فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {أفمن يهدي إلى الحق أحق من يتبع} إلى آخره تفريع استفهام تقريري على ما أفادته الجملتان السابقتان من قصر الهداية إلى الحق على الله تعالى دون آلهتهم.
وهذا مما لا ينبغي أن يختلف فيه أهل العقول بأن الذي يهدي إلى الحق يوصل إلى الكمال الروحاني وهو الكمال الباقي إلى الأبد وهو الكون المصون عن الفساد فإن خلق الأجساد مقصود لأجل الأرواح، والأرواح مراد منها الاهتداء، فالمقصود الأعلى هو الهداية.
وإذ قد كانت العقول عرضة للاضطراب والخطأ احتاجت النفوس إلى هدي يتلقى من الجانب المعصوم عن الخطأ وهو جانب الله تعالى، فلذلك كان الذي يهدي إلى الحق أحق أن يتبع لأنه مصلح النفوس ومصلح نظام العالم البشري، فاتباعه واجب عقلًا واتباع غيره لا مصحح له، إذ لا غاية ترجى من اتباعه.
وأفعال العقلاء تصان عن العبث.
وقوله: {أمّن لا يَهدّي إلا أن يُهدى} أي الذي لا يهتدي فضلًا عن أن يَهدي غيره، أي لا يقبل الهداية فكيف يهدي غيره فلا يحق له أن يتبع.
والمراد بـ {من لا يهدي} الأصنام فإنها لا تهتدي إلى شيء، كما قال إبراهيم {يا أبتِ لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئًا} [مريم: 42].
وقد اختلف القراء في قوله: {أمَّن لا يَهدي} فقرأ نافع، وابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو بفتح التحتية وفتح الهاء على أن أصله يهتدي، أبدلت التاء دالًا لتقارب مخرجيهما وأدغمت في الدال ونقلت حركة التاء إلى الهاء الساكنة (ولا أهمية إلى قراءة قالون عن نافع إلى قراءة أبي عمرو بجعل فتح الهاء مختلسًا بين الفتح والسكون لأن ذلك من وجوه الأداء فلا يعد خلافًا في القراءة).
وقرأ حفص عن عاصم ويعقوبُ بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال على اعتبار طرح حركة التاء المدغمة واختلاف كسرة على الهاء على أصل التخلص من التقاء الساكنين.
وقرأ أبو بكر عن عاصم بكسر الباء وكسر الهاء بإتباع كسرة الياء لكسرة الهاء.
وقرأ حمزة والكسائي وخلف بفتح الياء وسكون الهاء وتخفيف الدال على أنه مضارع هَدَى القاصر بمعنى اهتدى، كما يقال: شَرى بمعنى اشترى.
والاستثناء في قوله: {إلا أن يُهدى} تهكم من تأكيد الشيء بما يشبه ضده.
وأريد بالهَدْي النقل من موضع إلى موضع أي لا تهتدي إلى مكان إلا إذا نقلها الناس ووضعوها في المكان الذي يريدونه لها، فيكون النقل من مكان إلى آخر شبه بالسير فشبه المنقول بالسائر على طريقة المكنية، ورُمز إلى ذلك بما هو من لوازم السير وهو الهداية في {لا يهدي إلا أن يهدى}.
وجوز بعض المفسرين أن يكون فعل {إلا أن يهدى} بمعنى إهداء العروس، أي نقلها من بيت أهلها إلى بيت زوجها، فيقال: هديت إلى زوجها.
وجملة: {فمالكم كيف تحكمون} تفريع استفهام تعجيبي على اتباعهم من لا يهتدي بحال.
واتباعهم هو عبادتهم إياهم.
ف {ما} استفهامية مبتدأ، و{لكم} خبر، واللام للاختصاص.
والمعنى: أي شيء ثبت لكم فاتبعتم من لا يهتدي بنفسه نقلًا من مكان إلى مكان.
وقوله العرب: مالك؟ ونحوه استفهام يعامل معاملة الاستفهام في حقيقته ومجازه.
وفي الحديث أن رجلًا قال للنبيء صلى الله عليه وسلم دُلني على عمل يُدخلني الجنة، فقال الناس: {مَا لَه مَا لَه} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرَبٌ مَّا له».
فإذا كان المستفهم عنه حالًا ظاهرة لم يحتج إلى ذكر شيء بعد (مَا له) كما وقع في الحديث.
وجعل الزجاج هذه الآية منه فقال: {ما لكم}: كلام تام، أي أي شيء لكم في عبادة الأوثان.
