فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)}
قوله تعالى: {فِي الحياة الدنيا}: يجوز فيه وجهان، أظهرهما: أنه متعلقٌ بالبشرى، أي: البشرى تقع في الدنيا، وفُسِّرت بالرؤيا الصالحةِ. والثاني: أنها حالٌ من {البشرى} فتتعلق بمحذوف، والعاملُ في الحال الاستقرارُ في {لهم} لوقوعه خبرًا. وقوله: {لا تبديلَ} جملةٌ مستأنفة. وقوله: {ذلك} إشارةُ للبشرى وإن كانت مؤنثةً لأنها في معنى التبشير. وقيل: هو إشارةٌ إلى النعيم، قاله ابن عطية. وقال الزمخشري: {ذلك} إشارةٌ إلى كونهم مبشَّرين في الدارين. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)}
القيام بالأمر يدل على الصحة؛ فإذا قاموا بما أُمِروا به، واستقاموا بِتَرْكِ ما زُجروا عنه بَشَّرَتْهُم الشريعة بالخروج عن عهدة الإلزام، وبشَّرتهم الحقيقة باستجياب الإكرام، بما كوشِفوا به من الإعلام... وهذه هي البشرى في عاجلهم. وأما البُشرى في آجلِهم: فالحقُّ- سبحانه- يتولَّى ذلك التعريف، قال تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ} [التوبة: 21].
ويقال البشارة العُظْمَى ما يجدون في قلوبهم مِنْ ظَفَرِهم بنفوسهم بسقوط مآربهم، وأيُّ مُلْكٍ أتمُّ من سقوط المآرب، والرضا بالكائن؟ هذه هي النعمة العظمى، ووجدانُ هذه الحالة هو البشرى الكبرى.
ويقال الفرق بين هذه البشارة التي لهم وبين البشارة التي للخلْق أنَّ للخلْق عِدَةٌ بالجميل، والذي له نَقْدٌ ومحصول. اهـ.

.تفسير الآية رقم (65):

قوله تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تقدمت البشرى بنفي الخوف والحزن معًا عن الأولياء، علم أن المعنى: هذه البشرى للأولياء وأنت رأسهم فلا تخف، فعطف عليه قوله: {ولا يحزنك قولهم} أي في نحو قولهم: إنهم يغلبون، وفي تكذيبك والاستهزاء بك وتهديدك، فإن ذلك قول يراد به تبديل كلمات الله الغني القدير، وهيهات ذلك من الضعيف الفقير فكيف بالعلي الكبير! وإلى هذا يرشد التعليل لهذا النهي بقوله: {إن العزة} أي الغلبة والقهر وتمام العظمة: {لله} أي الملك الأعلى حال كونها: {جميعًا} أي فسيذلهم ويعز دينه، والمراد بذلك التسلية عن قولهم الذي يؤذونه به.
ولما بدئت الآية بقولهم، ختمها بالسمع له والعلم به وقصرهما عليه لأن صفات كل موصوف متلاشية بالنسبة إلى صفاته فقال: {هو} أي وحده: {السميع} أي البليغ السميع لأقوالهم: {العليم} أي المحيط العلم بضمائرهم وجميع أحوالهم فهو البالغ القدرة على كل شيء فيجازيهم بما تقتضيه، وهو تعليل لتفرده بالعزة لأنه تفرد بهذين الوصفين فانتفيا عن غيره، ومن انتفيا عنه كان دون الحيوانات العجم فأنى يكون له عزة! والعزة: قدرة على كل جبار بما لا يرام ولا يضام، والمعنى أنه يعزك على من ناواك، والنهي في: {ولا يحزنك} في اللفظ للقول وفي المعنى للسبب المؤدي إلى التأذي بالقول، وكسرت إن هاهنا للاستئناف بالتذكر بما ينفي الحزن، لا لأنها بعد القول لأنها ليست حكاية عنهم، وقرئ بفتحها على معنى لأن. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65)}
اعلم أن القوم لما أوردوا أنواع الشبهات التي حكاها الله تعالى عنهم فيما تقدم من هذه السورة وأجاب الله عنها بالأجوبة التي فسرناها وقررناها، عدلوا إلى طريق آخر، وهو أنهم هددوه وخوفوه وزعموا أنا أصحاب التبع والمال، فنسعى في قهرك وفي إبطال أمرك، والله سبحانه أجاب عن هذا الطريق بقوله: {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعًا}.
