فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال مجاهد وقتادة: نزلت في جماعة من مشركي مكة.
وقال مقاتل: في خمسة نفر: عبد الله بن أمية المخزومي، والوليد بن المغيرة، ومكرز بن حفص، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري، والعاص بن وائل.
وقيل: الخمسة الوليد، والعاصي، والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث، والحرث بن حنظلة، وروي هذا عن ابن عباس.
قال الزمخشري: غاظهم ما في القرآن من ذم عبادة الأوثان والوعيد للمشركين فقالوا: ائت بقرآن آخر ليس فيه ما يغيظنا من ذلك نتبعك.
وقال ابن عطية: نزلت في قريش لأن بعض كفار قريش قال هذه المقالة على معنى: ساهلنا يا محمد، واجعل هذا الكلام الذي من قبلك هو باختيارنا، وأحل ما حرمته، وحرم ما أحللته، ليكون أمرنا حينئذ واحدًا وكلمتنا متصلة انتهى.
ونبه تعالى على الوصف الحامل لهم على هذه المقالة، وهو كونهم لا يؤمنون بالبعث والجزاء على ما اقترفوه، والمعنى: وإذا تسرد عليهم آيات القرآن واضحات نيرات لا لبس فيها قالوا كيت وكيت، وأضيفت الآيات إليه تعالى لأنها كلامه جل وعز، والتبديل يكون في الذات بأن يجعل بدل ذات ذات أخرى، ويكون في الصفة.
والتبديل هنا هو في الصفة، وهو أن يزال بعض نظمه بأن يجعل مكان آية العذاب آية الرحمة، ولا يراد بالتبديل هنا أن يكون في الذات، لأنه يلزم جعل الشيء المقتضي للتغاير هو الشيء بعينه، لأن التبديل في الذات هو الإتيان بقرآن غير هذا.
ولما كان الآيتان بقرآن غير هذا غير مقدور للإنسان، لم يحتج إلى نفيه ونفي ما هو مقدور للإنسان، وإن كان مستحيلًا ذلك في حقه صلى الله عليه وسلم فقيل له: قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي.
وانتفاء الكون هنا هو كقوله تعالى: {ما كان لكم أن تنبتوا شجرها} أي يستحيل ذلك.
ويحتمل أن يكون التبديل في الذات على أن يلحظ في قوله: {ائت بقرآن غير هذا}، إبقاء هذا القرآن ويؤتى بقرآن غيره، فيكون أو بدله بمعنى أزله بالكلية وائت ببدله، فيكون المطلوب أحد أمرين: إما إزالته بالكلية وهو التبديل في الذات، أو الإتيان بغيره مع بقائه فيحصل التغاير بين المطلوبين.
وتلقاء مصدر البنيان، ولم يجيء مصدر على تفعال غيرهما، ويستعمل ظرفًا للمقابلة تقول: زيد تلقاءك.
وقرئ بفتح التاء، وهو قياس المصادر التي للمبالغة كالتطواف والتجوال والترداد والمعنى: من قبل نفسي أن أتبع فيما آمركم به وما أنهاكم عنه من غير زيادة ولا نقصان، ولا تبديل إلا ما يجيئني خبره من السماء.
واستدل بقوله: {إنْ أتبع إلا ما يوحى إليّ} على نفي الحكم بالاجتهاد، وعلى نفي القياس، وإنما قالوا: ائت بقرآن غير هذا أو بدله، لأنهم كانوا لا يعترفون بأنّ القرآن معجز، أو إن كانوا عاجزين عن الإتيان بمثله.
ألا ترى إلى قولهم: لو نشاء لقلنا مثل هذا وقولهم: {افترى على الله كذبًا} ولا يمكن أن يريدوا إئت بقرآن غير هذا أو بدله من جهة الوحي لقوله: {إني أخاف}.
قال الزمخشري: (فإن قلت): فما كان غرضهم وهم أدهى الناس وأمكرهم في هذا الاقتراح؟ (قلت): المكر والكيد.
أما اقتراح إبدال قرآن بقرآن ففيه إنه من عندك، وإنك لقادر على مثله، فأبدل مكانه آخر.
