فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ}
يقول: يجمعهم في الآخرة.
{كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّنَ النهار}؛ قال الكلبي: كأن لم يلبثوا في قبورهم إلاّ ساعة من النهار؛ وقال الضحاك: {كَأَنَّ لَمْ يَلْبَثُوا} فِي الْقُبُورِ إلا ما بين العصر إلى غروب الشمس، أو ما بين صلاة الغداة إلى طلوع الشمس؛ ويقال: يعني: بين النفختين لأنه يرفع عنهم العذاب فيما بين ذلك؛ وقال مقاتل: كأن لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من النهار.
{يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} قال الكلبي: يعني: يتعارفون بينهم حين خرجوا من قبورهم، ثم تنقطع عنهم المعرفة فلا يعرف أحد أحدًا، وقال الضحاك: يتعارفون بينهم حين خرجوا، وذلك أن أهل الإيمان يبعثون يوم القيامة على ما كانوا عليه في دار الدنيا من التواصل والتراحم، يعرف بعضهم بعضًا محسنهم لمسيئهم، وأما أهل الشرك فلا أنساب بينهم يومئذ، ولا يتساءلون.
قال الله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَاء الله}، يعني: بالبعث بعد الموت: {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}، يقول لم يكونوا مؤمنين في الدنيا. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنَ لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ}
فيه وجهان:
أحدهما: كأن لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من النهار.
الثاني: كأن لم يلبثوا في قبورهم إلا ساعة من النهار لقربه.
{يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: يعرف بعضهم بعضًا. قال الكلبي: يتعارفون إذا خرجوا من قبورهم ثم تنقطع المعرفة.
الثاني: يعرفون أن ما كانوا عليه باطل. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يلبثوا}
بمعنى كأنهم فخففّت، أي كأنهم لم يلبثوا في قبورهم.
{إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النهار} أي قدر ساعة؛ يعني أنهم استقصروا طول مقامهم في القبور لهول ما يرون من البعث؛ دليله قولهم: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف: 19].
وقيل: إنما قَصُرت مدّة لَبثهم في الدنيا من هول ما استقبلوا لا مدة كونهم في القبر.
ابن عباس: رأُوا أن طول أعمارهم في مقابلة الخلود كساعة.
{يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} في موضع نصب على الحال من الهاء والميم في: {يحشرهم}.
ويجوز أن يكون منقطعًا، فكأنه قال فهم يتعارفون.
قال الكَلْبِيّ: يعرف بعضهم بعضًا كمعرفتهم في الدنيا إذا خرجوا من قبورهم؛ وهذا التعارف تعارف توبيخ وافتضاح؛ يقول بعضهم لبعض: أنت أضللتني وأغويتني وحملتني على الكفر؛ وليس تعارف شفقة ورأفة وعطف.
ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا أهوال يوم القيامة كما قال: {وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} [المعارج: 10].
وقيل: يبقى تعارف التوبيخ؛ وهو الصحيح لقوله تعالى: {وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ} إلى قوله: {وَجَعَلْنَا الأغلال في أَعْنَاقِ الذين كَفَرُواْ} [سبأ: 33] وقوله: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف: 38] الآية، وقوله: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا} [الأحزاب: 67] الآية.
فأما قوله: {وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} وقوله: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 101] فمعناه لا يسأله سؤال رحمة وشفقة، والله أعلم.
وقيل: القيامة مواطن.
وقيل: معنى: {يَتَعَارَفُونَ} يتساءلون، أي يتساءلون كم لبثتم؛ كما قال: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27] وهذا حسن.
وقال الضحاك: ذلك تعارفُ تعاطفِ المؤمنين؛ والكافرون لا تعاطف عليهم؛ كما قال: {فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ}. والأوّل أظهر، والله أعلم.
قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَاءِ الله} أي بالعرض على الله.
ثم قيل: يجوز أن يكون هذا إخبارًا من الله عز وجل بعد أن دلّ على البعث والنشور، أي خسروا ثواب الجنة. وقيل: خسِروا في حال لقاء الله؛ لأن الخسران إنما هو في تلك الحالة التي لا يرجى فيها إقالة ولا تنفع توبة. قال النحاس: ويجوز أن يكون المعنى يتعارفون بينهم، يقولون هذا.
{وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} يريد في علم الله. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ}
قرأ الأعمش وحفص: يحشرهم بالياء راجعًا الضمير غائبًا عائدًا على الله، إذ تقدّم: {أنّ الله لا يظلم الناس شيئًا} ولما ذكر أولئك الأشقياء أتبعه بالوعيد، ووصف حالهم يوم القيامة والمعنى: كأن لم يلبثوا في الدنيا أو في القبور يعني: فقليل لبثهم، وذلك لهول ما يعاينون من شدائد القيامة، أو لطول يوم القيامة ووقوفهم للحساب.
