فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ}
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن يوسف بن يعقوب الفقيه في آخرين قالوا: حدثنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار. الحسين بن عرفة العبدي حدثني سلم بن سالم البلخي عن نوح عن أُبيّ عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} فقال: «الذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى وهي الجنّة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم».
وهو قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه وحذيفة وأبي موسى وصهيب وعبادة بن الصامت وكعب ابن عجرة وعامر بن سعد وعبد الرحمن بن سابط والحسن وعكرمة وأبي الجوزاء والضحاك والسدي وعطاء ومقاتل، يدلّ عليه:
ما أخبرنا أبو إسحاق بن الفضل القهندري أخبرنا أبو علي الصفار. الحسن بن عرفة. يزيد ابن هارون عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا أن: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدًا لم تروه، قال: فيقولون وما هو؟ ألم تبيّض وجوهنا وتزحزحنا عن النار وتدخلنا الجنة، قال: فيكشف الحجاب تبارك وتعالى- فينظرون إليه- قال: فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحب إليهم منه».
قال ابن عباس: الذين أحسنوا الحسنى يعني الذين شهدوا أن لا إله إلاّ الله الجنة.
وروى عطية عنه هي أن واحدة من الحسنات واحدة والزيادة التضعيف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف.
وروى جويبر عن الليث عن عبد الرحمن بن سابط قال: الحسنى: النظرة، والزيادة: النظر.
قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22-23].
وروى الحكم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: الزيادة غرفة من لؤلؤ واحدة لها أربعة ألف باب. مجاهد: الحسنى: حسنة مثل حسنة والزيادة مغفرة من الله ورضوان، ابن زيد: الحسنى: الجنة والزيادة ما أعطاهم في الدعاء لا يحاسبهم به يوم القيامة.
حكى منصور بن عمار عن يزيد بن شجرة قال: الزيادة: هي أن تمرّ السحابة بأهل الجنة فتمطرهم من كل النوادر، وتقول لهم: ما تريدون ان أُمطركم؟ فلا يريدون شيئًا إلاّ مطرتهم.
{وَلاَ يَرْهَقُ} يغشى ويلحق {وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} غبار وهو جمع قترة.
قال الشاعر:
متوج برداء الملك يتبعه ** موج ترى فوقه الرايات والقترا

وقال ابن عباس وقتادة: سواد الوجوه، وقرأ الحسن: قتر بسكون التاء وهما لغتان كالقدْر والقدَر {وَلاَ ذِلَّةٌ} هوان، وقال قتادة: كآبة وكسوف.
قال ابن أبي ليلى: هذا بعد نظرهم إلى ربهم {أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} يعني عبادة ربهم.
{الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: أن الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى. وهذا قول أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان وأبي موسى الأشعري.
والثاني: أن الحسنى واحدة من الحسنات، والزيادة مضاعفتها إلى عشر أمثالها، قاله ابن عباس.
الثالث: أن الحسنى حسنة مثل حسنة. والزيادة مغفرة ورضوان، قاله مجاهد.
والرابع: أن الحسنى الجزاء في الآخرة والزيادة ما أعطوا في الدنيا، قاله ابن زيد.
والخامس: أن الحسنى الثواب، والزيادة الدوام، قاله ابن بحر.
ويحتمل سادسًا: أن الحسنى ما يتمنونه، والزيادة ما يشتهونه.
{وَلاَ يَْرهَقُ وَجُوهَهُمْ قَتَرٌ} في معنى يرهق وجهان:
أحدهما: يعلو.
الثاني: يلحق، ومنه قيل غلام مراهق إذا لحق بالرجال.
وفي قوله تعالى: {قَتَرٌ} أربعة أوجه:
أحدها: أنه سواد الوجوه، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه الحزن، قاله مجاهد.
الثالث: أنه الدخان ومنه قتار اللحم وقتار العود وهو دخانه، قاله ابن بحر.
الرابع: أنه الغبار في محشرهم إلى الله تعالى، ومنه قول الشاعر:
متوجٌ برداء الملك يتبعه ** موجٌ ترى فوقه الرايات والقترا

{وَلاَ ذِلَّةٌ}
فيها هاهنا وجهان:
أحدهما: الهوان.
الثاني: الخيبة. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} الآية.
قالت فرقة وهي الجمهور: {الحسنى} الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل، وروي في نحو ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه صهيب، وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وحذيفة وأبي موسى الأشعري وعامر بن سعد وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال: الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة، وقالت فرقة {الحسنى} هي الحسنة، والزيادة هي تضعيف الحسنات إلى سبعمائة فدونها حسبما روي في نص الحديث، وتفسير قوله تعالى: {والله يضاعف لمن يشاء} [البقرة: 261]، وهذا قول يعضده النظر ولولا عظم القائلين بالقول الأول لترجح هذا القول، وطريق ترجيحه أن الآية تتضمن اقترانًا بين ذكر عمال الحسنات وعمال السيئات، فوصف المحسنين بأن لهم حسنى وزيادة من جنسها، ووصف المسيئين بأن لهم بالسيئة مثلها فتعادل الكلامان، وعبر عن الحسنات بـ {الحسنى} مبالغة، إذ هي عشرة، وقال الطبري: {الحسنى} عام في كل حسنى فهي تعم جميع ما قيل، ووعد الله تعالى على جميعها بالزيادة، ويؤيد ذلك ذلك أيضًا قوله: {أولئك أصحاب الجنة}، ولو كان معنى {الحسنى} الجنة لكان في القول تكرير بالمعنى، على أن هذا ينفصل عنه بأنه وصف المحسنين بأن لهم الجنة وأنهم لا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة، ثم قال: {أولئك أصحاب الجنة} على جهة المدح لهم، أي أولئك مستحقوها وأصحابها حقًا وباستيجاب، و{يرهق} معناه يغشى مع ذلة وتضييق، والقتر الغبار المسود، ومنه قول الشاعر [الفرزدق]: [البسيط]
متوج برداء الملك يتبعه ** موج ترى وسطه الرايات والقترا

