فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)}
و{خَلاَئِفَ}: جمع خليفة، وهو من يَخْلُف غيره. والحق سبحانه وتعالى حينما وصف الإنسان أصدر أول بيان عن الإنسان قال للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً...} [البقرة: 30].
والله سبحانه وتعالى قادر، وسميع، وعليم، وله من كل صفات الكمال المطلق، وأنت قد تكون لك قدرة وقد تُعَدِّى أثر قدرتك إلى غيرك، ولكنك لن تستطيع أن تُعدِّي قدرتك إلى سواك، فإن كنت قويًا؛ فلن تستطيع أن تَهَبَ ضعيفًا قدرًا على قوتك. بل كل الذي تستطيعه هو أن تهبه أثر قدرتك، فإن كان غير قادر على أن يحمل شيئًا؛ فأنت قد تحمله عنه، وإن كان غير قادر على المشي؛ فأنت تأخذ بيده، لكنك لا تستطيع أن تهبه جزءًا من قوتك الذاتية، فيظل هو عاجزًا، وتظل أنت قادرًا- كما أنت.
هذا هو حال الخلق: تجد غنيًا وآخر فقيرًا، ويُعطي الغني للفقير من غناه، ويُعطي العالمُ للجاهل بعضَ العلم، لكنه لا يهبه مَلَكَة العلم؛ ليعلم.
أما الحق الأعلى سبحانه فهو وحده القادر على أن يهب من قدرته المطلقة للخلق قدرة موهوبة محدودة، وقد أعطاهم سبحانه أثر القدرة العالية في الأفلاك التي صنعها ولا دخل للإنسان فيها؛ من شمس، وقمر، ونجوم، ورياح، ومطر.
وأعطى الحق سبحانه للإنسان طاقة من قدرته في الأمور التي حوله؛ فأصبح قادرًا على أن يفعل بعض الأفعال التي تتناسب مع هذه الطاقة الموهوبة. وبذلك عدَّي له الحق سبحانه من قدرته؛ ليقدر على الفعل، ومن غناه؛ ليعطي الفقير، ومن علمه؛ ليعطي الجاهل، ومن حلمه؛ ليحْلِم على الذي يؤذيه.
إذن: فالخلق لا يعدّون صفاتهم إلى غيرهم ولكنهم يعدون آثار صفاتهم إلى غيرهم، وتظل الصفة هنا قوة، والصفة هناك ضعفًا. أما الواحد الأحد فهو الذي يستطيع أن يهب من قدرته للعاجز قدرة؛ فيفعل. فهل كل الكون هكذا؟
إن الكون قسمان: قسم وهبة الله سبحانه وتعالى للإنسان بدون مجال له فيه. وقد أقامه الحق بقدرته، وهذا القسم من الكون مستقيم في أمره استقامة لا يتأتّى لها أي خَلَل، مثل: نظام الأفلاك والسماء ودوران الشمس والقمر والريح وغيرها، ولا تعاني من أي عطب أو خلل، ولا يتأتى لهذا القسم فساد إلا بتدخُّل الإنسان.
وقسم آخر في الكون تركه الحق سبحانه للإنسان؛ حتى يقيمه القوة الموهوبة له من الله.
وأنت لا تجد فسادًا في كون الله تعالى إلا وجدت فيه للإنسان يدًا، أما الأمور التي ليس للإنسان فيها يد فهي مستقيمة، ولذلك يقول الحق سبحانه: {الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5].
والمراصد تحدِّد موقع الأرض بين الشمس والقمر، وموقع القمر بين الأرض والشمس بدقة تتناسب مع قول الحق: {بِحُسْبَانٍ}؛ لأن الإنسان ليس له دخل في هذه الأمور.
وفيما لنا فيه اختيار علينا أن نتدخل بمنهج الله تعالى؛ لتستقيم حركتنا مثل استقامة الحركة في الأكوان العليا التي لا دخل لنا فيها.
إذن: فالذي يُفْسد الأكوان هو تدخُّل الإنسان- فيما يحيط به، وفيما ينفعل له وينفعل به- على غير منهج الله؛ ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى: {الرحمن عَلَّمَ القرآن خَلَقَ الإنسان عَلَّمَهُ البيان الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 1-5].
أي: هذه الأكوان مخلوقة بحساب، وتستطيعون أن تُقَدِّروا أوقاتكم وحساباتكم على أساسها. ويقول سبحانه: {الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ والنجم والشجر يَسْجُدَانِ والسماء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الميزان أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الميزان وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان} [الرحمن: 5-9].
