فصل: تفسير الآية رقم (46):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (46):

قوله تعالى: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان إخبار الصادق بهلاك الأعداء مقرًا لعين، وكانت مشاهدة هلاكهم أقر لها، عطف على قوله: {قد خسر}، {وإما نرينك} أي إراءة عظيمة قبل وفاتك: {بعض الذي نعدهم} أي في الدنيا بما لنا من العظمة فهو أقر لعينك: {أو نتوفينك} قبل ذلك: {فإلينا مرجعهم} فنريك فيما هنالك ما هو أقر لعينك وأسر لقلبك، فالآية من الاحتباك: ذكر أولًا الإراءة دليلًا على حذفها ثانيًا، والوفاة ثانيًا دليلًا على حذفها أولًا؛ وثم في قوله: {ثم الله} أي المحيط بكل شيء: {شهيد} أي بالغ الشهادة: {على ما يفعلون} في الدارين- يمكن أن يكون على بابها، فتكون مشيرة إلى التراخي بين ابتداء رجوعهم بالموت وآخره بالقيامة، ليس المراد بقوله: {شهيد} ظاهره، بل العذاب الناشئ عن الشهادة في الآخرة إلى أن الله يعاقبهم بعد مرجعهم، فيريك ما بعدهم لأنه عالم بما يفعلون. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وأما قوله: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} فاعلم أن قوله: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} جواب: {نَتَوَفَّيَنَّكَ} وجواب: {نُرِيَنَّكَ} محذوف، والتقدير: وإما نرينك بعض الذي نعدهم في الدنيا فذاك أو نتوفينك قبل أن نرينك ذلك الموعد فإنك ستراه في الآخرة.
واعلم أن هذا يدل على أنه تعالى يُري رسوله أنواعًا من ذل الكافرين وخزيهم في الدنيا، وسيزيد عليه بعد وفاته، ولا شك أنه حصل الكثير منه في زمان حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحصل الكثير أيضًا بعد وفاته، والذي سيحصل يوم القيامة أكثر، وهو تنبيه على أن عاقبة المحقين محمودة وعاقبة المذنبين مذمومة. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ} من العذاب،: {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل أن نرينك: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} مصيرهم في الآخرة. وروي عن عبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنهما قالا: أخبر الله تعالى نبيه أن يستخلف أمته من بعده: {ثُمَّ الله شَهِيدٌ} في الآخرة: {على مَا يَفْعَلُونَ} في الدنيا من الكفر والتكذيب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} شرط: {بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ} أي من إظهار دينك في حياتك.
وقال المفسرون: كان البعض الذي وعدهم قتْلَ من قُتل وأسْرَ من أُسر ببدر.
{أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} عطف على {نُرِيَنَّكَ} أي نتوفينك قبل ذلك: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} جواب إمّا.
والمقصود إن لم ننتقم منهم عاجلًا انتقمنا منهم آجلًا: {ثُمَّ الله شَهِيدٌ} أي شاهد لا يحتاج إلى شاهد: {على مَا يَفْعَلُونَ} من محاربتك وتكذيبك. ولو قيل: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ} بمعنى هناك، جاز. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ}
إما هي أنْ الشرطية زيد عليها ما قال ابن عطية، ولأجلها جاز دخول النون الثقيلة.
ولو كانت أن وحدها لم يجز انتهى.
يعني أنّ دخول النون للتأكيد إنما يكون مع زيادة ما بعد إن، وهذا الذي ذكره مخالف لظاهر كلام سيبويه.
قال ابن خروف: أجاز سيبويه الإتيان بما، وأن لا يؤتى بها، والإتيان بالنون مع ما وإن لا يؤتى بها، والإراءة هنا بصرية، ولذلك تعدى الفعل إلى اثنين، والكاف خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم.
وبعض الذي نعدهم يعني: من العذاب في الدنيا.
وقد أراه الله تعالى أنواعًا من عذاب الكفار في الدنيا قتلًا وأسرًا ونهبًا للأموال وسبيًا للذراري، وضرب جزية، وتشتيت شمل بالجلاء إلى غير بلادهم، وما يحصل لهم في الآخرة أعظم، لأنه العذاب الدائم الذي لا ينقطع.
والظاهر أنّ جواب الشرط هو قوله: {فإلينا مرجعهم}، وكذا قاله الحوفي وابن عطية.
قال ابن عطية: ومعنى هذه الآية الوعيد بالرجوع إلى الله تبارك وتعالى أي: إن أريناك عقوبتهم أو لم نركها فهم على كل حال راجعون إلينا إلى الحساب والعذاب، ثم مع ذلك الله شهيد من أول تكليفهم على جميع أعمالهم.
فثم هاهنا لترتيب الأخبار، لا لترتيب القصص في أنفسها.
