فصل: قال ابن الجوزي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {قل مَنْ يرزقكم من السماء} المطر، ومن الأرض النبات،: {أم من يملك السمع} أي: خَلْق السمع والأبصار.
وقد سبق معنى إِخراج الحي من الميت، والميت من الحي [آل عمران: 27].
قوله تعالى: {ومن يدبِّر الأمرَ} أي: أمر الدنيا والآخرة: {فسيقولون الله} لأنهم خوطبوا بما لا يقدر عليه إِلا الله، فكان في ذلك دليل توحيده.
وفي قوله: {أفلا تتقون} قولان:
أحدهما: أفلا تتَّعظون، قاله ابن عباس.
والثاني: تتقون الشرك، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {فذلكم الله ربكم الحق} قال الخطابي: الحق هو المتحقق وجوده، وكل شيء صح وجوده وكونه، فهو حق.
قوله تعالى: {فأنَّى تُصْرَفون} قال ابن عباس: كيف تصرف عقولكم إِلى عبادة من لا يرزق ولا يحيى ولا يميت؟
قوله تعالى: {كذلك حَقَّتْ كلمة ربك} قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {كلمةُ ربك}، وفي آخر السورة كذلك.
وقرأ نافع، وابن عامر الحرفين {كلماتُ} على الجمع.
قال الزجاج: الكاف في موضع نصب، أي: مِثْل أفعالهم جازاهم ربك، والمعنى: حق عليهم أنهم لا يؤمنون، وقوله: {أنهم لا يؤمنون} بدل من: {كلمة ربك}.
وجائز أن تكون الكلمة حقت عليهم لأنهم لا يؤمنون، وتكون الكلمة ما وُعدوا به من العقاب.
وذكر ابن الأنباري في: {كذلك} قولين:
أحدهما: أنها إشارة إلى مصدر {تُصرفون}، والمعنى: مثل ذلك الصرف حقت كلمة ربك.
والثاني: أنه بمعنى هكذا.
وفي معنى {حقت} قولان:
أحدهما: وجبت.
والثاني: سبقت.
وفي كلمته قولان:
أحدهما: أنها بمعنى وعده.
والثاني: بمعنى قضائه.
ومن قرأ: {كلماتُ} جعل كل واحدة من الكلم التي توعِّدْوا بها كلمة. وقد شرحنا معنى الكلمة في [الأعراف: 137 و158]. قوله تعالى: {قل الله يهدي للحق} أي: إِلى الحق.
قوله تعالى: {أم من لا يَهِدِّي} قرأ ابن كثير، وابن عامر، وورش عن نافع: {يَهَدِّي} بفتح الياء والهاء وتشديد الدال.
قال الزجاج: الأصل يهتدي، فأدغمت التاء في الدال، فطرحت فتحتها على الهاء.
وقرأ نافع إِلا ورشًا، وأبو عمرو: {يَهْدِّي} بفتح الياء وإِسكان الهاء وتشديد الدال، غير أن أبا عمرو كان يُشِم الهاء شيئًا من الفتح.
وقرأ حمزة، والكسائي: {يَهْدي} بفتح الياء وسكون الهاء وتخفيف الدال.
قال أبو علي: والمعنى: لا يهدي غيرَه إِلا أن يُهدَى هو، ولو هُدي الصُّمُّ لم يهتد، ولكن لما جعلوها كمن يعقل، أجريت مجراه.
وروى يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم: {يِهِدِّي} بكسر الياء والهاء وتشديد الدال، وكذلك روى أبان وجبلة عن المفضل وعبد الوارث، قال الزجاج: أتبعوا الكسرة الكسرة، وهي رديئة لثقل الكسرة في الياء.
وروى حفص عن عاصم، والكسائي عن أبي بكر عنه: {يَهِدِّي} بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال، قال الزجاج: وهذه في الجودة كالمفتوحة الهاء، إِلا أن الهاء كُسرت لالتقاء الساكنين.
وقرأ ابن السميفع: {يهتدي} بزيادة تاء.
والمراد بقوله: {أم من لا يهدِّي} الصم: {إِلا أن يُهدى}. وظاهر الكلام يدل على أن الأصنام إِن هديت اهتدت، وليست كذلك، لأنها حجارة لا تهتدي، إِلا أنهم لما اتخذوها آلهة، عبِّر عنها كما يعبَّر عمن يعقل، ووصفت صفةَ مَن يعقل وإِن لم تكن في الحقيقة كذلك؛ ولهذا المعنى قال في صفتها: {أمَّن} لأنهم جعلوها كمن يعقل.
