فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



إذا عرفت تفصيل هذا القول فنقول: إنه تعالى لما بين فيما قبل فساد القول بعبادة الأصنام بالدليل الذي قررناه، بين في هذه الآية أن هذا المذهب ليس مذهبًا للعرب من أول الأمر، بل كانوا على دين الإسلام، ونفي عبادة الأصنام.
ثم حذف هذا المذهب الفاسد فيهم، والغرض منه أن العرب إذا علموا أن هذا المذهب ما كان أصليًا فيهم، وأنه إنما حدث بعد أن لم يكن، لم يتعصبوا لنصرته، ولم يتأذوا من تزييف هذا المذهب، ولم تنفر طباعهم من إبطاله.
ومما يقوي هذا القول وجهان: الأول: أنه تعالى قال: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله} [يونس: 18] ثم بالغ في إبطاله بالدليل.
ثم قال عقيبه: {وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} فلو كان المراد منه بيان أن هذا الكفر كان حاصلًا فيهم من الزمان القديم، لم يصح جعل هذا الكلام دليلًا على إبطال تلك المقالة.
أما لو حملناه على أن الناس في أول الأمر كانوا مسلمين، وهذا الكفر إنما حدث فيهم من زمان، أمكن التوسل به إلى تزييف اعتقاد الكفار في هذه المقالة، وفي تقبيح صورتها عندهم، فوجب حمل اللفظ عليه تحصيلًا لهذا الغرض.
الثاني: أنه تعالى قال: {وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فاختلفوا وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ لَّقُضِىَ بِيْنَهُمْ} ولا شك أن هذا وعيد، وصرف هذا الوعيد إلى أقرب الأشياء المذكورة أولى، والأقرب هو ذكر الاختلاف، فوجب صرف هذا الوعيد إلى هذا الاختلاف، لا إلى ما سبق من كون الناس أمة واحدة، وإذا كان كذلك، وجب أن يقال: كانوا أمة واحدة في الإسلام لا في الكفر، لأنهم لو كانوا أمة واحدة في الكفر لكان اختلافهم بسبب الإيمان، ولا يجوز أن يكون الاختلاف الحاصل بسبب الإيمان سببًا لحصول الوعيد.
أما لو كانوا أمة واحدة في الإيمان لكان اختلافهم بسبب الكفر، وحينئذ يصح جعل ذلك الاختلاف سببًا للوعيد.
القول الثاني: قول من يقول المراد كانوا أمة واحدة في الكفر، وهذا القول منقول عن طائفة من المفسرين.
قالوا: وعلى هذا التقدير ففائدة هذا الكلام في هذا المقام هي أنه تعالى بين للرسول عليه الصلاة والسلام، أنه لا تطمع في أن يصير كل من تدعوه إلى الدين مجيبًا لك، قابلًا لدينك.
فإن الناس كلهم كانوا على الكفر، وإنما حدث الإسلام في بعضهم بعد ذلك، فكيف تطمع في اتفاق الكل على الإيمان؟
القول الثالث: قول من يقول: المراد إنهم كانوا أمة واحدة في أنهم خلقوا على فطرة الإسلام، ثم اختلفوا في الأديان.
وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه».
ومنهم من يقول المراد كانوا أمة واحدة في الشرائع العقلية، وحاصلها يرجع إلى أمرين: التعظيم لأمر الله تعالى والشفقة على خلق الله.
وإليه الإشارة بقوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وبالوالدين إِحْسَانًا} [الأنعام: 151] واعلم أن هذه المسألة قد استقصينا فيها في سورة البقرة، فلنكتف بهذا القدر ههنا.
أما قوله تعالى: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} فاعلم أنه ليس في الآية ما يدل على أن تلك الكلمة ما هي؟ وذكروا فيه وجوهًا: الأول: أن يقال لولا أنه تعالى أخبر بأنه يبقى التكليف على عباده، وإن كانوا به كافرين، لقضى بينهم بتعجيل الحساب والعقاب لكفرهم، لكن لما كان ذلك سببًا لزوال التكليف، ويوجب الإلجاء، وكان إبقاء التكليف أصوب وأصلح، لا جرم أنه تعالى أخر هذا العقاب إلى الآخرة.
ثم قال هذا القائل، وفي ذلك تصبير للمؤمنين على احتمال المكاره من قبل الكافرين والظالمين.
