فصل: قال أبو حيان في الآيتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



كلمة أنجى للتعددية، وكلمة نَجَّى تدل على أن هناك معالجة شديدة للإنجاء، وعلى أن الفعل يتكرر.
وقول الحق سبحانه: {وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ} [يونس: 73].
تعني: أن الخليفة هو من يجيء بعد سابق، وكلمة الخليفة تأتي مرة للأعلى، مثل الحال هنا حيث جعل الصالح خليفة للصالح، فبعد أن أنجى الله سبحانه العناصر المؤمنة في السفينة، أغرق الباقين.
إذن: فالصالحون على ظهر السفينة أنجبوا الصالحين من بعدهم.
ومرة تأتي كلمة الخليفة للأقل، مثل قول الحق سبحانه: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصلاة واتبعوا الشهوات} [مريم: 59].
فهنا تكون كلمة الخليفة موحية بالمكانة الأقل، وهناك معيار وضعه الحق سبحانه لتقييم الخليفة، هو قول الحق سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرض مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: 14].
ولأن الإنسان مخيَّر بين الإيمان والكفر، فسوف يَلْقَى مكانته على ضوء ما يختار.
ويقول الحق سبحانه: {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا استخلف الذين مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الذي ارتضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: 55].
إذن: فالخليفة إما أن يكون خليفة لصالحٍ، وإما أن يكون صالحًا يَخْلُفُ فاسدًا.
وهنا يقول الحق سبحانه: {وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} [يونس: 73].
والآيات كما قلنا من قبل إما آيات الاعتبار التي تهدي إلى الإيمان بالقوة الخالقة، وهي آيات الكون كلها، فكل شيء في الكون يدلُّكَ على أن هذا الكون مخلوق على هيئة ولغاية. بدليل أن الأشياء في هذا الكون تنتظم انتظامًا حكيمًا.
وإذا أردت أن تعرف دقة هذا الخلق، فانظر إلى ما ليدك فيه دَخْلٌ، وما ليس ليدك فيه دخل؛ ستجد كل ما ليس ليدك فيه دخل على درجة هائلة من الاستقامة، والحق سبحانه يقول: {لاَ الشمس يَنبَغِي لَهَا أَن تدْرِكَ القمر وَلاَ اليل سَابِقُ النهار وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].
أما ما ليدك فيه دخل، فاختيارنا حين يتدخل فهو قد يفسد الأشياء.
وهكذا رأينا أن الآيات الكونية تلفت إلى وجود الخالق سبحانه وهي مناط الاستدلال العقلي على وجود الإله، أو أن الآيات هي الأمور العجيبة التي جاءت علىأيدي الرسل عليهم السلام لتقنع الناس بأنهم صادقون في البلاغ عن الله سبحانه وتعالى.
ثم هناك آيات القرآن الكريم التي يقول فيها الحق سبحانه: {هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكتاب} [آل عمران: 7].
وهي الآيات التي تحمل المنهج.
وحين يقول الحق سبحانه: {وَأَغْرَقْنَا الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} [يونس: 73].
فهو يعلِّمنا أنه أغرق من كذَّبوا بالآيات الكونية ولم يلتفتوا إلى بديع صنعه سبحانه، وحكمة تكوين هذه الآيات، وترتيبها ورتابتها، وهم أيضًا كذَّبوا الآيات المعجزات، وكذلك كذَّبوا بآيات الأحكام التي جاءت بها رسلهم.
وينهي الحق سبحانه وتعالى هذه الآية بقوله: {فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين} [يونس: 73].
والخطاب هنا لكل من يتأتَّى منه النظر، وأوَّلُهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أول مُخاطَب بالقرآن.
وأنت حين تقول: انظر؛ فأنت تُلْفِت إلى أمر حسِّي، إن وجَّهت نظرك نحوه جاء الإشعاع من المنظور إليه، ليرسم أبعاد الشيء؛ فتراه.
والكلام هنا عن أمور غائبة، فهي أحداث حسية وقعت مرة واحدة ثم صارت خبرًا، فإن أخبرك بها مخبر فيكون تصديقك بها على مقدار الثقة فيه.
