فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56)}
وقوله تعالى: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}: قدَّمَ الجارَّ للاختصاص أي: إليه لا إلى غيرِه تُرْجَعون ولأجل الفواصل. وقرأ العامَّةُ: {تُرْجَعون} بالخطاب. وقرأ الحسن وعيسى بن عمر {يُرْجَعُون} بياء الغَيْبة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {ألا إن لله ما في السماوات والأرض ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون} وقال فيما بعد: {ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء} ثم قال بعد: {قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغنى له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا} هنا ثلاث سؤالات يسأل عن سقوط ما من قوله في الآية الأولى: {ألا إن لله ما في السماوات والأرض} ووجه ثبوتها في الآية الثالثة في قوله: {له ما في السماوات وما في الأرض} وعن ورود من مكان ما في الآية المتوسطة في قوله: {ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض}.
والجواب عن السؤال الأول: أنه تقدم قبل الآية قوله تعالى: {ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به} وهذه الآية مبنية عليها ومجموع الآيتين في قوة أن لو قيل: {ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به} وليس ذلك لها بل كل ذلك لله سبحانه: {ألا إن لله ما في السماوات والأرض} فلما كانت الآية مبنية على هذه التي قبلها- والمعنى بين ذلك- وقع الاكتفاء بوقوع ما في الأولى واجتزئ بذا عن تكرارها في الثانية وليس الموضع موضع تأكيد فتكرر لذلك.
وأما ثبوتها في الآية الثالثة- وهو السؤال الثانى- فوجهه أن التأكيد مقصود في هذه الآية لأن قبلها حكاية قول الكفار: {قالوا اتخذ الله ولدا} فنزه تعالى نفسه عن مقالهم فقال: {سبحانه هو الغنى له ما في السماوات وما في الأرض} وإذا ورد في القرآن ذكر مقال هؤلاء المعتدين في ضلالهم تبعه ذكر ملكه سبحانه لكل من في السماوات والأرض كقوله تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمان ولدا} ثم قال: {لقد جئتم شيئا إدا} ثم ذكر سبحانه عظيم مرتكبهم في شنيع مقالهم فقال: {تكاد السماوت يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمان ولدا} أي من أجل ادعائهم الولد لله سبحانه ثم قال: {وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا} وكيف والكل عبيده وملكه: {إن كل ما في السماوت والأرض إلا آتى الرحمان عبدا} وهو الغنى عن العالمين فلما كان موضع تأكيد ناسبه الاتيان بما والتأكيد بها وإن كان المعنى حاصلا دونها.
والجواب عن السؤال الثالث: أن ورود {من} في الآية المتوسطة مناسب لما قصد بها وبنيت عليه ألا ترى أن ما ثبت قبل هذه الآية من قوله تعالى: {ولا يحزنك قولهم} فأنسه تعالى وثبته كما قال في موضع آخر: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} فتأمل عظيم هذا التأنيس وما تضمنه قوله: {فإنهم لا يكذبونك} من وضوح صدقه عليه السلام وتصديقه فلم يبق إلا الحسد وقصد إطفاء نور الله: {ويأبى الله إلا أن يتم نوره} فلما قال له تأنيسا وتكفلا لحفظه إياه: {ولا يحزنك قولهم} أتبع ذلك سبحانه بإعلامه إياه أن العزة له جل جلاله لا يشركه في ذلك أحد ولا يعتز مخلوق إلا بإعزازه يعز من يشاء ويذل من يشاء وإلى ذلك أشار قوله: {جميعا} ثم قال: {هو السميع العليم} أي لا يخفى عليه مقالهم فيك وما يسرونه من مكر أو مكيدة ثم أعلمه باحتواء ملكه سبحانه على ما أعلمه به في قوله: {ألا إن لله من في السماوات والأرض} فهو يعزك بإمداده إياك بمن شاء من مخلوقاته {ولله جنود السماوات والأرض} ولما كان تأييده عليه السلام في الغالب عند لقاء أعدائه إنما يكون بالملائكة والمؤمنين لذلك ما ورد التعبير بمن وكررت تأكيدا فقيل: {ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض} وهو مؤسده وممده بمن شاء من عباده: {ولا يحزنك قولهم} وقد وضح أن كل آية من هذه الآيات لا يناسبها غير ما اتصلت به ولا يمكن على ما تبين وقوع واحدة منهما في موضع الأخرى والله أعلم بما أراد. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآيتين:

قال عليه الرحمة:
{أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55)}
الحادثات بأسْرِها له مِلْكًا، وبه ظهورًا، ومنه ابتداءً، وإليه انتهاء؛ فقولُه حقٌّ، ووعدهُ صِدْقُ، وأمره حَتْمٌ وقضاؤه باتٌ. وهو العَلِيُّ، وعلى ما يشاء قويٌّ.
{هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56)}
يحيي القلوبَ بأنوار المشاهدة، ويميت النفوسَ بأنواع المجاهدة فنفوسُ العابدين تَلَفُها فنون المجاهدات، وقلوب العارفين شَرفُها عيون المشاهدات.
ويقال يحيي مَنْ أقبل عليه، ويميتَ مَنْ أعرض عنه.
ويقال يحيي قلوب قوم بجميل الرجاء، ويميت قلوبَ قوم بِوَسْم القنوط. اهـ.

.تفسير الآية رقم (57):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ثبت أن ذلك كله حق مباين للسحر الذي مبناه على التخييل، أقبل على الذين تقدم الإخبار عنهم في أول السورة في قوله: {أكان للناس عجبًا} أنهم قالوا إنه سحر، فقال: {يا أيها الناس} أي الذين قالوا: إن وعدنا والإخبار به سحر؛ ولما كان بين الأرواح والأبدان حب غريزي بالتعلق، والتذ الروح لذلك بمشتهيات هذه الحياة الدنيا بما انطبع فيه بمظاهر الحس فلم يأته نور العقل حتى تعود النقائص بقوة التعلق فحدثت له أخلاق ذميمة هي أمراض روحانية، فأرسل ربه الذي أوجده ودبره وأحسن إليه طبيبًا حاذقًا هو الرسول صلى الله عليه وسلم لعلاج هذه الأمراض.
وأنزل كتابه العزيز لوصف الأدوية، فكان أحكم الطب منع المريض عن أسباب المرض، قال تعالى: {قد جاءتكم موعظة} أي زاجر عظيم عن التخلي عن كل ما يشغل القلب عن الله من المحظورات وغيرها من كل ما لا ينبغي، وذلك هو الشريعة.
ولما كان تناول المؤذي شديد الخطر، وهو لذيذ إلى النفس بينهما من ملاءمة النقص، وكان الانكفاف عنه أشق شيء عليها، رغبها في القبول بقوله: {من ربكم} أي المحسن إليكم المدبر لمصالحكم بهذا القرآن؛ ولما كان أليق ما يعمل بعد الحمية تعاطي الدواء المزيل للأخلاط الفاسدة من الباطن، قال: {وشفاء} أي عظيم جدًا: {لما في الصدور} من أدواء الجهل، وذلك الشفاء يحصل بتطهير الباطن بعد التخلي عن الأخلاق الذميمة بالتحلي بالصفات الحميدة ليصير الباطن سالمًا عن العقائد الفاسدة والأخلاق الناقصة كما سلم البدن من الأفعال الدنية، وهذا هو الطريق.
ولما كانت الروح إذا انصقلت مرآتها فصارت قابلة لتجلي الأنوار عليها بفيض البروق الإلهية والنفخات القدسية والمواهب الملكوتية لأنها دائمة اللمعان كما قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني عن محمد بن مسلمة رضي الله عنهم: «إن لربكم في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرضوا له» الحديث.
وليس المانع من نزولها في كل قلب إلا عدم القابلية من بعضها لتراكم الظلمات فيها من صداء المخالفة ودين الإعراض والغفلة، فيكون بذلك كالمرايا الصديئة لا تقبل انطباع الصور بها، قال تعالى: {وهدى} إلى الحق لأنه نور عظيم يقود صاحبه- ولابد- إلى الطريق الأقوم، وهذا للصديقين وهو الحقيقة.
ولما كان هذا النور إذا زاد عظمة وانتشر إشراقه يفيض- بعد الوصول إلى هذه الدرجات الروحانية والمعارج الربانية- على أرواح الناقصين فيض النور من جوهر الشمس على أجرام العالم فينير كل قابل له مقبل عليه، قال تعالى: {ورحمة} أي إكرام عظيم بالإمامية بالغ في الكمال والإشراق إلى حد لا مزيد عليه، وهذا للأنبياء عليهم السلام؛ ولما كان لا ينتفع بأنوارهم إلا من توجه إليهم، ثم إن الانتفاع بهم يتفاوت بتفاوت درجات التوجه إليهم والإقبال عليهم، قال: {للمؤمنين} الذين اتبعوه وهم راسخون في التوجه إلى المرشدين والاستسلام لهم فكان ذلك سببًا لنجاتهم- أشار إلى هذا الإمام وقال: فهذه درجات عقلية ومراتب برهانية مدلول عليها بهذه الكلمات الأربع القرآنية على وجه لا يمكن تأخير شيء منها عن موضعه ولا تقديمه، وهذا بخلاف ما نسبوه إليه صلى الله عليه وسلم من السحر فإنه داء كله وضلال يجر إلى الشقاء، والموعظة: إبانة تدعو إلى الصلاح بطريق الرغبة والرهبة، والوعظ ما دعا إلى الخشوع والنسك وصرف عن الفسوق والإثم؛ والشفاء: إزالة الداء، وداء الجهل أضر من داء البدن وعلاجه أعسر وأطباؤه أقل، والشفاء منه أجل؛ والصدر: موضع القلب، وهو أجل موضع في الحي لشرف القلب؛ والهدى: بيان عن معنى يؤدي إلى الحق، وهو دلالة تؤدي إلى المعرفة؛ والرحمة: نعمة على المحتاج. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}
في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن الطريق إلى إثبات نبوة الأنبياء عليهم السلام أمران: الأول: أن نقول إن هذا الشخص قد ادعى النبوة وظهرت المعجزة على يده وكل من كان كذلك، فهو رسول من عند الله حقًا وصدقًا، وهذا الطريق مما قد ذكره الله تعالى في هذه السورة وقرره على أحسن الوجوه في قوله: {وَمَا كَانَ هذا القرءان أَن يَفْتَرِى مِن دُونِ الله ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبّ العالمين أَمْ يَقُولُونَ افتراه قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّثْلِهِ وادعوا مَنِ استطعتم مّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صادقين} [يونس: 37، 38] وقد ذكرنا في تفسير هذه الآية ما يقوي الدين ويورث اليقين ويزيل الشكوك والشبهات ويبطل الجهالات والضلالات.
