله عليه وسلم يقصر عن عظمائهم فيما يعتبر فيه إلا في المال، وخفة المال أهون شيءٍ في هذا الباب، ولذلك كان أكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله كذلك، وقد قال الله تعالى: {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقرّبكم عندنا زلفى}.
{أن أنذر الناس} عامّة، أي: أعلمهم مع الخوف ما أمامهم من البعث وغيره، وأن هي المفسرة؛ لأنّ الإيحاء فيه معنى القول.
{وبشر الذين آمنوا} إنما عمم في الإنذار لأنه قل أن يسلم أحد من كبيرة أو صغيرة أو هفوة جليلة أو حقيرة على اختلاف الرتب وتباين المقامات، وخصص البشارة إذ ليس للكافر ما يصح أن يبشر به.
{أنَّ} أي: بأنَّ.
{لهم قدم} أي: سلف {صدق عند ربهم} اختلفت عبارات المفسرين وأهل اللغة في معنى قدم صدق، فقال ابن عباس: أجرًا حسنًا مما قدّموا من أعمالهم. وقال مجاهد: الأعمال الصالحة: صلاتهم وصومهم وصدقتهم وتسبيحهم. وقال الحسن: عمل صالح أسلفوه يقدمون عليه. وقال عطاء: مقام صدق لا زوال له ولا بؤس فيه. وقال زيد بن أسلم: هو شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأضيف القدم إلى الصدق وهو نعته كقولهم: مسجد الجامع، وصلاة الأولى، وحب الحصيد. وقال أبو عبيدة: كل سابق في خير أو شرّ فهو عند العرب قدم.
قال الشاعر:
صل لذي العرش واتخذ قدما ** ينجيك يوم العثار والندم

وهو مؤنث فيقال: قدم حسنة وقدم صالحة. وقوله تعالى: {قال الكافرون إنَّ هذا لسحر مبين} قرأه نافع وأبو عمرو وابن عامر بكسر السين وسكون الحاء على أنَّ الإشارة للقرآن المشتمل على ذلك، والباقون بفتح السين وألف بعدها وكسر الحاء على أنّ الإشارة للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
{إنّ ربكم} الموجد لكم والمربي والمحسن هو {الله الذي خلق} أي: قدّر وأوجد {السموات والأرض} على اتساعهما، وكثرة ما فيهما من المنافع {في ستة أيام} من أيام الدنيا، أي: في قدرها؛ لأنه لم يكن ثمّ شمس، ولو شاء لخلقهما في لمحة، والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت. فإن قيل: إنّ اليوم قد يراد به اليوم مع ليلته، وقد يراد به النهار وحده. فما المراد؟
أجيب: بأنّ الغالب في اللغة أنه مراد باليوم اليومَ بليلته، ولما أوجد سبحانه وتعالى هذا الخلق الكبير المتباعد الأقطار، الواسع الانتشار، المفتقر إلى عظيم التدبير، ولطيف التصريف والتقدير؛ عبّر سبحانه وتعالى عن عمله فيه عمل الملوك في ممالكهم بقوله مشيرًا إلى عظمته بأداة التراخي: {ثم استوى} أي: عمل في تدبيره وإتقان ما فيه وإحكامه عمل المعتني بذلك.
{على العرش} المتقدّم وصفه في الأعراف بالعظمة، وليست ثم للترتيب، بل كناية عن علوِّ الرتبة، وبعد منازلها، ثم بيّن ذلك الاستواء بقوله: {يدبر الأمر} كله فلا يخفى عليه عاقبة أمر من الأمور؛ لأنَّ التدبير أعدل أحوال الملك، فالاستواء كناية عنه. وقوله تعالى: {ما من شفيع إلا من بعد إذنه} تقرير لعظمته جل وعلا، وردّ على من زعم أنَّ آلهتهم تشفع لهم عند الله. وفيه إثبات الشفاعة لمن أذن له {ذلكم الله} أي: الموصوف بتلك الصفات المقتضية للألوهية والربوبية {ربكم} أي: الذي يستحق العبادة منكم.
{فاعبدوه} أي: وحّدوه ولا تشركوا به بعض خلقه من ملك أو إنسان، فضلًا عن جماد لا يضرّ ولا ينفع، فإنَّ عبادتكم مع التشريك ليست عبادة، ولولا فضله لم يكن لمن زلّ أدنى زلة طاعة، وقوله:
تعالى: {أفلا تذكرون} قرأه حفص وحمزة والكسائي بتخفيف الذال، والباقون بالتشديد بإدغام التاء في الأصل في الذال، أي: أفلا تتفكرون أدنى تفكر فينبئكم عن أنه المستحق للربوبية، والعبادة لا ما تعبدونه.
{إليه} تعالى: {مرجعكم} أي: رجوعكم بالموت والنشور حالة كونكم {جميعًا} لا يتخلف منكم أحد، فاستعدّوا للقائه. وقوله تعالى: {وعد الله} مصدر منصوب بفعله المقدّر مؤكد لنفسه؛ لأن قوله تعالى: {إليه مرجعكم} وعد من الله، وقوله تعالى: {حقًا} أي: صدقًا لا خلف فيه مصدر آخر منصوب بفعله المقدّر مؤكد لغيره، وهو ما دل عليه وعد الله.
{إنه يبدأ الخلق} أي: يحييهم ابتداءً.
{ثم يعيده} أي: ثم يميتهم ثم يحييهم. وفي هذا دليل على الحشر والنشر والمعاد، وصحة وقوعه، وردّ على منكري البعث ووقوعه؛ لأنّ القادر على خلق هذه الأجسام المؤلفة، والأعضاء المركبة على غير مثال سبق، قادر على إعادتها بعد تفريقها بالموت والبلى، فيركب تلك الأجزاء المتفرقة تركيبًا ثانيًا، ويخلق الإنسان الأوّل مرّة أخرى، فإذا ثبت القول بصحة المعاد والبعث بعد الموت؛ كان المقصود منه إيصال الثواب للمطيع، والعقاب للعاصي، وهو قوله تعالى: {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط} أي: بالعدل، لا ينقص من أجورهم شيئًا.
{والذين كفروا لهم شراب من حميم} وهو ماء حار قد انتهى حرّه {وعذاب أليم} أي: بالغ في الإيّلام.
{بما كانوا يكفرون} أي: بسبب كفرهم.
{هو الذي جعل الشمس ضياءً} أي: ذات ضياء {والقمر نورًا} أي: ذا نور، وخص الشمس بالضياء؛ لأنها أقوى وآكد من النور، وخص القمر بالنور؛ لأنه أضعف من الضياء، لأنّ الشمس نيرة في ذاتها، والقمر نير بعرض مقابلة الشمس والاكتساب منها.
وقرأ قنبل بهمزة مفتوحة ممدودة بعد الضاد، والباقون بياء مفتوحة، والضمير في قوله تعالى: {وقدّره منازل} يرجع إلى الشمس والقمر؛، أي: قدّر مسير كل واحد منهما منازل، أو قدّره ذا منازل، أو يرجع إلى القمر فقط، وتخصيصه بالذكر لسرعة مسيره ومعاينة منازله، وإناطة أحكام الشرع به، ولذلك علله بقوله تعالى: {لتعلموا عدد السنين والحساب} أي: حساب الأوقات من الأشهر والأيام في معاملاتكم وتصرّفاتكم؛ لأنّ الشهور المعتبرة في الشريعة مبنية على رؤية الأهلة، والسنة المعتبرة في الشريعة هي السنة القمرية، كما قال تعالى: {إن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله}