واعلم أن الإنسان إنما يحزن من وعيد الغير وتهديده ومكره وكيده، لو جوز كونه مؤثرًا في حاله، فإذا علم من جهة علام الغيوب أن ذلك لا يؤثر، خرج من أن يكون سببًا لحزنه.
ثم إنه تعالى كما أزال عن الرسول حزن الآخرة بسبب قوله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62] فكذلك أزال حزن الدنيا بقوله: {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعًا} فإذا كان الله تعالى هو الذي أرسله إلى الخلق وهو الذي أمره بدعوتهم إلى هذا الدين كان لا محالة ناصرًا له ومعينًا، ولما ثبت أن العزة والقهر والغلبة ليست إلا له، فقد حصل الأمن وزال الخوف.
فإن قيل: فكيف آمنه من ذلك ولم يزل خائفًا حتى احتاج إلى الهجرة والهرب، ثم من بعد ذلك يخاف حالًا بعد حال؟
قلنا: إن الله تعالى وعده الظفر والنصرة مطلقًا والوقت ما كان معينًا، فهو في كل وقت كان يخاف من أن لا يكون هذا الوقت المعين ذلك الوقت، فحينئذ يحصل الانكسار والانهزام في هذا الوقت.
وأما قوله تعالى: {إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعًا}
ففيه أبحاث:
البحث الأول:
قال القاضي: إن العزة بالألف المكسورة وفي فتحها فساد يقارب الكفر لأنه يؤدي إلى أن القوم كانوا يقولون: {إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعًا} وأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يحزنه ذلك.
أما إذا كسرت الألف كان ذلك استئنافًا، وهذا يدل على فضيلة علم الإعراب.
قال صاحب الكشاف: وقرأ أبو حيوة: {أنَّ العزة} بالفتح على حذف لام العلة يعني: لأن العزة على صريح التعليل.
البحث الثاني:
فائدة {إِنَّ العزة للَّهِ} في هذا المقام أمور: الأول: المراد منه أن جميع العزة والقدرة هي لله تعالى يعطي ما يشاء لعباده، والغرض منه أنه لا يعطي الكفار قدرة عليه، بل يعطيه القدرة عليهم حتى يكون هو بذلك أعز منهم، فآمنه الله تعالى بهذا القول من إضرار الكفار به بالقتل والإيذاء، ومثله قوله تعالى: {كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى} [المجادلة: 21]: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا} [غافر: 51] الثاني: قال الأصم: المراد أن المشركين يتعززون بكثرة خدمهم وأموالهم ويخوفونك بها وتلك الأشياء كلها لله تعالى فهو القادر على أن يسلب منهم كل تلك الأشياء وأن ينصرك وينقل أموالهم وديارهم إليك.
فإن قيل: قوله: {إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعًا} كالمضادة لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8].
قلنا: لا مضادة، لأن عزة الرسول والمؤمنين كلها بالله فهي لله.
أما قوله: {هُوَ السميع العليم} أي يسمع ما يقولون ويعلم ما يعزمون عليه وهو يكافئهم بذلك. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} تمّ الكلام، أي لا يحزنك افتراؤهم وتكذيبهم لك، ثم ابتدأ فقال: {إِنَّ العزة للَّهِ} أي القوّة الكاملة والغلبة الشاملة والقدرة التامة لله وحده؛ فهو ناصرك ومعينك ومانعك.
{جَمِيعًا} نصب على الحال، ولا يعارض هذا قوله: {وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8] فإن كل عزة بالله فهي كلها لله؛ قال الله سبحانه: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180].
{هُوَ السميع العليم} السميع لأقوالهم وأصواتهم، العليم بأعمالهم وأفعالهم وجميع حركاتهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}
إما أن يكون قولهم أريد به بعض أفراده وهو التكذيب والتهديد وما يتشاورون به في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون من إطلاق العام وأريد به الخاص.
وإما أن يكون مما حذفت منه الصفة المخصصة أي: قولهم الدال على تكذيبك ومعاندتك، ثم استأنف بقوله: {إنّ العزة لله جميعًا} أي: لا عزة لهم ولا منعة، فهم لا يقدرون لك على شيء ولا يؤذونك، إن الغلبة والقهر لله، وهو القادر على الانتقام منهم، فلا يعازه شيء ولا يغالبه.
