فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا}
وأوضحنا من قبل أن موسى وهارون عليهما السلام رسولان برسالة واحدة، وأن الوَحْي قد جاء للاثنين برسالة واحدة.
فالحق سبحانه ساعة يختار نبيًّا رسولًا، فإنما يختاره بتكوينٍ وفطرةٍ تؤهّله لحَمْل الرسالة النطق بمرادات الله تعالى.
وإذا كان الخَلْق قد صنعوا آلات ذاتية الحركة من مواد جامدة لا فكر لها ولا رَويّة، مثل الساعة التي تُؤذِّن، أو المذياع يذيع في توقيت محدد، إذا كان البشر قد صنعوا ذلك فما بالنا بالله سبحانه الخالق لكل الخلق والكون ومرسل الرسل؟
إنه سبحانه وتعالى يختار رسله بحيث يسمح تكوين الرسول أن يؤدي المهمة الموكولة إليه في أي ظرف من الظروف.
وقول الحق سبحانه هنا: {وَأَوْحَيْنَا إلى موسى وَأَخِيهِ} [يونس: 87].
يبيِّن لنا أن الوحي شمل كلًا من موسى وهارون عليهما السلام، بحيث إذا جاء موقف من المواقف يقتضي أن يتكلم فيه موسى، فهارون أيضًا يمكن أن يتكلم في نفس الأمر؛ لأن الشحنة الإيمانية واحدة، والمنهج واحد.
وقد حدث ذلك بعد أن أغرق فرعون وقومه، وخلا لهم الجو، فجاء لهم الأمر أن يستقروا في مصر، وأن يكون لهم فيها بيوت.
ولكن لنا أن نسأل:
هل فرعون هذا هو شخص غرق وانتهى؟
لا.. إن فرعون ليس اسمًا لشخص، بل هو تصنيف لوظيفة، وكان لقب كل حاكم لمصر قديمًا هو فرعون؛ لذلك لا داعي أن نشغل أنفسنا: هل هو تحتمس الأول؟ أو رمسيس؟ أو ما إلى ذلك؟ فهب أن فرعون المعنيَّ هنا قد غرق، ألا يعني ذلك مجيء فرعون جديد؟
نحن نعلم من التاريخ أن الأسر الحاكمة توالت، وكانوا فراعنة، وكان منهم من يضطهد المؤمنين، ولابد أن يكون خليفة الفرعون أشد ضراوةً وأكثر شحنةً ضد هؤلاء القوم.
وقول الحق سبحانه وتعالى في الآية الكريمة التي نحن بصدد خواطرنا عنها: {وَأَوْحَيْنَا إلى موسى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} [يونس: 87].
نجد فيه كلمة مصر وهي إذا أطلقت يُفهم منها أنها الإقليم.
ونحن هنا في بلدنا جعلنا كلمة مصر علمًا على الإقليم الممتد من البحر المتوسط إلى حدود السودان، أي: وادي النيل. ومرة أخرى جعلنا من مصر اسمًا لعاصمة وادي النيل.
ونحن نقول أيضًا عن محطة القطارات في القاهرة: محطة مصر.
وقول الحق سبحانه هنا: {أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا} [يونس: 87]. نفهم منه أن التبؤُ هو اتخاذ مكان يعتبر مباءةً؛ أي: مرجعًا يبوء الإنسان إليه. التبؤُّ إذن هو التوطن في مكان ما، والإنسان إذا اتخذ مكانًا كوطن له فهو يعود إليه إن ذهب إلى أي بلد لفترة.
ويعتبر الخروج من الوطن مجرد رحلة تقتضي العودة، وكذلك البيت بالنسبة للإنسان؛ فالواحد منا يطوف طوال النهار في الحقل أو المصنع أو المكتب، وبعد ذلك يعود إلى البيت للبيتوتة.
