فصل: تنبيه (على مدة إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة ومدة إقامته بالمدينة وعمره):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وثانيها: أنه في ذلك الوقت إن اشتغل بذكر الله تعالى، والثناء عليه بدلًا عن الدعاء، كان أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى: «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين»، ولأنّ الاشتغال بالذكر اشتغال بالحق والاشتغال بالدعاء، اشتغال بطلب حظ النفس، ولا شك أنَّ الأوّل أفضل. وثالثها:
أنه تعالى إذا أزال عنه تلك البلية وجب عليه أن يبالغ في الشكر، وأن لا يخلو عن ذلك الشكر في السراء والضراء، وأحوال الشدّة والرخاء، فهذا هو الطريق الصحيح عند نزول البلاء، وحينئذ يكون المؤمن على الضدّ من الكافر؛ لأنَّ الكافر منهمك في الشهوات، والإعراض عن العبادات. كما قال تعالى: {كذلك} أي: مثل ما زين لهؤلاء الكافرين هذا العمل القبيح.
{زين للمسرفين} أي: المشركين {وما كانوا يعملون} من القبائح لإعراضهم عن الذكر واتباعهم الشهوات، وإنما سمي الكافر مسرفًا؛ لأنّه أتلف نفسه بتضييعها في عبادة الأوثان، وأتلف ماله في البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والمزين هو الله تعالى؛ لأنه مالك الملك، والخلق كلهم عبيده يتصرّف فيهم كيف شاء، وقيل: هو الشيطان وذلك بإقدار الله تعالى إياه على ذلك، وإلا فهو أخس وأحقر.
{ولقد أهلكنا القرون} أي: الأمم الماضية.
{من قبلكم} يا أهل مكة.
{لما ظلموا} أي: حين أشركوا، وقوله تعالى: {وجاءتهم رسلهم بالبينات} أي: بالحجج الدالة على صدقهم، حال من الواو وبإضمار قد أو عطف على ظلموا.
{وما} أي: والحال أنهم ما {كانوا ليؤمنوا} أي: وما استقام لهم أن يؤمنوا، ولو جاءتهم كل آية لعلمه تعالى بأنهم يموتون على كفرهم، واللام لتأكيد النفي.
{كذلك} أي: مثل ذلك الجزاء العظيم وهو إهلاكهم لما كذبوا رسلهم {نجزي القوم المجرمين} أي: نجزيكم يا أهل مكة بتكذيبكم محمدًا صلى الله عليه وسلم فوضع المظهر موضع المضمر للدّلالة على كمال جرمهم، وأنهم أعلام فيه.
{ثم جعلناكم} أي: أيها المرسل إليهم أشرف رسلنا {خلائف} جمع خليفة {في الأرض من بعدهم} أي: استخلفناكم فيها بعد القرون التي أهلكناها استخلاف من يختبر {لننظر} ونحن أعلم بكم من أنفسكم في علم الشهادة لإقامة الحجة.
{كيف تعملون} من خير أو شر فنجازيكم به، وقد مرّ نظائر هذا، ومنه قوله تعالى: {ليبلوكم أيكم أحسن عملًا} وقال صلى الله عليه وسلم: «إنّ الدنيا خضرة حلوة، وإنّ الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون». وقال قتادة: صدق الله ربنا ما جعلنا خلفاء إلا لينظر إلى أعمالنا، فأروا الله من أعمالكم خيرًا بالليل والنهار.
قال الزجاج: وموضع كيف نصب بقوله تعملون، أي: لا معمول ننظر؛ لأنها حرف استفهام، والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله؛ لأنّ له صدر الكلام فلا يتقدمه عامله، وظاهر كلامه أنّ كيف مفعول لتعملون، وجمهور النحاة على أنه حال من ضمير تعملون.
{وإذا تتلى عليهم} أي: وإذا قرئ على هؤلاء المشركين.
{آياتنا} أي: القرآن الذي أنزلناه إليك يا محمد حالة كون تلك الآيات {بينات} أي: ظاهرات تدل على وحدانيتنا وصحة نبوّتك.
{قال الذين لا يرجون لقاءنا} أي: لا يخافون عذابنا، ولا يرجون ثوابنا؛ لأنهم لا يؤمنون بالبعث بعد الموت، وكل من كان منكرًا للبعث بعد الموت؛ فإنه لا يرجو ثوابًا ولا يخاف عقابًا.
{ائت} أي: من عندك {بقرآن} أي: كلام مجموع جامع لما نريد.
{غير هذا} في نظمه ومعناه.