وكأنّ قائلًا قال: لم لا يحزنه قولهم وهو مما يحزن؟ فقيل: إنّ العزة لله جميعًا، ليس لهم منها شيء.
وقرأ أبو حيوة: أنّ العزة بفتح الهمزة وليس معمولًا لقولهم: لأن ذلك لا يحزن الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ هو قول حق.
وخرجت هذه القراءة على التعليل أي: لا يقع منك حزن لما يقولون، لأجل أنّ العزة لله جميعًا.
ووجهت أيضًا على أن يكون إنّ العزة بدل من قولهم ولا يظهر هذا التوجيه.
قال الزمخشري: ومن جعله بدلًا من قولهم ثم أنكره، فالمنكر هو تخريجه لا ما أنكره من القرآن.
وقال القاضي: فتحها شاذ يقارب الكفر، وإذا كسرت كان استئنافًا، وهذا يدل على فضيلة علم الإعراب.
وقال ابن قتيبة: لا يجوز فتح إن في هذا الموضع وهو كفر وغلو، وإنما قال القاضي وابن قتيبة بناء منهما على أن معمولة لقولهم، وقد ذكرنا توجيه ذلك على التعليل وهو توجيه صحيح.
هو السميع لما يقولون، العليم لما يريدون.
وفي هذه الآية تأمين للرسول صلى الله عليه وسلم من اضرار الكفار، وأن الله تعالى يديله عليهم وينصره.
{كتب الله لأغلبن أنا ورسلي}، {إنا لننصر رسلنا} وقال الأصم: كانوا يتعززون بكثرة خدمهم وأموالهم، فأخبر أنه قادر على أن يسلب منهم ملك الأشياء، وأن ينصرك وينقل إليك أموالهم وديارهم انتهى.
ولا تضاد بين قوله: {إن العزة لله جميعًا}، وقوله: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} لأن عزتهم إنما هي بالله، فهي كلها لله. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} تسليةٌ للرسول صلى الله عليه وسلم عما كان يلقاه من جهتهم من الأذية الناشئةِ عن مقالاتهم الموحشةِ وتبشيرٌ له عليه الصلاة والسلام بأنه عز وجل ينصُره ويُعزّه عليهم، إثرَ بيانِ أن له ولأتباعه أمْنًا من كل محذورٍ وفوزًا بكل مطلوبٍ، وقرئ ولا يُحْزِنك من أحزنه وهو في الحقيقة نهيٌ له عليه السلام عن الحزن كأنه قيل: لا تحزنْ بقولهم ولا تُبالِ بتكذيبهم وتشاورِهم في تدبير هلاكِك وإبطالِ أمرِك وسائرِ ما يتفوهون به في شأنك مما لا خيرَ فيه، وإنما وُجِّه النهيُ إلى قولهم للمبالغة في نهيه عليه السلام عن الحزن لما أن النهيَ عن التأثير نهيٌ عن التأثر بأصله ونفيٌ له بالمرة وقد يوجّه النهيُ إلى اللازم والمرادُ هو النهيُ عن الملزوم كما في قولك: لا أُرَيَّنك هاهنا، وتخصيصُ النهي عن الحزن بالإيراد مع شمول النفي السابقِ للحزن أيضًا لما أنه لم يكن فيه عليه السلام شائبةُ خوفٍ حتى ينهى عنه وربما كان يعنى به عليه السلام في بعض الأوقاتِ نوعُ حزنٍ فسُلِّيَ عن ذلك، وقوله تعالى: {إِنَّ العزة} تعليلٌ للنهي على طريقة الاستئنافِ أي الغلبةَ والقهرَ: {للَّهِ جَمِيعًا} أي في ملكته وسلطانِه لا يملك أحدٌ شيئًا منها أصلًا لا هم ولا غيرُهم فهو يقهرُهم ويعصِمُك منهم وينصُرك عليهم وقد كان كذلك فهي من جملة المبشرات العاجلة، وقرئ بفتح {أن} على صريح التعليلِ أي لأن العزة لله: {هُوَ السميع العليم} يسمع ما يقولون في حقك ويعلم ما يعزمون عليه وهو مكافِئُهم بذلك. اهـ.