الثاني: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} في أنه لا يعاجل العصاة بالعقوبة إنعامًا عليهم، لقضى بينهم في اختلافهم، بما يمتاز المحق من المبطل والمصيب من المخطئ الثالث: أن تلك الكلمة هي قوله: «سبقت رحمتي غضبي» فلما كانت رحمته غالبة اقتضت تلك الرحمة الغالبة إسبال الستر على الجاهل الضال وإمهاله إلى وقت الوجدان. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً}
قال مقاتل: وما كان الناس إلاّ على ملة واحدة، يعني: على عهد آدم وعلى عهد نوح من بعد الغرق كانوا كلهم مسلمين.
{فاختلفوا} في الدين بعد ذلك.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: {وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} على عهدًا آدم فاختلفوا حين قتل أحد بني آدم أخاه فتفرقوا مؤمنًا وكافرًا.
وقال الكلبي: {وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} كافرة على عهد إبراهيم فتقرقوا مؤمنًا وكافرًا.
وقال الزجاج {وَمَا كَانَ الناس} يعني العرب.
كانوا على الشرك قبل مجيء النَّبي صلى الله عليه وسلم، فاختلفوا بعده، فآمن بعضهم وكفر بعضهم.
وقال الزجاج: وقيل أيضًا: {وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} يعني: ولدوا على الفطرة واختلفوا بعد الفطرة.
{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ}، لولا أنَّ الله جعل لهم أجلًا للقضاء بينهم {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} في وقت اختلافهم، ويقال: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} في اللوح المحفوظ بأن لا يعجل بعقوبة العاصين ويتركهم لكي يتوبوا، {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}.
وقال مقاتل: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} في الدنيا.
وقال الكلبي: لولا أن الله تعالى أخبر هذه الأمة أن لا يهلكهم كما أهلك الذين من قبلهم لقضى بينهم في الدنيا {فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من الدين. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} على ملة واحدة الإسلام دين آدم عليه السلام إلى أن قتل أحد ابني آدم أخاه فاختلفوا. قاله مجاهد والسدي.
قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا على عهد نوح فبعث الله إليهم نوحًا، وقيل: كانوا أمة واحدة مجتمعة على التوحيد يوم الميثاق. وقيل: أهل سفينة نوح، وقال أبو روق: كانوا أمة واحدة على ملّة الإسلام زمن نوح عليه السلام بعد الغرق، وقال عطاء: كانوا على دين واحد الإسلام من لدن إبراهيم عليه السلام إلى أن غيّره عمرو بن يحيى، عطاء: يدلّ على صحة هذه التأويلات قراءة عبد الله: {وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فاختلفوا}، وقال الكلبي: وما كان الناس إلاّ أمة واحدة كافرة على عهد إبراهيم فاختلفوا فتفرقوا، مؤمن وكافر.
{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} بأن جعل للدنيا مدة لكل أمة أجلا لا تتعدى ذلك، قال أبو روق وقال الكلبي: هي أن الله أخّر هذه الأمة ولا يهلكهم بالعذاب في الدنيا، وقيل: هي أنه لا يأخذ إلاّ بعد إقامة الحجة.
وقال الحسن، ولولا كلمة سبقت من ربك مضت في حكمه أنه لا يقضي فيهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب دون القيامة.
{لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} في الدنيا فأدخل المؤمنين الجنة بأعمالهم والكافرين في النار بكفرهم ولكنه سبق من الله الأجل فجعل موعدهم يوم القيامة.
وقال أبو روق: لقضي بينهم، لأقام عليهم الساعة، وقيل: الفزع من هلاكهم، وقال عيسى ابن عمر: لقضى بينهم بالفتح لقوله: {مِن رَّبِّكَ} {فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من الدين. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدً} في الناس هاهنا أربعة أقاويل:
أحدها: أنه آدم عليه السلام، قاله مجاهد والسدي.
الثاني: أنهم أهل السفينة، قاله الضحاك.
الثالث: أنهم من كان على عهد إبراهيم عليه السلام، قاله الكلبي.
الرابع: أنه بنو آدم، قاله أُبي بن كعب.
وفي قوله تعالى: {إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} ثلاثة أوجه:
أحدها: على الإسلام حتى اختلفوا، قاله ابن عباس وأُبي بن كعب.
الثاني: على الكفر حتى بعث الله تعالى الرسل، وهذا قول قد روي عن ابن عباس أيضًا.
الثالث: على دين واحد، قاله الضحاك.
{فاخْتَلَفُواْ} فيه وجهان:
أحدهما: فاختلفوا في الدين فمؤمن وكافر، قاله أبي بن كعب. الثاني: هو اختلاف بني بن آدم حين قَتل قابيل أخاه هابيل، قاله مجاهد.
{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: ولولا كلمة سبقت من ربك في تأجيلهم إلى يوم القيامة لقضي بينهم من تعجيل العذاب في الدنيا، قاله السدي.