{أو بدله} بألفاظ أخرى، والمعاني باقية، وقد كانوا عالمين بأنه صلى الله عليه وسلم مثلهم في العجز عن ذلك، ولكنهم قصدوا أن يأخذ في التغيير حرصًا على إجابة مطلوبهم، فيبطل مدعاه أو يهلك، واختلف في هذا القائل.
فقال قتادة: هم مشركو أهل مكة. وقال مقاتل: هم خسمة نفر: عبد الله بن أمية الجمحي، والوليد بن المغيرة، ومكدر بن حفص، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري، والعاصي بن عامر بن هشام، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت تريد أن نؤمن بك فأت بقرآن ليس فيه ترك لعبادة اللات والعزى ومناة، وليس فيه عيبها، وإن لم ينزله الله فقل أنت من عند نفسك أو بدله، فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة، أو مكان حرام حلالًا، أو مكان حلالًا حرامًا، ولما كان كأنه قيل فماذا أقول لهم؟ قال الله تعالى: {قل} لهم {ما يكون} أي: ما يصح {لي} ولا يتصوّر بوجه من الوجوه {أن أبدله من تلقاء} أي: قبل {نفسي} وإنما اكتفى بالجواب عن التبديل لاستلزام امتناعه امتناع الإتيان بقرآن آخر، وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الباء والباقون بالسكون {إن} أي: ما {أتبع إلا ما يوحى إليّ} فيما آمركم به أو أنهاكم عنه، أي: لا آتي بشيء ولا أذر شيئًا من نحو ذلك إلا متبعًا لوحي الله تعالى وأوامره، إن نسخت آية تبعت النسخ، وإن بدلت آية مكان آية تبعت التبديل، وليس إليّ تبديل ولا نسخ {إني أخاف إن عصيت ربي} أي: بتبديله {عذاب يوم عظيم} فإني مؤمن به غير مكذب ولا شاك كغيري ممن يتكلم الهذيان بما لا يخاف عاقبته في ذلك اليوم الذي تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو لي وإني بفتح الياء، والباقون بالسكون.
{قل} يا محمد لهؤلاء المشركين الذين طلبوا منك تغيير القرآن وتبديله {لو شاء الله ما تلوته عليكم} أي: لو شاء الله لم ينزل هذا القرآن، ولم يأمرني بقراءته عليكم {ولا أدراكم به} أي: ولا أعلمكم به على لساني.
وقرأ ابن كثير بخلاف عن البزي بقصر الهمزة بعد اللام جواب لو، أي: لأعلمكم به على لسان غيري، والباقون بالمدّ المنفصل. وقوله تعالى: {فقد لبثت} أي: مكثت قراءة نافع وابن كثير وعاصم بإظهار الثاء عند التاء والباقون بالإدغام {فيكم عمرًا} سنين أربعين {من قبله} أي: قبل أن يوحى إليَّ هذا القرآن لا أتلوه ولا أعلمه، ففي ذلك إشارة إلى أنّ هذا القرآن معجز خارق للعادة.
وتقريره: أن أولئك الكفار كانوا قد شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوّل عمره إلى ذلك الوقت، وكانوا عالمين بأحواله وأنه ما طالع كتابًا، ولا تتلمذ لأستاذ ولا تعلم من أحد، ثم بعد انقراض أربعين سنة على هذا الوجه، جاءهم بهذا الكتاب العظيم المشتمل على نفائس علم الأصول، ودقائق علم الأحكام ولطائف علم الأخلاق، وأسرار قصص الأوّلين، وعجز عن معارضته العلماء والفصحاء والبلغاء، وكل من له عقل سليم، فإنه يعرف أن مثل هذا لا يحصل إلا بالوحي والإلهام من الله تعالى: {أفلا تعقلون} أي: أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر لتعلموا أنَّ مثل هذا الكتاب العظيم على من لم يتعلم ولم يتتلمذ ولم يطالع كتابًا، ولم يمارس مجادلة، أنه لا يكون إلا على سبيل الوحي من الله تعالى، لا من مثلي، وهذا جواب عمّا دسوه تحت قولهم: {ائت بقرآن غير هذا} من إضافة الإفتراء إليه.