قال ابن عطية: ووقف القراء {فما لكم} ثم يبدأ {كيف تحكمون}.
وإذا كان بخلاف ذلك أتبعوا الاستفهام بحال وهو الغالب كقوله تعالى: {ما لكم لا تناصرون} [الصافات: 25] {فما لهم عن التذكرة معرضين} [المدثر: 49] ولذلك قال بعض النحاة: مثل هذا الكلام لا يتم بدون ذكر حال بعده، فالخلاف بين كلامهم وكلام الزجاج لفظي.
وجملة: {كيف تحكمون} استفهام يتنزل منزلة البيان لما في جملة: {ما لكم} من الإجمال ولذلك فصلت عنها فهو مثله استفهام تعجيبي من حكمهم الضال إذ حكموا بإلهية من لا يهتدي فهو تعجيب على تعجيب.
ولك أن تجعل هذه الجملة دليلًا على حال محذوفة. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} وهذا أمر للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يسألهم سؤالًا جديدًا، لا إجابة له إلا ما يفرضه الواقع، والواقع يؤكد أن الهداية لا تكون إلا للحق؛ لأن كل كائن مخلوق لغاية، فلا شيء يُخلق عبثًا.
ونحن بقُدرتنا المحدودة نصنع (الميكرفون) و(التليفزيون) أو الثلاجة أو السرير وغيرها، كلّ منها له غاية، وكل له قوانين صيانته الخاصة به، والذي يحدِّد الغاية من هذا المصنوع أو ذاك هو صانعه، ويضع لها قوانين صيانتها؛ لتؤدّي غايتها، فالغاية من أي شيء توجد قبل الشيء نفسه؛ ليوجد الشيء على مقتضى الغاية منه.
وآفة العالم الآن أنهم يعلمون أن الله سبحانه خلق الإنسان، ولكنهم يصنعون من عندهم قوانين لصيانة الإنسان وحركة الإنسان، وهذا غباء وغفلة من الذين يفعلون ذلك، كان عليهم أن يتركوا أمر صيانة الإنسان للقوانين التي وضعها خالق الإنسان سبحانه.
فالحق سبحانه وتعالى قد حدد الغاية من خَلْق الإنسان وحدّد قوانين صيانته، والشر الموجود حاليًا بسبب الجهل بغاية الإنسان، والعدول عن المنهج الذي يجب أن يسير عليه الإنسان، فقال الحق سبحانه: {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يهدي إِلَى الحق} [يونس: 35].
أي: هل من هؤلاء الشركاء مَنْ يهدي الإنسان إلى غايته؟ هل قالت الشمس مثلًا غايتها؟ هل قالت الملائكة غايتها؟ هل قالت الأشجار أو الأحجار أو الرسل الذين عبدتموهم شيئًا غير مراد الله تعالى؟
إنهم آلهة لا يعرفون الغاية من العابد لهم، ولا يعرفون الطريق الموصل إلى تلك الغاية.
ولذلك يأتي القول الفصل: {قُلِ الله يَهْدِي لِلْحَقِّ} [يونس: 35].
فالله هداك أيها الإنسان إلى الحق في كل حركة تتحركها بالمنهج الذي أنزله الله سبحانه مكتملًا على رسوله صلى الله عليه وسلم من بدء لا إله إلا الله إلى إماطة الأذى عن الطريق، وهو منهج مستوعب مستوفٍ لكل حركات الإنسان.
وجاءت الإجابة من الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم انبهروا بالسؤال وتلجلجوا ولم يوجد عند أي منهم قدرة على المعارضة، فالغاية من خلق الإنسان وغيره يوجزها قول الحق سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
والعبادة ليست أركان الإسلام فقط، بل هي عمارة الكون كبنيان حيّ للإسلام، والذي حدد الغاية هو الخالق سبحانه، وهو سبحانه الذي يحدد طريق الوصول إليها.
ونحن حين نرغب في الوصول إلى مكان في الصحراء مثلًا، إنما نحدد أولًا المكان، ونختار طريق الوصول، فإن كان الطريق المستقيم مليئًا بالعقبات والجبال، فإنك ستضطر للانحراف عن هذا الطريق وصولًا إلى غايتك، فهذا الطريق المعوج هو الطريق المستقيم؛ لأنه الطريق الذي يجنبنا العقبات.
ومثال ذلك: السيول التي تنزل على هضباب الحبشة، فاختارت لنفسها المجرى السهل فكان نهر النيل، فلا أحد قد حفر النيل مثلما حفرنا الرياحات أو قناة السويس، بل نزل السيل واختار لنفسه الطريق السهل فسار فيه بين التعاريج والرمال والصخور.