فمن رأى عصا موسى عليه السلام وهي تلقف الحبال التي ألقاها السحرة؛ آمن بها، مثلما آمن من شاهد النار عاجزة عن إحراق إبراهيم عليه السلام، ومن رأى عيسى عليه السلام وهو يُشفي الأكْمَهَ والأبْرص ويُحيي الموتى بإذن الله تعالى، فقد آمن بما رأى، أما من لم ير تلك المعجزات فإيمانه يتوقف على قدر توثيقه لمن أخبر، فإن كان المخبر بذلك هو الله سبحانه وفي القرآن الكريم فإيماننا بتلك المعجزات هو أمر حتمي؛ لأننا آمنا بصدق المبلِّغ عن الله تعالى.
ونحن نفهم أن الرسالات السابقة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، كانت رسالات موقوتة زمانًا ومكانًا، لكن الإسلام جاء لينتظم الناس الموجَّه إليهم منذ أن أرسل الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة.
لذلك جاء القرآن آيات باقيات إلى أن تقوم الساعة، وهذا هو السبب في أن القرآن قد جاء معجزة عقلية دائمة يستطيع كل من يدعو إلى منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: محمد رسول من عند الله تعالى، وتلك هي معجزته.
وساعة يقول الحق سبحانه: {فانظر} فمثلها مثل قول الحق سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل} [الفيل: 1].
وحادثة الفيل قد حدثت في العام الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبطبيعة الحال فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير حادثة الفيل، ولكن الذين رأوها هم الذين كانوا يعيشون وقتها، وهذا ما يلفتنا إلى فارق الأداء، فعيونك قد ترى أمرًا، وأنذك قد تسمع خبرًا، ولكن من الجائز أن تخدعك حواسك، أما الخبر القادم من الله تعالى، وإن كان غائبًا عنك الآن وغير مسموع لك فخذه على أنه أقوى من رؤية العين.
ولقائل أن يقول: لماذا لم يقل الحق: ألم تعلم وجاء بالقول: {أَلَمْ تَرَ} [الفيل: 1].
وأقول: ليدلنا الله سبحانه على أن العلم المأخوذ من الله تعالى عن أمر غيبي عليك أن تتلقاه بالقبول أكثر من تلقيك لرأي العين.
إذن: {فانظر} تعني: اعلمْ الأمر وكأنه مُجسَّم أمامك؛ لأنك مؤمن بالله تعالى وكأنك تراه، ومُبلِّغك عن الله سبحانه هو رسول تؤمن برسالته، وكل خبر قادم من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه سولم لا يمكن أن يتسرب إليه الشك، ولكن الشك لا يمكن أن يتسرب إلى المخبر الصادق أبدًا.
ولقائل أن يقول: ولماذا لم يقل الحق: فانظر كيف كان عاقبة الكافرين بدلًا من قول الحق سبحانه: {فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين} [يونس: 73].
وهنا نقول: إن الحق سبحانه وتعالى قد بيَّن أنه لم يعذِّب قبل أن يُنْذِر، فهو قد أنذر أولًا، ولم يأخذ القوم على جهلهم.
{فانظر} كما نعلم هي خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشمل أمته أيضًا، وجاء هذا الخبر تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن صادف من قومك يا محمد ما صادف قوم نوح عليه السلام فاعلمْ أن عاقبتهم ستكون كعاقبة قوم نوح.
وفي هذا تحذير وتخويف للمناوئين لرسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيتين:

{فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} أي: فإن دام توليكم عما جئت به إليكم من توحيد الله ورفض آلهتكم فلست أبالي بكم، لأنّ توليكم لا يضرني في خاصتي، ولا قطع عني صلة منكم، إذ ما دعوتكم إليه وذكرتكم به ووعظتكم، لم أسألكم عليه أجرًا، إنما يثيبني عليه الله تعالى أي: ما نصحتكم إلا لوجه الله تعالى لا لغرض من أغراض الدنيا.
