فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}
وأنت وكل المؤمنين مهما عملوا في تطبيق منهج الله، فكلُّنا بعبادتنا لن نؤدي حَقَّ النعم الموجودة عندنا قبل أن نُكَلَّف، وعلينا أن نتدبَّر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يدخل أحدكم الجنة بعمله». قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أنْ يتغمَّدني الله برحمته».
إذن: فإن افتخر إنسان بطاعته لله، فهذه الطاعة تعود على العبد في دنياه، وهو لن يؤدي بطاعته حق كل النعم التي أسبغها الله عليه.
ومثال ذلك: إن العبد لا يُكلَّف إلا عند البلوغ، أي: في سنّ الخامسة عشر تقريبًا، فإ نظر إلى النعم التي أسبغها الله تعالى عليه حتى وصل إلى هذه السِّنِّ، فهو لن يحصيها، فما بالنا بالنعم التي تغمرنا في كل العمر، وحين يجازينا الحق في الآخرة، فهو لا يجازينا بالعدل، بل يعاملنا بالفضل.
إذن: إياك أن تقول: أنا تصدَّقتُ بكذا، أو صلّيت كذا؛ حتى لا تورثك استجابتك لمنهج الله غرورًا بعملك التعبُّديِّ، وتذكَّر القول المأثور: رُبَّ معصية أورثتْ ذُلًا وانكسارًا، خيرٌ من طاعةٍ أورثتْ عِزًّا واستكبارا. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50)}
قوله: {قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ} هذا منه سبحانه تزييف لرأي الكفار في استعجال العذاب بعد التزييف الأوّل: أي أخبروني إن أتاكم عذاب الله: {بَيَاتًا} أي: وقت بيات، والمراد به: الوقت الذي يبيتون فيه، وينامون ويغفلون، عن التحرز، والبيات بمعنى التبييت اسم مصدر كالسلام بمعنى التسليم، وهو منتصب على الظرفية، وكذلك نهارًا: أي وقت الاشتغال بطلب المعاش والكسب، والضمير في: {منه} راجع إلى العذاب، وقيل: راجع إلى الله، والاستفهام في: {مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المجرمون} للإنكار المتضمن للنهي، كما في قوله: {أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1] ووجه الإنكار عليهم في استعجالهم: أن العذاب مكروه تنفر منه القلوب، وتأباه الطبائع فما المقتضى لاستعجالهم له؟ والجملة المصدرة بالاستفهام جواب الشرط بحذف الفاء، وقيل: إن الجواب محذوف، والمعنى: تندموا على الاستعجال، أو تعرفوا الخطأ منكم فيه.
وقيل: إن الجواب قوله: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ} وتكون جملة: {مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المجرمون} اعتراضًا، والمعنى: إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان.
والأوّل: أولى.
وإنما قال: {يستعجل منه المجرمون}، ولم يقل: يستعجلون منه؛ للدلالة على ما يوجب ترك الاستعجال، وهو الإجرام؛ لأن من حقّ المجرم أن يخاف من العذاب بسبب إجرامه، فكيف يستعجله؟ كما يقال لمن يستوخم أمرًا إذا طلبه: ماذا تجني على نفسك.
وحكى النحاس، عن الزجاج، أن الضمير في: {مِنْهُ} إن عاد إلى العذاب كان لك في: {مَاذَا} تقديران: أحدهما: أن تكون ما في موضع رفع بالابتداء، وذا بمعنى الذي، وهو خبر ما، والعائد محذوف.
والتقدير الآخر: أن يكون: {مَاذَا} اسمًا واحدًا في موضع رفع بالابتداء، والخبر ما بعده، وإن جعل الضمير في: {مِنْهُ} عائدًا إلى الله تعالى، كان: {مَاذَا} شيئًا واحدًا في موضع نصب ب: {يستعجل}، والمعنى: أيّ شيء يستعجل منه المجرمون: أي من الله عزّ وجلّ.
ودخول الهمزة الاستفهامية في: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ءامَنْتُمْ بِهِ} على ثم كدخولها على الواو والفاء، وهي لإنكار إيمانهم، حيث لا ينفع الإيمان، وذلك بعد نزول العذاب، وهو يتضمن معنى التهويل عليهم، وتفظيع ما فعلوه في غير وقته، مع تركهم له في وقته الذي يحصل به النفع والدفع، وهذه الجملة داخلة تحت القول المأمور به، وجيء بكلمة ثم التي للتراخي؛ دلالة على الاستبعاد.
وجيء ب: {إذا} مع زيادة ما للتأكيد؛ دلالة على تحقق وقوع الإيمان منهم في غير وقته، ليكون في ذلك زيادة استجهال لهم، والمعنى: أبعد ما وقع عذاب الله عليكم، وحلّ بكم سخطه وانتقامه آمنتم، حين لا ينفعكم هذا الإيمان شيئًا، ولا يدفع عنكم ضرًّا.
وقيل إن هذه الجملة: ليست داخلة تحت القول المأمور به، وأنها من قول الملائكة استهزاء بهم، وإزراء عليهم.
والأول: أولى.