ولما أعطاها حقها في أصل وضعها، قال: {يا أبتِ لم تعبدُ مالا يسمع} [مريم: 42].
وقال الفراء: {أمّن لا يهدي} أي: أتعبدون مالا يقدر أن ينتقل من مكانه إِلا أن يحوَّل؟ وقد صرف بعضهم الكلام إِلى الرؤساء والمضلِّين، والأول أصح.
قوله تعالى: {فما لكم} قال الزجاج: هو كلام تام، كأنه قيل لهم: أيُّ شيء لكم في عبادة الأوثان؟ ثم قيل لهم: {كيف تحكمون} أي: على أي حال تحكمون؟ وقال ابن عباس: كيف تقضون لأنفسكم؟ وقال مقاتل: كيف تقضون بالجَوْر؟
قوله تعالى: {وما يتَّبع أكثرهم} أي: كلهم: {إِلا ظنًا} أي: ما يستيقنون أَنها آلهة، بل يظنون شيئًا فيتَّبعونه.
{إِن الظن لا يغني من الحق شيئًا} أي: ليس هو كاليقين، ولا يقوم مقام الحق وقال مقاتل: ظنهم بأنها آلهة لا يدفع عنهم من العذاب شيئًا، وقال غيره: ظنهم أنها تشفع لهم لا يغني عنهم.
قوله تعالى: {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله} قال الزجاج: هذا جواب قولهم: {ائت بقرآنٍ غيرِ هذا أو بدِّلْهُ} [يونس: 15] وجواب قولهم: {افتراه} [الفرقان: 4].
قال الفراء: ومعنى الآية: ما ينبغي لمثل هذا القرآن أن يفترى من دون الله، فجاءت أن على معنى ينبغي.
وقال ابن الأنباري: يجوز أن تكون {أن} مع {يفترى} مصدرًا، وتقديره: وما كان هذا القرآن افتراءً.
ويجوز أن تكون {كان} تامة، فيكون المعنى: ما نزل هذا القرآن، وما ظهر هذا القرآن لأن يفترى، وبأن يفترى، فتُنْصَب {أن} بفقد الخافض في قول الفراء، وتخفض بإضمار الخافض في قول الكسائي.
وقال ابن قتيبة: معنى: {أن يفترى} أي: يضاف إِلى غير الله، أو يُختَلق.
قوله تعالى: {ولكن تصديقَ الذي بين يديه} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه تصديق الكتب المتقدمة، قاله ابن عباس.
فعلى هذا، إِنما قال: {الذي} لأنه يريد الوحي.
والثاني: ما بين يديه من البعث والنشور، ذكره الزجاج.
والثالث: تصديق النبي صلى الله عليه وسلم الذي بين يدي القرآن، لأنهم شاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوه قبل سماعهم القرآن، ذكره ابن الأنباري:
قوله تعالى: {وتفصيل الكتاب} أي: وبيان الكتاب الذي كتبه الله على أُمة محمد صلى الله عليه وسلم الفرائض التي فرضها عليهم.
قوله تعالى: {أم يقولون افتراه} في {أم} قولان: أحدهما: أنها بمعنى الواو، قاله أبو عبيدة.
والثاني: بمعنى بل، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {فأتوا بسورةٍ مثلِهِ} قال الزجاج: المعنى: فأتوا بسورة مثلِ سورة منه، فذكر المِثْلَ لأنه إِنما التمس شبه الجنس،: {وَادْعُوا مَنِ اسْتطعتم} ممن هو في التكذيب مثلكم: {إِن كنتم صادقين} أنه اختلقه.
قوله تعالى: {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه} فيه قولان:
أحدهما: أن المعنى: بما لم يحيطوا بعلم ما فيه ذِكْر الجنة والنار والبعث والجزاء.
والثاني: بما لم يحيطوا بعلم التكذيب به، لأنهم شاكّون فيه.
وفي قوله: {ولمَّا يأتهم تأويله} قولان:
أحدهما: تصديق ما وُعدوا به من الوعيد.
والتأويل: ما يؤول إِليه الأمر.
والثاني: ولم يكن معهم عِلم تأويله، قاله الزجاج.
قيل لسفيان بن عيينة: يقول الناس: كل إِنسان عدوُّ ما جهل، فقال: هذا في كتاب الله.
قيل: أين؟ فقال: {بل كذَّبوا بما لم يحيطوا بعلمه}.
