فصل: (سورة يونس: الآيات 31- 33):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة يونس: الآيات 31- 33]:

{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (31) فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (33)}
{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ} أي يرزقكم منهما جميعًا، لم يقتصر برزقكم على جهة واحدة ليفيض عليكم نعمته ويوسع رحمته {أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ} من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحدّ الذي سويا عليه من الفطرة العجيبة. أو من يحميهما ويحصنهما من الآفات مع كثرتها في المدد الطوال، وهما لطيفان يؤذيهما أدنى شيء بكلاءته وحفظه {وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} ومن يلي تدبير أمر العالم كله، جاء بالعموم بعد الخصوص {أَفَلا تَتَّقُونَ} أفلا تقون أنفسكم ولا تحذرون عليها عقابه فيما أنتم بصدده من الضلال فَذلِكُمُ إشارة إلى من هذه قدرته وأفعاله رَبُّكُمُ الْحَقُّ الثابت ربوبيته ثباتًا لا ريب فيه لمن حقق النظر {فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} يعنى أن الحق والضلال لا واسطة بينهما، فمن تخطى الحق وقع في الضلال {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} عن الحق إلى الضلال، وعن التوحيد إلى الشرك، وعن السعادة إلى الشقاء كَذلِكَ مثل ذلك الحق {حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} أي كما حق وثبت أنّ الحق بعده الضلال، أو كما حق أنهم مصروفون عن الحق، فكذلك حقت كلمة ربك {عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا} أي تمرّدوا في كفرهم وخرجوا إلى الحد الأقصى فيه، و{أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} بدل من الكلمة أي حق عليهم انتفاء الإيمان، وعلم اللّه منهم ذلك. أو حق عليهم كلمة اللّه أنهم من أهل الخذلان، وأن إيمانهم غير كائن. أو أراد بالكلمة: العدة بالعذاب، وأنهم لا يؤمنون تعليل، بمعنى: لأنهم لا يؤمنون.

.[سورة يونس: الآيات 34- 35]:

{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)}
فإن قلت: كيف قيل لهم: {هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} وهم غير معترفين بالإعادة؟ قلت: قد وضعت إعادة الخلق لظهور برهانها موضع ما إن رفعه دافع كان مكابرًا رادّا للظاهر البين الذي لا مدخل للشبهة فيه، دلالة على أنهم في إنكارهم لها منكرون أمرًا مسلمًا معترفًا بصحته عند العقلاء، وقال لنبيه صلى اللّه عليه وسلم: {قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} فأمره بأن ينوب عنهم في الجواب، يعنى أنه لا يدعهم لجاجهم ومكابرتهم أن ينطقوا بكلمة الحق فكلم عنهم. يقال: هداه للحق وإلى الحق فجمع بين اللغتين: ويقال: هدى بنفسه بمعنى اهتدى، كما يقال: شرى بمعنى اشترى. ومنه قوله: {أَمَّنْ لا يَهِدِّي} وقرئ {لا يهدّى} بفتح الهاء وكسرها مع تشديد الدال. والأصل: يهتدى، فأدغم وفتحت الهاء بحركة التاء، أو كسرت لالتقاء الساكنين، وقد كسرت الياء لاتباع ما بعدها. وقرئ: إلا أن يهدى من هداه وهدّاه للمبالغة.
ومنه قولهم: تهدى. ومعناه أن اللّه وحده هو الذي يهدى للحق، بما ركب في المكلفين من العقول وأعطاهم من التمكين للنظر في الأدلة التي نصبها لهم، وبما لطف بهم ووفقهم وألهمهم وأخطر ببالهم ووقفهم على الشرائع، فهل من شركائكم الذين جعلتم أندادا للّه أحد من أشرفهم كالملائكة والمسيح وعزير، يهدى إلى الحق مثل هداية اللّه. ثم قال: أفمن يهدى إلى الحق هذه الهداية أحق بالاتباع، أم الذي لا يهدى أي لا يهتدى بنفسه، أو لا يهدى غيره إلا أن يهديه اللّه وقيل: معناه أم من لا يهتدى من الأوثان إلى مكان فينتقل إليه {إِلَّا أَنْ يُهْدى} إلا أن ينقل، أو لا يهتدى ولا يصح منه الاهتداء إلا أن ينقله اللّه من حاله إلى أن يجعله حيوانًا مكلفًا فيهديه {فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} بالباطل، حيث تزعمون أنهم أندادا للّه.

.[سورة يونس: آية 36]:

{وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (36) وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ في إقرارهم باللّه إِلَّا ظَنًّا}
لأنه قول غير مستند إلى برهان عندهم {إِنَّ الظَّنَّ} في معرفة اللّه {لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ} وهو العلم {شَيْئًا} وقيل: وما يتبع أكثرهم في قولهم للأصنام أنها آلهة وأنها شفعاء عند اللّه إلا الظن. والمراد بالأكثر: الجميع {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ} وعيد على ما يفعلون من اتباع الظن وتقليد الآباء. وقرئ: {تفعلون}، بالتاء.

