فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} قصد الآية وصف إحاطة الله تعالى بكل شيء، ومعنى اللفظ: {وما تكون} يا محمد، والمراد هو وغيره: {في شأن} من جميع الشؤون: {وما تتلوا نه} الضمير عائد على: {شأن} أي فيه وبسببه من قرآن، ويحتمل أن يعود الضمير على جميع القرآن، ثم عم بقوله: {ولا تعملون من عمل} وفي قوله: {إلا كنا عليكم شهودًا}، تحذير وتنبيه، و: {تفيضون} تنهضون بجد، يقال: أفاض الرجل في سيره وفي حديثه، ومنه الإفاضة في الحج ومفيض القدام، ويحتمل أن فاض عدي بالهمزة، و: {يعزب} معناه: يغيب حتى يخفى حتى قالوا للبعيد عازب، ومنه قول الشاعر [ابن مقبل]: [الطويل]
عوازب لم تسمع نبوح مقامه ** ولم تر نارًا تم حول محرم

وقيل للغائب عن أهله: عازب حتى قالوه لمن لا زوجة له، وفي السير أن بيت سعد بن خيثمة كان يقال: بيت العزاب، وقرأ جمهور السبعة والناس {يعزُب} يضم الزاي، وقرأ الكسائي وحده منهم: {يعزِب} بكسرها وهي قراءة ابن وثاب والأعمش وطلحة بن مصرف، قال أبو حاتم: القراءة بالضم، والكسر لغة، والمثقال: الوزن، وهو اسم، لا صفة كمعطار ومضراب والذر: صغار النمل، جعلها الله مثالًا إذ لا يعرف في الحيوان المتغذي المتناسل المشهور النوع والموضع أصغر منه، وقرأ جمهور الناس وأكثر السبعة: {ولا أصغرَ ولا أكبرَ} بفتح الراء عطفًا على: {ذرة} في موضع خفض لكن منع من ظهوره امتناع الصرف، وقرأ حمزة وحده: {ولا أصغر ولا أكبر} عطفًا على موضع قوله: {مثقال}، لأن التقدير وما يعزب عن ربك مثقال ذرة، والكتاب المبين: اللوح المحفوظ، كذا قال بعض المفسرين، ويحتمل أن يريد تحصيل الكتبة، ويكون القصد ذكر الأعمال المذكورة قبل، وتقديم الأصغر في الترتيب جرى على قولهم: القمرين والعمرين، ومنه قوله تعالى: {لا يغادر صغيرة ولا كبيرة} [الكهف: 49] والقصد بذلك تنبيه الأقل وأن الحكم المقصود إذ وقع على الأقل فأحرى أن يقع على الأعظم، و: {ألا} استفتاح وتنبيه، و: {أولياء الله} هم المؤمنون الذين والوه بالطاعة والعبادة، وهذه الآية يعطي ظاهرها أن من آمن واتقى فهو داخل في أولياء الله، وهذا هو الذي تقتضيه الشريعة في الولي، وإنما نبهنا هذا التنبيه حذرًا من بعض الوصفية وبعض الملحدين في الولي، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا سئل عن أولياء الله؟ فقال: الذين إذا رأيتهم ذكرت الله.
قال القاضي أبو محمد: وهذا وصف لازم للمتقين لأنهم يخشعون ويخشعون، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا أنه قال: «أولياء الله قوم تحابوا في الله واجتمعوا في ذاته لم تجمعهم قرابة ولا مال يتعاطونه» وقوله: {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} يحتمل أن يكون في الآخرة، أي لا يهتمون بهمها ولا يخافون عذابًا ولا عقابًا ولا يحزنون لذلك، ويحتمل أن يكون ذلك في الدنيا أي لا يخافون أحدًا من أهل الدنيا ولا من أعراضها ولا يحزنون على ما فاتهم منها، والأول أظهر والعموم في ذلك صحيح لا يخافون في الآخرة جملة ولا في الدنيا الخوف الدنياوي الذي هو في فوت آمالها وزوال منازلها وكذلك في الحزن، وذكر الطبري عن جماعة من العلماء مثل ما في الحديث من الأولياء الذين إذا رآهم أحد ذكر الله، وروي فيهم حديث: «إن أولياء الله هم قوم يتحابون في الله وتجعل لهم يوم القيامة منابر من نور وتنير وجوههم، فهم في عرصة القيامة لا يخافون ولا يحزنون» وروي عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من عباد الله عبادًا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانهم من الله قالوا ومن هم يا رسول الله؟ قال: قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام ولا أموال»، الحديث، ثم قرأ: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}، وقوله: {الذين آمنوا} يصح أن يكون في موضع نصب على البدل من الأولياء، ويصح أن يكون في موضع رفع على الابتداء على تقديرهم الذين، وكثيرًا ما يفعل ذلك بنعت ما عملت فيه أن إذا جاء بعد خبرها، ويصح أن يكون: {الذين} ابتداء وخبره في قوله: {لهم البشرى}، وقوله: {وكانوا يتقون} لفظ عام في تقوى الشرك والمعاصي.