قال ابن عباس: رأوا أنّ طول أعمارهم في مقابلة الخلود كساعة.
قال ابن عطية: ويوم ظرف، ونصبه يصح بفعل مضمر تقديره: واذكر.
ويصح أن ينتصب بالفعل الذي يتضمنه قوله: {كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار}، ويصح نصبه بيتعارفون، والكاف من قوله: {كأن}، يصح أنْ تكون في موضع الصفة لليوم، ويصح أن تكون في موضع نعت للمصدر كأنه قال: ويوم نحشرهم حشرًا كأن لم يلبثوا، ويصح أن يكون قوله: {كأن لم يلبثوا} في موضع الحال من الضمير في نحشرهم انتهى.
أما قوله: ويصح أن ينتصب بالفعل الذي يتضمنه كأن لم يلبثوا فإنه كلام مجمل لم يبين الفعل الذي يتضمنه كأن لم يلبثوا، ولعله أراد ما قاله الحوفي: من أن الكاف في موضع نصب بما تضمنت من معنى الكلام وهو السرعة انتهى.
فيكون التقدير: ويوم نحشرهم يسرعون كأن لم يلبثوا، وأما قوله: والكاف من قوله كأن، يصح أن تكون في موضع الصفة لليوم، فلا يصح لأنّ يوم نحشرهم معرفة، والجمل نكرات، ولا تنعت المعرفة بالنكرة.
لا يقال: إنّ الجمل الذي يضاف إليها أسماء الزمان نكرة على الإطلاق، لأنها إن كانت في التقدير تنحل إلى معرفة، فإنّ ما أضيف إليها يتعرف وإن كانت تنحل إلى نكرة كان ما أضيف إليها نكرة، تقول: مررت في يوم قدم زيد الماضي، فتصف يوم بالمعرفة، وجئت ليلة قدم زيد المباركة علينا.
وأيضًا فكأن لم يلبثوا إلا يمكن أن يكون صفة لليوم من جهة المعنى، لأنّ ذلك من وصف المحشورين لا من وصف يوم حشرهم.
وقد تكلف بعضهم تقدير محذوف بربط فقدره: كأن لم يلبثوا قبله، فحذف قبله أي قبل اليوم، وحذف مثل هذا الرابط لا يجوز.
فالظاهر أنها جملة حالية من مفعول نحشرهم كما قاله ابن عطية آخرًا، وكذا أعربه الزمخشري وأبو البقاء.
قال الزمخشري: (فإن قلت): كأن لم يلبثوا ويتعارفون كيف موقعهما؟ (قلت): أما الأولى فحال منهم أي: نحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة.
وأما الثانية فإما أن تتعلق بالظرف يعني: فتكون حالًا، وإما أن تكون مبينة لقوله: {كأن لم يلبثوا إلا ساعة}، لأنّ التعارف يبقى مع طول العهد وينقلب تناكرًا انتهى.
وقال الحوفي: يتعارفون فعل مستقبل في موضع الحال من الضمير في يلبثوا وهو العامل، كأنه قال: متعارفين، المعنى: اجتمعوا متعارفين.
ويجوز أن يكون حالًا من الهاء والميم في نحشرهم وهو العامل انتهى.
وأما قول ابن عطية: ويصح أن يكون في موضع نصب للمصدر، كأنه قال: ويوم نحشرهم حشرًا كأن لم يلبثوا، فقد حكاه أبو البقاء فقال: وقيل هو نعت لمصدر محذوف أي حشرًا كأن لم يلبثوا قبله انتهى.
وقد ذكرنا أن حذف مثل هذا الرابط لا يجوز.
وجوزوا في يتعارفون أن يكون حالًا على ما تقدم ذكره من الخلاف في ذي الحال والعامل فيها، وأن يكون جملة مستأنفة، أخبر تعالى أنه يقع التعارف بينهم.
وقال الكلبي: يعرف بعضهم بعضًا كمعرفتهم في الدنيا إذا خرجوا من قبورهم، وهو تعارف توبيخ وافتضاح، يقول بعضهم لبعض: أنت أضللتني وأغويتني، وليس تعارف شفقة وعطف، ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا أهوال القيامة، كما قال تعالى: {ولا يسأل حميم حميمًا يبصرونهم} وقيل: يعرف بعضهم بعضًا ما كانوا عليه من الخطأ والكفر.
وقال الضحاك: تعارف تعاطف المؤمنين، والكافرون لا أنساب بينهم.
وقيل: القيامة مواطن، ففي موطن يتعارفون وفي موطن لا يتعارفون، والظاهر أن قوله: {قد خسر الذين} إلى آخره جملة مستأنفة، أخبر تعالى بخسران المكذبين بلقائه.
قال الزمخشري: هو استئناف فيه معنى التعجب، كأنه قيل: ما أخسرهم.