.[سورة يونس: الآيات 37- 40]:

{وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40)}
{وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ} افتراء {مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كان تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} وهو ما تقدمه من الكتب المنزلة، لأنه معجز دونها فهو عيار عليها وشاهد لصحتها، كقوله تعالى: {هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ} وقرئ: ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب، على:... ولكن هو تصديق وتفصيل. ومعنى {ما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى} وما صحّ وما استقام، وكان محالا أن يكون مثله في علو أمره وإعجازه مفترى {وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ} وتبيين ما كتب وفرض من الأحكام والشرائع، من قوله: {كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}. فإن قلت: بم اتصل قوله: {لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} قلت: هو داخل في حيز الاستدراك. كأنه قال: ولكن كان تصديقًا وتفصيلا منتفيًا عنه الريب كائنا من رب العالمين. ويجوز أن يراد: ولكن كان تصديقًا من رب العالمين وتفصيلا منه لا ريب في ذلك، فيكون {مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} متعلقًا بتصديق وتفصيل، أو يكون لا رَيْبَ فِيهِ اعتراضًا، كما تقول: زيد لا شكّ فيه كريم {أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ} بل أيقولون اختلقه، على أن الهمزة تقرير لإلزام الحجة عليهم. أو إنكار لقولهم واستبعاد، والمعنيان متقاربان {قُلْ} إن كان الأمر كما تزعمون {فَأْتُوا} أنتم على وجه الافتراء {بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} فأنتم مثلي في العربية والفصاحة. ومعنى {بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} أي شبيهة به في البلاغة وحسن النظم. وقرئ: {بسورة مثله}، على الإضافة، أي: بسورة كتاب مثله {وَادْعُوا} من دون اللّه {مَنِ اسْتَطَعْتُمْ} من خلقه للاستعانة به على الإتيان بمثله، يعنى: أنّ اللّه وحده هو القادر على أن يأتى بمثله لا يقدر على ذلك أحد غيره، فلا تستعينوه وحده، ثم استعينوا بكل من دونه {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} أنه افتراء {بَلْ كَذَّبُوا} بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن، وفاجئوه في بديهة السماع قبل أن يفقهوه ويعلموا كنه أمره، وقبل أن يتدبروه ويقفوا على تأويله ومعانيه، وذلك لفرط نفورهم عما يخالف دينهم، وشرادهم عن مفارقة دين آبائهم، كالناشئ على التقليد من الحشوية، إذا أحسّ بكلمة لا توافق ما نشأ عليه وألفه- وإن كانت أضوأ من الشمس في ظهور الصحة وبيان الاستقامة- أنكرها في أوّل وهلة، واشمأز منها قبل أن يحس إدراكها بحاسة سمعه من غير فكر في صحة أو فساد، لأنه لم يشعر قلبه إلا صحة مذهبه وفساد ما عداه من المذاهب. فإن قلت: ما معنى التوقع في قوله: {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}؟ قلت: معناه أنهم كذبوا به على البديهة قبل التدبر ومعرفة التأويل، تقليدًا للآباء. وكذبوه بعد التدبر، تمردًا وعنادًا، فذمّهم بالتسرع إلى التكذيب قبل العلم به، وجاء بكلمة التوقع ليؤذن أنهم علموا بعد علو شأنه وإعجازه لما كرّر عليهم التحدّى، ورازوا قواهم في المعارضة واستيقنوا عجزهم عن مثله، فكذبوا به بغيًا وحسدًا كَذلِكَ أي مثل ذلك التكذيب {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يعنى قبل النظر في معجزات الأنبياء وقبل تدبرها من غير إنصاف من أنفسهم، ولكن قلدوا الآباء وعاندوا.
وقيل: هو في الذين كذبوا وهم شاكون. ويجوز أن يكون معنى {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} ولم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الإخبار بالغيوب أي عاقبته، حتى يتبين لهم أهو كذب أم صدق، يعنى أنه كتاب معجز من جهتين: من جهة إعجاز نظمه، ومن جهة ما فيه من الإخبار بالغيوب، فتسرّعوا إلى التكذيب به قبل أن ينظروا في نظمه وبلوغه حدّ الإعجاز، وقبل أن يخبروا أخباره بالمغيبات وصدقه وكذبه {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} يصدق به في نفسه، ويعلم أنه حق، ولكنه يعاند بالتكذيب. ومنهم من يشكّ فيه لا يصدق به، أو يكون للاستقبال، أي: ومنهم من سيؤمن به ومنهم من سيصرّ {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ} بالمعاندين، أو المصرين.

.[سورة يونس: آية 41]:

{وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41)}
{وَإِنْ كَذَّبُوكَ} وإن تموا على تكذيبك ويئست من إجابتهم، فتبرأ منهم وخلقهم فقد أعذرت، كقوله تعالى: {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ} وقيل: هي منسوخة بآية السيف.