وقيل للحسين بن الفضل: هل تجد في القرآن: من جهل شيئًا عاداه؟ فقال: نعم، في موضعين.
قوله: {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه} وقوله: {إِذْ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إِفك قديم} [الأحقاف: 11].
قوله تعالى: {ومنهم من يؤمن به} في المشار إِليهم قولان:
أحدهما أنهم اليهود، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: قريش، قاله مقاتل بن سليمان.
وفي هاء {به} قولان:
أحدهما: أنها ترجع إِلى محمد صلى الله عليه وسلم ودينه، قاله مقاتل.
والثاني: إِلى القرآن، قاله أبو سليمان الدمشقي.
وهذه الآية تضمنت الإِخبار عما سبق في علم الله، فالمعنى: ومنهم مَنْ سيؤمن به.
وقال الزجاج: منهم من يعلم أنه حق فيصدِّق به ويعاند فيظهر الكفر.
{ومنهم من لا يؤمن به} أي: يشكُّ ولا يصدِّق.
قوله تعالى: {وربك أعلم بالمفسدين} قال عطاء: يريد المكذبين، وهذا تهديد لهم.
قوله تعالى: {وإِن كذبوك فقل لي عملي...} الآية.
قال أبو صالح عن ابن عباس: نسختها آية السيف؛ وليس هذا بصحيح، لأنه لا تنافي بين الآيتين.
قوله تعالى: {ومنهم من يستمعون إِليك} اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال:
أحدها: في يهود المدينة، كانوا يأتون رسول الله ويستمعون القرآن فيعجبون ويشتهونه ويغلب عليهم الشقاء، فنزلت هذه الآية.
والثاني: أنها نزلت في المستهزئين، كانوا يستمعون إِلى النبي صلى الله عليه وسلم للاستهزاء والتكذيب، فلم ينتفعوا، فنزلت فيهم هذه الآية، والقولان مرويَّان عن ابن عباس.
والثالث: أنها نزلت في مشركي قريش؛ قاله مقاتل.
قال الزجاج: ظاهرهم ظاهر من يستمع، وهم لشدة عداوتهم بمنزلة الصم.
{ولو كانوا لا يعقلون} أي: ولو كانوا مع ذلك جهالًا.
وقال ابن عباس: يريد أنهم شرٌّ من الصم، لأن الصم لهم عقول وقلوب، وهؤلاء قد أصم الله قلوبهم.
قوله تعالى: {ومنهم من ينظر إليك} قال ابن عباس؛ يريد: متعجبين منك.
{أفأنت تهدي العمي} يريد أن الله أعمى قلوبهم فلا يبصرون.
وقال الزجاج: ومنهم من يُقبل عليك بالنظر، وهو من بغضه لك وكراهته لما يرى من آياتك كالأعمى.
وقال ابن جرير: ومنهم من يستمع قولك وينظر إلى حججك على نُبُوَّتك، ولكن الله قد سلبه التوفيق.
وقال مقاتل: و{لو} في الآيتين بمعنى إذا.
قوله تعالى: {إِن الله لا يظلم الناس شيئًا} لما ذكر الذين سبق القضاء عليهم بالشقاوة، أخبر أن تقدير ذلك عليهم ليس بظلم، لأنه يتصرف في ملكه كيف شاء، وهم إِذا كسبوا المعاصي فقد ظلموا أنفسهم بذلك، لأن الفعل منسوب إِليهم، وإِن كان بقضاء الله.
قوله تعالى: {ولكنَّ الناس} قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: {ولكنِ الناسُ} بتخفيف النون وكسرها، ورفع الاسم بعدها.
قوله تعالى: {ويوم نحشرهم} وقرأ حمزة: {يحشرهم} بالياء.
قال أبو سليمان الدمشقي: هم المشركون.
قوله تعالى: {كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار} فيه قولان:
أحدهما: كأن لم يلبثوا في قبورهم، قاله ابن عباس.
والثاني: في الدنيا، قاله مقاتل.
قال الضحاك: قصر عندهم مقدار الوقت الذي بين موتهم وبعثهم، فصار كالساعة من النهار، لهول ما استقبلوا من القيامة.
قوله تعالى: {يتعارفون بينهم} قال ابن عباس: إِذا بعثوا من القبور تعارفوا، ثم تنقطع المعرفة.