وقال أيضًا: وابتدأ به قد خسر على إرادة القول أي: يتعارفون بينهم قائلين ذلك. قال ابن عطية: وقيل إنه إخبار المحشورين على جهة التوبيخ لأنفسهم انتهى.
وهذا يحتمل أن يكون كقول الزمخشري: يتعارفون بينهم قائلين ذلك، وأن يكون كقول غيره: نحشرهم قائلين قد خسر، فاحتمل هذا المقدر أن يكون معمولًا ليتعارفون، وأن يكون معمولًا لنحشرهم، ونبه على العلة الموجبة للخسران وهو التكذيب بلقاء الله.
وما كانوا مهتدين: الظاهر أنه معطوف على قوله: {قد خسر}، فيكون من كلام المحشورين إذا قلنا: إنّ قوله قد خسر من كلامهم، أخبروا عن أنفسهم بخسرانهم في الآخرة وبانتفاء هدايتهم في الدنيا.
ويحتمل أن يكون معطوفًا على صلة الذين أي: كذبوا بلقاء الله، وانتفت هدايتهم في الدنيا.
ويحتمل أن تكون الجملة كالتوكيل بجملة الصلة، لأن من كذب بلقاء الله هو غير مهتد.
وقيل: وما كانوا مهتدين إلى غاية مصالح التجارة.
وقيل: للإيمان.
وقيل: في علم الله، بل هم ممن حتم ضلالهم وقضى به. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} منصوبٌ بمضمر وقرئ بالنون على الالتفات أي اذكر لهم أو أنذِرْهم يوم يحشرهم: {كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ} أي كأنهم لم يلبثوا: {إِلاَّ سَاعَةً مّنَ النهار} أي شيئًا قليلًا منه فإنها مثَلٌ في غاية القِلة، وتخصيصُها بالنهار لأن ساعاتِه أعرفُ حالًا من ساعاتِ الليلِ، والجملةُ في موقع الحال من ضمير المفعولِ أي يحشرهم مشبَّهين في أحوالهم الظاهرةِ للناس بمَنْ لم يلبَثْ في الدنيا ولم يتقلب في نعيمها إلا ذلك القدرَ اليسيرَ فإن مَنْ أقام بها دهرًا وتمتع بمتاعها لا يخلو عن بعض آثارِ نعمةٍ وأحكامِ بهجةٍ منافيةٍ لما بهم من رثاثة الهيئةِ وسوء الحالِ، أو بمن لم يلبَث في البرزخ إلا ذلك المقدارَ ففائدة التقييدِ بيانُ كمالِ يُسرِ الحشرِ بالنسبة إلى قدرته تعالى ولو بعد دهرٍ طويلٍ وإظهارِ بطلانِ استبعادِهم وانكارِهم بقولهم: أئذا متنا وكنا ترابًا وعظامًا أئنا لمبعوثون؟ ونحوِ ذلك، أو بيانُ تمامِ الموافقةِ بين النشأتين في الأشكال والصورِ فإن قلةَ اللُّبثِ في البرزخ من موجبات عدمِ التبدلِ والتغيرِ فيكون قوله عز وعلا: {يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} بيانًا وتقريرًا له لأن التعارفَ مع طول العهدِ ينقلب تناكرًا، وعلى الأول يكون استئنافًا أي يعرِف بعضُهم بعضًا كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلًا، وذلك أولَ ما خرجوا من القبور، إذ هم حينئذٍ على ما كانوا عليه من الهيئة المتعارَفةِ فيما بينهم ثم ينقطع التعارفُ بشدة الأهوالِ المذهلة واعتراءِ الأحوالِ المُعضلة المغيِّرةِ للصور والأشكالِ المبدّلة لها من حال إلى حال: {قَدْ خَسِرَ الذين كَذَّبُواْ بِلِقَاء الله} شهادةٌ من الله سبحانه وتعالى على خُسرانهم وتعجبٌ منه، وقيل: حالٌ من ضمير يتعارفون على إرادة القولِ، والتعبيرُ عنهم بالموصول مع كون المقامِ مقامَ إضمارٍ لذمهم بما في حيز الصلةِ، والإشعارُ بعليته لما أصابهم، والمرادُ بلقاء الله إن كان مطلقَ الحسابِ والجزاءِ أو حسنَ اللقاءِ فالمراد بالخسران الوضيعةُ، والمعنى وضَعوا في تجاراتهم ومعاملاتهم واشترائِهم الكفرَ بالإيمان والضلالةَ بالهدى ومعنى قوله تعالى: {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} ما كانوا عارفين بأحوال التجارةِ مهتدين لطرقها وإن كان سوءَ اللقاءِ فالخَسارُ الهلاك والضلالُ أي قد ضلوا وهلكوا بتكذيبهم وما كانوا مهتدين إلى طريق النجاة. اهـ.