فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ} مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر جملة من أحوال الكفار ومذاهبهم والرد عليهم، ومحاورة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، وذكر فضله تعالى على الناس وأن أكثرهم لا يشكره على فضله، ذكر تعالى اطلاعه على أحوالهم وحال الرسول معهم في مجاهدته لهم، وتلاوة القرآن عليهم، وأنه تعالى عالم بجميع أعمالهم، واستطرد من ذلك إلى ذكر أولياء الله تعالى، ليظهر التفاوت بين الفريقين فريق الشيطان وفريق الرحمن.
والخطاب في قوله تعالى: {وما تكون في شأن}، وما تتلوا للرسول صلى الله عليه وسلم وهو عام بجميع شؤونه عليه السلام.
{وما تتلوا} مندرج تحت عموم شأن، واندرج من حيث المعنى في الخطاب كل ذي شأن.
وما في الجملتين نافية، والضمير في {منه} عائد على شأن، و{من قرآن} تفسير للضمير، وخص من العموم لأنّ القرآن هو أعظم شؤونه عليه السلام.
وقيل: يعود على التنزيل، وفسر بالقرآن لأنّ كل جزء منه قرآن، وأضمر قبل الذكر على سبيل التفخيم له.
وقيل: يعود على الله تعالى أي: وما تتلوا من عند الله من قرآن.
والخطاب في قوله: {ولا تعملون} عام، وكذا {إلا كنا عليكم شهودًا}.
وولى إلا هنا الفعل غير مصحوب بقد، لأنه قد تقدم الأفعل.
والجملة بعد إلا حال و{شهودًا} رقباء نحصي عليكم، وإذ معمولة لقوله: {شهودًا}.
ولما كانت الأفعال السابقة المراد بها الحالة الدائمة وتنسحب على الأفعال الماضية كان الظرف ماضيًا، وكان المعنى: وما كنت في شأن وما تلوت من قرآن ولا عملتم من عمل إلا كنا عليكم شهودًا إذ أفضتم فيه.
وإذ تخلص المضارع لمعنى الماضي، ولما كان قوله: {إلا كنا عليكم شهودًا} فيه تحذير وتنبيه عدل عن خطابه صلى الله عليه وسلم إلى خطاب أمته بقوله: {ولا تعملون من عمل}، وإن كان الله شهيدًا على أعمال الخلق كلهم.
وتفيضون: تخوضون، أو تنشرون، أو تدفعون، أو تنهضون، أو تأخذون، أو تنقلون، أو تتكلمون، أو تسعون، أقوال متقاربة ثم واجهه تعالى بالخطاب وحده في قوله: {وما يعزب عن ربك}، تشريفًا له وتعظيمًا.
ولما ذكر شهادته تعالى على أعمال الخلق ناسب تقديم الأرض الذي هي محل المخاطبين على السماء، بخلاف ما في سورة سبأ، وإن كان الأكثر تقديمها على الأرض.
وقرأ ابن وثاب، والأعمش، وابن مصرف، والكسائي، يعزب بكسر الزاي، وكذا في سبأ.
والمثقال اسم لا صفة، ومعناه هنا وزن ذرة.
والذر صغار النمل، ولما كانت الذرة أصغر الحيوان المتناسل المشهور النوع عندنا جعلها الله مثالًا لأقل الأشياء وأحقرها، إذ هي أحقر ما نشاهد.
ثم قال: ولا أصغر من ذلك أي: من مثقال ذرة.
ولما ذكر تعالى أنه لا يغيب عن علمه أدق الأشياء التي نشاهدها، ناسب تقديم ولا أصغر من ذلك، ثم أتى بقوله: {ولا أكبر}، على سبيل إحاطة علمه بجميع الأشياء.
ومعلوم أنّ من علم أدق الأشياء وأخفاها كان علمه متعلقًا بأكبر الأشياء وأظهرها.
وقرأ الجمهور: ولا أصغر من ذلك ولا أكبر بفتح الراء فيهما، ووجه على أنه عطف على ذرة أو على مثقال على اللفظ.