وحتى تستقيم لكم الأمور الدنيا في حركتكم في الكون- كما استقامت لكم الأمور العليا؛ وازنوا كل الأمور بالعدل؛ فلا يختل لكم ميزان؛ لأن الذي يُفسد الكون أنكم تتدخلون فيما أعطي لكم من مواهب الله قدرة وعلمًا وحَركة على غير منهج الله. فادخلوا على أمور حياتكم بمنهج الله في افعل ولا تفعل؛ ليستقيم لكم الكون الأدنى كما استقام لكم الكون الأعلى.
وهنا يقول الحق سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرض} وقد خلف الإنسان الله تعالى في الأرض، في أنه- مثلًا- يحرث الأرض ويسقيها؛ فيخرج له الزرع، وحين يأخذ الإنسان أسباب الله فهو ينال نتيجة الأخذ بالأسباب. ولكن آفة الإنسان بغروره، حين تستجيب له الأشياء، فهو يظن أنه قادر بذاته، لا بأسباب الله.
والحق سبحانه وتعالى يُعطي بعطاء ربوبيته للمؤمن، وللكافر؛ لأنه سبحانه هو الذي استدعى الإنسان إلى الوجود، لكنه جلّ وعلا ميَّز المؤمن، لا بعطاء الأسباب فقط، ولكن بالمنهج، والتكليف المتمثل في افعل كذا ولا تفعل كذا، فإن أخذ العطاءين من الله يبقَ له حسن الجزاء في الدنيا والآخرة، وإن أخذ العطاء الثاني في افعل ولا تفعل، فهو يأخذ الآخرة، أما دنياه فتظل متخلّفة.
ومن يُردْ أن يأخذ حُسْن الدنيا والآخرة، فليأخذ عطاء ربوبية الله تعالى بالأخذ بالأسباب، وعطاء الألوهية باتّباع المنهج.
إلا أن آفة الخليفة في الأرض أنه لا يرى بعض الأمور مستجيبة له؛ فيطغي، ويظن أنه أصيل في الكون، ونقول له: ما دمت تظن أنك أصيل في الكون فحافظ على روحك، وعلى قوتك، وعلى غناك، وأنت لن تستطيع ذلك. فأنت إنْ تمردت على أوامر الله بالكفر- مثلًا، فلماذا لا تتمرد على المرض أو الموت؟
إذن: أنت مقهور للأعلى غصبًا عنك، ويجب أن تأخذ من الأمورالتي تنزل عليك بالأقدار؛ لتلجمك، وتقهرك، إلى أن تأخذ الأمور التي لك فيها اختيار بمنهج الله سبحانه.
ولو ظن الخليفة في الأرض أنه أًصيل في الكون، فعليه أن يتعلّم مما يراه في الكون، فأنت قد توكّل محاميًا في العقود والتصرفات؛ فيتصرف في الأمور كلها دون الرجوع إليك ولا يعرض عليك بيانًا بما فعل، فتقوم أنت بإلغاء التوكيل.
فيلتفت مثل هذا المحامي إلى أن كل تصرف له دون التوكيل قد صار غير مقبول. فماذا عن توكيل الله للإنسان بالخلافة؟ يقول الحق سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرض} فاذا كنتم قد خَلَفْتُم من هلكوا، فمن اللازم أن تأخذوا العظة والعبرة في أن الله تعالى غالب على أمره، ولا ترهقوا الرسل، بل تأخذوا المنهج، أو على الأقل، لا تعارضوهم إن لم تؤمنوا بالمنهج الذي جاءوا به من الله. واتركوهم يعلنون كلمة الله، وليعيدوا صياغة حركة المؤمنين برسالاتهم في هذا الكون على وفق ما يريده الله سبحانه، وأنتم أحرار في أن تؤمنوا أو لا تؤمنوا.
{فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ...} [الكهف: 29].
والدليل على ذلك أن الإسلام حينما فتح كثيرًا من البلاد ترك لهم حرية اعتناق الإسلام أو البقاء على أديانهم، مع أنه قد دخل بلادهم بالدعوة أو الغلبة، ولكنه لم يقهر أحدًا على الدين، وأخذ المسلمون منهم الجزية مقابل حماية المسلمين لهم.
