فصل: قال صاحب المنار في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويقال في هذه المسألة: إن الخاطر قد شغل مع الخاطر، مثلما تطلب أحدًا في الهاتف فيرد عليك الشخص الذي تريد الكلام معه قائلًا: لقد كنت على وشك أن أتصل بك هاتفيًّا، وهذا يعني أن الخاطرين قد انضبطا معًا.
وإذا كان هذا ما يحدث في حياتنا العادية، فما بالنا بما يحدث في الأمور الصفائية؛ وفي أرقى درجاتها وهي النبوة؟
أو أن الذي دعا هو موسى وما كان هارون إلا مؤمِّنًا، والمؤمِّن هو أحد الداعيين، وما دام الحق سبحانه قد قَبِل دعوة موسى عليه السلام، فقد قَبِل أيضًا دعوة المؤمِّن معه.
ويظن بعض الناس أن إجابة الدعوة هي تحقيق المطلوب فور الدعاء، ولكن الحقيقة أن إجابة الدعوة هي موافقة على الطلب، أما ميعاد إنجاز الطلب، فقد يتأجل بعض الوقت، مثلما حدث مع دعوة موسى عليه السلام على فرعون وملئه، فحين دعا موسى، وأمَّن هارون، جاءت إجابة الدعاء: {قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا} [يونس: 89] بعد أربعين عامًا، ويحقق الله سبحانه الطمس على المال.
فالسماء ليست موظفة عند من يدعو، وتقبل أي دعاء، ولكن قبول الدعوة يقتضي تحديد الميعاد الذي تنفذ فيه.
وهذه أمور من مشيئة الله سبحانه؛ فالحق سبحانه وتعالى منزَّه عن أن يكون منفِّذًا لدعاء ما، ولكنه هو الذي بيده مقاليد كل أمر، فإذا ما أجيبت دعوة ما، فهو سبحانه بمشيئته يضع تنفيذ الدعوة في الميعاد الملائم؛ لأنها لو أجيبت على الفور فقد تضر.
والحق سبحانه وتعالى هو القائل: {وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَاءَهُ بالخير وَكَانَ الإنسان عَجُولًا} [الإسراء: 11].
لذلك يحدد الحق سبحانه ميعاد تطبيق الدعوة في مجال التنفيذ والواقع.
وهو سبحانه وتعالى يقول: {سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء: 37].
والإنسان يعرف أنه قد يكون قد دعا بأشياء، فحقق الله سبحانه الدعاء وكان شرًّا، وكم من شيء يدعو به الإنسان ولم يحققه الله تعالى وكان عدم تحقيقه خيرًا.
إذنك فالقدرة العليا رقيبة علينا، وتعلم ما في صالحنا؛ لأننا لسنا آلهة تأمر بتنفيذ الدعوات، بل فوقنا الحكيم الأعلى سبحانه:
ولذلك نقول في بيان قول الحق سبحانه: {وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11].
لأن الإنسان قد يدعو بالشر على نفسه، ألا تسمع أمًّا تدعو على ابنها أو ابنتها رغم حبها لهما، فلو استجاب الله لدعائها على أولادها الذين تحبهم أليس في ذلك شر بالنسبة للأم.
والولد قد يقول لأمه مغاضبًا: يا رب تحدث لي حادثة؛ حتى تستريحي مني. فهَبْ أن الله استجاب لهذا الدعاء، أيرضي ذلك من دعا على نفسه أو يرضي أمه؟
طبعًا لا؛ فإذا كان الله سبحانه قد أبطأ عليك بدعاء الشر فهذا خير لك، فعليك أن تأخذ إبطاء الله سبحانه عليك بدعاء الخير على أنه خير لك.
ولذلك شاء الحق سبحانه أن يقول لموسى وهارون عليهما السلام: {قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فاستقيما وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ} [يونس: 89].
أي: ابقيا على الطريق السوي، ولا تُدْخِلا نفسيكما فيما لا علم لكما به. أليس الحق سبحانه هو القائل: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحق وَأَنتَ أَحْكَمُ الحاكمين قَالَ يا نوح إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إني أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين} [هود: 4546].
أي: كُنْ مؤدَّبًا مع ربك حين تدعو وتنفِّس عن نفسك، ودَعْ لحكمة الحكيم الإجابة أو عدمها، وقد تكون الإجابة فورية أو مؤجَّلة إلى حين أوانها، وكلاهما خير. اهـ.

.قال صاحب المنار في الآيات السابقة:

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنِ وَمَلَئِهِ بِآيَتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}.