وأما اقتراح التبديل والتغيير فللطمع ولاختبار الحال، وأنه إن وجد منه تبديل فإما أن يهلكه الله فننجو منه، أو لا يهلكه فيسخروا منه، ويجعلوا التبديل حجة عليه وتصحيحًا لافترائه على الله تعالى انتهى.
وإن عصيت بالتبديل من تلقاء نفسي، وتقدم اتباع الوحي، وتركي العمل به، وهو شرط جوابه محذوف دل عليه ما قبله.
واليوم العظيم: هو يوم القيامة، ووصف بالعظم لطوله، أو لكثرة شدائده، أو للمجموع.
وانظر إلى حسن هذا الجواب لما كان أحد المطلوبين التبديل بدأ به في الجواب، ثم أتبع بأمر عام يشمل انتفاء التبديل وغيره، ثم أتى بالسبب الحامل على ذلك وهو الخوف، وعلقه بمطلق العصيان، فبأدنى عصيان ترتب الخوف. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ} التفاتٌ من خطابهم إلى الغَيبة إعراضًا عنهم وتوجيهًا للخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعديد جناياتِهم المضادةِ لما أريد منهم بالاستخلاف، من تكذيب الرسولِ والكفر بالآيات البيناتِ وغيرِ ذلك كدأب مَنْ قبلهم من القرون المهلَكة، وصيغةُ المضارعِ للدِلالة على تجدد جوابِهم الآتي حسبَ تحددِ التلاوة {ءاياتنا} الدالةُ على حقية التوحيدِ وبُطلانِ الشركِ، والإضافةُ لتشريف المضافِ والترغيبِ في الإيمان به والترهيبِ عن تكذيبه {بينات} حالَ كونِها واضحاتِ الدِلالةِ على ذلك، وإيرادُ فعل التلاوةِ مبنيًا للمفعول مسندًا إلى الآيات دون رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ببنائه للفاعل للإشعار بعدمِ الحاجةِ لتعيّن التالي وللإيذان بأن كلامَهم في نفس المتلوِّدون التالي {قَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} وضعَ الموصولُ موضعَ الضميرِ إشعارًا بعلّية ما في حيز الصلةِ العظيمةِ المحكيةِ عنهم وأنهم إنما اجترءوا عليها لعدم خوفِهم من عقابه تعالى يوم اللقاءِ لإنكارهم له ولما هو من مباديه من البعث وذمًا لهم بذلك أي قالوا لمن يتلوها عليهم وهو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وإنما لم يذكر إيذانًا بتعينه {ائت بِقُرْ أن غَيْرِ هذا} أشاروا بهذا إلى القرآنِ المشتملِ على تلك الآياتِ لا إلى نفسها فقط قصدًا إلى إخراج الكلِّ من البين أي ائت بكتاب آخرَ نقرؤه ليس فيه ما نستبعده من البعث والحسابِ والجزاءِ وما نكرهه من ذم آلهتِنا ومعايبِها والوعيدِ على عبادتها {أَوْ بَدّلْهُ} بتغيير ترتيبِه بأن تجعلَ مكانَ الآيةِ المشتملةِ على ذلك آيةً آخرى خاليةً عنها وإنما قالوه كيدًا وطمعًا في المساعدة ليتوسلوا به إلى الإلزام والاستهزاء به {قُلْ} لهم {مَا يَكُونُ لِى} أي ما يصح وما يستقيم لي ولا يمكنني أصلًا {أَنْ أُبَدّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِى} أي من قبل نفسي وهو مصدرٌ استعمل ظرفًا، وقرئ بفتح التاءِ وقصر الجواب ببيان امتناعِ ما اقترحوه على اقتراحهم الثاني للإيذان بأن استحالةَ ما اقترحوه أولًا من الظهور بحيث لا حاجة إلى بيانها وأن التصدّيَ لذلك مع كونه ضائعًا ربما يُعد من قبيل المجاراةِ مع السفهاء إذ لا يصدُر مثلُ ذلك الاقتراحِ عن العقلاء، ولأن ما يدل على استحالة الثاني يدل على استحالة الأولِ بالطريق الأولى.