.[سورة يونس: الآيات 42- 43]:

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (43)}
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} معناه: ومنهم ناس يستمعون إليك إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع، ولكنهم لا يعون ولا يقبلون، وناس ينظرون إليك ويعاينون أدلة الصدق وأعلام النبوّة ولكنهم لا يصدقون. ثم قال: أتطمع أنك تقدر على إسماع الصم ولو انضم إلى صممهم عدم عقولهم، لأنّ الأصم العاقل ربما تفرّس واستدل إذا وقع في صماخه دوىّ الصوت، فإذا اجتمع سلب السمع والعقل جميعًا فقد تمّ الأمر. وأ تحسب أنك تقدر على هداية العمى ولو انضم إلى العمى- وهو فقد البصر- فقد البصيرة، لأنّ الأعمى الذي له في قلبه بصيرة قد يحدس ويتظنن. وأما العمى مع الحمق فجهد البلاء، يعنى: أنهم في اليأس من أن يقبلوا ويصدقوا، كالصمّ والعمى الذين لا بصائر لهم ولا عقول. وقوله: {أَفَأَنْتَ} دلالة على أنه لا يقدر على إسماعهم وهدايتهم إلا اللّه عز وجل بالقسر والإلجاء، كما لا يقدر على ردّ الأصم والأعمى المسلوبى العقل حديدي السمع والبصر راجحى العقل، إلا هو وحده.

.[سورة يونس: آية 44]:

{إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)}
{إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} أي لا ينقصهم شيئًا مما يتصل بمصالحهم من بعثة الرسل وإنزال الكتب، ولكنهم يظلمون أنفسهم بالكفر والتكذيب. ويجوز أن يكون وعيدًا للمكذبين، يعنى: أن ما يلحقهم يوم القيامة من العذاب لا حق بهم على سبيل العدل والاستيجاب، ولا يظلمهم اللّه به، ولكنهم ظلموا أنفسهم باقتراف ما كان سببا فيه.

.[سورة يونس: آية 45]:

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (45)}
{إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ} يستقربون وقت لبثهم في الدنيا. وقيل في القبور، لهول ما يرون {يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ} يعرف بعضهم بعضًا، كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا، وذلك عند خروجهم من القبور ثم ينقطع التعارف بينهم لشدّة الأمر عليهم. فإن قلت: {كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا} و{يَتَعارَفُونَ} كيف موقعهما؟ قلت أما الأولى فحال من هم أي يحشرهم مشهين بمن لم يلبث إلا ساعة. وأما الثانية فإما أن تتعلق بالظرف، وإما أن تكون مبينة، لقوله: {كأن لم يلبثوا إلا ساعة}، لأنّ التعارف لا يبقى مع طول العهد وينقلب تناكرا قَدْ خَسِرَ على إرادة القول، أي يتعارفون بينهم قائلين ذلك، أو هي شهادة من اللّه تعالى على خسرانهم. والمعنى أنهم وضعوا في تجارتهم وبيعهم الإيمان بالكفر {وَما كانُوا مُهْتَدِينَ} للتجارة عارفين بها، وهو استئناف فيه معنى التعجب، كأنه قيل: ما أخسرهم!

.[سورة يونس: آية 46]:

{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (46)}
{فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ} جواب نتوفينك، وجواب نرينك محذوف، كأنه قيل: وإما نرينك بعض الذي نعدهم في الدنيا فذاك، أو نتوفينك قبل أن نريكه فنحن نريكه في الآخرة. فإن قلت: اللّه شهيد على ما يفعلون في الدارين، فما معنى ثم؟ قلت: ذكرت الشهادة والمراد مقتضاها ونتيجتها وهو العقاب، كأنه قال: ثم اللّه معاقب على ما يفعلون. وقرأ ابن أبى عبلة: ثم، بالفتح، أي هنالك. ويجوز أن يراد: أنّ اللّه مؤدّ شهادته على أفعالهم يوم القيامة، حين ينطق جلودهم وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم شاهدة عليهم.

.[سورة يونس: آية 47]:

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (47)}
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ} يبعث إليهم لينبههم على التوحيد، ويدعوهم إلى دين الحق {فَإِذا جاءَ} هم {رَسُولُهُمْ} بالبينات فكذبوه ولم يتبعوه {قُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي بين النبي ومكذبيه {بِالْقِسْطِ} بالعدل، فأنجى الرسول وعذب المكذبون، كقوله: {وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} أو لكل أمّة من الأمم يوم القيامة رسول تنسب إليه وتدعى به، فإذا جاء رسولهم الموقف ليشهد عليهم بالكفر والإيمان، كقوله تعالى: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ}.

.[سورة يونس: الآيات 48- 49]:

{وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (48) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعًا إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (49)}
{مَتى هذَا الْوَعْدُ} استعجال لما وعدوا من العذاب استبعادا له {لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا} من مرض أو فقر {وَلا نَفْعًا} من صحة أو غنى {إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ} استثناء منقطع: أي ولكن ما شاء اللّه من ذلك كائن، فكيف أملك لكم الضرر وجلب العذاب؟ {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} يعنى أن عذابكم له أجل مضروب عند اللّه، وحدّ محدود من الزمان إِذا جاءَ ذلك الوقت أنجز وعدكم لا محالة، فلا تستعجلوا. وقرأ ابن سيرين: {فإذا جاء آجالهم}.