فصل: 2- إشكالات الشفاعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.2- إشكالات الشفاعة:

قد عرفت: أن الشفاعة ثابتة في الجملة لا بالجملة، وستعرف أن الكتاب وكذلك السنة لا يثبتان أزيد من ذلك، بل التأمل في معناها وحده يقضي بذلك، فإن الشفاعة كما مر يرجع بحسب المعنى إلى التوسط في السببية والتأثير، ولا معنى للاطلاق في السببية والتأثير فلا السبب يكون سببا لكل مسبب من غير شرط ولا مسبب واحد يكون مسببا لكل سبب على الإطلاق فإن ذلك يؤدي إلى بطلان السببيه وهو باطل بالضرورة.
ومن هنا اشتبه الأمر على النافين للشفاعة حيث توهموها مطلقة من غير شرط فاستشكلوا فيها بامور وبنوا عليها بطلان هذه الحقيقة القرآنية من غير تدبر فيما يعطيه كلامه تعالى وهاك شطرا منها: الاشكال الأول: أن رفع العقاب عن المجرم يوم القيامة بعد ما أثبته الله تعالى بالوعيد إما أن يكون عدلا أو ظلما.
فإن كان عدلا كان أصل الحكم المستتبع للعقاب ظلما لا يليق بساحته تعالى وتقدس، وإن كان ظلما كان شفاعة الأنبياء مثلا سؤالا للظلم منه وهو جهل لا يجوز نسبته إليهم صلوات الله عليهم.
والجواب عنه أولا: بالنقض فإنه منقوض بالاوامر الامتحانية فرفع الحكم الامتحاني ثانيا وإثباته أولا كلاهما من العدل: والحكمة فيها اختبار سريرة المكلف أو إظهار باطن أمره أو إخراج ما في قوته إلى الفعل، فيقال في مورد الشفاعة أيضا يمكن أن تكون النجاة مكتوبة لجميع المؤمنين، ثم يوضع الأحكام وما لمخالفتها من أنواع العقاب ليهلك الكافرون بكفرهم، وأما المؤمنون فيرتفع بالطاعة درجات المحسنين منهم ويبقى السميئون فينالون بالشفاعة النجاة المكتوبة لهم ولو بالنسبة إلى بعض أنواع العذاب أو أفراده مع مقاساة البعض الآخر كإحوال البرزخ وأهوال يوم القيامة، فيكون بذلك أصل وضع الحكم وعقابه أولا عدلا ورفع عقابه ثانيا عدلا.
وثانيا: بالحل، فإن رفع العقاب أولا بواسطة الشفاعة إنما يغاير الحكم الأول فيما ذكر من العدل والظلم لو كان رفع العقاب بالشفاعة نقضا للحكم الأول أو نقضا للحكم باستتباع العقوبة وقد عرفت أنه ليس كذلك بل أثر الشفاعة بالحكومة لا بالمضادة فيها إخراج المجرم عن كونه مصداقا لشمول العقاب بجعله مصداقا لشمول الرحمة من صفات أخرى له تعالى من رحمة وعفو ومغفرة، ومنها إفضاله للشافع بالاكرام والاعظام.
الاشكال الثاني: أن سنة الله تعالى جرت على صون أفعاله من التخلف والاختلاف، فما قضى وحكم به يجريه على وتيرة واحدة من غير استثناء، وعلى هذا جرت سنة الأسباب، قال تعالى: {هذا صراط على مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين} الحجر- 43، وقال تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم} الأنعام- 153، وقال تعالى: {فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا} الفاطر- 42، وتحقق الشفاعة موجب للاختلاف في الفعل فان رفع العقاب بالشفاعة عن جميع المجرمين في جميع جرائمهم موجب لنقض الفرض المحال، ولعب ينافي الحكمة قطعا، ورفعة عن بعض المجرمين أو في بعض جرائمهم وذنوبهم إختلاف في فعله تعالى وتغير وتبدل في سنته الجارية وطريقته الدائمة، إذ لا فرق بين المجرمين في أن كل واحد منهم مجرم ولا بين الذنوب في أن كلا منها ذنب وخروج عن زي العبودية فتخصيص بعضهم أو بعض من أعمالهم بالصفح والاغماض دون بعض بواسطة الشفاعة محال، وإنما تجري الشفاعة وما يشبهها في سنة هذهالحياة من إبتناء الأعمال والافعال على الاهواء والاوهام التي ربما تقضي في الحق والباطل على السواء، وتجري عن الحكمة وعن الجهالة على نسق واحد.
والجواب أنه لا ريب في أن صراطه تعالى مستقيم وسنته واحدة لكن هذه السنة الواحدة الغير المختلفة ليست قائمة على أصل صفة واحدة من صفاته تعالى كصفة التشريع والحكم مثلا حتى لا يتخلف حكم عن مورده ولا جزاء حكم عن محله قط بل هي قائمة على ما يستوجبه جميع صفاته المربوطة علت صفاته.