ولذلك أنت تجد كل ما لا دخل للبشر به قد يتعرج لينفذ، أما ما صنعه البشر فلا يستطيع ذلك.
وكل خلق لابد له من غاية؛ لذلك نجد سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا السلام يقول: {الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء: 78].
فمن خلق هو الذي يحدد الغاية؛ لأن هذه الغاية توجد عنده أولًا ليخلق، وتتجلى الدقة في قول القرآن على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام، فلم يقل: الذي خلقني يهديني، بل قال: {الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} مما يدل على أن هذه القضية ستخالَف، وبعد أن يخلق الإنسان سيقوم بعض الناس حماية لمصالحهم بوضع طريق أخرى تخالف الغاية؛ فتوصل إلى الضلال.
أما الحق سبحانه فقد أنزل القرآن فيه الهداية الحقة، فالذي خلق هو الذي يقنن، ولذلك يذكر القرآن على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام: {والذي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} [الشعراء: 79].
وبهذا القول وصل سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى أن الذي رزق الآباء قدرة استنباط الرزق مطعمًا ومشربًا هو الله سبحانه.
وذكر القرآن على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام: {والذي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء: 81].
فالإماتة والإحياء هما من الحق سبحانه، فلا أحد يسأل عمن يملك الإماتة والإحياء، أما عن شفاء المرض فقال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80].
فأنت قد تذهب إلى الطبيب وتظن أنه هو الذي يشفيك؛ بل هو يعالج، ولكن الله هو الذي يشفي.
وهكذا نعلم أن قول سيدنا إبراهيم عليه السلام: {الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء: 78].
هو كلام منطقي؛ لأن خالق الشيء هو الذي يهدي إلى الغاية من الشيء؛ فالغاية أولًا، ثم الخلق، ثم توضيح الطريق الموصل إلى تلك الغاية، فإذا خولف في شيء من ذلك فلا صلاح لكون أبدًا.
وتجد في القرآن على لسان سيدنا موسى عليه السلام: {قَالَ رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} [طه: 50].
فما دام الحق سبحانه قد خلق فهو يهدي إلى السبيل الموصل إلى الغاية، ويقول القرآن أيضًا: {سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى الذي خَلَقَ فسوى والذي قَدَّرَ فهدى} [الأعلى: 13].
وهكذا يتأكد لنا أنه ما دامت هناك غاية، فلابد من وجود طريق يهدينا إليه من خَلَقَنَا.
وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الحق سبحانه: {قُلِ الله يَهْدِي لِلْحَقِّ} [يونس: 35] لأن سبحانه هو الذي خلق؛ ولذلك فمن المنطقي أن يأتي بعد ذلك التساؤل: {أَفَمَن يهدي إِلَى الحق أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يهدي إِلاَّ أَن يهدى} [يونس: 35]؟
وسبب وجود اللام في قوله: {يهدي إِلَى الحق} هو النظرة إلى الغاية، وسبب وجود: {إِلَى الحق} هو لفت الانتباه إلى أن الوصول إلى الغاية يقتضي طريقًا، فأراد الحق سبحانه في آية واحدة أن يجمع التعبيرين معًا.
ونحن نعلم أن هذه الآية قد نزلت في الذين اتخذوا لله شركاء، فهم يعترفون بالله تعالى ولكنهم يشركون به غيره، فالله سبحانه وتعالى تفرَّد بالألوهية بربويته للخلق؛ لأنه خلق من عَدَمٍ، وزرق من عُدْمٍ، وخَلَق لنا وسائل العلم ودبَّر لنا الأمر، وأخرج الحي من الميت، وأخرج الميت من الحي، وهدى للحق.
فإين إذن هؤلاء الشركاء الذين اتخذتموهم مع الله تعالى؟ وهل صنع واحد منهم أو كُلُّهم مجتمعين شيئًا واحدًا من تلك الأشياء؟
لذلك قال سبحانه: {هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يهدي إِلَى الحق} [يونس: 35]
إذن: فالذي يهدي هو الذي خَلَق، وهؤلاء الذين أشركوا اعترفوا بالله خالقًا بشهاداتهم حين قال الحق سبحانه: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله} [الزخرف: 87].