.تنبيه [على مدة إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة ومدة إقامته بالمدينة وعمره]:

أقام صلى الله عليه وسلم بعد أن أوحي إليه بمكة ثلاث عشرة سنة، ثم هاجر فأقام بالمدينة عشر سنين، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال النووي: ورد في عمره صلى الله عليه وسلم ثلاث روايات: إحداها: أنه توفي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستين سنة. والثانية: خمس وستون سنة. والثالثة: ثلاث وستون سنة، وهي أصحها وأشهرها، وتأوّلوا رواية ستين بأنَّ راويها اقتصر فيها على العقود، وترك الكسر، ورواية الخمس أيضًا متأوّلة، وحصل فيها اشتباه، ولما أقيمت الدلائل على أنّ هذا القرآن من عند الله وجب أن يقال: إنه ليس في الدنيا أحد أجهل ولا أظلم على نفسه من منكر ذلك كما قال تعالى: {فمن} أي: لا أحد {أظلم ممن افترى} أي: تعمد {على الله كذبا} أي: أيّ كذب كان من شريك أو ولد أو غير ذلك، وكأنّ الأصل مبنيّ على تقدير أن يكون هذا القرآن من عند الله، ولكنه وضع هذا الظاهر مكانه تعميمًا وتعليقًا للحكم بالوصف {أو كذب بآياته} أي: دلائل توحيده فكفر بها كما فعلتم أنتم، وذلك من أعظم الكذب، وقوله تعالى: {إنه} أي: الشأن {لا يفلح} بوجه من الوجوه {المجرمون} أي: المشركون تأكيد لما سبق من هذين الوصفين {ويعبدون} أي: هؤلاء المشركون {من دون الله} أي: غيره {ما لا يضرّهم} أي: إن لم يعبدوه {ولا ينفعهم} أي: إن عبدوه، وهو الأصنام؛ لأنها حجارة وجماد لا تضرّ ولا تنفع، والكافرون قادرون على التصرف فيها تارة بالإصلاح وتارة بالإفساد، وإذا كان العابد أصلح حالًا من المعبود كانت العبادة باطلة؛ لأنّ العبادة أعظم أنواع التعظيم، فلا تليق إلا بمن يضرّ وينفع، بأن يثيب على الطاعة، ويعاقب على المعصية، وكان أهل الطائف يعبدون اللات، وأهل مكة يعبدون العزى ومناة وهبل وإسافا ونائلة.
{ويقولون هؤلاء} أي: الأصنام التي نعبدها.
{شفعاؤنا عند الله} ونظيره قوله تعالى إخبارًا عنهم: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}.
وقيل: إنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم، وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر يكونون شفعاء لهم عند الله.
قال الرازي: ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله. اهـ. ولكن تعظيمهم لهؤلاء ليس كتعظيم الكفار، وفي هذه الشفاعة قولان:
أحدهما: أنهم يزعمون أنها تشفع لهم فيما يهمهم من أمور الدنيا في إصلاح معايشهم.
قاله الحسن؛ لأنهم كانوا لا يعتقدون بعث الموتى.
والثاني: أنهم يزعمون أنها تشفع لهم في الآخرة إن يكن بعث، قاله ابن جريج عن ابن عباس، وكأنهم كانوا شاكين فيه، وهذا من فرط جهالتهم حيث تركوا عبادة موجدهم الضارّ النافع إلى عبادة ما يعلم قطعًا أنه لا يضرّ ولا ينفع، على توّهم أنه ربما يشفع لهم.
قال النضر بن الحارث: إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى. وقوله تعالى: {قل} يا محمد لهؤلاء المشركين {أتنبئون} أي: تخبرون {الله} وهو العالم بكل شيء المحيط بكل محيط.
{بما لا يعلم} أي: لا يوجد له به علم في وقت من الأوقات، استفهام إنكار تهكم بهم، وبما ادّعوه ومن المحال الذي هو شفاعة الأصنام، وإعلام بأن الذي أنبؤوا به باطل غير منطوٍ تحت الصحة، فكأنهم يخبرونه بشيء لا يتعلق به علمه. وقوله تعالى: {في السموات ولا في الأرض} تأكيد لنفيه؛ لأنّ ما لم يوجد فيهما فهو منتفٍ معدوم، وهذا على طريق الإلزام، والمقصود نفي علم الله بذلك الشفيع، وأنه لا وجود له ألبتة؛ لأنه لو كان موجودًا لكان معلومًا لله تعالى وحيث لم يكن معلومًا لله تعالى، وجب أن لا يكون معلومًا موجودًا، وهذا مثل مشهور في العرب، فإنّ الإنسان إذا أراد نفي شيء عن نفسه يقول: ما علم الله ذلك مني؛ ومقصوده أنه ما حصل ذلك الشيء منه قط ولا وقع.
{سبحانه} أي: تنزيهًا له عن كل شيء فيه شائبة نقص.
{وتعالى عما يشركون} ما مصدرية أو موصولة، أي: عن إشراكهم أو عن الشركاء الذين يشركونهم به.
وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على الخطاب، لقوله: {أتنبئون الله} والباقون بالياء على الغيبة، فكأنه قيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم قل أنت: سبحانه وتعالى عما يشركون، ويجوز أن يكون الله سبحانه وتعالى هو الذي نزه نفسه عما قالوه، فقال: سبحانه وتعالى عما يشركون. ولما أقام تعالى الدلالة القاهرة على فساد القول بعبادة الأصنام بيّن السبب في كيفية حدوث هذا المذهب الفاسد بقوله: {وما كان الناس إلا أمَّة واحدة} أي: جميعًا على الدين الحق وهو دين الإسلام. وقيل على الضلال في فترة الرسل، واختلف القائلون بالأوّل أنهم متى كانوا كذلك.؟ فقال ابن عباس ومجاهد: كانوا على دين الإسلام من لدن آدم إلى أن قَتَلَ قابيلُ هابيلَ. وقال قوم: إلى زمن نوح، وكانوا عشرة قرون. ثم اختلفوا في عهد نوح فبعث الله تعالى إليهم نوحًا. وقال آخرون: كانوا على دين الإسلام من زمن نوح بعد الغرق حيث لم يذر الله على الأرض من الكافرين ديّارًا إلى أن ظهر الكفر فيهم. وقال آخرون: من عهد إبراهيم عليه السلام إلى زمن عمرو بن لحي، وهذا القائل قال: المراد من الناس في قوله تعالى: {وما كان الناس إلا أمة واحدة} العرب خاصة.
{فاختلفوا} بأن ثبت بعض وكفر بعض.
{ولولا كلمة سبقت من ربك} وهو تأخير الحكم إلى يوم القيامة، وقيل: تلك الكلمة هي قوله سبحانه: «سبقت رحمتي غضبي». فلما كانت رحمته غالبة اقتضت تلك الرحمة الغالبة إسبال الستر على الجاهل الضال، وإمهاله إلى وقت الوجدان: {لقضي بينهم} أي: الناس بنزول العذاب في الدنيا دون يوم القيامة {فيما فيه يختلفون} من الدين بإهلاك المبطل، وإبقاء المحق، وكان ذلك فصلًا بينهم {ويقولون} أي: كفار مكة {لولا} أي: هلا {أنزل عليه} أي: محمد صلى الله عليه وسلم {آية من ربه} أي: غير ما جاء به كما كان للأنبياء من الناقة والعصا واليد {فقل} يا محمد لهؤلاء الكفرة المعاندين {إنما الغيب} أي: ما غاب عن العباد أمره {لله} أي: هو المختص بعلمه، ومنه الآيات فلا يأتي بها إلا هو وإنما عليّ التبليغ {فانتظروا} أي: نزول ما اقترحتموه. وقيل نزول العذاب إن لم يؤمنوا {إني معكم من المنتظرين} أي: لما يفعل الله تعالى بكم لعنادكم وجحودكم الآيات، وكفى بالقرآن وحده آية باقية على وجه الدهر، بديعة في الآيات، رقية المسلك بين المعجزات مع عجزكم عن معارضته بتبديل أو غيره، فأيّ عناد أعظم من هذا {وإذا أذقنا الناس} أي: كفار مكة {رحمة} أي: صحة وسعة {من بعد ضرّاء} أي: شدّة وبلاء {مستهم} سلط الله تعالى القحط سبع سنين على أهل مكة حتى كادوا يهلكون ثم رحمهم، فأنزل عليهم المطر الكثير حتى أخصبت البلاد، وعاش الناس بعد ذلك فلم يتعظوا بذلك، بل رجعوا إلى العناد والكفر كما قال تعالى: {إذا لهم مكر في آياتنا} بالاستهزاء والتكذيب، وقيل: لا يقولون هذا من رزق الله، إنما يقولون: سُقينا بنوء كذا. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله تعالى ليصبح القوم بالنعمة ويمسيهم بها فيصبح طائفة منهم بها كافرين يقولون: مطرنا بنوء كذا» والنوء عند العرب: هي منازل القمر إذا طلع نجم سقط نظيره {قل الله} أي: قل لهم يا محمد الله: {أسرع مكرًا} منكم، أي: أعجل عقوبة وأشدّ أخذًا وأقدر على الجزاء. ومعنى الوصف بالأسرعية: أنه قضى بعقابهم قبل تدبيرهم مكايدهم والمكر إخفاء الكيد وهو من الله تعالى، أمّا الاستدراج أو الجزاء على المكر، فإنهم لما قابلوا نعمة الله بالمكر قابل مكرهم بأشد منه، وهو إمهالهم إلى يوم القيامة.