فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم لو بلغ الرجل في الزهد والعبادة والعلم ما بلغ، ولم يؤمن بجميع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فليس بمؤمن، ولا ولي لله تعالى، كالأحبار والرهبان من علماء اليهود والنصارى وعبَّادهم، وكذلك المنتسبون إلى العلم والعبادة من مشركي العرب والترك والهند وغيرهم، ممن كان من حكماء الهند والترك، وله علم أو زهد وعبادة في دينه، وليس مؤمنًا بجميع ما جاء به، فهو كافر، عدو لله، وإن ظن طائفة أنه ولي لله. كما كان حكماء الفرس من المجوس كفارًا مجوسًا، وكذلك حكماء اليونان مثل: أرسطو وأمثاله، كانوا مشركين، يعبدون الأصنام والكواكب. وفي أصناف المشركين من هذه الطوائف من له اجتهاد في العلم والزهد والعبادة، ولكن ليس بمؤمن بالرسل، ولا يصدقهم فيما أخبروا به ولا يطيعهم فيما أمروا، فهؤلاء ليسوا بمؤمنين، ولا أولياء لله، وهؤلاء تقترن بهم الشياطين وتنزل عليهم، فيكاشفون الناس ببعض الأمور، ولهم تصرفات خارقة من جنس السحر، وهم من جنس الكهان والسحرة الذين تنزل عليهم الشياطين. قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء: 221- 223]، وهؤلاء جميعهم الذين ينتسبون إلى المكاشفات، وخوارق العادات، إذا لم يكونوا متبعين للرسل، فلابد أن يكذبوا وتكذبهم شياطينهم، لابد أن يكون في أعمالهم ما هو إثم وفجور، مثل نوع من الشرك أو الظلم أو الفواحش أو الغلو أو البدع في العبادة، ولهذا تنزلت عليهم الشياطين، واقترنت بهم، فصاروا من أولياء الشيطان، لا من أولياء الرحمن.
ومن الناس من يكون فيه إيمان، وفيه شعبة من نفاق، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان». وفي صحيح مسلم: «وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم».
وإذا كان أولياء الله هم (المؤمنون المتقون) فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله تعالى، فمن كان أكمل إيمانًا وتقوى كان أكمل ولاية لله. فالناس متفاضلون في ولاية الله عز وجل، بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى، وكذلك يتفاضلون في عداوة الله بحسب تفاضلهم في الكفر والنفاق.
وأولياء الله على طبقتين: سابقون ومقربون وأصحاب يمين مقتصدون، ذكرهم الله في عدة مواضع من كتابه العزيز. فالأبرار أصحاب اليمين، هم المتقربون إلى الله بالفرائض، يفعلون ما أوجب الله عليهم، ويتركون ما حرم الله عليهم، ولا يكلفون أنفسهم بالمندوبات، ولا الكف عن فضول المباحات. وأما السابقون المقربون، فتقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض، ففعلوا الواجبات والمستحبات، وتركوا المحرمات والمكروهات، فلما تقربوا إليه بجميع ما يقدرون عليه من محبوباتهم أحبهم الرب حبًا تامًا، كما قال تعالى: «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» يعني الحب المطلق.
ثم إذا كان العبد لا يكون وليًا لله إلا إذا كان مؤمنًا تقيًا، لهذه الآية؛ فمعلوم أن أحدًا من الكفار والمنافقين لا يكون وليًا لله. وكذلك من لا يصح إيمانه وعباداته، وإن قدر أنه لا إثم عليه، مثل أطفال الكفار، ومن لم تبلغه الدعوة، وإن قيل: إنهم لا يعذبون حتى يُرسل إليهم رسولًا فلا يكونون من أولياء الله، إلا إذا كانوا من المؤمنين المتقين. فمن يتقرب إلى الله لا بفعل الحسنات ولا بفعل السيئات، لم يكن من أولياء الله.
