فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

{فلما أنجاهم} يعني: فلما أنجى الله هؤلاء الذين ظنوا أنهم أحيط بهم من الشدة التي كانوا فيها {إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق} يعني أنهم أخلفوا الله ما وعدوه وبغوا في الأرض فتجاوزوا فيها إلى غير ما أمر الله به من الكفر والعمل بالمعاصي على ظهرها وأصل البغي مجاوزة الحد.
قال صاحب المفردات: البغي على ضربين، أحدهما محمود وهو مجاوزة العدل إلى الإحسان والفرض إلى التطوع.
والثاني مذموم وهو مجاوزة الحق إلى الباطل أو إلى الشبهة.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى قوله بغير الحق والبغي لا يكون بحق قلت بلى قد يكون بحق وهو استيلاء المسلمين على أرض الكفرة وهدم دورهم وإحراق زروعهم وقلع أشجارهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة {يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم} يعني: إن وبال بغيكم راجع عليكم {متاع الحياة الدنيا} قيل هو كلام مبتدأ، والمعنى: أن بغي بعضكم على بعض هو متاع الحياة الدنيا لا يصلح لزاد الآخرة وقيل هو كلام متصل بما قبله والمعنى يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم لا يتهيأ أن يبغي بعضكم على بعض إلا أيامًا قليلة وهي مدة حياتكم مع قصرها في سرعة انقضائها.
والبغي: من منكرات الذنوب العظام.
قال بعضهم: لو بغى جبل على جبل لاندك الباغي.
وقد نظم بعضهم هذا المعنى شعرًا وكان المأمون يتمثل به فقال:
يا صاحب البغي إن البغي مصرعة ** فارجع فخير مقال المرء أعدله

فلو بغى جبل يومًا على جبل ** لاندك منه أعاليه وأسفله

وقوله سبحانه وتعالى: {ثم إلينا مرجعكم} يعني يوم القيامة {فننبئكم} أي فنخبركم {بما كنتم تعملون} يعني في الدنيا من البغي والمعاصي فنجازيكم عليها. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}
قال ابن عباس: يبغون بالدعاء إلى عبادة غير الله والعمل بالمعاصي والفساد.
قال الزمخشري: (فإن قلت): ما معنى قوله بغير الحق، والبغي لا يكون بحق؟ (قلت): بلى وهو استيلاء المسلمين على أرض الكفرة، وهدم دورهم، وإحراق زروعهم، وقطع أشجارهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة انتهى.
وكأنه قد شرح قوله: {يبغون} بأنهم يفسدون، ويبعثون مترقين في ذلك ممعنين فيه من بغي الجرح إذا ترقى للفساد انتهى.
قال الزجاج: البغي الترقي في الفساد.
وقال الأصمعي: بغي الجرح ترقي إلى الفساد، وبغت المرأة فجرت انتهى.
ولا يصح أن يقال في المسلمين إنهم باغون على الكفرة، إلا إن ذكر أنّ أصل البغي هو الطلب مطلقًا ولا يتضمن الفساد، فحينئذ ينقسم إلى طلب بحق، وطلب بغير حق.
ولما حمل ابن عطية البغي هنا على الفساد قال: أكد ذلك بقوله بغير الحق.
وجواب لما إذا الفجائية وما بعدها، ومجيء إذا وما بعدها جوابًا لها دليل على أنها حرف يترتب ما بعدها من الجواب على ما قبله من الفعل الذي بعد لمّا، وأنها تفيد الترتب والتعليق في المضي، وأنها كما قال سيبويه: حرف.
ومذهب غيره أنها ظرف، وقد أوضحنا ذلك فيما كتبناه في علم النحو.
والجواب بإذا الفجائية دليل على أنه لم يتأخر بغيهم عن إنجائهم، بل بنفس ما وقع الإنجاء وقع البغي، والخطاب بيا أيها الناس، قال الجمهور: لأهل مكة.
والذي يظهر أنه خطاب لأولئك الذين أنجاهم الله وبغوا، ويحتمل كما قالوا: العموم، فيندرج أولئك فيهم، وهذا ذمّ للبغي في أوجز لفظ.
ومعنى على أنفسكم.
وبال البغي عليكم، ولا يجني ثمرته إلا أنتم.
فقوله: {على أنفسكم}، خبر للمبتدأ الذي هو {بغيكم}، فيتعلق بمحذوف.
وعلى هذا التوجيه انتصب متاع في قراءة زيد بن علي وحفص، وابن أبي إسحاق، وهارون، عن ابن كثير: على أنه مصدر في موضع الحال أي: متمتعين، أو باقيًا على المصدرية أي: يتمتعون به متاع، أو نصبًا على الظرف نحو: مقدم الحاج أي وقت متاع الحياة الدنيا.