وأما الطريق الثاني فهو أن نعلم بعقولنا أن الاعتقاد الحق والعمل الصالح ما هو؟ فكل من جاء ودعا الخلق إليهم وحملهم عليه وكانت لنفسه قوة قوية في نقل الناس من الكفر إلى الإيمان، ومن الاعتقاد الباطل إلى الاعتقاد الحق، ومن الأعمال الداعية إلى الدنيا إلى الأعمال الداعية إلى الآخرة فهو النبي الحق الصادق المصدق، وتقريره: أن نفوس الخلق قد استولى عليها أنواع النقص والجهل وحب الدنيا، ونحن نعلم بعقولنا أن سعادة الإنسان لا تحصل إلا بالاعتقاد الحق والعمل الصالح، وحاصله يرجع إلى حرف واحد وهو أن كل ما قوى نفرتك عن الدنيا ورغبتك في الآخرة فهو العمل الصالح وكل ما كان بالضد من ذلك فهو العمل الباطل والمعصية، وإذا كان الأمر كذلك كانوا محتاجين إلى إنسان كامل، قوي النفس، مشرق الروح، علوي الطبيعة، ويكون بحيث يقوى على نقل هؤلاء الناقصين من مقام النقصان إلى مقام الكمال، وذلك هو النبي.
فالحاصل أن الناس أقسام ثلاثة: الناقصون والكاملون الذين لا يقدرون على تكميل الناقصين، والقسم الثالث هو الكامل الذي يقدر على تكميل الناقصين، فالقسم الأول هو عامة الخلق، والقسم الثاني هم الأولياء، والقسم الثالث هم الأنبياء، ولما كانت القدرة على نقل الناقصين من درجة النقصان إلى درجة الكمال مراتبها مختلفة ودرجاتها متفاوتة، لا جرم كانت درجات الأنبياء في قوة النبوة مختلفة.
ولهذا السر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل».
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: إنه تعالى لما بين صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بطريق المعجزة، ففي هذه الآية بين صحة نبوته بالطريق الثاني، وهذا الطريق طريق كاشف عن حقيقة النبوة معرف لماهيتها، فالاستدلال بالمعجز هو الذي يسميه المنطقيون برهان الآن، وهذا الطريق هو الطريق الذي يسمونه برهان اللم، وهو أشرف وأعلى وأكمل وأفضل.
المسألة الثانية:
اعلم أنه تعالى وصف القرآن في هذه الآية بصفات أربعة: أولها: كونه موعظة من عند الله.
وثانيها: كونه شفاء لما في الصدور.
وثالثها: كونه هدى.
ورابعها: كونه رحمة للمؤمنين.
ولابد لكل واحد من هذه الصفات من فائدة مخصوصة فنقول: إن الأرواح لما تعلقت بالأجساد كان ذلك التعلق بسبب عشق طبيعي وجب للروح على الجسد، ثم إن جوهر الروح التذ بمشتهيات هذا العالم الجسداني وطيباته بواسطة الحواس الخمس وتمرن على ذلك وألف هذه الطريقة واعتادها.
ومن المعلوم أن نور العقل إنما يحصل في آخر الدرجة، حيث قويت العلائق الحسية والحوادث الجسدانية، فصار ذلك الاستغراق سببًا لحصول العقائد الباطلة والأخلاق الذميمة في جوهر الروح، وهذه الأحوال تجري مجرى الأمراض الشديدة لجوهر الروح، فلابد لها من طبيب حاذق، فإن من وقع في المرض الشديد، فإن لم يتفق له طبيب حاذق يعالجه بالعلاجات الصائبة مات لا محالة، وإن اتفق أن صادفه مثل هذا الطبيب، وكان هذا البدن قابلًا للعلاجات الصائبة فربما حصلت الصحة وزال السقم.