ولو كان الإسلام قد انتشر بالسيف لما أبقي أحدًا على دينه، ولكن الإسلام لم يُكْره أحدًا، وحمى حرية الاختيار بالسيف. ولأن الذين لم يؤمنوا بالإسلام عاشوا في مجتمع تتكفّل الدولة الإسلامية فيه بكل متطلبات حياتهم، والمسلم يدفع زكاة لبيت المال، فعلى من لم يؤمن- وينتفع بالخدمات التي يقدمها المجتمع المسلم- أن يدفع الجزية مقابل تلك الخدمات.
وإذا اعتقد الإنسان أنه خليفة، وظل متذكرًا لذلك، فهو يتذكر أن سطوة من استخلفه قادرة على أن تمنع عنه هذه الخلافة.
إذن: فخذوا الأمر بالتسليم، وساعدوا النبي صلى الله عليه وسلم على دعوته، وآمنوا به أولًا، وإن لم يؤمنوا به فاتركوه؛ ليعلن دعوته، ولا تعاندوه، ولا تصرفوا الناس عنه؛ لأن الحق هو القائل: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرض مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: 14].
وساعة تأتي لأمر يعلله الله بكلمة {لِيَعْلَمَ...} [المائدة: 94].
أو {لِنَنظُرَ...} [يونس: 14].
فاعلم أن الله عالم وعليم، علم كل الأمور قبل أن توجد، وعلم الأشياء التي للناس فيها اختيار، وهو القائل: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبينات وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان لِيَقُومَ الناس بالقسط وَأَنزَلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بالغيب...} [الحديد: 25].
وقد علم الحق سبحانه أزلًا كل شيء، وإذا قال الله: {وَلِيَعْلَمَ} فليس معنى ذلك أن هناك علمًا جديدًا لم يكن يعلمه سوف ينشأ له، لكنه يعلم علم مشهد وإقرار منك؛ حتى لا يقول قائل: لماذا يحاسبنا الله على ما عَلمَ أزلًا؟ بل يأتي سبحانه بالاختيار الذي يحدِّد للعبد المعايير التي تتيح للمؤمن أن يدخل الجنة، وللعاصي أن يُحاسَب ويُجازَي.
وبذلك يعلم الإنسان أن الحق سبحانه شاء ذلك؛ ليعرف كل عبد عِلم الواقع، لا عِلْم الحصول.
إذن: فذكر كلمة {وَلِيَعْلَمَ} وكلمة {لِنَنظُرَ} في القرآن معناها علم واقع، وعلم مشهد، وعلم حُجّة على العبد؛ فلا يستطيع أن ينكر ما حدث، وقول الحق: {وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بالغيب} [الحديد: 25].
هذه الآية تبين لنا أدوات انتظام الحكم الإلهي: رسل جاءوا بالبرهان والبينة، وأنزل الحديد للقهر، قال الحق سبحانه: {وَأَنزَلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد: 25].
وقرن ذلك بالرسل، فقال: {وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ} والنصرة لا تكون إلا بقوة، والقوة تأتي بالحديد الذي يظل حديدًا إلى أن تقوم الساعة، وهو المعدن ذو البأس، والذي لن يخترعوا ما هو أقوى منه، وعلْم الله سبحانه هنا عِلْم وقوع منكم، لا تستطيعون إنكاره؛ لأنه سبحانه لو أخبر خبرًا دون واقع منكم؛ فقد تكذبون؛ لذلك قال سبحانه: {وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بالغيب} وفي هذا لون من الاحتياط الجميل.
وقوله: {وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ} كأن الله يطلب منكم أن تنصروه، لكن إياكم أن تفهموا المعنى أنه سبحانه ضعيف، معاذ الله، بل هو قوي وعزيز. فهو القائل: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة: 14].
بل يريد سبحانه أن يكون أعداء الإيمان أذلاء أمامكم؛ لأنه سبحانه يقدر عليهم.
إذن: فقول الحق سبحانه: {وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ} إنما يعني: أن يكون علم الله بمن ينصر منهجه أمرًا غيبيًّا؛ حتى لا يقول أحدٌ إن انتصار المنهج جاء صدفة، بل يريد الحق سبحانه أن يجعل نُصْرة منهجه بالمؤمنين، حتى ولو قَلَّت عدَّتُهم، وقلّ عددهم.
إذن: قوله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرض مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ} [يونس: 14].
أي: نظر واقع، لا نظر علم. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيتين:

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} هذا إخبار لمعاصري الرسول صلى الله عليه وسلم وخطاب لهم بإهلاك من سلف قبلهم من الأمم بسبب ظلمهم وهو الكفر، على سبيل الردع لهم والتذكير بحال من سبق من الكفار، والوعيد لهم، وضرب الأمثال، فكما فعل بهؤلاء، يفعل بكم.