{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ}
أما بشرى الآخرة فهي بالجنة قولًا واحدًا وتلك هي الفضل الكبير الذي في قوله: {وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلًا كبيرًا} [الأحزاب: 47] وأما بشرى الدنيا فتظاهرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له، وروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الدرداء وعمران بن حصين وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وغيرهم على أنه سئل عن ذلك ففسره بالرؤيا، وعن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه قال: «لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة»، وروت عنه أم كرز الكعبية أنه قال: «ذهبت النبوءة وبقيت المبشرات»، وقال قتادة والضحاك: البشرى في الدنيا هي ما يبشر به المؤمن عند موته وهو حي عند المعاينة.
قال القاضي أبو محمد: ويصح أن تكون بشرى الدنيا في القرآن من الآيات المبشرات، ويقوى ذلك بقوله في هذه الآية: {لا تبديل لكلمات الله} وإن كان ذلك كله يعارضه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «هي الرؤيا» إلا إن قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى مثالًا من البشرى وهي تعم جميع الناس، وقوله: {لا تبديل لكلمات الله} يريد لا خلف لمواعيده ولا رد في أمره.
قال القاضي أبو محمد: وقد أخذ ذلك عبد الله بن عمر على نحو غير هذا وجعل التبديل المنفي في الألفاظ وذلك أنه روي: أن الحجّاج بن يوسف خطب فأطال خطبته حتى قال: إن عبد الله بن الزبير قد بدل كتاب الله، فقال له عبد الله بن عمر: إنك لا تطيق ذلك أنت ولا ابن الزبير: {لا تبديل لكلمات الله}، فقال له الحجاج: لقد أعطيت علمًا فلما انصرف إليه في خاصته سكت عنه، وقد روي هذا النظر عن ابن عباس في غير مقاولة الحجّاج، ذكره البخاري، وقوله: {ذلك هو الفوز العظيم} إشارة إلى النعيم الذي به وقعت البشرى. وقوله: {ولا يحزنك} الآية، هذه آية تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم، المعنى ولا يحزنك يا محمد ويهمك قولهم، أي قول كفار قريش، ولفظة القول تعم جحودهم واستهزاءهم وخداعهم وغير ذلك، ثم ابتدأ بوجوب: {إن العزة لله جميعًا}، أي فهم لا يقدرون على شيء ولا يؤذونه إلا بما شاء الله وهو القادر على عقابهم لا يعازه شيء، ففي الآية وعيد لهم، وكسر: {إن} في الابتداء ولا ارتباط لها بالقول المتقدم لها، وقال ابن قتيبة لا يجوز فتح إن في هذا الموضع وهو كفر.
قال القاضي أبو محمد: وقوله هو كفر غلو، وكأن ذلك يخرج على تقدير لأجل أن العزة لله، وقوله: {هو السميع} أي لجميع ما يقولونه: {العليم} بما في نفوسهم من ذلك، وفي ضمن هذه الصفات تهديد، ثم استفتح بقوله: {ألا إن لله من في السماوات والأرض} أي بالملك والإحاطة، وغلب من يعقل في قوله: {من} إذ له ملك الجميع ما فيها ومن فيها، وإذا جاءت العبارة بما فذلك تغليب للكثرة إذ الأكثر عددًا من المخلوقات لا يعقل، ف: {من} تقع للصنفين بمجموعهما، وما كذلك، ولا تقع لما يعقل إذا تجرد من أن تقول: ما قائل هذا القول؟ هذا ما يتقلده من يفهم كلام العرب، وقوله: {وما يتبع} يصح أن تكون: {ما} استفهامًا بمعنى التقرير وتوقيف نظر المخاطب، ويعمل: {يدعون} في قوله: {شركاء} ويصح أن تكون نافية ويعمل: {يتبع} في: {شركاء} على معنى أنهم لا يتبعون شركاء حقًا، ويكون مفعول: {يدعون} وقوله: {إن} نافية و: {يخرصون} معناه يحدسون ويخمنون لا يقولون بقياس ولا نظر، وقرأت فرقة {ولا يُحزنك} من أحزن، وقرأت فرقة {ولا يَحزنك} من حزن. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}
وقوله تعالى: {مَن فِي السماوات وَمَنْ فِي الأرض}: يجوزُ أن يُرادَ [به] العقلاءُ خاصةً، ويكون من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى، وذلك أنه تعالى إذا كان يملك أشرفَ المخلوقات وهما الثَّقَلان العقلاءُ من الملائكة والإِنس والجن فَلأَنْ يملكَ ما سواهم بطريق الأَْوْلى والأَْحْرى. ويجوز أن يُرادَ العمومُ، وغَلَّبَ العاقلَ على غيرِه.