وقيل: إن ثم هاهنا، هي بفتح الثاء، فتكون ظرفية بمعنى هناك.
والأوّل: أولى.
قوله: {الآن وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} قيل: هو استئناف بتقدير القول، غير داخل تحت القول الذي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقوله لهم، أي قيل لهم عند إيمانهم بعد وقوع العذاب: آلآن آمنتم به وقد كنتم به تستعجلون: أي بالعذاب تكذيبًا منكم واستهزاء؛ لأن استعجالهم كان على جهة التكذيب والاستهزاء، ويكون المقصود بأمره صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم هذا القول: التوبيخ لهم، والاستهزاء بهم، والإزراء عليهم، وجملة: {وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} في محل نصب على الحال، وقرئ: آلان بحذف الهمزة التي بعد اللام، وإلقاء حركتها على اللام.
قوله: {ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الخلد} معطوف على الفعل المقدّر، قيل: آلآن، والمراد منه: التقريع والتوبيخ لهم: أي قيل للذين ظلموا أنفسهم بالكفر وعدم الإيمان: إن هذا الذي تطلبونه ضرر محض، عار عن النفع من كل وجه، والعاقل لا يطلب ذلك، ويقال لهم على سبيل الإهانة لهم: ذوقوا عذاب الخلد: أي العذاب الدائم الذي لا ينقطع، والقائل لهم هذه المقالة، والتي قبلها، قيل: هم: الملائكة الذين هم: خزنة جهنم.
ولا يبعد أن يكون القائل لذلك هم الأنبياء على الخصوص، أو المؤمنون على العموم: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} في الحياة من الكفر والمعاصي.
والاستفهام للتقرير، وكأنه يقال لهم هذا القول عن استغاثتهم من العذاب، وحلول النقمة.
ثم حكى الله سبحانه عنهم بعد هذه البيانات البالغة، والجوابات عن أقوالهم الباطلة: أنهم استفهموا تارة أخرى عن تحقق العذاب، فقال: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ} أي: يستخبرونك عن جهة الاستهزاء منهم والإنكار، أحق ما تعدنا به من العذاب في العاجل والآجل، وهذا السؤال منهم جهل محض.
وظلمات بعضها فوق بعض، فقد تقدّم ذكره عنهم مع الجواب عليه، فصنيعهم في هذا التكرير صنيع من لا يعقل ما يقول، ولا يقال له؛ وقيل: المراد بهذا الاستخبار منهم هو: عن حقية القرآن، وارتفاع حق على أنه خبر مقدّم.
والمبتدأ هو الضمير الذي بعده، وتقديم الخبر للاهتمام، أو هو مبتدأ، والضمير مرتفع به سادّ مسدّ الخبر، والجملة في موضع نصب ب: {يستنبئونك}، وقرئ: {آلحق هو} على أن اللام للجنس، فكأنه قيل: أهو الحق لا الباطل.
قوله: {قُلْ إِى وَرَبّى إِنَّهُ لَحَقٌّ} أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم هذه المقالة جوابًا عن استفهامهم الخارج مخرج الاستهزاء، أي قل لهم يا محمد غير ملتفت إلى ما هو مقصودهم من الاستهزاء: إي وربي إنه لحق، أي نعم، وربي إن ما أعدّكم به من العذاب لحق ثابت كائن لا محالة.
وفي هذا الجواب تأكيد من وجوه: الأوّل: القسم مع دخول الحرف الخاص بالقسم الواقع موقع نعم.
الثاني: دخول إن المؤكدة؛ الثالث: اللام في لحق؛ الرابع: إسمية الجملة، وذلك يدلّ على أنهم قد بلغوا في الإنكار والتمرّد إلى الغاية التي ليست وراءها غاية، ثم توعدهم بأشدّ توعد، ورهبهم بأعظم ترهيب، فقال: {وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ} أي: فائتين العذاب بالهرب والتحيل الذي لا ينفع، والمكابرة التي لا تدفع من قضاء الله شيئًا، وهذه الجملة إما معطوفة على جملة جواب القسم، أو مستأنفة لبيان عدم خلوصهم من عذاب الله بوجه من الوجوه.
ثم زاد في التأكيد، فقال: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا في الأرض لاَفْتَدَتْ بِهِ} أي: ولو أن لكل نفس من الأنفس المتصفة بأنها ظلمت نفسها بالكفر بالله وعدم الإيمان به ما في الأرض، من كل شيء من الأشياء التي تشتمل عليها من الأموال النفيسة، والذخائر الفائقة لافتدت به: أي جعلته فدية لها من العذاب، ومثله قوله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مّلْء الأرض ذَهَبًا وَلَوِ افتدى بِهِ} [آل عمران: 91] وقد تقدّم قوله: {وَأَسَرُّواْ الندامة لَمَّا رَأَوُاْ العذاب} الضمير راجع إلى الكفار، الذين سياق الكلام معهم.
وقيل: راجع إلى الأنفس المدلول عليها بكل نفس.