ولفظة لما مشعرة بالعلية، وهي حرف تعليق في الماضي.
ومن ذهب إلى أنها ظرف معمول لأهلكنا كالزمخشري متبعًا لغيره، فإنما يدل إذْ ذاك على وقوع الفعل في حين الظلم، فلا يكون لها إشعار إذ ذاك بالعلية.
لو قلت: جئت حين قام زيد، لم يكن مجيئك مستببًا عن قيام زيد، وأنت ترى حيثما جاءت لما كان جوابها أو ما قام مقامه متسببًا عما بعدها، فدل ذلك على صحة مذهب سيبويه من أنها حرف وجوب لوجوب.
وجاءتهم ظاهره أنه معطوف على ظلموا أي: لما حصل هذان الأمران: مجيء الرسل بالبينات، وظلمهم أهلكوا.
وقال الزمخشري: والواو في وجاءتهم للحال أي: ظلموا بالتكذيب، وقد جاءتهم رسلهم بالحجج والشواهد على صدقهم وهي المعجزات انتهى.
وقال مقاتل: البينات مخوفات العذاب، والظاهر أنّ الضمير في قوله وما كانوا عائدًا على القرون، وأنه معطوف على قوله: {ظلموا}.
وجوّز الزمخشري أن يكون اعتراضًا لا معطوفًا قال: واللام لتأكيد النفي بمعنى: وما كانوا يؤمنون حقًا تأكيدًا لنفي إيمانهم، وأن الله تعالى قد علم أنهم مصرون على كفرهم، وأنّ الإيمان مستبعد منهم والمعنى: أنّ السبب في إهلاكهم تعذيبهم الرسل، وعلم الله أنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن ألزموا الحجة ببعثة الرسل انتهى.
وقال مقاتل: الضمير في قوله: {وما كانوا ليؤمنوا}، عائد على أهل مكة، فعلى قوله يكون التفاتًا، لأنه خرج من ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة، ويكون متسقًا مع قوله: {وإذا تتلى عليهم}.
والكاف في كذلك في موضع نصب أي: مثل ذلك الجزاء، وهو الإهلاك.
نجزي القوم المجرمين فهذا وعيد شديد لمن أجرم، يدخل فيه أهل مكة وغيرهم.
وقرأت فرقة: يجزي بالياء، أي يجزى الله، وهو التفات.
والخطاب في جعلناكم لمن بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل: خطاب لمشركي مكة، والمعنى: استخلفناكم في الأرض بعد القرون المهلكة لننظر أتعملون خيرًا أم شرًا فنعاملكم على حسب عملكم.
ومعنى لننظر: لنتبين في الوجود ما عملناه أولًا، فالنظر مجاز عن هذا.
قال الزمخشري: فإنْ قلت: كيف جاز النظر على الله تعالى وفيه معنى المقابلة؟ (قلت): هو مستعار للعلم المحقق الذي هو علم بالشيء موجود، أشبه بنظر الناظر وعيان المعاين في حقيقته انتهى.
وفيه دسيسة الاعتزال، وأنه يلزم من النظر المقابلة، وفيه إنكار وصفه تعالى بالبصير ورده إلى معنى العلم.
وقيل: لننظر، هو على حذف مضاف أي: لينظر رسلنا وأولياؤنا.
وأسند النظر إلى الله مجازًا، وهو لغيره.
وقرأ يحيى بن الحرث الزماري: لنظر، بنون واحدة وتشديد الظاء وقال: هكذا رأيته في مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويعني: أنه رآها بنون واحدة، لأن النقط والشكل بالحركات والتشديدات إنما حدث بعد عثمان، ولا يدل كتبه بنون واحدة على حذف النون من اللفظ، ولا على إدغامها في الظاء، لأن أدغام النون في الظاء لا يجوز، ومسوغ حذفها أنه لا أثر لها في الأنف، فينبغي أن تحمل قراءة يحيى على أنه بالغ في إخفاء الغنة، فتوهم السامع أنه إدغام، فنسب ذلك إليه.
وكيف معموله لتعملون، والجملة في موضع نصب لننظر، لأنها معلقة.
وجاز التعليق في نظر وإن لم يكن من أفعال القلوب، لأنها وصلة فعل القلب الذي هو العلم. اهـ.