والبيوت التي أوصى الله سبحانه وتعالى بإقامتها لقوم موسى وهارون عليهما السلام كان لها شرط هو قول الحق سبحانه: {واجعلوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87].
والقِبلة هي المتجَه الذي نصلي إليه.
ومثال ذلك: المسجد، وهو قبلة مَنْ هو خارجه، وساعة ينادي المؤذن للصلاة يكون المسجد هو قبلتنا التي نذهب إليها، وحين ندخل المسجد نتجه داخله إلى القلبة، واتجاهنا إلى القبلة هو الذي يتحكم في وضعنا الصفِّي.
والأمر هنا من الحق سبحانه: {واجعلوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصلاة} [يونس: 87].
فإقامة البيوت هنا مشروطة بأن يجعلوا بها قبلة لإقامة الصلاة بعيدًا عن أعين الخصوم الذين يضطهونهم، شأنهم شأن المسلمين الأوائل حينما كان الإسلام في أوليته ضعيفًا بمكة، وكان المسلمون حين ذاك يصلون في قلب البيوت، وهذا هو سر عدم الجهر بالصلاة نهارًا، وعدم الجهر يفيد في ألا ينتبه الخصوم إلى مكان المصلين.
وأما الجهر بالصلاة ليلًا وفجرًا، فقد كان المقصود به أن يعلمهم كيفية قراءة القرآن.
وهنا يقول الحق سبحانه: {أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا واجعلوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87].
وقد يكون المقصود بذلك أن تكون البيوت متقابلة.
وإلى يومنا هذا أن نظرت إلى ساحات اليهود في أي بلد من بلاد الدنيا تجد أنهم يقطنون حيًّا واحدًا، ويرفضون أن يذوبوا في الأحياء الأخرى.
ففي كل بلد لهم حي يسكنون فيه، ويسمى باسم حي اليهود. وكانت لهم في مصر حارات كل منها تسمى باسم حارة اليهود. وقد شاء الحق سبحانه وتعالى ذلك وقال في كتابه العزيز: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة} [البقرة: 61].
وهم يحتمون بتواجهم معًا، فإن حدث أمر من الأمور يفزعهم؛ يصبح من السهل عليهم أن يلتقوا:
أو: {واجعلوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87].
أي: أن يكون تخطيط الأماكن والشوارع التي تُبنى عليها البيوت في اتجاه القبلة.
وأي خطأ معماري مثل الذي يوجد في تربيعة بناء مسجد الإمام الحسين بالقاهرة، هذا الخطأ يوجب الاتجاه إلى اليمين قليلًا مما يسبب بعض الارتباك للمصلين؛ لأن الانحراف قليلًا إلى اليمين في أثناء الصلاة يقتضي أن يقصر كل صف خلف الصف الآخر.
وحين نصلي في المسجد الحرام بمكة، نجد بعضًا من المصلين يريدون مساواة الصفوف، وأن تكون الصفوف مستقيمة، فنجد من ينبه إلى أن الصف يعتدل بمقدار أطول أضلاع الكعبة، ثم ينحي الصف.
وكذلك في الأدوار العليا التي أقيمت بالمسجد الحرام نجد الصفوف منحنية متجهة إلى الكعبة.
ولذلك أقول دائمًا حين أصلي بالمسجد الحرام: إن معنى قول الإمام: «سووا صفوفكم» أي: اجعلا مناكبكم في مناكب بعضكم بعض، أما خارج الكعبة فيكفي أن نتجه إلى الجهة التي فيها الكعبة، ونحن خارج الكعبة لا نصلي لعين الكعبة، ولكننا نصلي تجاه الكعبة؛ لأننا لو كنا نصلي إلى عين الكعبة لما زاد طول الصف في أي مسجد عن اثني عشر مترًا وربع المتر، وهو أطول أضلاع الكعبة.
وقول الحق سبحانه هنا: {واجعلوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87].