توضيح ذلك: أن الله سبحانه هو الواهب المفيض لكل ما في الوجود من حياة أو موت أو رزق أو نعمة أو غير ذلك.
وهي أمور مختلفة لا ترتبط به سبحانه على السواء ولا لرابطة واحدة كيف كانت، فإن فيه بطلان الارتباط والسببية، فهو تعالى لا يشفي مريضا من غير سبب موجب ومصلحة مقتضية ولا يشفيه لأنه الله المميت المنتقم شديد البطش بل لأنه الله الرؤوف الرحيم المنعم الشافي المعافي مثلا ولا يهلك جبارا مستكبرا من غير سبب، لأنه رؤوف رحيم به، بل لأنه الله المنتقم الشديد البطش القهار مثلا وهكذا.
والقرآن بذلك ناطق فكل حادث من الحوادث بما يشتمل عليه من جهات الوجود يسند إليه من جهة صفة أو أكثر من صفاته العليا تتسبب إليه بالتلائم والايتلاف الواقع بينها والاقتضاء المستنتج من ذلك، وإن شئت قلت: كل أمر من الامور يرتبط به تعالى من جهة ما يتضمنه من المصالح والخيرات.
إذا عرفت هذا علمت: أن استقامة صراطه وعدم تبدل سنته وعدم اختلاف فعله إنما هي بالنسبة إلى ما يفعله بجميع صفاته المربوطة لا بالنسبة إلى مقتضي صفة قاصره وإن شئت قلت: بالنسبة إلى ما يتحصل من الفعل والانفعال والكسر والانكسار الواقع بين الحكم والمصالح المرتبطة بالمورد لا بالنسبة إلى مقتضى مصلحة واحدة.
فلو كان هناك سبب الحكم المجعول فقط لم يتغير ولم يختلف في بر ولا فاجر ولا مؤمن ولا كافر.
لكن الأسباب كثيرة ربما استدعى توافق عدة منها غير ما يقتضيه بعضها فافهم ذلك.
فوقوع الشفاعة وارتفاع العقاب- وذلك أثر عدة من الأسباب كالرحمة والمغفرة والحكم والقضاء وإعطاء كل ذي حق حقه والفصل في القضاء- لا يوجب اختلافا في السنة الجارية وضلالا في الصراط المستقيم.
الاشكال الثالث: أن الشفاعة المعروفة عند الناس هي أن يحمل الشافع المشفوع عنده على فعل أو ترك أراد غيره حكم به أو لا فلا تتحقق الشفاعة إلا بترك إلارادة ونسخها لاجل الشفيع فأما الحاكم العادل فإنه لا يقبل الشفاعة إلا إذا تغير علمه بما كان أراده أو حكم به، كأن أخطأ ثم عرف الصواب ورأى أن المصلحة أو العمل في خلاف ما كان يريده أو حكم به وأما الحاكم المستبد الظالم فإنه يقبل شفاعة المقربين عنده في الشيء وهو عالم بأنه ظلم وأن العدل في خلافه ولكنه يفضل مصلحة إرتباطه بالشافع المقرب عنده على العدالة، وكل من النوعين محال على الله تعالى لأن إرادته على حسب علمه وعلمه أزلي لا يتغير.
والجواب أن ذلك منه تعالى ليس من تغير الإرادة والعلم في شيء وإنما التغير في المراد والمعلوم، فهو سبحانه يعلم أن الإنسان الفلاني سيتحول عليه الحالات فيكون في حين كذا على حال كذا لاقتران أسباب وشرائط خاصة فيريد فيه بإرادة، ثم يكون في حين آخر على حال آخر جديد يخالف الأول لاقتران أسباب وشرائط اخر فيريد فيه بارادة أخرى وكل يوم هو في شأن، وقد قال تعالى: {يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} الرعد- 39، وقال بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء المائدة- 67، مثال ذلك: أنا نعلم أن الهواء ستغشاة الظلمة فلا يعمل أبصارنا والحاجة إليه قائمة ثم تنجلي الظلمة بانارة الشمس فتتعلق إرادتنا عند إقبال الليل بالاستضائة بالسراج وعند إنقضائه باطفائه والعلم والإرادة غير متغيرتين وإنما تغير المعلوم والمراد، فخرجا عن كونهما منطبقا عليه للعلم والإرادة، وليس كل علم ينطبق على كل معلوم، ولا كل إرادة تتعلق بكل مراد، نعم تغير العلم والإرادة المستحيل عليه تعالى هو بطلان إنطباق العلم على المعلوم والإرادة على المراد مع بقاء المعلوم والمراد على حالهما وهو الخطأ والفسخ، مثل أن ترى شبحا فتحكم بكونه إنسانا ثم يتبين أنه فرس فيتبدل العلم، أو تريد أمرا لمصلحة ما ثم يظهر لك أن المصلحة في خلافه فتنفسخ إرادتك، وهذان غير جائزين في مورده تعالى، والشفاعة ورفع العقاب بها ليس من هذا القبيل كما عرفت.