وكل هذه التوجيهات منقولة.
والعامل في متاع إذا كان حالًا أو ظرفًا ما تعلق به خبر بعيكم أي: كائن على أنفسكم، ولا ينتصبان ببغيكم، لأنه مصدر قد فصل بينه وبين معموله بالخبر، وهو غير جائز.
وارتفع متاع في قراءة الجمهور على أنه خبر مبتدأ محذوف.
وأجاز النحاس، وتبعه الزمخشري، أن يكون على أنفسكم متعلقًا بقوله: {بغيكم}، كما تعلق في قوله، فبغى عليهم، ويكون الخبر متاع إذا رفعته.
ومعنى {على أنفسكم}: على أمثالكم.
والذين جنسكم جنسهم يعني بغى بعضكم على بعض منفعة الحياة الدنيا.
وقرأ ابن أبي إسحاق أيضًا: {متاعًا الحياة الدنيا} بنصب متاع وتنوينه، ونصب الحياة.
وقال سفيان بن عيينة: في هذه الجملة تعجل لكم عقوبته في الحياة الدنيا.
وقرأ فرقة: {فينبئكم} بالياء على الغيبة، والمراد الله تعالى. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَلَمَّا أَنجَاهُمْ} مما غشِيَهم من الكُربة والفاءُ للدِلالة على سرعة الإجابة {إِذَا هُمْ يَبْغُونَ في الأرض} أي فاجئوا الفسادَ فيها وسارعوا إليه متراقين في ذلك متجاوزين عما كانوا عليه من حدود العيثِ، من قولهم: بغى الجرحُ إذا ترامى في الفساد، وزيادةُ في الأرض للدِلالة على التجدد والاستمرارِ وقوله تعالى: {بِغَيْرِ الحق} تأكيدٌ لما يفيده البغيُ أو معناه أنه بغير الحقِّ عندهم أيضًا بأن يكون ذلك ظلمًا ظاهرًا لا يخفى قبحُه على أحد كما في قوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ الحق} وأما ما قيل من أنه للاحتراز عن البغي بحق كتخريب الغزاةِ ديارَ الكفرة وقطعِ أشجارِهم وإحراق زرعِهم فلا يساعده النظمُ الكريم لابتنائه على كون البغي بمعنى إفسادِ صورةِ الشيء وإبطالِ منفعتِه دون ما ذكر من المعنى اللائق بحال المفسدين.
{يَا أَيُّهَا الناس} توجيهٌ للخطاب إلى أولئك الباغين للتشديد في التهديد والمبالغةِ في الوعيد {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ} الذي تتعاطَوْنه وهو مبتدأ وقوله تعالى: {على أَنفُسِكُمْ} خبرُه أي عليكم في الحقيقة لا على الذين تبغون عليهم وإن ظُنَّ كذلك وقوله تعالى: {مَّتَاعَ الحياة الدنيا} بيانٌ لكون ما فيه من المنفعة العاجلةِ شيئًا غيرَ معتدَ به سريعَ الزوال دائمَ الوبال، وهو نصبٌ على أنه مصدرٌ مؤكدٌ لفعل مقدر بطريق الاستئنافِ أي تتمتعون متاعَ الحياةِ الدنيا وقيل: على أنه مصدرٌ وقع موقِعَ الحال أي متمتعين بالحياة الدنيا والعاملُ هو الاستقرارُ الذي في الخبر لا نفسُ البغي لأنه يؤدي إلى الفصل بين المصدرِ ومعمولِه بالخبر ولا يخبر عن الموصولِ إلا بعد تمامِ صلتِه وأنت خبيرٌ بأنه ليس في تقييد كونِ بغيهم على أنفسهم بحال تمتعِهم بالحياة الدنيا معنىً يعتدّ به، وقيل: على أنه ظرفُ زمانٍ نحو مقدمَ الحاجِّ أي زمنَ متاعِ الحياةِ الدنيا وفيه ما مر بعينه، وقيل: على أنه مفعولٌ لفعل دل عليه المصدرُ أي تبغون متاعَ الحياة الدنيا ولا يخفى أنه لا يدل على البغي بمعنى الطلَب وجعلُ المصدر أيضًا بمعناه مما يُخلُّ بجزالة النظمِ الكريم لأن الاستئنافَ لبيان سوءِ عاقبةِ ما حُكيَ عنهم من البغي المفسّر بالإفساد المفْرطِ اللائقِ بحالهم فأيُّ مناسبةٍ بينه وبين البغي بمعنى الطلب؟ وجعلُ الأول أيضًا بمعناه مما يجب تنزيهُ ساحةِ التنزيلِ عنه وقيل: على أنه مفعولٌ له أي لأجل متاعِ الحياة الدنيا والعاملُ ما ذكر من الاستقرار، وفيه أن المعلّلَ بما ذُكر نفسُ البغي لا كونُه على أنفسهم، وقيل: العاملُ فيه فعلٌ مدلولٌ عليه بالمصدر أي تبغون لأجل متاعِ الحياةِ الدنيا على أن الجملةَ مستأنفةٌ، وقيل: على أنه مفعولٌ صريحٌ للمصدر وعلى أنفسكم ظرفٌ لغوٌ متعلقٌ به، والمرادُ بالأنفس الجنسُ والخبرُ محذوفٌ لطول الكلامِ.