أي: خططوا في إقامة البيوت أن تكون على القبلة، وبعض الناس يحاولون ذلك، لكن تخطيط الشوارع والأحياء لا يساعد على ذلك. ثم يقول الحق سبحانه: {وَأَقِيمُواْ الصلاة} [يونس: 87].
وهذا الأمر نفهم منه أن الصلاة فيها استدامة الولاء لله تعالى، فنحن نشهد ألا إله إلا الله مرة واحدة في العمر، ونُزكِّي إن كان عندنا مال مرة واحدة في السنة، ونصوم إن لم نكن مرضى شهرًا واحدًا هو شهر رمضان، ونحج إن استطعنا مرة واحدة في العمر.
ويبقى ركن الصلاة، وهو يتكرر كل يوم خمس مرات، وإن شاء الإنسان فَلْيُزِد، وكأن الحق سبحانه وتعالى هنا ينبه إلى عماد الدين وهي الصلاة.
ولكن مَن الذي اختار المكان في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها؟ هل هو موسى وأخوه هارون؟ أم أن الخطاب لكل القوم.
نلحظ هنا أن الأمر بالتبوّء هو لموسى وهارون عليهما السلام أما الأمر بالجعل فهو مطلوب من موسى وهارون والأتباع؛ لذلك جاء الجعل هنا بصيغة الجمع.
ويُنهي الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله: {وَبَشِّرِ المؤمنين} [يونس: 87].
وفي هذا تنبيه وإشارة إلى أن موسى هو الأصل في الرسالة؛ لذلك جاء له الأمر بأن يحمل البشارة للمؤمنين.
ونلحظ هنا في هذه الآية أن الحق سبحانه جاء بالتثنية في التبوء، وجاء بالجمع في جعل البيوت، ثم جاء بالمفرد في نهاية الآية لينبهنا إلى أن موسى عليه السلام هو الأصل في الرسالة إلى بني إسرائيل.
والبشرى على الأعمال الصالحة تعني: التبشير بالجنة. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75)}
قوله: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم} معطوف على قوله: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلًا} والضمير في: {من بعدهم}، راجع إلى الرسل المتقدّم ذكرهم، وخصّ موسى وهارون بالذكر مع دخولهما تحت الرسل لمزيد شرفهما، وخطر شأن ما جرى بينهما وبين فرعون، والمراد بالملأ: الأشراف، والمراد بالآيات: المعجزات، وهي التسع المذكورة في الكتاب العزيز: {فاستكبروا} عن قبولها، ولم يتواضعوا لها، ويذعنوا لما اشتملت عليه من المعجزات الموجبة لتصديق ما جاء بها.
{وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} أي: كانوا ذوي إجرام عظام، وآثام كبيرة، فبسبب ذلك اجترءوا على ردّها؛ لأن الذنوب تحول بين صاحبها وبين إدراك الحق، وإبصار الصواب.
قيل: وهذه الجملة معترضة مقررة لمضمون ما قبلها.
قوله: {فَلَمَّا جَاءهُمُ الحق مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} أي: فلما جاء فرعون وملأه الحق من عند الله، وهو: المعجزات، لم يؤمنوا بها بل حملوها على السحر مكابرة منهم، فردّ عليهم موسى قائلًا: {أَتقُولُونَ لِلْحَقّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هذا} قيل: في الكلام حذف، والتقدير: أتقولون للحقّ سحر فلا تقولوا ذلك، ثم استأنف إنكارًا آخر من جهة نفسه فقال: {أَسِحْرٌ هذا} فحذف قولهم الأوّل اكتفاء بالثاني، والملجئ إلى هذا أنهم لم يستفهموه عن السحر حتى يحكي ما قالوه بقوله: {أَسِحْرٌ هذا} بل هم قاطعون بأنه سحر؛ لأنهم قالوا: {إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} فحينئذ لا يكون قوله: {أَسِحْرٌ هذا} من قولهم، وقال الأخفش: هو من قولهم، وفيه نظر لما قدّمنا، وقيل معنى: {أَتَقُولُونَ}: أتعيبون الحقّ وتطعنون فيه، وكان عليكم أن تذعنوا له، ثم قال أسحر هذا، منكرًا لما قالوه.