ومعنى: {أسروا}: أخفوا، أي لم يظهروا الندامة بل أخفوها، لما قد شاهدوه في ذلك الموطن مما سلب عقولهم، وذهب بتجلدهم، ويمكن أنه بقي فيهم، وهم على تلك الحالة عرق ينزعهم إلى العصبية التي كانوا عليها في الدنيا، فأسرّوا الندامة لئلا يشمت بهم المؤمنون، وقيل: أسرّها الرؤساء فيما بينهم دون أتباعهم، خوفًا من توبيخهم لهم، لكونهم هم الذين أضلوهم، وحالوا بينهم وبين الإسلام؛ ووقوع هذا منهم كان عند رؤية العذاب، وأما بعد الدخول فيه فهم الذين: {قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون: 106].
وقيل: معنى: {أسروا}: أظهروا.
وقيل: وجدوا ألم الحسرة في قلوبهم؛ لأن الندامة لا يمكن إظهارها، ومنه قول كثير:
فأسررت الندامة يوم نادى ** بردّ جمال عاضرة المنادى

وذكر المبرد في ذلك وجهين: الأوّل: أنها بدت في وجوههم أسرة الندامة، وهي الإنكسار، واحدها: سرار، وجمعها: أسارير، والثاني: ما تقدّم.
وقيل معنى: {أَسَرُّواْ الندامة} أخلصوها؛ لأن إخفاءها إخلاصها، و: {لَّمًّا} في قوله: {لَمَّا رَأَوُاْ العذاب} ظرف بمعنى حين منصوب بأسرّوا، أو حرف شرط جوابه محذوف للدلالة ما قبله عليه: {وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بالقسط} أي: قضى الله بين المؤمنين وبين الكافرين، أو بين الرؤساء والأتباع، أو بين الظالمين من الكفار والمظلومين.
وقيل: معنى القضاء بينهم: إنزال العقوبة عليهم، والقسط: العدل، وجملة: {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} في محل نصب على الحال، أي: لا يظلمهم الله فيما فعله بهم من العذاب الذي حلّ بهم، فإنه بسبب ما كسبوا.
وجملة: {أَلا إِنَّ للَّهِ مَا في السموات والأرض} مسوقة لتقرير كمال قدرته؛ لأن من ملك ما في السموات والأرض، تصرف به كيف يشاء، وغلب غير العقلاء لكونهم أكثر المخلوقات، قيل: لما ذكر سبحانه افتداء الكفار بما في الأرض لو كان لهم ذلك بين أن الأشياء كلها لله، وليس لهم شيء يتمكنون من الافتداء به.
وقيل: لما أقسم على حقية ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، أراد أن يصحب ذلك بدليل البرهان البين بأن ما في العالم على اختلاف أنواعه ملكه، يتصرّف به كيف يشاء، وفي تصدير الجملة بحرف التنبيه تنبيه للغافلين، وإيقاظ للذاهلين، ثم أكد ما سبق بقوله: {أَلاَ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} أي: كائن لا محالة، وهو عامّ يندرج فيه ما استعجلوه من العذاب اندراجًا أوّليًا، وتصدير الجملة بحرف التنبيه، كما قلنا في التي قبلها مع الدلالة على تحقق مضمون الجملتين: {ولكن أَكْثَرَ الناس} أي: الكفار: {لاَّ يَعْلَمُونَ} ما فيه صلاحهم، فيعملون به، وما فيه فسادهم فيجتنبونه: {هُوَ يُحْيىِ وَيُمِيتُ} يهب الحياة ويسلبها.
{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} في الدار الآخرة، فيجازي كلًا بما يستحقه، ويتفضل على من يشاء من عباده.
قوله: {يا أيها الناس قَدْ جَاءتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مّن رَّبّكُمْ} يعني: القرآن فيه ما يتعظ به من قرأه وعرف معناه، والوعظ في الأصل: هو: التذكير بالعواقب سواء كان بالترغيب أو الترهيب، والواعظ هو كالطبيب ينهى المريض عما يضرّه، و: {مِنْ} في: {مّن رَّبّكُمْ} متعلقة بالفعل، وهو: {جاءتكم}، فتكون ابتدائية، أو متعلقة بمحذوف، فتكون تبعيضية: {وَشِفَاء لِمَا في الصدور} من الشكوك التي تعتري بعض المرتابين، لوجود ما يستفاد منه في من العقائد الحقة، واشتماله على تزييف العقائد الباطلة، والهدى: الإرشاد لمن اتبع القرآن، وتفكر فيه، وتدبر معانيه إلى الطريق الموصلة إلى الجنة، والرحمة: هي ما يوجد في الكتاب العزيز من الأمور التي يرحم الله بها عباده، فيطلبها من أراد ذلك حتى ينالها، فالقرآن العظيم مشتمل على هذه الأمور.
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل الخطاب معه بعد خطابه للناس على العموم، فقال: {قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} المراد بالفضل من الله سبحانه: هو تفضله على عباده في الآجل والعاجل بما لا يحيط به الحصر، والرحمة: رحمته لهم.
وروي عن ابن عباس أنه قال: فضل الله: القرآن، ورحمته: الإسلام.
وروي عن الحسن والضحاك، ومجاهد وقتادة، أن فضل الله: الإيمان، ورحمته: القرآن.