.قال الألوسي:

ومن جعل قوله سبحانه: {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} معطوفًا على الجملة قبل أي إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فلا يحزنك قول أعداء الله تعالى فالاعتراض عنده بين متصلين لا في آخر الكلام لكنه ليس بشيء، والذي عليه الجمهور أنه استئناف سيق تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما كان يلقاه من جهة الاعداء من الأذية الناشئة من مقالاتهم الرديئة الوحشية وتبشيرًا له عليه الصلاة والسلام بالنصر والعز إثر بيان أن له ولأتباعه أمنًا من كل محذور وفوزًا بكل مطلوب فهو متصل بقوله سبحانه: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء الله} [يونس: 62] إلخ معنى.
وقيل: إنه متصل بقوله سبحانه: {وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لّى عَمَلِى ولكن عَمَلُكُمْ} [يونس: 41] الآية واختاره على ما فيه من البعد الطبرسي.
وقرأ نافع: {وَلاَ يَحْزُنكَ} من أحزن وهو في الحقيقة نهى له صلى الله عليه وسلم عن الحزن كأنه قيل: لا تحزن بقولهم ولا تبال بكل ما يتفوهون به في شأنك مما لا خير فيه، وإنما عدل عنه إلى ما في النظم الجليل للمبالغة في النهي عن الحزن لما أن النهي عن التأثير نهى عن التأثر بأصله ونفى له بالمرة، ونظير ذلك كما مر غير مرة قولهم لا أرينك هاهنا ولا يأكلك السبع ونحوه، وقد وجه فيه النهي إلى اللازم والمراد هو النهي عن الملزوم، قيل: وتخصيص النهي عن الحزن بالإيراد مع شمول النفي السابق للخوف أيضًا لما أنه لم يكن فيه صلى الله عليه وسلم شائبة خوف حتى ينهى عنه وربما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم في بعض الأوقات حزن فسلى عنه، ولا يخفى أنه إذا قلنا أن الخوف والحزن متقاربان فإذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا كما علمت آنفًا كان النهي عن الحزن نهيًا عن الخوف أيضًا إلا أن الأولى عدم اعتبار ما فيه توهم نسبة الخوف إلى ساحته عليه الصلاة والسلام وإن لم يكن في ذلك نقص.
فقد جاء نهي الأنبياء عليهم السلام عن الخوف كنهيهم عن الحزن بل قد ثبت صريحًا نسبة ذلك إليهم وهو مما لا يخل بمرتبة النبوة إذ ليس كل خوف نقصًا لينزهوا عنه كيف كان.
{إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعًا} كلام مستأنف سيق لتعليل النهي، وقيل: جواب سؤال مقدر كأنه قيل: لم لا يحزنه؟ فقيل: لأن الغلبة والقهر لله سبحانه لا يملك أحد شيئًا منها أصلًا لا هم ولا غيرهم فلا يقهر ولا يغلب أولياءه بل يقهرهم ويغلبهم ويعصمك منهم.
وقرأ أبو حيوة: {إن} بالفتح على صريح التعليل أي لأن، وحمل قتيبة بن مسلم ذلك على البدل ثم أنكر القراءة لذلك لأنه يؤدي إلى أن يقال: فلا يحزنك أن العزة لله جميعًا وهو فاسد.
وذكر الزمخشري أنه لو حمل على البدل لكان له وجه أيضًا على أسلوب: {فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيرًا للكافرين} [القصص: 86]: {وَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} [القصص: 88] فيكون للتهييج والإلهاب والتعريض بالغير وفيه بعد: {هُوَ السميع العليم} يسمع أقوالهم في حقك ويعلم ما يضمرونه عليك فيكافؤهم على ذلك وما ذكرناه في الآية هو الظاهر المتبادر.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: لما لم ينتفعوا بما جاءهم من الله تعالى وأقاموا على كفرهم كبر ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه من الله سبحانه فيما يعاتبه: {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعًا هُوَ السميع العليم} يسمع ما يقولون ويعلمه فلو شاء بعزته لانتصر منهم ولا يخفى أنه خلاف الظاهر جدًا مع ما فيه من تعليق العلم بما علق بالسمع، ولعل روايته عن الحبر غير معول عليها. اهـ.