الثاني: ولولا كلمة سبقت من ربك في أن لا يعاجل العصاة إنعامًا منه يبتليهم به لقضى بينهم فيما فيه يختلفون بأن يضطرهم إلى معرفة المحق من المبطل، قاله عليّ بن عيسى. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا}
قالت فرقة: المراد آدم كان أمة واحدة ثم اختلف الناس بعد في أمر ابنيه وقالت فرقة: المراد نسم بنيه إذ استخرجهم الله من ظهره وأشهدهم على أنفسهم وقالت فرقة: المراد آدم وبنوه من لدن نزوله إلى قتل أحد ابنيه الآخر، وقالت فرقة: المراد {وما كان الناس إلا أمة واحدة} في الضلالة والجهل بالله فاختلفوا فرقًا في ذلك بحسب الجهالة، ويحتمل أن يكون المعنى كان الناس صنفًا واحدًا معدًا للاهتداء، واستيفاء القول في هذا متقدم في سورة البقرة في قوله: {كان الناس أمة واحدة} [البقرة: 213].
وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو جعفر ونافع وشيبة وأبو عمرو {لقُضِي بينهم} بضم القاف وكسر الضاد، وقرأ عيسى بن عمر {لقَضى} بفتحهما على الفعل الماضي، وقوله: {ولولا كلمة سبقت من ربك} يريد قضاءه وتقديره لبني آدم بالآجال الموقتة، ويحتمل أن يريد الكلمة، في أمر القيامة وأن العقاب والثواب إنما كان حينئذ. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وما كان الناس إِلا أُمةً واحدةً فاختلفوا}
قد شرحنا هذا في سورة [البقرة: 213] وأحسن الأقوال أنهم كانوا على دين واحد موحِّدين، فاختلفوا وعبدوا الأصنام، فكان أول من بعث إِليهم نوح عليه السلام.
قوله تعالى: {ولولا كلمة سبقت من ربك} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ولولا كلمة سبقت بتأخير هذه الأمة أنه لا يهلكهم بالعذاب كما أهلك الذين من قبلهم، لقُضي بينهم بنزول العذاب، فكان ذلك فصلًا بينهم فيما فيه يختلفون من الدِّين.
والثاني: أن الكلمة: أن لكل أُمة أجلًا، وللدنيا مدة لا يتقدم ذلك على وقته.
والثالث: أن الكلمة: أنه لا يأخذ أحدًا إلا بعد إِقامة الحجة عليه.
وفي قوله: {لقضي بينهم} قولان: أحدهما: لقضي بينهم بإقامة الساعة.
والثاني: بنزول العذاب على المكذبين. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} تقدّم في البقرة معناه فلا معنى للإعادة.
وقال الزجاج: هم العرب كانوا على الشرك.
وقيل: كل مولود يولد على الفطرة، فاختلفوا عند البلوغ.
{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} إشارة إلى القضاء والقدر؛ أي لولا ما سبق في حكمه أنه لا يقضي بينهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب دون القيامة لقضى بينهم في الدنيا، فأدخل المؤمنين الجنة بأعمالهم والكافرين النار بكفرهم، ولكنه سبق من الله الأجل مع علمه بصنيعهم فجعل موعدهم القيامة؛ قاله الحسن.
وقال أبو رَوْق: {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} لأقام عليهم الساعة.
وقيل: لفرغ من هلاكهم.
وقال الكلبي: الكلمة أن الله أخّر هذه الأُمة فلا يهلكهم بالعذاب في الدنيا إلى يوم القيامة، فلولا هذا التأخير لقضى بينهم بنزول العذاب أو بإقامة الساعة.
والآية تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم في تأخير العذاب عمن كفر به.
وقيل: الكلمة السابقة أنه لا يأخذ أحدًا إلا بحجة وهو إرسال الرسل؛ كما قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] وقيل: الكلمة قوله: «سبقت رحمتي غضبي» ولولا ذلك لما أخر العصاة إلى التوبة.
وقرأ عيسى {لقضى} بالفتح. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا} يعني: فتفرقوا إلى مؤمن وكافر يعني كانوا جميعًا الدين الحق وهو دين الإسلام ويدل على ذلك أن آدم عليه السلام وذريته كانوا على دين الإسلام إلى أن قتل قابيل هابيل ثم اختلفوا.
وقيل: بقوا على ذلك إلى زمن نوح عليه السلام ثم اختلفوا فبعث الله نوحًا.
وقيل: إنهم كانواعلى دين الإسلام وقت خروج نوح ومن معه من السفينة ثم اختلفوا بعد ذلك وقيل كانوا على دين الإسلام من عهد إبراهيم الخليل عليه السلام إلى أن غيره عمرو بن لحي.