الاشكال الرابع: أن وعد الشفاعة منه تعالى أو تبليغها من الأنبياء عليهم السلام مستلزم لتجري الناس على المعصية واغراء لهم على هتك محارم الله تعالى وهو مناف للغرض الوحيد من الدين من سوق الناس إلى العبودية والطلاعة فلابد من تأويل ما يدل عليه من الكتاب والسنة بما لا يزاحم هذا الأصل البديهي.
والجواب عنه، اولا: بالنقض بالآيات الدالة على شمول المغفرة وسعة الرحمة كقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء- 51، والآية- كما مر- في غير مورد التوبة بدليل إستثنائه الشرك المغفور بالتوبة.
وثانيا: بالحل: فإن وعد الشفاعة أو تبليغها إنما يستلزم تجري الناس على المعصية وإغرائهم على التمرد والمخالفة بشرطين: أحدهما: تعيين المجرم بنفسه ونعته أو تعيين الذنب الذي تقع فيه الشفاعة تعيينا لا يقع فيه لبس بنحو الانجاز من غير تعليق بشرط جائز.
وثانيهما: تأثير الشفاعة في جميع أنواع العقاب وأوقاته بأن تقلعه من أصله قلعا.
فلو قيل: أن الطائفة الفلانية من الناس أو كل الناس لا يعاقبون على ما أجرموا ولا يؤاخذون فيما أذنبوا أبدا، أو قيل إن الذنب الفلاني لا عذاب عليه قط كان ذلك باطلا من القول ولعبا بالاحكام والتكاليف المتوجهة إلى المكلفين، وأما إذا أبهم الأمر من حيث الشرطين فلم يعين أن الشفاعة في أي الذنوب وفي حق أي المذنبين أو أن العقاب المرفوع هو جميع العقوبات وفي جميع الاوقاتوالأحوال، فلا تعلم نفس هل تنال الشفاعة الموعودة أو لا فلا تتجرى على هتك محارم الله تعالى، غير أن ذلك توقظ قريحة رجائها فلا يوجب مشاهدة ما يشاهدها من ذنوبها وآثامها قنوطا من رحمة الله، ويأسا من روح الله، مضافا إلى قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} النساء- 31، فإن الآية تدل على رفع عقاب السيئات والمعاصي الصغيرة على تقدير اجتناب المعاصي الكبيرة فإذا جاز أن يقول الله سبحانه: إن اتقيتم الكبائر عفونا عن صغائركم، فليجز أن يقال: إن تحفظتم على إيمانكم حتى أتيتموني في يوم اللقاء بإيمان سليم قبلت فيكم شفاعة الشافعين، فإنما الشأن كل الشأن في حفظ الإيمان والمعاصي تضعف الإيمان وتقسي القلب وتجلب الشرك، وقد قال تعالى: {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} الأعراف- 98، وقال: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} المطففين- 14، وقال: {ثم كان عاقبة الذين اساءوا السوآى أن كذبوا بآيات الله} الروم- 10، وربما أوجب ذلك إنقلاعه عن المعاصي، وركوبه علصراط التقوى، وصيرورته من المحسنين، واستغنائه عن الشفاعة بهذا المعنى، وهذا من أعظم الفوائد، وكذا إذا عين المجرم المشفوع له أو الجرم المشفوع فيه لكن صرح بشموله على بعض جهات العذاب أو بعض أوقاته فلا يوجب تجري المجرمين قطعا.
والقرآن لم ينطق في خصوص المجرمين وفي خصوص الذنب بالتعيين ولم ينطق في رفع العقاب إلا بالبعض كما سيجئ فلا اشكال أصلا.
الاشكال الخامس: أن العقل لو دل فإنما يدل على إمكان وقوع الشفاعة لا على فعلية وقوعها على أن أصل دلالته ممنوع، وأما النقل فما يتضمنه القرآن لا دلالة فيه على وقوعها فإن فيها آيات دالة على نفي الشفاعة مطلقا كقوله، لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة البقرة- 254، واخرى ناطقة بنفي منفعة الشفاعة كقوله تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} المدثر- 48، وأخرى تفيد النفي بمثل قوله تعالى: {إلا باذنه} البقرة- 255 وقوله: {إلا من بعد إذنه} يونس- 3، وقوله تعالى: {إلا لمن ارتضى} الأنبياء- 28، ومثل هذا الاستثناء أي الاستثناء بالاذن والمشية معهود في اسلوب القرآن في مقام النفي القطعي للإشعار بأن ذلك بإذنه ومشيئته سبحانه كقوله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله} الأعلى- 6، وقوله تعالى: {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك} هود- 107، فليس في القرآن نص قطعي على وقوع الشفاعة وأما السنة فما دلت عليه الروايات من الخصوصيات لا تعويل عليه، وأما المتيقن منها فلا يزيد على ما في الكتاب دلالة.