وقيل: إن مفعول: {أَتَقُولُونَ} محذوف، وهو ما دلّ عليه قولهم: {إِنَّ هذا لساحر} والتقدير: أتقولون ما تقولون، يعني: قولهم إن هذا لسحر مبين، ثم قيل: أسحر هذا، وعلى هذا التقدير والتقدير الأوّل فتكون جملة: {أَسِحْرٌ هذا} مستأنفة من جهة موسى عليه السلام، والاستفهام: للتقريع والتوبيخ، بعد الجملة الأولى المستأنفة الواقعة جواب سؤال مقدّر، كأنه قيل: ماذا قال لهم موسى لما قالوا إن هذا لسحر مبين؟ فقيل: قال: أتقولون للحق لما جاءكم، على طريقة الاستفهام الإنكاري، والمعنى: أتقولون للحق لما جاءكم إنّ هذا لسحر مبين، وهو أبعد شيء من السحر.
ثم أنكر عليهم، وقرّعهم، ووبخهم، فقال: {أَسِحْرٌ هذا} فجاء موسى عليه السلام بإنكار بعد إنكار، وتوبيخ بعد توبيخ، وتجهيل بعد تجهيل، وجملة: {وَلاَ يُفْلِحُ الساحرون} في محل نصب على الحال: أي أتقولون للحق إنه سحر، والحال: أنه لا يفلح الساحرون، فلا يظفرون بمطلوب، ولا يفوزون بخير، ولا ينجون من مكروه، فكيف يقع في هذا من هو مرسل من عند الله، وقد أيده بالمعجزات والبراهين الواضحة؟
وجملة: {قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا} مستأنفة جواب سؤال مقدّر، كأنه قيل: فماذا قالوا بعد أن قال لهم موسى ما قال؟ وفي هذا ما يدلّ على أنهم انقطعوا عن الدليل، وعجزوا عن إبراز الحجة، ولم يجحدوا ما يجيبون به عما أورده عليهم، بل لجئوا إلى ما يلجأ إليه أهل الجهل والبلادة، وهو: الاحتجاج بما كان عليه آباؤهم من الكفر، وضموا إلى ذلك ما هو غرضهم وغاية مطلبهم، وسبب مكابرتهم للحق، وجحودهم للآيات البينة، وهو الرياسة الدنيوية التي خافوا عليها، وظنوا أنها ستذهب عنهم إن آمنوا، وكم بقي على الباطل، وهو يعلم أنه باطل بهذه الذريعة من طوائف هذا العالم في سابق الدهر ولاحقه، فمنهم من حبسه ذلك عن الخروج من الكفر، ومنهم من حبسه عن الخروج إلى السنة من البدعة، وإلى الرواية الصحيحة من الرأي البحت، يقال: لفته لفتًا: إذا صرفه عن الشيء ولواه عنه، ومنه قول الشاعر:
تلفت نحو الحيّ حتى رأيتني ** وجعت من الإصغاء ليتًا وأخدعا

أي: تريد أن تصرفنا عن الشيء الذي وجدنا عليه آباءنا، وهو عبادة الأصنام، والمراد بالكبرياء: الملك، قال الزجاج: سمي الملك كبرياء؛ لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا؛ وقيل سمي بذلك؛ لأن الملك يتكبر.