{إِنْ أَتَّبِعُ} أي ما أتبع في شيء مما آتي وأذَرُ {إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ} من غير تغيير له في شيء أصلًا على معنى قصرِ حالِه عليه السلام على اتباع ما يوحى إليه لا قصرِ اتباعِه على ما يوحى إليه كما هو المتبادرُ من ظاهر العبارةِ كأنه قيل: ما أفعل إلا اتباعَ ما يوحى إلي وقد مر تحقيقُ المقامِ في سورة الأنعام، وهو تعليلٌ لصدر الكلامِ، فإن مَنْ شأنُه اتباعُ الوحي على ما هو عليه لا يستبد بشيء دونه قطعًا، وفيه جوابٌ للنقض بنسخ بعضِ الآياتِ ببعض وردٌّ لما عرّضوا به عليه الصلاة والسلام بهذا السؤال من أن القرآنَ كلامُه عليه الصلاة والسلام ولذلك قيّد التبديلُ في الجواب بقوله: {مِن تِلْقَاء نَفْسِى} وسماه عصيانًا عظيمًا مستتبِعًا لعذاب عظيم بقوله تعالى: {إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} فإنه تعليلٌ لمضمون ما قبله من امتناع التبديلِ واقتصارِ أمرِه عليه الصلاة والسلام على اتباع الوحي، أي أخاف إن عصيتُه تعالى بتعاطي ما ليس لي من التبديل من تلقاء نفسي والإعراضِ عن اتباع الوحي عذابَ يوم عظيم هو يومُ القيامة أو يومُ اللقاءِ الذي لا يرجونه، وفيه إشعارٌ بأنهم استوجبوه بهذا الاقتراحِ.
والتعرضُ لعنوان الربوبيةِ مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام لتهويل أمرِ العصيان وإظهارِ كمالِ نزاهتِه عليه السلام عنه، وإيرادُ اليوم بالتنوين التفخيميّ ووصفُه بالعظم لتهويل ما فيه من العذاب وتفظيعِه، ولا مساغَ لحمل مُقترَحِهم على التبديل والإتيانِ بقرآن آخرَ من جهة الوحي بتفسير قوله تعالى: {مَا يَكُونُ لِى أَنْ أُبَدّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِى} بأنه لا يتسهّلُ لي أن أبدلَه بالاستدعاء من جهة الوحي، ما أتبع إلا ما يوحى إليّ من غير صنعٍ ما من الاستدعاء وغيرِه من قِبلي، لأنه يرده التعليلُ المذكورُ لا لأن المقترَحَ حينئذٍ ليس فيه معصيةٌ أصلًا كما تُوُهم، فإن استدعاءَ تبديلِ الآياتِ النازلِة حسبما تقتضيه الحكمةُ التشريعيةُ بعضِها ببعض، لاسيما بموجب اقترحِ الكفرة مما لا ريبَ في كونه معصيةً بل لأنه ليس فيه معصيةُ الافتراءِ مع أنها المقصودةُ بما ذُكر في التعليل، ألا يُرى إلى ما بعده من الآيتين الكريمتين فإنه صريحٌ في أن مقترحَهم الإتيانُ بغير القرآنِ وتبديلُه بطريق الافتراءِ وأن زعمَهم في الأصل أيضًا كذلك. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} التفات من خطابهم إلى الغيبة إعراضًا عنهم وتوجيهًا للخطاب إلى سيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم بتعديد جناياتهم المضادة لما أريد منهم بالاستخلاف من التكذيب والكفر بالآيات البينات وغير ذلك كدأب من قبلهم من القرون المهلكة، وصيغة المضارع للدلالة على تحدد جوابهم الآتي حسب تجدد التلاوة، والمراد بالآيات الآيات الدالة على التوحيد وبطلان الشرك.
وقيل: ما هو أعم من ذلك.