وقرأ الحسن وعيسى بن عمر والأعمش وأبو رجاء {قتْر} بسكون التاء. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {للذين أحسنوا}
قال ابن عباس: قالوا: لا إِله إِلا الله.
قال ابن الأنباري: الحسنى: كلمة مستغنى عن وصفها ونعتها، لأن العرب توقعها على الخَلَّة المحبوبة المرغوب فيها المفروح بها، فكان الذي تعلمه العرب من أمرها يغني عن نعتها، فكذلك المزيد عليها محمول على معناها ومتعرَّف من جهتها، يدل على هذا قول امرئ القيس:
فلما تنازعنا الحديث وأسمحت ** هَصَرْتُ بغصنٍ ذي شماريخَ مَيَّالِ

فَصِرْنَا إِلى الحُسْنَى وَرَقَّ كَلامُنَا ** ورُضْتُ فذلَّت صَعْبَةً أيَّ إِذلالِ

أي: إِلى الأمر المحبوب.
وهصرتُ بمعنى مددت.
والغصن كناية عن المرأة.
والباء مؤكدة للكلام، كما تقول العرب: ألقى بيده إِلى الهلاك، يريدون: ألقى يده.
والشماريخ كناية عن الذوائب.
ورضت، معناه: أذللت.
ومن أجل هذا قال: أي إِذلال، ولم يقل: أي رياضة.
وللمفسرين في المراد بالحسنى خمسة أقوال:
أحدها: أنها الجنة، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه قال الأكثرون.
والثاني: أنها الواحدة من الحسنات بواحدة، قاله ابن عباس.
والثالث: النصرة، قاله عبد الرحمن بن سابط.
والرابع: الجزاء في الآخرة، قاله ابن زيد.
والخامس: الأمنية، ذكره ابن الأنباري.
وفي الزيادة ستة أقوال:
أحدها: أنها النظر إِلى الله عز وجل.
روى مسلم في صحيحه من حديث صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الزيادة: النظر إلى وجه الله عز وجل» وبهذا القول قال أبو بكر الصديق، وأبو موسى الأشعري، وحذيفة، وابن عباس، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والسدي، ومقاتل.
والثاني: أن الزيادة: غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب، رواه الحكم عن عليّ، ولا يصح.
والثالث: أن الزيادة: مضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها، قاله ابن عباس، والحسن.
والرابع: أن الزيادة: مغفرة ورضوان، قاله مجاهد.
والخامس: أن الزيادة: أن ما أعطاهم في الدنيا لا يحاسبهم به في القيامة، قاله ابن زيد.
والسادس: أن الزيادة: ما يشتهونه، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {ولا يرهق} أي: لا يغشى {وجوهَهُم قَتَرٌ} وقرأ الحسن، وقتادة، والأعمش: {قَتْر} باسكان التاء، وفيه أربعة أقوال:
أحدها: أنه السواد.
قال ابن عباس: سواد الوجوه من الكآبة.
وقال الزجاج: القتر: الغبرة التي معها سواد.
والثاني: أنه دخان جهنم، قاله عطاء.
والثالث: الخزي، قاله مجاهد.
والرابع: الغبار، قاله أبو عبيدة.
وفي الذلة قولان:
أحدهما: الكآبة، قاله ابن عباس.
والثاني: الهوان، قاله أبو سليمان. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ}
رُوي من حديث أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وَزِيَادَةٌ} قال: للذين أحسنوا العمل في الدنيا لهم الحسنى وهي الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم وهو قول أبي بكر الصديق وعليّ بن أبي طالب في رواية.
وحذيفة وعُبادة ابن الصامت وكعب بن عُجْرة وأبي موسى وصُهيب وابن عباس في رواية، وهو قول جماعة من التابعين، وهو الصحيح في الباب.
وروى مسلم في صحيحه عن صُهيب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهلُ الجنة الجنةَ قال الله تبارك وتعالى تريدون شيئًا أزيدكم فيقولون ألم تبيّض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشِف الحجاب فما أُعْطُوا شيئًا أحبَّ إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل وفي رواية ثم تلا: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}» وخرّجه النسائي أيضًا عن صُهيب قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه الآية: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} قال: «إذا دخل أهلُ الجنة الجنةَ وأهلُ النار النارَ نادى منادٍ يا أهل الجنة إن لكم موعدًا عند الله يريد أن يُنْجِزكُموه قالوا ألم يبيّض وجوهنا ويُثقل موازينَنا ويُجِرْنا من النار قال فيكشِف الحجابَ فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحب إليهم من النظر ولا أقَرّ لأعينهم». وخرّجه ابن المبارك في دقائقه عن أبي موسى الأشعري موقوفًا، وقد ذكرناه في كتاب التذكرة، وذكرنا هناك معنى كشف الحجاب، والحمد لله.