وقال الزمخشري: فإلينا مرجعهم جواب نتوفينك، وجواب نرينك محذوف، كأنه قيل: وإما نرينك بعض الذي نعدهم فذاك، أو نتوفينك قبل أن نريكه، فنحن نريك في الآخرة انتهى.
فجعل الزمخشري الكلام شرطين لهما جوابان، ولا حاجة إلى تقدير جواب محذوف، لأن قوله: {فإلينا مرجعهم} صالح أنْ يكون جوابًا للشرط والمعطوف عليه.
وأيضًا فقول الزمخشري: فذاك هو اسم مفرد لا ينعقد منه جواب شرط، فكان ينبغي أن يأتي بجملة يتضح منها جواب الشرط، إذ لا يفهم من قوله فذاك الجزء الذي حذف المتحصل به فائدة الإسناد.
وقرأ ابن أبي عبلة: ثم الله بفتح الثاء أي: هنالك.
ومعنى شهادة الله على ما يفعلون مقتضاها ونتيجتها وهو العقاب، كأنه قال: ثم الله معاقبهم، وإلا فهو تعالى شهيد على أفعالهم في الدنيا والآخرة.
ويجوز أن يكون المعنى أنه تعالى مؤد شهادته على أفعالهم يوم القيامة حتى تنطق جلودهم وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم شاهدة عليهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} أصله إن نُرِكَ وما مزيدةٌ لتأكيد معنى الشرطِ ومِنْ ثَمةَ أُكد الفعلُ بالنون أي بنُصرتك بأن نُظهرَ لك: {بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ} أي وعدناهم من العذاب ونعجِّلَه في حياتك فتراه، والعدولُ إلى صيغة الاستقبالِ لاستحضار الصورةِ أو للدلالة على التجدد والاستمرارِ أي نعِدُهم وعدًا متجددًا حسبما تقتضيه الحكمةُ من إنذارٍ غِبَّ إنذار، وفي تخصيص البعضِ بالذكر رمزٌ إلى العِدَة بإراءةِ بعضِ الموعودِ، وقد أراه يومَ بدر: {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل ذلك: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} أي كيفما دارت الحالُ أريناك بعضَ ما وعدناهم أو لا فإلينا مرجعُهم في الدنيا والآخرةِ فننجزُ ما وعدناهم ألبتةَ، وقيل: المذكورُ جوابٌ للشرط الثاني كأنه قيل: فإلينا مرجعُهم فنريكَه في الآخرة وجوابُ الأول محذوفٌ لظهوره أي فذاك: {ثُمَّ الله شَهِيدٌ على مَا يَفْعَلُونَ} من الأفعال السيئةِ التي حُكيت عنهم، والمرادُ بالشهادة إما مقتضاها ونتيجتُها وهي معاقبتُه تعالى إياهم وإما إقامتُها وأداؤُها بإنطاق الجوارحِ، وإظهارُ اسمِ الجلالةِ لإدخال الروعةِ وتربيةِ المهابةِ وتأكيدِ التهديد، وقرئ ثَمّةَ أي هناك. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} أصله إن نرينك و: {مَا} مزيد لتأكيد معنى الشرط ومن ثمت أكد الفعل بالنون والرؤية بصرية أي اما نرينك بعينك: {بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ} من العذاب بأن نعذبهم في حياتك: {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل ذلك: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} جواب للشرط وما عطف عليه، والمعنى إن عذابهم في الآخرة مقرر عذبوا في الدنيا أولا، وقيل: هو جواب: {نَتَوَفَّيَنَّكَ} كأنه قيل: إنا نتوفينك فإلينا مرجعهم فنريكه في الآخرة وجواب الأول محذوف أي إما نرينك فذاك المراد أو المتمني أو نحو ذلك، وقال الطيبي: أي فذاك حق وصواب أو واقع أو ثابت واختار الأول أبو حيان، والاعتراض عليه بأن الرجوع لا يترتب على تلك الإراءة فيحتاج إلى التزام كون الشرطية اتفاقية ناشئ من الغفلة عن المعنى المراد، والمراد من: {نَعِدُهُمْ} وعدناهم إلا أنه عدل إلى صيغة الاستقبال لاستحضار الصورة أو للدلالة على التجدد والاستمرار أن نعدهم وعدًا متجددًا حسبما تقتضيه الحكمة من إنذار غب إنذار.
وفي تخصيص البعض بالذكر قيل رمز إلى أن العدة بإراءة بعض الموعود وقد أراه صلى الله عليه وسلم ذلك يوم بدر: {ثُمَّ الله شَهِيدٌ على مَا يَفْعَلُونَ} من الأفعال السيئة التي حكيت عنهم، والمراد من الشهادة لازمها مجازًا وهو المعاقبة والجزاء فكأنه قيل: ثم الله تعالى معاقب على ما يفعلون، وجوز أن يراد منها إقامتها وأداؤها بإنطاق الجوارح وإلا فشهادة الله سبحانه بمعنى كونه رقيبًا وحافظًا أمر دائم في الدارين و: {ثُمَّ} لا تناسب ذلك، والظاهر أنها على هذين الوجهين على ظاهرها.
وفي الكشف وغيره هي على الأول للتراخي الرتبي وعلى الثاني على الظاهر وظاهر كلام البعض استحسان حملها على التراخي الرتبي مطلقًا ولا أرى لارتكاب خلاف الظاهر بعد ذلك الارتكاب داعيًا، وأن العطف بها على الجزاء لا على مجموع الشرطية، وأنت تعلم أن العطف على ذاك يمنع من إرادة التعذيب منه أو إراءته أو نحو ذلك مما لا يصح أن يكون المعنى المعطوف بثم بعده ومترتبًا عليه، ولعل ما اعتبروه هناك ليس تفسيرًا للرجوع بل هو بيان للمقصود من الكلام، وإظهار اسم الجلالة لإدخال الروعة وتربية المهابة وتأكيد التهديد.
وقرأ ابن أبي عبلة: {ثُمَّ} بالفتح أي هنالك. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ}
كانَ ذكر تكذيبهم الذي جاء في صدر السورة بقوله: {قال الكافرون إنّ هذا لسحر مبين} [يونس: 2]، ثم الوعيد عليه بعذاب يحل بهم، والإشارةُ إلى أنهم كذبوا بالوعيد في قوله: {ولو يعجل الله للناس الشر} إلى قوله: {لننظر كيف تعملون} [يونس: 11 14] منذرًا بترقب عذاب يحل بهم في الدنيا كما حل بالقرون الذين من قبلهم، وكان معلومًا من خلق النبي صلى الله عليه وسلم رأفتُه بالناس ورغبتُه أن يتم هذا الدين وأن يهتدي جميع المدعوين إليه، فربما كان النبي يحذر أن ينزل بهم عذاب الاستئصال فيفوت اهتداؤهم.
وكان قوله: {ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون} [يونس: 11] تصريحًا بإمكان استبقائهم وإيماءً إلى إمهالهم.
جاء هذا الكلام بيانًا لذلك وإنذارًا بأنهم إن أمهلوا فأبقي عليهم في الدنيا فإنهم غير مفلتين من المصير إلى عقاب الآخرة حين يرجعون إلى تصرف الله دون حائل.
وجاء الكلام على طريقة إبْهام الحاصل من الحالين لإيقاع الناس بين الخوف والرجاء وإن كان المخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم.
والمرادُ بـ: {بعض الذي نعدهم} هو عذاب الدنيا فإنهم أوعدوا بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة، قال تعالى: {وإن للذين ظلموا عذابًا دون ذلك}.
فالمعنى إن وقع عذاب الدنيا بهم فرأيتَه أنت أو لم يقع فتوفاك الله فمصيرهم إلينا على كل حال.
فمضمون: {أو نتوفينك} قسيم لمضمون: {نرينك بعضَ الذي نعدهم}.
والجملتان معًا جملتا شرط، وجواب الشرط قوله: {فإلينا مرجعهم}.
ولما جعل جواب الشرطين إرجاعَهم إلى الله المكنَّى به عن العقاب الآجِل، تعين أن التقسيم الواقع في الشرط ترديد بين حالتين لهما مناسبة بحالة تحقق الإرجاع إلى عذاب الله على كلا التقديرين، وهما حالة التعجيل لهم بالعذاب في الدنيا وحالة تأخير العذاب إلى الآخرة.
وأما إراءة الرسول تعذيبهم وتوفيه بدون إرائته فلا مناسبة لهما بالإرجاع إلى الله على كلتيهما إلا باعتبار مقارنة إحداهما لحالة التعجيل ومناسبة الأخرى لحالة التأخير.
وإنما كُني عن التعجيل بأن يريد اللّهُ الرسولَ للإيماء إلى أن حالة تعجيل العذاب لا يريد الله منها إلا الانتصاف لرسوله بأن يريه عذاب معانديه، ولذلك بُني على ضد ذلك ضدّ التعجيل فكُني بتوفيه عن عدم تعجيل العذاب بل عن تأخيره إذْ كانت حكمة التعجيل هي الانتصافَ للرسول صلى الله عليه وسلم.
ولما جعل مضمون جملة: {نتوفينك} قسيمًا لمضمون جملة: {نرينك} تعين أن إراءته ما أوعدوا به من عذاب الدنيا إنما هو جزاء عن تكذيبهم إياه وأذَاهُم له انتصارًا له حتى يكون أمره جاريًا على سنة الله في المرسلين، كما قال نوح: {رب انصرني بما كذبون} [المؤمنون: 26] وقد أشار إلى هذا قوله تعالى عقبه: {ولكل أمة رسول} [يونس: 47] الآية وقوله: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [يونس: 48].