.فائدة [في ذكر منازل القمر]:

منازل القمر ثمانية وعشرون منزلًا، وأسماؤها: السرطان، والبطين، والثريا، والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرف، والجبهة، والزبرة، والصرفة، والعوّا، والسماك، والغفر، والزباني، والإكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، وفرغ الدلو المقدّم، وفرغ الدلو المؤخر، وبطن الحوت. وهذه المنازل مقسومة على البروج وهي اثنا عشر برجًا: الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت. فلكل برجٍ منزلان وثلث، فينزل القمر في كل ليلة منها منزلًا، فيستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين، وإن كان تسعًا وعشرين فليلة واحدة، فيكون انقضاء الشهر مع نزوله تلك المنازل ويكون مقام الشمس في كل منزلة ثلاثة عشر يومًا، فيكون انقضاء السنة مع انقضائها، أو انتفاع الخلق بضوء الشمس، وبنور القمر عظيم، فالشمس سلطان النهار، والقمر سلطان الليل، وبحركة الشمس تنفصل السنة إلى هذه الفصول الأربعة، وبالفصول الأربعة تنتظم مصالح هذا العالم، وبسبب الحركة اليومية يحصل النهار والليل، والنهار يكون زمانًا للتكسب وللطلب، والليل يكون زمانًا للراحة.
{ما خلق الله ذلك} المذكور.
{إلا بالحق} أي: لم يخلق ذلك باطلًا ولا عبثًا- تعالى الله عن ذلك- إظهارًا لقدرته، ودلائل وحدانيته.
ونظيره قوله تعالى في آل عمران: {ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلًا}.
وقال تعالى في سورة أخرى: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلًا ذلك ظن الذين كفروا}.
{يفصل} أي: يبين {الآيات} أي: الدلائل الباهرة واحدة في إثر واحدة بيانًا شافيًا.
{لقوم يعلمون} فإنهم المنتفعون بالتأمّل فيها.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص بالياء، والباقون بالنون.
ولما استدل سبحانه وتعالى على إثبات الإلهية والتوحيد بقوله تعالى: {إنّ ربكم الله الذي خلق السموات والأرض} (الأعراف)، وثانيًا بأحوال الشمس والقمر، استدل ثالثًا بقوله تعالى: {إن في اختلاف الليل والنهار} أي: بالمجيء والذهاب، والزيادة والنقصان، ورابعًا بقوله تعالى: {وما خلق الله في السموات} من ملائكة وشمس وقمر ونجوم وغير ذلك.
{و} ما خلق الله في {الأرض} من حيوان وجبال وبحار وأنهار وأشجار وغير ذلك.