قوله: {وَمَا يَتَّبِعُ} يجوز في ما هذه أن تكون نافيةً وهو الظاهرُ. و{شركاء} مفعولُ {يَتَّبع}، ومفعولُ {يَدْعون} محذوفٌ لفَهْمِ المعنى، والتقدير: وما يتبع الذين يَدْعُون مِنْ دون الله آلهةً شركاءَ، فآلهةً مفعول {يَدْعون} و{شركاءَ} مفعول {يتبع}، وهو قولُ الزمخشري، قال: ومعنى وما يَتَّبعون شركاءَ: وما يتَّبعون حقيقة الشركاء وإن كانوا يُسَمُّونها شركاءَ؛ لأن شركةَ الله في الربوبيةِ مُحال، إن يتبعونَ إلا ظنَّهم أنها شركاءُ. ثم قال: ويجوز أن تكون ما استفهامًا، يعني: وأيَّ شيءٍ يَتَّبعون، و{شركاء} على هذا نُصِب بـ {يدعون}، وعلى الأول بـ {يَتَّبع} وكان حقُّه وما يتبع الذين يَدْعُون من دون الله شركاءَ شركاءَ فاقتصر على أحدهما للدلالة.
وهذا الذي ذكره الزمخشري قد رَدَّه مكي ابن أبي طالب وأبو البقاء. أمَّا مكيٌّن فقال: انتصَبَ شركاء بـ {يَدْعون} ومفعول {يَتَّبع} قام مقامَه إنْ يتبعون إلا الظنَّ لأنه هو، ولا ينتصِبُ الشركاء بـ {يَتَّبع} لأنك تَنْفي عنهم ذلك، والله قد أَخْبر به عنهم. وقال أبو البقاء: و{شركاء} مفعولٌ {يَدْعون} ولا يجوزُ أن يكونَ مفعول {يتبعون}؛ لأنَّ المعنى يَصير إلى أنَّهم لم يَتَّبعوا شركاء، وليس كذلك.
قلت: معنى كلامِهما أنه يَؤُول المعنى إلى نفي اتِّباعهم الشركاءَ، والواقعُ أنهم قد اتَّبعوا الشركاء. وجوابه ما تقدَّم من أنَّ المعنى أنهم وإن اتَّبعوا شركاءَ فليسوا بشركاءَ في الحقيقة؛ بل في تسميتهم هم لهم بذلك، فكأنهم لم يَتَّخذوا شركاءَ ولا اتَّبعوهم لسلب الصفة الحقيقية عنهم، ومثلُه قولُك: ما رأيتُ رجلًا، أي: مَنْ يستحقُّ أن يُسَمَّى رجلًا، وإن كنت قد رأيت الذَّكر من بني آدم. ويجوز أن تكونَ ما استفهامية، وتكون حينئذٍ منصوبةً بما بعدها، وقد تقدَّم قولُ الزمخشري في ذلك. وقال مكي: لو جعلتَ ما استفهامًا بمعنى الإِنكار والتوبيخ كانت اسمًا في موضعِ نصبٍ بـ {يتَّبع}. وقال أبو البقاء نحوه.
ويجوزُ أنَ تكونَ {ما} موصولةً بمعنى الذي نسقًا على {مَنْ} في قوله: {ألا إِنَّ للَّهِ مَن فِي السماوات}، قال الزمخشري: ويجوز أن تكونَ {ما} موصولةً معطوفةً على {مَنْ}، كأنه قيل: وللَّهِ ما يتَّبعه الذين يَدْعون من دونَ الله شركاء، أي: وله شركاؤكم.