ثم أخبر أنه أمره أن يكون من المسلمين من المنقادين لأمر الله الطائعين له، فكذبوه، فتموا على تكذيبه، وذلك عند مشارفة الهلاك بالطوفان.
وفي الفلك متعلق بالاستقرار الذي تعلق به معه، أو بفنجيناه.
وجعلناهم جمع ضمير المفعول على معنى من، وخلائف يخلفون الفارقين المهلكين.
ثم أمر بالنظر في عاقبة المنذرين بالعذاب، وإلى ما صار إليه حالهم.
وفي هذا الإخبار توعد للكفار بمحمد صلى الله عليه وسلم، وضرب مثال لهم في أنهم بحال هؤلاء من التكذيب فسيكون حالهم كحالهم في التعذيب.
والخطاب في فانظر للسامع لهذه القصة، وفي ذلك تعظيم لما جرى عليهم، وتحذير لمن أنذرهم الرسول، وتسلية له صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ}
وقوله تعالى: {فِي الفلك}: يجوز فيه وجهان، أحدهما: أن يتعلق بأَنْجَيْناه، أي: وقع الإِنْجاء في هذا المكان. والثاني: أن يتعلَّقَ بالاستقرار الذي تعلَّق به الظرفُ، وهو معه لوقوعه صلةً، أي: والذين استقروا معه في الفلك.
وقوله: {وَجَعَلْنَاهُمْ}، أي: صَيَّرناهم، وجُمع الضميرُ في {جَعَلْناهم} حَمْلا على معنى مِنْ، و{خلائف} جمع خَلِيفة، أي: يَخْلُفون الغارقين. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف الإمام القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)}
أغرق قومَه بأمواج القَطْرة، وفي الحقيقة أغرقهم بأمواج الأجكام والقدرة، وحفظ نوحًا عليه السلام وقومه في السفينة، وفي الحقيقة نَجَّاهم في سفينة السلامة. وكان نوحٌ في سابق حكمه من المحروسين، وكان قومُه في قديم قضائه من جملة المُغْرِقين، فَجرَتْ الأحوال على ما جرَتْ به القسمةُ في الأزل. اهـ.

.تفسير الآية رقم (74):

قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما لم يكن في قصص من بينه وبين موسى عليهم السلام مما يناسب مقصود هذه السورة إلا ما شاركوا فيه قوم نوح من أنهم لم تنفع الآيات من أريدت شقاوته منهم، ذكره سبحانه طاويًا لما عداه فقال تعالى: {ثم} أي بعد مدة طويلة: {بعثنا} أي على عظمتنا؛ ولما كان البعث لم يستغرق زمان البعد، أدخل الجار فقال: {من بعده} أي قوم نوح: {رسلًا} كهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب عليهم الصلاة والسلام.
ولما كان ربما ظن أن قوم الإنسان لا يكذبونه، وإن كذبوه لم يتمادوا على التكذيب لاسيما إن أتاهم بما يقترحونه من الخوارق قال: {إلى قومهم} أي ففاجأهم قومهم بالتكذيب: {فجاءوهم} أي فتسبب عن استنادهم إلى عظمتنا أن جاؤوهم: {بالبينات} ليزول تكذيبهم فيؤمنوا: {فما} أي فتسبب عن ذلك ضد ما أمروا به وقامت دلائله وهو أنهم ما: {كانوا} أي بوجه من وجوه الكون: {ليؤمنوا} أي مقرين: {بما كذبوا} أي مستهينين: {به} أول ما جاؤوهم.
ولما كان تكذيبهم في بعض الزمن الماضي، أدخل الجار فقال: {من قبل} أي قبل مجيء البينات لأنا طبعنا على قلوبهم؛ قال أبو حيان: وجاء النفي مصحوبًا بلام الحجود ليدل على أن إيمانهم في حيز الاستحالة والامتناع- انتهى.