وقرأ حمزة وحده: برفع الراء فيهما، ووجه على أنه عطف على موضع مثقال لأن من زائدة فهو مرفوع بيعزب، هكذا وجهه الحوفي وابن عطية وأبو البقاء.
وقال الزمخشري تابعًا لاختيار الزجاج: والوجه النصب على نفي الجنس، والرفع على الابتداء، يكون كلامًا مبتدأ.
وفي العطف عل محل مثقال ذرة أو لفظه فتحًا في موضع الجر أشكال، لأنّ قولك: لا يعزب عنه شيء إلا في كتاب مشكل انتهى.
وإنما أشكل عنده، لأنّ التقدير يصير إلا في كتاب فيعزب، وهذا كلام لا يصح.
وخرجه أبو البقاء على أنه استثناء منقطع تقديره: لكن هو في كتاب مبين، ويزول بهذا التقدير الإشكال.
وقال أبو عبد الله الرازي: أجاب بعض المحققين من وجهين: أحدهما: أنّ الاستثناء منقطع، والآخر أنّ العزوب عبارة عن مطلق البعد، والمخلوقات قسم أوجده الله ابتداء من غير واسطة كالملائكة والسموات والأرض، وقسم أوجده بواسطة القسم الأول مثل الحوادث الحادثة في عالم الكون والفساد، وهذا قد يتباعد في سلسلة العلية والمملوكية عن مرتبة وجود واجب الوجود، فالمعنى: لا يبعد عن مرتبة وجوده مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء إلا وهو في كتاب مبين، كتبه الله، وأثبت صور تلك المعلومات فيها انتهى، وفيه بعض تلخيص.
وقال الجرجاني صاحب النظم: إلا بمعنى الواو أي: وهو في كتاب مبين.
والعرب تضع إلاّ موضع واو النسق كقوله: {إلا من ظلم}، {إلا الذين ظلموا منهم} انتهى.
وهذا قول ضعيف لم يثبت من لسان العرب وضع إلا موضع الواو، وتقدم الكلام على قوله: {إلا الذين ظلموا منهم} وسيأتي على قوله: {إلا من ظلم} إن شاء الله تعالى. اهـ.

.قال الثعالبي:

قوله سبحانه: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ...} الآية: مَقْصِدُ هذه الآية وصْفُ إِحاطة اللَّه عزَّ وجلَّ بكلِّ شيء، لا ربَّ غيره، ومعنى اللفْظِ: وما تكُونُ يا محمَّد، والمرادُ هو وَغَيْرُهُ في شأن من جميع الشؤون،: {وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ}: الضمير عائدٌ على شَأْن أي: فيه وبسببه {مِن قُرْآنٍ}، ويحتمل أنْ يعود الضميرُ على جميع القرآن.
وقال * ص *: ضمير {منه} عائدٌ على {شأن} و: {مِن قُرْآنٍ}: تفسيرٌ للضمير. انتهى. وهو حَسَن، ثم عمَّ سبحانه بقوله: {وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ}، وفي قوله سبحانه: {إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} تحذيرٌ وتنبيهٌ.