إذن: فالذين أشركوا قد ارتكبوا الإثم العظيم، وهؤلاء الشركاء إما أن يكونوا من الملائكة، أو من الأنبياء والرسل الذين فُتن بهم بعض الناس، وهناك من اتخذ وسائط أخرى مثل: الشمس والقَمر والنجوم؛ وهذه أشياء عُلوية، وبعض الناس اتخذوا وسائط سفلية كالأشجار والأحجار، فهل أي شيء من كل ذلك يهدي إلى الحق؟ وما منهج أي منهم إذن؟ وكيف بلَّغوكم به؟
إن كل هؤلاء يعلمون أن أيًّا منهم لا يستطيع أن يَهدي، بل هو يُهْدَى من الله سبحانه وتعالى، فمن أين قلتم إن الملائكة ستهديكم؟ أو من أين جاء الذين فُتنوا برسولهم واتخذوه إلهًا؟ ومن أين جاء هذا الرسول بمنهجه؟
إن كل كائن لا يَهدي إلا بعد أن يُهدى من الله أولًا، وإن كانت الأشياء المتخذة شركاء لا هداية لها، ولا منهج، ولا عقل، ولا تفكير، كالشمس والقمر والنجوم في العلويات، والأشجار والأحجار في السفليات، فماذا قالت هذه الأشياء؟ إنها لم تقل شيئًا.
وهكذا لا يستقيم أمر اتخاذهم شركاء مع الله، حتى الملائكة، فالله هو الذي يختار منهم المَلَكَ الذي يُبلِّغ عن الله سبحانه، وكذلك الرسل عليهم السلام: {أَفَمَن يهدي إِلَى الحق أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يهدي إِلاَّ أَن يهدى} [يونس: 35].
{لاَّ يهدي} تقرأ هكذا، وللغة فيها عملية تخفيف جَرْس لسلامة نطقها واستقامة اللغة العربية، فنحن نعرف أن {يهدي} يعنى: يهتدي.. أصلها يهتدي.. ويهتدي فيها هاء ساكنة وتاء ودال وياء.. وفيها تقارب لمخارج الحروف، وهذا التقارب يجعل المعنى غائمًا، والنطق ثقيلًا، فتقوم اللغة بعملية إبدال وإدغام، وتخلّص من التقاء الساكنين فتصل إلى مسامعنا كما أنزلها الله تعالى لسلامة النطق وجمال المعنى؛ لأن القرآن أدَّب اللغة بكلام السماء؛ لتكون خالدة اللفظ والمعنى. فإذا كنتم على طريق هداية، فالأصل في الهداية هو الله تعالى.
ويُنهي الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله: {فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس: 35].
أي: ماذا أصاب عقولكم لتحكموا هذا الحكم؛ فتشركوا بالله ما لا منهج له، أو له منهج ولكنه موصول بالله تعالى جاء ليبلغه لهم؟
وساعة تسمع {كَيْفَ} فهي للاستفسار عن عملية عجيبة ما كان في عُرْف العاقل أن تحدث. كأن تقول: كيف ضربت أباك؟ أو كيف سببت أمك؟، وهذا كله من الأمور التي تأباها الفطرة ويأباه الطبع والدين.
وقوله سبحانه: {فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} كأنه أمر عجيب ما كان يصح أن يحدث؛ لأن الحق سبحانه وحده هو الإله، والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغيَّر غاية وطريقًا. والله سبحانه وحده هو الذي حدد لنا الغاية والطريق الموصل إليها، وهو سبحانه القائل: {والله يدعوا إلى دَارِ السلام} [يونس: 25].
والمنهج هو الطريق الذي يوصل إلى دار السلام من آفة الأغيار؛ لأن الدنيا كلها أغيار، فأنت قد تكون قويًا ثم تضعف أو صحيحًا فيصيبك المرض، أو غنيًا فتفتقر، أو مبصرًا فيضيع منك بصرك، أو تكون صحيح الأذن سمعيًا فتصير أصم بعد ذلك.
إذن: فهي دنيا أغيار، وهَبْ أن إنسانًا أخذ من دنياه كل نصيبه عافية وأمنًا وسلامةً وغنًى وكل شيء؛ سنجده في قلق من جهتين: الجهة الأولى أنه يخاف أن يفارقه كل هذا النعيم، أو يخاف أن يترك هو هذا النعيم، هذا ما نراه في حياتنا.
إذن: فالدنيا بما فيها من أغيار لا أمان لها؛ لنفهم أن كل عطاءات المخلوق إنما هي هبة من الخالق سبحانه وتعالى؛ لأنها لو كانت من ذاتك لاستطعت الحفاظ عليها، ولكنها هِبَاتٌ من الحق الأعلى سبحانه.
والأمر الموهوب قد يصبح مسلوبًا. اهـ.