قال الزجاج: وفي معرفة بعضهم بعضًا، وعِلم بعضهم بإضلال بعض، التوبيخُ لهم، وإِثباتُ الحجة عليهم.
وقيل: إِذا تعارفوا وبَّخ بعضهم بعضًا، فيقول هذا لهذا: أنت أضللتني، وكسَّبتني دخول النار.
قوله تعالى: {قد خسر الذين كذَّبوا} هو من قول الله تعالى، لا مِن قولهم، والمعنى: خسروا ثواب الجنة إِذْ كذَّبوا بالبعث: {وما كانوا مهتدين} من الضلالة.
قوله تعالى: {وإِمّا نرينَّك بعض الذي نَعِدُهُمْ} قال المفسرون: كانت وقعة بدر مما أراه الله في حياته من عذابهم.
{أو نتوفينَّك} قبل أن نريَك: {فإلينا مرجعهم} بعد الموت، والمعنى: إِن لم ننتقم منهم عاجلًا، انتقمنا آجلًا.
قوله تعالى: {ثم الله شهيد على ما يفعلون} من الكفر والتكذيب.
قال الفراء: {ثم} هاهنا عطف، ولو قيل: معناها: هناك الله شهيد، كان جائزًا.
وقال غيره: {ثم} هاهنا بمعنى الواو.
وقرأ ابن أبي عبلة: {ثَمَّ الله شهيد} بفتح الثاء، يراد به: هنالك الله شهيد.
قوله تعالى: {فإذا جاء رسولهم قضي بينهم} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: إِذا جاء في الدنيا بعد الإِذن له في دعائهم، قضي بينهم بتعجيل الانتقام منهم، قاله الحسن.
وقال غيره: إِذا جاءهم في الدنيا، حُكم عليهم عند اتباعه وخلافه بالطاعة والمعصية.
والثاني: إِذا جاء يوم القيامة، قاله مجاهد.
وقال غيره: إِذا جاء شاهدًا عليهم.
والثالث: إِذا جاء في القيامة وقد كذَّبوه في الدنيا، قاله ابن السائب.
قوله تعالى: {قضي بينهم بالقسط} فيه قولان:
أحدهما: بين الأمَّة، فأثيب المحسن وعوقب المسيء.
والثاني: بينهم وبين نبيهم.
قوله تعالى: {ويقولون متى هذا الوعد} في القائلين هذا قولان:
أحدهما: الأمم المتقدمة، أخبر عنهم باستعجال العذاب لأنبيائهم، قاله ابن عباس.
والثاني: أنهم المشركون الذين أنذرهم نبينا صلى الله عليه وسلم، قاله أبو سليمان.
وفي المراد بالوعد قولان:
أحدهما: العذاب، قاله ابن عباس.
والثاني: قيام الساعة.
{إِن كنتم صادقين} أنت وأتباعك.
قوله تعالى: {قل لا أملك لنفسي ضرًا...} الآية، قد ذكرت تفسيرها في آيتين من (الأعراف 34 و188).
قوله تعالى: {إن أتاكم عذابه بياتًا} قال الزجاج: البيات: كل ما كان بليل.
وقوله: {ماذا} في موضع رفع من جهتين.
إِحداهما: أن يكون ذا بمعنى الذي، المعنى: ما الذي يستعجل منه المجرمون؟ ويجوز أن يكون {ماذا} اسمًا واحدًا، فيكون المعنى: أي شيء يستعجل منه المجرمون؟ والهاء في {منه} تعود على العذاب.
وجائز أن تعود على ذكر الله تعالى، فيكون المعنى: أي شيء يستعجل المجرمون من الله تعالى؟ وعودها على العذاب أجود، لقوله: {أثم إِذا ما وقع آمنتم به}.
وذكر بعض المفسرين أن المراد بالمجرمين: المشركون، وكانوا يقولون: نكذب بالعذاب ونستعجله، ثم إِذا وقع العذاب آمنا به؛ فقال الله تعالى موبِّخًا لهم: {أثمَّ إِذا ما وقع آمنتم به} أي: هنالك تؤمنون فلا يُقبل منكم الإِيمان، ويقال لكم: الآن تؤمنون؟ فأضمر: تؤمنون به مع: {آلآن وقد كنتم به تستعجلون} مستهزئين، وهو قوله: {ثم قيل للذين ظلموا} أي: كفروا، عند نزول العذاب: {ذوقوا عذاب الخلد}، لأنه إِذا نزل بهم العذاب، أفضوا منه إِلى عذاب الآخرة الدائم. اهـ.