* ت * وهذه الآية عظيمةُ المَوْقِعِ لأَهْل المراقبة تثيرُ من قلوبهم أسرارًا، ويغترفون من بَحْر فيضها أنوارًا، و: {تُفِيضُونَ} معناه: تأخذون وتَنْهَضُون بِجِدٍّ،: {وَمَا يَعْزُبُ}: معناه: وما يَغِيبُ: {عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ} والكتابُ المُبينُ هو اللوحُ المحفوظُ، ويحتملُ ما كتبته الحَفَظَةُ. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَمَا تَكُونُ في شَأْنٍ} أي في أمر، من شأنْتُ شأْنه أي قصدتُ قصدَه مصدر بمعنى المفعول: {وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ} الضميرُ للشأنِ والظرفُ صفةٌ لمصدر محذوفٍ أي تلاوةً كائنةً من الشأن إذ هي معظمُ شؤونِه عليه السلام أو للتنزيل، والإضمارُ قبل الذكر لتفخيم شأنِه، ومن ابتدائيةٌ أو تبعيضيةٌ أو لله عز وجل ومن ابتدائيةٌ والتي في قوله تعالى: {مِن قُرْآن} مزيدةٌ لتأكيد النفيِ أو ابتدائيةٌ على الوجه الأول وبيانية أو تبعيضيةٌ على الثاني والثالث: {وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ} تعميمٌ للخطاب إثرَ تخصيصِه بمقتضى الكلِّ وقد رُوعي في كل من المقامين ما لا يليق به حيث ذُكر أولًا من الأعمال ما فيه فخامةٌ وجلالةٌ وثانيًا ما يتناول الجليلَ والحقيرَ: {إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم أحوال المخاطبين بالأفعال الثلاثة أي ما تلابِسون بشيء منها حال من الأحوال إلا حالَ كونِنا رُقباءَ مطّلعين عليه حافظين له: {إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} أي تخوضون وتندفعون فيه، وأصلُ الإفاضة الاندفاعُ بكثرة أو بقوة، وحيث أريد بالأفعال السابقةِ الحالةُ المستمرَّةُ الدائمةُ المقارنةُ للزمان الماضي أيضًا أوثر في الاستثناء صيغةُ الماضي وفي الظرف كلمةُ إذ التي تفيد المضارعَ معنى الماضي: {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبّكَ} أي لا يبعُد ولا يغيب على علمه الشامل، وفي التعرض لعنوان الربوبيةِ من الإشعار باللطف ما لا يخفى وقرئ بكسر الزاءِ: {مِن مّثْقَالِ ذَرَّةٍ} كلمةُ مِنْ مزيدةٌ لتأكيد النفي أي ما يعزُب عنه ما يساوي في الثقل نملةً صغيرةً أو هباءً: {فِي الأرض وَلاَ في السماء} أي في دائرة الوجودِ والإمكان فإن العامة لا تعرِف سواهما ممكنًا ليس في أحدهما أو متعلِّقًا بهما، وتقديمُ الأرضِ لأن الكلامَ في حال أهلِها والمقصودُ إقامةُ البرهانِ على إحاطة علمِه تعالى بتفاصيلها وقوله تعالى: {وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ في كِتَابٍ مُّبِينٍ} كلامٌ برأسه مقرِّرٌ لما قبله ولا نافيةٌ للجنس وأصغرَ اسمُها وفي كتاب خبرُها وقرئ بالرفع على الابتداء والخبر (في كتاب).
ومن عطفَ على لفظ مثقالِ ذرةٍ وجعل الفتحَ بدلَ الكسرِ لامتناع الصرف أو على محله مع الجار جعلَ الاستثناءَ منقطعًا كأنه قيل: لا يعزُب عن ربك شيءٌ ما، لكنْ جميعُ الأشياء في كتاب مبين فكيف يعزُب عنه شيٌ منها؟ وقيل: يجوز أن يكون الاستثناءُ متصلًا ويعزُب بمعنى يَبينُ ويصدُر والمعنى لا يصدُر عنه تعالى شيءٌ إلا وهو في كتابٌ مبين. والمراد بالكتاب المبين اللوحُ المحفوظ. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَا تَكُونُ في شَأْنٍ} أي في أمر معتنى به، من شأنه بالهمز كسأله إذا قصده وقد تبدل همزته ألفًا، وهو في الأصل مصدر وقد أريد المفعول: {وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ} الضمير المجرور للشأن؛ والتلاوة أعظم شؤونه صلى الله عليه وسلم ولذا خصت بالذكر أو للتنزيل، والإضمار قبل الذكر لتفخيم شأنه أو لله عز وجل، و: {مِنْ} قيل تبعيضية على الاحتمالين الأولين وابتدائية على الثالث والتي في قوله سبحانه: {مِن قُرْ إن} زائدة لتأكيد النفي على جميع التقادير وإلى ذلك ذهب القطب.