والحاصل: أنهم عللوا عدم قبولهم دعوة موسى بأمرين: التمسك بالتقليد للآباء، والحرص على الرياسة الدنيوية؛ لأنهم إذا أجابوا النبي وصدّقوه صارت مقاليد أمر أمته إليه ولم يبق للملك رئاسة تامة؛ لأن التدبير للناس بالدين يرفع تدبير الملوك هم بالسياسات والعادات، ثم قالوا: {وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} تصريحًا منهم بالتكذيب، وقطعًا للطمع في إيمانهم، وقد أفرد الخطاب لموسى في قولهم: {أجئتنا لتلفتنا}، ثم جمعوا بينه وبين هارون في الخطاب في قولهم: {وَتَكُونَ لَكُمَا الكبرياء فِي الأرض وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} ووجه ذلك أنهم أسندوا المجيء والصرف عن طريق آبائهم إلى موسى، لكونه المقصود بالرسالة المبلغ عن الله ما شرعه لهم، وجمعوا بينهما في الضميرين الآخرين؛ لأن الكبرياء شامل لهما في زعمهم، ولكون ترك الإيمان بموسى يستلزم ترك الإيمان بهارون، وقد مرّت القصة في الأعراف.
قوله: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائتونى بِكُلّ ساحر عَلِيمٍ} قال هكذا لما رأى اليد البيضاء والعصا، لأنه اعتقد أنهما من السحر، فأمر قومه بأن يأتوه بكل ساحر عليم، هكذا قرأ حمزة والكسائي، وابن وثاب، والأعمش {سحار}.
وقرأ الباقون: {ساحر} وقد تقدّم الكلام على هذا في الأعراف، والسحار صيغة مبالغة: أي كثير السحر، كثير العلم بعمله وأنواعه: {فَلَمَّا جَاء السحرة} في الكلام حذف، والتقدير هكذا: وقال فرعون ائتوني بكل سحار عليم، فأتوا بهم إليه، فلما جاء السحرة، فتكون الفاء للعطف على المقدّر المحذوف.
قوله: {قَالَ لَهُمْ موسى أَلْقُواْ مَا أَنتُمْ مُّلْقُونَ} أي: قال لهم هذه المقالة بعد أن قالوا له: إما أن تلقي، وإما أن نكون نحن الملقون: أي اطرحوا على الأرض ما معكم من حبالكم وعصيكم: {فَلَمَّا أَلْقُوْاْ} ما ألقوه من ذلك: {قَالَ} لهم: {موسى مَا جِئْتُمْ بِهِ السحر} أي: الذي جئتم به السحر، على أن {ما} موصولة مبتدأ والخبر السحر؛ والمعنى: أنه سحر، لا أنه آية من آيات الله.
وأجاز الفراء نصب السحر ب: {جئتم}، وتكون {ما} شرطية، والشرط: {جئتم}، والجزاء: {إِنَّ الله سَيُبْطِلُهُ} على تقدير الفاء: أي فإن الله سيبطله؛ وقيل: إن السحر منتصب على المصدر: أي ما جئتم به سحرًا، ثم دخلت الألف واللام، فلا يحتاج على هذا إلى حذف الفاء، واختاره النحاس.
وقال: حذف الفاء في المجازاة لا يجيزه كثير من النحويين إلا في ضرورة الشعر.
وقرأ أبو عمرو، وأبو جعفر {آلسحر} على أن الهمزة للاستفهام، والتقدير: أهو السحر، فتكون {ما} على هذه القراءة استفهامية.
وقرأ أبيّ {ما أتيتم به سحر إن الله سيبطله} أي: سيمحقه، فيصير باطلًا بما يظهره على يديّ من الآيات المعجزة: {إِنَّ الله لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المفسدين} أي: عمل هذا الجنس، فيشمل كل من يصدق عليه أنه مفسد، ويدخل فيه السحر والسحرة دخولًا أوّليًا، والواو في: {وَيُحِقُّ الله الحق} للعطف على سيبطله، أي يبينه ويوضحه: {بكلماته} التي أنزلها في كتبه على أنبيائه، لاشتمالها على الحجج والبراهين: {وَلَوْ كَرِهَ المجرمون} من آل فرعون، أو المجرمون على العموم، ويدخل تحتهم آل فرعون دخولًا أوّليًا، والإجرام: الآثام.