وكذلك المجانين والأطفال، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن النائم حتى يستيقظ». وهذا الحديث قد رواه أهل السنن من حديث عائشة رضي الله عنها، واتفق أهل المعرفة على تلقيه بالقبول. ولكن الصبي المميز تصح عباداته، ويثاب عليها عند جمهور العلماء، وأما المجنون الذي رفع عنه القلم، فلا يصح شيء من عباداته باتفاق العلماء، ولا يصح منه إيمان ولا كفر ولا صلاة ولا غير ذلك من العبادات، بل لا يصلح هو، عند عامة العقلاء لأمور الدنيا، كالتجارة والصناعة، فلا يصح أن يكون بزازًا ولا عطارًا ولا حدادًا ولا نجارًا، ولا تصح عقوده باتفاق العلماء. فلا يصح بيعه ولا شراؤه ولا نكاحه ولا طلاقه ولا إقراره ولا شهادته، ولا غير ذلك من أقواله، بل أقواله كلها لغو لا يتعلق بها حكم شرعي، ولا ثواب ولا عقاب، بخلاف الصبي المميز فإن له أقوالًا معتبرة في مواضع، بالنص والإجماع، وفي مواضع فيها نزاع. وإذا كان المجنون لا يصح منه الإيمان ولا التقوى ولا التقرب إلى الله بالفرائض والنوافل، وامتنع أن يكون وليًا لله، فلا يجوز لأحد أن يعتقد أنه ولي لله، لاسيما أن تكون حجته على ذلك إما مكاشفة سمعها منه، أو نوعًا من تصرف، مثل أن يراه قد أشار إلى واحد فمات أو صرع، فإنه قد علم أن الكفار والمنافقين من المشركين وأهل الكتاب لهم مكاشفات وتصرفات شيطانية، كالكهان والسحرة وعبَّاد المشركين وأهل الكتاب، فلا يجوز لأحد أن يستدل بمجرد ذلك على كون الشخص وليًا لله، إن لم يعلم ما يناقض ولاية الله، فكيف إذا علم منه ما يناقض ولاية الله؟ مثل أن يعلم أنه لا يعتقد وجوب إتباع النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا، بل يعتقد أنه يتبع الشرع الظاهر، دون الحقيقة الباطنة، أو يعتقد أن لأولياء الله طريقًا إلى الله غير طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو يقول: إن الأنبياء ضيقوا الطريق، أو هم قدوة العامة دون الخاصة، ونحو ذلك مما يقوله بعض من يدعي الولاية، فهؤلاء فيهم من الكفر ما يناقض الإيمان، فضلًا عن ولاية الله عز وجل. فمن احتج بما يصدر عن أحدهم، من خرق عادة على ولايتهم، كان أضل من اليهود والنصارى، وكذلك المجنون، فإن كونه مجنونًا يناقض أن يصح منه الإيمان والعبادات، التي هي شرط في ولاية الله. ومن كان يجن أحيانًا، ويفيق أحيانًا، إذا كان في حال إفاقته مؤمنًا بالله ورسوله، ويؤدي الفرائض، ويجتنب المحارم، فهذا إذا جن، لم يكن جنونه مانعًا من أن يثيبه الله على إيمانه وتقواه الذي أتى به في حال إفاقته، ويكون له من ولاية الله بحسب ذلك، وكذلك من طرأ عليه الجنون بعد إيمانه وتقواه، فإن الله يثيبه ويأجره على ما تقدم من إيمانه وتقواه، ولا يحبطه بالجنون الذي ابتلي به من غير ذنب فعله، ولا قلم مرفوع عنه في حال جنونه.
فعلى هذا، فمن أظهر الولاية وهو لا يؤدي الفرائض، ولا يجتنب المحارم، بل قد يأتي بما يناقض ذلك، لم يكن لأحد أن يقول: هذا ولي لله، فإن هذا إن لم يكن مجنونًا، بل كان متولهًا من غير جنون، أو كان يغيب عقله بالجنون تارة، ويفيق أخرى، وهو لا يقوم بالفرائض بل يعتقد أنه لا يجب عليه إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر؛ وإن كان مجنونا باطنًا وظاهرًا قد ارتفع عنه القلم. فهذا وإن لم يكن معاقبًا عقوبة الكافرين، فليس هو مستحقًا لما يستحقه أهل الإيمان والتقوى من كرامة الله عز وجل، فلا يجوز على التقديرين أن يعتقد فيه أحد أنه ولي لله، لكن إن كان له حالة في إفاقته كان فيها مؤمنًا بالله متقيًا، كان له من ولاية الله بحسب ذلك، وإن كان له في حال فيه كفر أو نفاق، أو كان كافرًا أو منافقًا ثم طرأ عليه الجنون، فهذا فيه من الكفر والنفاق ما يعاقب عليه، وجنونه لا يحبط عنه ما يحصل منه حال إفاقته من كفر أو نفاق.