والجواب: أما عن الآيات النافية للشفاعة فقد عرفت أنها لا تنفي مطلق الشفاعة بل الشفاعة بغير اذن الله وارتضائه، وإما عن الآيات النافية لمنفعة الشفاعة على زعم المستشكل فانها تثبت الشفاعة ولا تنفيه فان الآيات واقعة في سورة المدثر وإنما تنفي الانتفاع عن طائفة خاصة من المجرمين لا عن جميعهم، ومع ذلك فالشفاعة مضافة لا مجردة مقطوعة عن الاضافة، ففرق بين أن يقول القائل: فلا تنفعهم الشفاعة وبين أن يقول: فلا تنفعهم شفاعة الشافعين فإن المصدر المضاف يشعر بوقوع الفعل في الخارج بخلاف المقطوع عن الاضافة، نص عليه الشيخ عبد القاهر في دلائل الاعجاز فقوله: شفاعة الشافعين يدل على أن شفاعة ما ستقع غير أن هؤلاء لا ينتفعون بها على أن الاتيان بصيغة الجمع في الشافعين يدل على ذلك أيضا كقوله: {كانت من الغابرين} وقوله: {وكان من الكافرين} وقوله: {وكان من الغاوين} وقوله: {لا ينال عهدي الظالمين} وأمثال ذلك، ولو لا ذلك لكان الاتيان بصيغة الجمع وله مدلول زائد على مدلول المفرد لغوا زائدا في الكلام فقوله: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} من الآيات المثبتة للشفاعة دون النافية.
واما عن الآيات المشتملة على استثناء الإذن والارتضاء فدلالة قوله: {إلا بإذنه}.
وقوله: {إلا من بعد إذنه} على الوقوع وهو مصدر مضاف مما لا ينبغي أن ينكره عارف باساليب الكلام وكذا القول: بكون قوله: {الا بإذنه} وقوله: {إلا لمن ارتضى} بمعنى واحد وهو المشية مما لا ينبغ الاصغاء إليه، على أن الاستثناء واقع في مورد الشفاعة بوجوه مختلفة كقوله: {إلا باذنه} {وإلا من بعد إذنه} وقوله: {الا لمن ارتضى} وقوله: {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} إلى غير ذلك، فهب: إن الاذن والارتضاء واحد وهو المشية فهل يمكن التفوه بذلك في قوله: {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون}.
فهل المراد بهذا الاستثناء استثناء المشية أيضا؟ هذا وأمثاله من المساهلة في البيان مما لا يصح نسبته إلى كلام سوقي فكيف بالكلام البليغ! وكيف بأبلغ الكلام! وأما السنة فسيأتي الكلام في دلالتها على ما يحاذي دلالة الكتاب.
الاشكال السادس: أن الآيات غير صريحة في رفع العقاب الثابت على المجرمين يوم القيامة بعد ثبوت الجرم ولزوم العقاب بل المراد بها شفاعة الأنبياء بمعنى توسطهم بما هم أنبياء بين الناس وبين ربهم بأخذ الأحكام بالوحي وتبليغها الناس وهدايتهم وهذا المقدار كالبذر ينمو وينشأ منه ما يستقبله من الاقدار والاوصافوالأحوال فهم عليه السلام شفعاء المؤمنين في الدنيا وشفعائهم في الآخرة.
والجواب: أنه لا كلام في أن ذلك من مصاديق الشفاعة إلا أن الشفاعة غير مقصورة فيه كما مر بيانه، ومن الدليل عليه قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء- 48، وقد مر بيان أن الآية في غير مورد الإيمان والتوبة، والشفاعة التي قررها المستشكل في الأنبياء إنما هي بطريق الدعوة إلى الإيمان والتوبة.
الاشكال السابع: أن طريق العقل لا يوصل إلى تحقق الشفاعة، وما نطق به القرآن آيات متشابهة تنفيها تارة وتثبتها أخرى، وربما قيدتها وربما أطلقتها، والأدب الديني الإيمان بها، وإرجاع علمها إلى الله تعالى.
والجواب عنه: أن المتشابهة من الآيات تصير بارجاعها إلى المحكمات محكمات مثلها، وهو أمر ميسور لنا غير مضروب دونه الستر، كما سيجئ بيانه عند قوله تعالى: {منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} آل عمران- 7.