وقال الطيبي: إن: {مِنْ} الأولى على الاحتمال الأخير ابتدائية والثانية مزيدة، وعلى الاحتمال الأول الأولى للتبعيض والثانية للبيان، وعلى الثاني الأولى ابتدائية والثانية للبيان.
وفي إرشاد العقل السليم أن الضمير الأول للشأن والظرف صفة لمصدر محذوف أي تلاوة كائنة من الشأن أو للتنزيل و: {مِنْ} ابتدائية أو تبعيضية أو لله تعالى شأنه و: {مِنْ} ابتدائية و: {مِنْ} الثانية مزيدة وابتدائية على الوجه الأول وبيانية أو تبعيضية على الوجه الثاني والثالث.
وأنت تعلم أنه قد يكون الظرف متعلقًا بما عنده، والتزام تعلقه بمحذوف وقع صفة لمصدر كذلك في جميع الاحتمالات مما لا حاجة إليه.
نعم اللازم بناءً على المشهور أن لا يتعلق حرفان بمعنى بمتعلق واحد، وذهب أبو البقاء إلى أن الضمير الأول للشأن و: {مِنْ} الأولى للأجل كما في قوله سبحانه: {مّمَّا خطيئاتهم أُغْرِقُواْ} [نوح: 25] و: {مِنْ} الثانية مزيدة وما بعدها مفعول به لتتلو وله وجه، ومما يقضي منه العجب ما قاله بعضهم إنه يحتمل أن يكون ضمير: {مِنْهُ} للشأن إما على تقدير ما تتلو حال كون القراءة بعض شؤونك وإما أن يحمل الكلام على حذف المضاف أي وما تتلو من أجل الشأن بأن يحدث لك شأن فتتلو القرآن من أجله فإن الحالية مما لا تكاد تخطر ببال من له أدنى ذوق في العربية ولم نر القول بتقدير مضاف في الكلام إذا كان فيه: {مِنْ} الأجلية أو نحوها، وما في كلام غير واحد من الأفاضل في أمثال ذلك تقدير معنى لا تقدير إعراب، ويبعد حمل هذا البعض على ذلك كما لا يخفى: {هذا} ثم إن القرآن عام للمقروء كلًا وبعضًا وهو حقيقة في كل كما حقق في موضعه، والقول بأنه مجاز في البعض بإطلاق الكل وإرادة الجزء مما لا يلتفت إليه: {وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ} أي أي عمل كان، والخطاب الأول خاص برأس النوع الإنساني وسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم وهذا عام ويشمل سائر العباد برهم وفاجرهم لا الأخيرين فقط، وقد روعي في كل من المقامين ما يليق به فعبر في مقام الخصوص في الأول بالشأن لأن عمل العظيم عظيم وفي الثاني بالعمل العام للجليل والحقير، وقيل: الخطاب الأول عام للأمة أيضًا كما في قوله تعالى: {يأيُّهَا النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ النساء} [الطلاق: 1]: {إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} استثناء مفرغ من أعم أحوال المخاطبين بالأفعال الثلاثة أي وما تلابسون بشيء منها في حال من الأحوال إلا حال كوننا رقباء مطلعين عليه حافظين له كذا قالوا، ويفهم منه أن الجار والمجرور متعلق بما بعده، ولعل تقديمه للاهتمام بتخويف من أريد تخويفه من المخاطبين، وكأنه للمبالغة فيه جئ بضمير العظمة، وأن المقصود من الاطلاع عليهم الاطلاع على عملهم: {إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} أي تشرعون فيه وتتلبسون به، وأصل الإفاضة الاندفاع بكثرة أو بقوة، وحيث أريد بالأفعال السابقة الحالة المستمرة الدائمة المقارنة للزمان الماضي أيضًا أوثر في الاستثناء صيغة الماضي، وفي الظرف كلمة: {إِذْ} التي تفيد المضارع معنى الماضي كذا قيل، ولم أر من تعرض لبيان وجه اختيار النفي بما التي تخلص المضارع للحال عند الجمهور عند انتفاء قرينة خلافه في الجملتين الأوليين والنفي بلا التي تخلص المضارع للاستقبال عند الأكثرين خلافًا لابن مالك في الجملة الثالثة، ولعل ذلك من آثار اختلاف الخطاب خصوصًا وعمومًا فتأمله فإنه دقيق جدًا: {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبّكَ} أي ما يبعد وما يغيب، ومنه يقال: الروض العازب وروض عزيب إذا كان بعيدًا من الناس، والكلام على حذف مضاف أي وما يعزب عن علم ربك عز وجل أو هو كناية عن ذلك، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من الإشعار باللطف ما لا يخفى.