فصل:
وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات، فلا يتميزون بلباس دون لباس، ولا بحلق شعر أو تقصيره أو ضفره، إذا كان كلاهما مباحًا، كما قيل: كم من صديق في قباء، وكم من زنديق في عباء. بل يوجدون في جميع أصناف أمة محمد صلى الله عليه وسلم إذا لم يكونوا من أهل البدع الظاهرة والفجور. فيوجدون في أهل القرآن، وأهل العلم، ويوجدون في أهل الجهاد والسيف، ويوجدون في التجار والصناع والزراع. وكان السلف يسمون أهل الدين والعلم (القراء) فيدخل فيهم العلماء والنساك. ثم حدث بعد ذلك اسم الصوفية والفقراء واسم (الصوفية): نسبة إلى لباس الصوف. هذا هو الصحيح، وقد قيل: إنه نسبة إلى صفوة الفقهاء، وقيل إلى (صوفة بن أد) قبيلة من القرب كانوا يعرفون بالنسك، وقيل إلى أهل الصفا، وقيل إلى الصفوة، وقيل إلى الصفة، وقيل إلى الصف المقدم بين يدي الله تعالى. وهذه أقوال ضعيفة، فإنه لو كان كذلك لقيل: صفي، أو صفائي، أو صُفي، ولم يقل صوفي، وصار أيضًا اسم الفقراء يعني به أهل السلوك، وهذا عرف حادث، وقد تنازع الناس، أيما أفضل: مسمى الصوفي أو مسمى الفقير؟ ويتنازعون أيضًا: أيما أفضل؟ الغني الشاكر، أو الفقير الصابر؟ والصواب في هذا كله ما قاله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي: الناس أفضل؟ قال: «أتقاهم»، فدل الكتاب والسنة على أن أكرم الناس عند الله أتقاهم. وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أبيض، ولا لأبيض على أسود، إلا بالتقوى». وعنه أيضًا صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى أذهب عنكم عُبِّية الجاهلية وفخرها بالآباء. الناس رجلان: مؤمن تقي وفاجر شقي».
فصل:
وليس من شرط ولي الله أن يكون معصومًا لا يغلط ولا يخطئ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين، حتى يحسب بعض الأمور مما أمر الله به مما نهى الله عنه، ويجوز أن يظن في بعض الخوارق أنها من كرامات أولياء الله تعالى، وتكون من الشيطان لبَّسها عليه، لنقص درجته، ولا يعرف أنها من الشيطان، وإن لم يخرج بذلك عن ولاية الله تعالى. فإن الله سبحانه وتعالى تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، ولم يؤثِّم النبي صلى الله عليه وسلم المجتهد المخطئ بل جعل له أجرًا على اجتهاده، وجعل خطأه مغفورًا له، ولهذا لما كان ولي الله يجوز أن يغلط، لم يجب على الناس الإيمان بجميع ما يقوله من هو ولي الله، إلا أن يكون نبيًا، بل ولا يجوز لولي الله أن يعتمد على ما يلقى إليه في قلبه، إلا أن يكون موافقًا، وعلى ما يقع له مما يراه إلهامًا ومحادثة وخطابًا من الحق، بل يجب عليه أن يعرض ذلك جميعه على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فإن وافقه قبله وإن خالفه لم يقبله، وإن لم يعلم أموافق هو أم مخالف توقف فيه. والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف: طرفان ووسط. فمنهم من إذا اعتقد في شخص أنه ولي الله وافقه في كل ما يظن أنه حدثه به قلبه عن ربه، وسلم إليه جميع ما يفعله. ومنهم من إذا رآه قد قال أو فعل ما ليس بموافق للشرع، أخرجه عن ولاية الله بالكلية وإن كان مجتهدًا مخطئًا، وخيار الأمور أوساطها، وهو ألا يجعل معصومًا ولا مأثومًا، إذا كان مجتهدًا مخطئًا، فلا يتبع في كل ما يقوله، ولا يحكم عليه بالكفر والفسق مع اجتهاده. والواجب على الناس إتباع ما بعث الله به رسوله. وأما إذا خالف قول بعض الفقهاء، ووافق قول آخرين، لم يكن لأحد أن يلزمه بقول المخالف، ويقول: هذا خالف الشرع.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن كان في أمتي أحد فعمر منهم». وكان عمر يقول: اقتربوا من أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون، فإنه يتجلى لهم أمور صادقة. والمحدث الذي يأخذ عن قلبه أشياء ليس بمعصوم، فيحتاج أن يعرضه على ما جاء به النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان عمر رضي الله عنه يشاور الصحابة ويناظرهم ويرجع إليهم في بعض الأمور، وينازعونه في أشياء فيحتج عليهم، ويحتجون عليه بالكتاب والسنة، ويقررهم على منازعته، ولا يقول لهم: أنا محدث ملهم مخاطب، فينبغي لكم أن تقبلوا مني ولا تعارضوني. فأي من ادعى له أصحابه أنه ولي الله، وأنه مخاطب يجب على أتباعه أن يقبلوا منه كل ما يقوله ولا يعارضوه ويسلموا له حاله من غيره اعتبار بالكتاب والسنة، فهو وهُم مخطئون. ومثل هذا من أضل الناس. فعمر بن الخطاب رضي الله عنه أفضل منه، وهو أمير المؤمنين، وكان المسلمون ينازعونه ويعرضون ما يقول هو وهم على الكتاب والسنة. وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من الفروق بين الأنبياء وغيرهم. ولذا قال الجنيد: علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة. وقال أبو عثمان النيسابوري: من أمَّر السنة على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالحكمة، ومن أمَّر الهوى على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالبدعة، لقوله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: من الآية 54] وقال أبو عَمْرو بن نجيد: كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل.