ويجوز أن يكون التقدير: من قبل مجيء الرسل إليهم، ويكون التكذيب أسند إليهم لأن أباهم كذبوا لما بدلوا ما كان عندهم من الدين الصحيح الذي أتتهم به الرسل ورضوا هم بما أحدث آباؤهم استحسانًا له، أو لأنه كان بين أظهرهم بقايا على بقايا مما شرعته الرسل فكانوا يعظونهم فيما يبتدعون فلا يعون ولا يسمعون كما كان قس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وغيرهم قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم، لكن المعنى الأول أولى- والله أعلم.
ولما قرر عدم انتفاعهم بالآيات، بنى ما يليه على سؤاله من لعله يقول: هل استمر الخلق فيمن بعدهم؟ فكأنه قيل: نعم!: {كذلك} أي مثل ما طبعنا على قلوبهم هذا الطبع العظيم: {نطبع} أي نوجد الطبع ونجدده متى شئنا بما لنا من العظمة: {على قلوب المعتدين} في كل زمن لكل من تعمد العدو فيما لا يحل له، وهذا كما أتى موسى عليه السلام إلى فرعون فدعاه إلى الله فكذبه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} اعلم أن المراد: ثم بعثنا من بعد نوح رسلًا ولم يسمهم، وكان منهم هود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب صلوات الله عليهم أجمعين بالبينات، وهي المعجزات القاهرة، فأخبر تعالى عنهم أنهم جروا على منهاج قوم نوح في التكذيب، ولم يزجرهم ما بلغهم من إهلاك الله تعالى المكذبين من قوم نوح عن ذلك، فلهذا قال: {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ} وليس المراد عين ما كذبوا به، لأن ذلك لم يحصل في زمانه بل المراد بمثل ما كذبوا به من البينات، لأن البينات الظاهرة على الأنبياء عليهم السلام أجمع كأنها واحدة.
ثم قال تعالى: {كَذَلِكَ نَطْبَعُ على قُلوبِ المعتدين} واحتج أصحابنا على أن الله تعالى قد يمنع المكلف عن الإيمان بهذه الآية وتقريره ظاهر.
قال القاضي: الطبع غير مانع من الإيمان بدليل قوله تعالى: {بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلًا} [النساء: 155] ولو كان هذا الطبع مانعًا لما صح هذا الاستثناء.
والجواب: أن الكلام في هذه المسألة قد سبق على الاستقصاء في تفسير قوله تعالى: {خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ وعلى سَمْعِهِمْ} [البقرة: 7] فلا فائدة في الإعادة. اهـ.

.قال ابن عطية:

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} الضمير في قوله: {من بعده} عائد على نوح عليه السلام والضمير في: {قومهم} عائد على الرسل، ومعنى هذه الآيات كلها ضرب المثل لحاضري محمد صلى الله عليه وسلم، أي كما حل بهؤلاء يحل بكم، و: {البينات} المعجزات والبراهين الواضحة، والضمير في قوله: {كانوا} وفي: {ليؤمنوا} عائد على قوم الرسل، والضمير في: {كانوا} عائد على قوم نوح، وهذا قول بعض المتأولين، وقال بعضهم: بل تعود الثلاثة على قوم الرسل على معنى أنهم بادروا رسلهم بالتكذيب كلما جاء رسول ثم لجوا في الكفر وتمادوا فلم يكونوا ليؤمنوا بما سبق به تكذيبهم، وقال يحيى بن سلام: {من قبل} معناه من قبل العذاب.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا القول بعد، ويحتمل اللفظ عندي معنى آخر وهو أن تكون ما مصدرية والمعنى فكذبوا رسلهم فكان عقابهم من الله أن لم يكونوا ليؤمنوا بتكذيبهم من قبل أي من سببه ومن جراه، ويؤيد هذا التأوليل قوله: {كذلك نطبع}، وقال بعض العلماء: عقوبة التكذيب الطبع على القلوب، وقرأ جمهور الناس: {نطبع} بالنون، وقرأ العباس بن الفضل: {يطبع} بالياء، وقوله: {كذلك} أي هذا فعلنا بهؤلاء، ثم ابتدأ: {كذلك نطبع} أي كفعلنا هذا و: {المعتدين} هم الذين تجاوزوا طورهم واجترحوا ما لا يجوز لهم وهي هاهنا في الكفر. اهـ.