والتقديرُ إنما بغيُكم على أبناء جنسِكم متاعَ الحياة الدنيا محذورٌ أو ظاهرُ الفساد أو نحوُ ذلك، وفيه ما مر من ابتنائه على ما يليق بالمقام من كون البغي بمعنى الطلب.
نعم لو جُعل نصبُه على العلة أي إنما بغيُكم على أبناء جنسِكم لأجل متاعِ الحياةِ الدنيا محذورٌ كما اختاره بعضُهم لكان له وجهٌ في الجملة لكن الحقَّ الذي تقتضيه جزالةُ التنزيلِ إنما هو الأولُ وقرئ متاعُ بالرفع على أنه الخبرُ والظرفُ صلةٌ للمصدر أو خبرٌ ثانٍ لمبتدإٍ محذوفٍ أي هو متاعُ الخ، كما في قوله تعالى: {إِلاَّ سَاعَةً مّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ} أي هذا بلاغٌ فالمرادُ بأنفسهم على الوجه الأول أبناءُ جنسِهم وإنما عبّر عنهم بذلك هزًا لشفقتهم عليهم وحثًا لهم على ترك إيثارِ التمتعِ المذكورِ على حقوقهم ولا مجال للحمل على الحقيقة لأن كونَ بغيهم وَبالًا عليهم ليس بثابت عندهم حسبما يقتضيه ما حُكي عنهم ولم يُخبَر به بعدُ حتى يُجعلَ من تتمة الكلام ويجعل كوُنه متاعًا مقصودَ الإفادِة، على أن عنوانَ كونِه وبالًا عليهم قادحٌ في كونه متاعًا فضلًا عن كونه من مبادي ثبوتِه للمبتدأ كما هو المتبادرُ من السَّوْق.
وأما كونُ البغي على أبناء الجنسِ فمعلومُ الثبوتِ عندهم ومتضمنٌ لمبادئ التمتعِ من أخذ المالِ والاستيلاءِ على الناس وغيرِ ذلك، وأما على الوجهين الأخيرين فلا موجبَ للعدول عن الحقيقة فإن المبتدأَ إما نفسُ البغي أو الضميرُ العائدُ إليه من حيث هو هو لا من حيث كونُه وبالًا عليهم كما في صورة كونِ الظرفِ صلةً للمصدر فتدبر. وقرئ متاعًا الحياةَ الدنيا، أما نصبُ متاعًا فعلى ما مر وأما نصبُ الحياةَ فعلى أنه بدلٌ من متاعًا بدلَ اشتمالٍ، وقيل: على أنه مفعولٌ به لمتاعًا إذا لم يكن انتصابُه على المصدرية لأن المصدرَ المؤكدَ لا يعمل. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تمكُرْ ولا تُعِن ماكرًا ولا تبغِ ولا تُعن باغيًا ولا تنكُث ولا تُعِن ناكثًا» وكان يتلوها وقال محمد بن كعب: ثلاثٌ من كنّ فيه كنّ عليه: البغيَ والنكثَ والمكر قال تعالى: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ} {وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ} {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ} وعنه عليه الصلاة والسلام: «وأسرعُ الخير ثوابًا صلةُ الرحم وأعجلُ الشر عقابًا البغيُ واليمينُ الفاجرة» وروي «ثنتان يعجّلهما الله تعالى في الدنيا البغيُ وعقوقُ الوالدين» وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما «لو بغى جبلٌ على جبل لدُكّ الباغي» {ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ} عطفٌ على ما مر من الجملة المستأنفةِ المقدرةِ كأنه قيل: تتمتعون متاعَ الحياة الدنيا ثم ترجِعون إلينا وإنما غُيّر السبكُ إلى الجملة الاسمية مع تقديم الجارِّ والمجرور للدِلالة على الثبات والقصرِ {فَنُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا على الاستمرار من البغي وهو وعيدٌ بالجزاء والعذابِ كقول الرجل لمن يتوعّده: سأخبرك بما فعلت، وفيه نكتةٌ خفيةٌ مبنيةٌ على حِكمة أبيةٍ وهي أن كلَّ ما يظهر في هذه النشأةِ من الأعيان والأعراضِ فإنما يظهر بصورة مغايرةٍ لصورته الحقيقيةِ التي بها يظهر في النشأة الآخرة فإن المعاصيَ مثلًا سمومٌ قاتلةٌ قد برزت في الدنيا بصورة تستحسنها نفوسُ العصاةِ وكذا الطاعاتُ مع كونها أحسنَ الأحاسن قد ظهرت عندهم بصور مكروهةٍ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «حُفت الجنةُ بالمكارة وحفّت النارُ بالشهوات» فالبغي في هذه النشأة وإن برز بصورة تشتهيها البغاةُ وتستحسنها الغواةُ لتمتعهم به من حيث أخذُ المالِ والتشفّي من الأعداء ونحوُ ذلك لكن ذلك ليس بتمتع في الحقيقة بل هو تضرّر من حيث لا يحتسبون وإنما يظهرُ لهم ذلك عند إبرازِ ما كانوا يعملونه من البغي بصورته الحقيقيةِ المضادّةِ لِما كانوا يشاهدونه على ذلك من الصورة وهو المرادُ بالتنبئة المذكورةِ والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَلَمَّا أَنجَاهُمْ} مما نزل بهم من الشدة والكربة، والفاء للدلالة على سرعة الإجابة {إِذَا هُمْ يَبْغُونَ في الأرض} أي فاجأوا الفساد فيها وسارعوا إليه مترامين في ذلك ممعنين فيه من قولهم: بغى الجرح إذا ترامى في الفساد، وزيادة {فِى الأرض} للدلالة على شمول بغيهم لأقطارها، وصيغة المضارع للدلالة على التجدد والاستمرار، وقوله سبحانه وتعالى: {بِغَيْرِ الحق} تأكيدًا لما يفيده البغي إذ معناه أنه بغير الحق عندهم أيضًا بأن يكون ظلمًا ظاهرًا لا يخفى قبحه على كل أحد كما قيل نحو ذلك في قوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ الحق} [البقرة: 61]
وقد فسر البغي بإفساد صورة الشيء وإتلاف منفعته وجعل {بِغَيْرِ الحق} للاحتراز مما يكون من ذلك بحق كتخريب الغزاة ديار الكفرة وقطع أشجارهم وحرق زروعهم كما فعل صلى الله عليه وسلم ببني قريظة.
وتعقب بأنه مما لا يساعده النظم الكريم لأن البغي بالمعنى الأول هو اللائق بحال المفسدين فينبغي بناء الكلام عليه.
والزمخشري اختار كون ذلك للاحتراز عما ذكر.
وذكر في الكشف أنه أشار بذلك إلى أن الفساد اللغوي خروج الشيء من الانتفاع فلا كل بغى أي فساد في الأرض واستطالة فيها كذلك كما علمت وإن كان موضوعه العرفي للاستطالة بغير حق لكن النظر إلى موضوعه الأصلي، وقيل: إن البغي الذي يتعدى بفي بمعنى الإتلاف والإفساد وهو يكون حقًا وغيره والذي يتعدى بعلى بمعنى الظلم، وتقييد الأول بغير الحق للاحتراز وتقييد الثاني به للتأكيد، ولعل من يجعل البغي هنا بمعنى الظلم يقول: إن المعنى يبغون على المسلمين مثلًا فافهم {يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا الناس} توجيه الخطاب إلى أولئك الباغين للتشديد في التهديد والمبالغة في الوعيد {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ} الذي تتعاطونه وهو مبتدأ خبره قوله سبحانه: {على أَنفُسِكُمْ} أي عليكم في الحقيقة لا على الذين تبغون عليهم وإن ظن كذلك، وقوله تعالى: {مَّتَاعَ الحياة الدنيا} نصب على أنه مصدر مؤكد لفعل مقدر بطريق الاستئناف أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا، والمراد من ذلك بيان كون ما في البغي من المنفعة العاجلة شيئًا غير معتد به سريع الزوال دائم الوبال، وقيل: إنه منصوب على أنه مصدر واقع موقع الحال أي متمتعين، والعامل هو الاستقرار الذي في الخبر ولا يجوز أن يكون نفس البغي لأنه لا يجوز الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر، وأيضًا لا يخبر عن المصدر إلا بعد تمام صلاته ومعمولاته.