فأولياء الله تعتبر بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن، وبحقائق الإيمان الباطنة، وشرائع الإسلام. فإذا كان الشخص مباشرًا للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان، أو يأوي إلى الحمامات والحشوش التي تحضرها الشياطين، أو يأكل الحيات والعقارب والزنابير وآذان الكلاب التي هي خبائث وفواسق، أو يشرب البول ونحوه من النجاسات التي يحبها الشيطان، أو يدعو غير الله فيستغيث بالمخلوقات، ويتوجه إليها، أو يسجد إلى ناحية شيخه ولا يخلص الدين لرب العالمين، أو يلابس الكلاب أو النيران، أو يأوي إلى المزابل والمواضع النجسة، أو يأوي إلى المقابر، لاسيما إلى مقابر الكفار من اليهود والنصارى أو المشركين، أو يكره سماع القرآن وينفر عنه، ويقدم عليه سماع الأغاني والأشعار، ويؤثر سماع مزامير الشيطان على سماع كلام الرحمن؛ فهذه علامات أولياء الشيطان، لا علامات أولياء الرحمن- انتهى ملخصًا-.
والكتاب مما يلزم الوقوف عليه، ومطالعته بالحرف، ففيه من الفوائد ما لا يوجد في غيره، فرحم الله جامعه، وجزاه خيرًا. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)}
أشار سبحانه بقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنزَلَ الله} إلخ إلى طريق أخرى غير ما تقدّم في إثبات النبوّة، وتقرير ذلك ما حاصله أنكم تحكمون بتحليل البعض، وتحريم البعض، فإن كان بمجرد التشهي والهوى فهو مهجور باتفاق العقلاء، مسلمهم وكافرهم، وإن كان لاعتقادكم أنه حكم الله فيكم وفيما رزقكم، فلا تعرفون ذلك إلا بطريق موصلة إلى الله، ولا طريق يتبين بها الحلال من الحرام إلا من جهة الرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده، ومعنى: {أرأيتم}: أخبروني، و: {مَا} في محل نصب بأرأيتم المتضمن لمعنى أخبروني، وقيل: إن: {ما} في محل الرفع بالابتداء وخبرها: {آلله أذن لكم} و: {قل} في قوله: {قُلِ الله أَذِنَ لَكُمْ} تكرير للتأكيد والرابط محذوف، ومجموع المبتدأ والخبر في محل نصب ب: {أرأيتم} والمعنى: أخبروني الذي أنزل الله إليكم من رزق، فجعلتم منه حرامًا وحلالًا، آلله أذن لكم في تحليله وتحريمه: {أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ} وعلى الوجهين، فمن في: {منه حرامًا} للتبعيض، والتقدير: فجعلتم بعضه حرامًا وجعلتم بعضه حلالًا، وذلك كما كانوا يفعلونه في الأنعام حسبما سبق حكاية ذلك عنهم في الكتاب العزيز؛ ومعنى إنزال الرزق: كون المطر ينزل من جهة العلوّ، وكذلك يقضي الأمر في أرزاق العباد في السماء على ما قد ثبت في اللوح المحفوظ من ذكره سبحانه وتعالى، لكل شيء فيه.