والإضافة لتشريف المضاف والترغيب في الإيمان به والترهيب عن تكذيبه ونصب {بينات} على الحال أي حال كونها واضحات الدلالة على ما تضمنته، وإيراد فعل التلاوة مبنيًا للمفعول مسندًا إلى الآيات دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ببنائه للفاعل للاشعار بعدم الحاجة لتعيين التالي وللإيذان بأن كلامهم في نفس المتلو ولو تلاه رجل من إحدى القريتين عظيم {قَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} وضع الموصول موضع الضمير إشعارًا بعلية ما حيز الصلة المعظمة المحكية عنهم وذمًا لهم بذلك أي قالوا لمن يتلوها عليهم وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم {ائت بِقُرْ إن غَيْرِ هذا} أشاروا بهذا إلى القرآن المشتمل على تلك الآيات لا إلى أنفسها فقط قصدا إلى إخراج الكل من البين أي ائت بكتاب آخر نقرؤه ليس فيه ما نستبعده من البعث وتوابعه أو ما نكرهه من ذم آلهتنا والوعيد على عبادتها {أَوْ بَدّلْهُ} بأن تجعل مكان الآية المشتملة على ذلك آية أخرى، ولعلهم إنما سألوا ذلك كيدًا وطمعًا في إجابته عليه الصلاة والسلام ليتوسلوا إلى الإلزام والاستهزاء وليس مرادهم أنه عليه الصلاة والسلام لو أجابهم آمنوا {قُلْ} أيها الرسول لهم {مَا يَكُونُ لِى أَنْ أُبَدّلَهُ} المصدر فاعل يكون وهي من كان التامة وتفسر بوجد ونفي الوجود قد يراد به نفي الصحة فإن وجود ما ليس بصحيح كلا وجود، فالمعنى هنا ما يصح لي أصلًا تبديله {منْ تلْقَاء نَفْسي} أي من جهتي ومن عندي.
وأصل تلقاء مصدر على تفعال التاء ولم يجيء مصدر بكسرها غيره وغير تبيان في المشهور.
وقرئ شاذا بالفتح وهو القياس في المصادر الدالة على التكرار كالتطواف والتجوال، وقد خرج هنا من ذلك إلى الظرفية المجازية، والجر بمن لا يخرج الظرف عن ظرفيته ولذا اختصت الظروف الغير المتصرفة كعند بدخولها عليها.
ومن الناس من وهم في ذلك وقصر الجواب ببيان امتناع ما اقترحوه على اقتراحهم الثاني للإيذان بأن استحالة ما اقترحوه أولًا من الظهور بحيث لا حاجة إلى بيانها ولأن ما يدل على استحالة الثاني يدل على استحالة الأول بالطريق الأولى فهو بحسب المآل والحقيقة جواب عن الأمرين {إِنْ أَتَّبِعُ} أي ما اتبع فيما آتى وأذر {إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ} من غير تغيير له في شيء أصلا على معنى قصر حاله عليه الصلاة والسلام على أتباع ما يوحى لا قصر اتباعه على ما يوحي إليه كما هو المتبادر من ظاهر العبارة فكأنه قيل: ما أفعل إلا اتباع ما يوحى إلي، والجملة مستأنفة بيانًا لما يكون فإن من شأنه اتباع الوحي على ما هو عليه لا يستقل بشيء دونه أصلًا، وفي ذلك على ما قيل جواب لنقض مقدر وهو أنه كيف هذا وقد نسخ بعض الآيات ببعض، ورد لما عرضوا له بهذا السؤال من أن القرآن كلامه صلى الله عليه وسلم، وكذا تقييد التبديل في الجواب بقوله: {مِن تِلْقَاء نَفْسِى} لرد تعريضهم بأنه من عنده عليه الصلاة والسلام ولذلك أيضًا سماه عصيانًا عظيمًا مستتبعًا لعذاب عظيم بقوله عز وجل: {إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} وهو تعليل لمضمون ما قبله من امتناع التبديل واقتصار أمره صلى الله عليه وسلم على أتباع الوحي أي إني أخاف إن عصيته تعالى بتعاطي التبديل والإعراض عن الوحي عذاب يوم عظيم هو يوم القيامة ويوم اللقاء الذي لا يرجونه، وفيه إيماء بأنهم استوجبوا العذاب بهذا الاقتراح لأن اقتراح ما يوجبه يستوجبه أيضًا وإن لم يكن كفعله، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة لضميره عليه الصلاة والسلام لتهويل أمر العصيان وإظهار كمال نزاهته صلى الله عليه وسلم، وفي إيراد اليوم بالتنوين التفخيمي ووصفه بعظيم ما لا يخفى ما فيه من العذاب وتفظيعه، وجوز العلامة الطيبي كون الجواب المذكور جوابًا عن الاقتراحين من غير حاجة إلى شيء وذلك بحمل التبديل فيه على ما يعم تبديل ذات بذات أخرى كبدلت الدنانير دراهم وهو الذي أشاروا إليه بقولهم: {ائت بِقُرْ إن غَيْرِ هذا} وتبديل صفة بصفة أخرى كبدلت الخاتم حلقة وهو الذي أشاروا إليه بقولهم: {أَوْ بَدّلْهُ}.