وقرأ الكسائي والأعمش ويحيى بن وثاب بكسر الزاي: {مِن مّثْقَالِ ذَرَّةٍ} {مِنْ} مزيدة لتأكيد النفي، والمثقال اسم لما يوازن الشيء ويكون في ثقله وهو في الشرع أربعة وعشرون قيراطًا.
وأخرج ذلك ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبي جعفر، والصحيح أنه لم يختلف جاهلية وإسلامًا فقد نقل الجلال السيوطي عن الرافعي أنه قال: أجمع أهل العصر الأول على التقدير بهذا الوزن وهو أن الدرهم ستة دوانيق وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ولم يتغير المثقال في الجاهلية ولا في الإسلام.
والذرة واحدة الذر وهو النمل الأحمر الصغير، وسئل ثعلب عنها فقال: إن مائة نملة وزن حبة والذرة واحدة منها، وقيل: الذرة ليس لها وزن ويراد بها ما يرى في شعاع الشمس الداخل في الناذة: {فِي الأرض وَلاَ في السماء} أي في جهتي السفل والعلو أو في دائرة الوجود والإمكان لأن العامة لا تعرف سواهما ممكنًا ليس فيهما ولا متعلقًا بهما، والكلام شامل لهما أنفسهما أيضًا كما لا يخفى، وتقديم الأرض على السماء مع أنها قدمت عليها في كثير من المواضع ووقعت أيضًا في سبأ في نظير هذه الآية مقدمة لأن الكلام في حال أهلها والمقصود إقامة البرهان على إحاطة علمه سبحانه بتفاصيلها، وذكر السماء لئلا يتوهم اختصاص إحاطة علمه جل وعلا بشيء دون شيء، وحاصل الاستدلال أنه سبحانه لا يغيب عنه شيء ومن يكون هذا شأنه كيف لا يعلم حال أهل الأرض وما هم عليه مع نبيه صلى الله عليه وسلم، وقوله سبحانه: {وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ في كِتَابٍ مُّبِينٍ} جملة مستقلة ليست معطوفة على ما قبلها، و: {لا} نافية للجنس و: {أَصْغَرَ} اسمها منصوب لشبهه بالمضاف وكذا: {أَكْبَرَ} لتقدير عمله، وقول السمين: إنهما مبنيان على الفتح ضعيف وهو مذهب البغداديين، وزعم أنه سبق قلم متأخر عن حيز القبول، و: {فِى كتاب} متعلق بمحذوف وقع خبرًا، وقرأ حمزة، ويعقوب، وخلف، وسهل بالرفع على الابتداء والخبر، و: {لا} يجوز الغاؤها إذا تكررت، وأما قولهم: إن الشبيه بالمضاف يجب نصبه فالمراد منه المنع من البناء لا المنع من الرفع والإلغاء كما توهمه بعضهم، وجوز أن يكون ذلك على جعل: {لا} عاملة عمل ليس، وقيل: إن: {أَصْغَرَ} على القراءة الأولى عطف على: {مِثْقَالَ} أو: {ذَرَّةٍ} باعتبار اللفظ، وجيء بالفتح بدلا عن الكسر لأنه لا ينصرف للوصف ووزن الفعل، وعلى القراءة الأخرى معطوف على: {مِثْقَالَ} باعتبار محله لأنه فاعل و: {مِنْ} كما عرفت مزيد. واستشكل بأنه يصير التقدير ولا يعزب عنه أصفر من ذلك ولا أكبر منه إلا في كتاب فيعزب عنه ومعناه غير صحيح.