ويجوز أن تكون {ما} هذه الموصولةَ في محل رفع بالابتداء، والخبرُ محذوفٌ تقديرُه: والذي يَتَّبعه المشركون باطلٌ. فهذه أربعةُ أوجهٍ.
وقرأ السلمي {تَدْعُون} بالخطاب، وعزاها الزمخشري لعليّ ابن أبي طالب. قال ابن عطية: وهي قراءةٌ غيرُ متَّجهة قلت: قد ذكرِ توجيهَها أبو القاسم، فقال: ووجهُه أن يُحْمل {وما يتَّبع} على الاستفهام، أي: وأيُّ شيء يتَّبع الذين تَدْعونهم شركاءَ من الملائكة والنبيين، يعني أنهم يتَّبعون الله تعالى ويطيعونه، فما لكم لا تَفْعلون مثلَ فعلِهم كقوله تعالى: {أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: 57].
قوله: {إِن يَتَّبِعُونَ} إنْ نافية، و{الظن} مفعولٌ به، فهو استثناءٌ مفرَّغ، ومفعولُ الظن محذوفٌ تقديرُه: إن يتبعون إلا الظنَّ أنهم شركاءُ، وعند الكوفيين تكون أل عوضًا من الضمير تقديره: إن يَتَّبعون إلا ظنَّهم أنهم شركاءُ. والأحسنُ أن لا يُقَدَّر للظن معمولٌ؛ إذ المعنى: إن يتبعون إلا الظن لا اليقين.
وقوله: {إِن يَتَّبِعُونَ} مَنْ قرأ: {يَدْعُون} بياء الغيبة فقد جاء بـ {يَتَّبعون} مطابقًا له، ومَنْ قرأ: {تدعون} بالخطاب فيكون {يتبعون} التفاتًا، إذ هو خروج من خطاب إلى غَيْبة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66)} لله مَنْ في السموات ومَنْ في الأرض مِلْكًا، ويبدي عليهم ما يريد، حكما جَزْمًا؛ فلا لقبوله عِلَّة، ولا موجِبَ لردِّه زَلَّة، كلا... إنها أحكامٌ سابقة، لم تُوجِبْها أجرامٌ لاحقة، ولا طاعاتً وعباداتٌ صادقة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (67):

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ثم أثبت سبحانه اختصاصه بشيء جامع للعلم والقدرة تأكيدًا لاختصاصه بالعزة وتفرده بالوحدانية، وأن من أشرك به خارص لا علم له بوجه لكثرة الدلائل على وحدانيته ووضوحها فقال: {هو} أي وحده: {الذي جعل} أي بسبب دوران الأفلاك الذي أتقنه: {لكم} أي نعمة منه: {الليل} أي مظلمًا: {لتسكنوا فيه} راحة لكم ودلالة على قدرته سبحانه على الإيجاد والإعدام وأُنسًا للمحبين لربهم: {والنهار} وأعار السبب وصف المسبب فقال: {مبصرًا} أي لتنتشروا فيه، حذف وصف الليل وذكرت علته عكس ما فعل بالنهار ليدل ما ثبت على ما حذف، فالآية من الاحتباك.
ولما كانت هذه الآيات من الظهور بحيث لا يحتاج إلى أكثر من سماعها، قال: {إن في ذلك} أي الأمر العظيم: {لآيات لقوم} أي لهم قوة المحاولة على ما يريدونه: {يسمعون} أي لهم سمع صحيح، وفي ذلك أدلة واضحات على أنه مختص بالعزة فلا شريك له، لأن الشريك لابد وأن يقاسم شريكه شيئًا من الأفعال أو الأحوال أو الملك، وأما عند انتفاء جميع ذلك فانتفاء الشركة أوضح من أن يحتاج فيه إلى دليل، ويجوز أن يكون المعنى: لآيات لقوم يبصرون إبصار اعتبار ويسمعون سماع تأمل وإدكار، ولكنه حذف يبصرون لدلالة: {مبصرًا} عليه، ويزيد ذلك وضوحًا وحسنًا كون السياق لنفي الشركاء، فهو إشارة إلى أنها لا تسمع ولا تبصر أصلًا فكيف بالاعتبار والافتكار؟ فالذين عبدوهم أكمل حالًا منهم. اهـ.