وأورد عليه بأن تقييد التبديل بقوله سبحانه: {مِن تِلْقَاء نَفْسِى} يمنع حمله على الأعم لأنه يشعر بأن ذلك مقدور له صلى الله عليه وسلم ولكن لا يفعله بغير إذنه تعالى والتبديل الذي أشاروا إليه أولًا غير مقدور له عليه الصلاة والسلام حتى أن المقترحين يعلمون استحالة ذلك لكن اقترحوه لما مر وقالوا: لو شئنا لقلنا مثل هذا مكابرة وعنادًا، ثم أن الظاهر أنهم اقترحوا التبديل والإتيان بطريق الافتراء قيل: لا مساغ للقول بأنهم اقترحوا ذلك من جهة الوحي فكأنهم قالوا: ائت بقرآن غير هذا أو بدله من جهة الوحي كما أتيت بالقرآن من جهته ويكون معنى قوله: {مَا يَكُونُ لِى} الخ ما يتسهل لي ولا يمكنني أن أبدله لما في الكشاف من أن قوله: {إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى} يرد ذلك، ووجه بأنهم لم يطلبوا ما هو عصيان على هذا التقدير حتى يقول في جوابهم ما ذكر، ونظر فيه بأن الطلب من غير اذن عصيان فإن لم يحمل ما يتسهل لي على أن ذلك لكونه غير مأذون كان الجواب غير مطابق لسؤالهم لأن السؤال عن تبديل من الله تعالى وهو عليه الصلاة والسلام قال: لا يمكنني التبديل من تلقاء نفسي في الجواب وإن حمل عليه فالعصيان أيضًا منزل عليه، وأجيب بأن صاحب الكشاف حمل {مَّا يَكُونُ} على أنه لا يمكن ولا يتسهل والعصيان يقع على الممكن المقدور لا أنهم طلبوا ما هو عصيان أو ليس والمطابقة حاصلة بل أشدها لأن الحاصل أما التبديل من تلقاء نفسي فغير ممكن وأما من قبل الوحي فأنا تابع غير متبوع.
نعم لا ينكر أنه يمكن أن يأتي وجه آخر بأن يحمل على أنه لا يحل لي ذلك دون إذن وصاحب الكشاف لم ينفه.
وذكر بعض المحققين أنه لا مساغ لحمل مقترحهم على ما هو من جهة الوحي لمكان التعليل بأني أخاف الخ إذ المقصود بما ذكر فيه معصية الافتراء كما يرشد إلى ذلك صريح ما بعده من الآيتين الكريمتين وحينئذ لا يتحقق فيه تلك المعصية، ومعصية استدعاء تبديل ما اقتضته الحكمة التشريعية لاسيما بموجب اقتراح الكفرة ليست مقصودة فلا ينفع تحققها، وهو كلام وجيه يعلم منه ما في الكلام السابق من النظر.
بقي أنه يفهم من بعض الآثار أنهم طلبوا الإتيان من جهة الوحي فعن مقاتل أن الآية نزلت في خمسة نفر عبد الله بن أمية المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري والعاص بن عامر بن هشام قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت تريد أن نؤمن من لك فائت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومنات وليس فيه عيبها وإن لم ينزل الله تعالى عليك فقل أنت من نفسك أو بدله فاجعل مكان آية عذاب رحمة ومكان حرام حلالًا ومكان حلالا حرامًا، وربما يقال: إن هذا على تقدير صحته لا يأبى أن يكون ما في الأية ما أشار إليه تالى الشرطية الثانية من كلامهم فتدبر. اهـ.