هَذِهِ قِصَّةُ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مَعَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ مُلَخَّصَةً هُنَا فِي 19 آيَةً مُفَصَّلَةً مُرَتَّبَةً كَمَا نُبَيِّنُهُ فِي تَفْسِيرِهَا، وَهَذِهِ الْأَرْبَعُ مِنْهَا فِي اسْتِكْبَارِ فِرْعَوْنِ وَمَلَئِهِ عَنِ الْإِيمَانِ وَزَعْمِهِمْ أَنَّ آيَاتِ اللهِ لِمُوسَى مِنَ السِّحْرِ، وَتَعْلِيلِ تَكْذِيبِهِمْ لَهُ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ اتِّبَاعَهُ تَحْوِيلٌ لَهُمْ عَنِ التَّقَالِيدِ الْمَوْرُوثَةِ عَنِ الْآبَاءِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَسْلُبُ سُلْطَانَهُمْ مِنْهُمْ وَيَنْفَرِدُ هُوَ وَأَخُوهُ بِمَا يَتَمَتَّعُونَ بِهِ مِنَ الْكِبْرِيَاءِ فِي الْأَرْضِ، وَهَذَا بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قِصَّةِ نُوحٍ الْمُخْتَصَرَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ. وَهَاكَ تَفْسِيرَهُنَّ بِالِاخْتِصَارِ: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} أَيْ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِ أُولَئِكَ الرُّسُلِ- الَّذِينَ بَعَثْنَاهُمْ إِلَى أَقْوَامِهِمْ- مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنِ مِصْرَ وَأَشْرَافِ قَوْمِهِ الَّذِينَ هُمْ أَرْكَانُ دَوْلَتِهِ، وَإِلَى قَوْمِهِمُ الْقِبْطِ بِالتَّبَعِ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَعْبَدِينَ لَهُمْ يَكْفُرُونَ بِكُفْرِهِمْ، وَيُؤْمِنُونَ بِإِيمَانِهِمْ أَنْ آمَنُوا {بِآيَاتِنَا} أَيْ بَعَثْنَاهُمَا مُؤَيِّدَيْنِ بِآيَاتِنَا التِّسْعِ الْمُفَصَّلَةِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَغَيْرِهَا {فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} أَيْ فَاسْتَكْبَرَ فِرْعَوْنُ وَمَلَؤُهُ، أَيْ أَعْرَضُوا عَنِ الْإِيمَانِ كِبْرًا وَعُلُوًّا مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ، لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ سَعَةِ الْعِلْمِ وَصِنَاعَةِ السِّحْرِ، وَكَانُوا قَوْمًا رَاسِخِينَ فِي الْإِجْرَامِ وَهُوَ الظُّلْمُ وَالْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّمْلِ: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (27: 14).
{فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ} وَهُوَ آيَاتُنَا الدَّالَّةُ عَلَى الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ {مِنْ عِنْدِنَا} وَوَحْيِنَا إِلَى مُوسَى كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ وَغَيْرِهَا، الْمُبْطِلِ لِادِّعَاءِ فِرْعَوْنَ لَهُمَا بِقَوْلِهِ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (79: 24) وَقَوْلِهِ: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (28: 38): {قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ} أَيْ أَقْسَمُوا إِنَّ هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ إِنَّمَا هُوَ سِحْرٌ بَيِّنٌ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا السِّحْرُ صِنَاعَةٌ بَاطِلَةٌ هُمْ أَحَذَقُ النَّاسِ بِهَا، فَكَيْفَ يَتَّبِعُونَ مَنْ جَاءَ يُنَازِعُهُمْ سُلْطَانَهُمْ بِهَا، فَمَاذَا قَالَ لَهُمْ مُوسَى؟.
{قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ} أَيْ قَالَ لَهُمْ مُتَعَجِّبًا مِنْ قَوْلِهِمْ أَتَقُولُونَ هَذَا الَّذِي قُلْتُمْ لِلْحَقِّ الظَّاهِرِ، الَّذِي هُوَ أَبَعْدُ الْأَشْيَاءِ عَنْ كَيْدِ السِّحْرِ الْبَاطِلِ، لَمَّا جَاءَكُمْ وَعَرَفْتُمُوهُ وَاسْتَيْقَنَتْهُ أَنْفُسُكُمْ، حَذَفَ مَقُولَ الْقَوْلِ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: {إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ} وَكَذَا مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ مُنْكِرًا لَهُ مُتَعَجِّبًا مِنْهُ: {أَسِحْرٌ هَذَا} أَيْ إِنَّ هَذَا الَّذِي تَرَوْنَهُ مِنْ آيَاتِ اللهِ بِأَعْيُنِكُمْ، وَتَرْجُفُ مِنْ عَظَمَتِهِ قُلُوبُكُمْ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سِحْرًا مِنْ جِنْسِ مَا تَصْنَعُهُ أَيْدِيكُمْ، {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} أَيْ وَالْحَالُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَكُمْ أَنَّ السَّاحِرِينَ لَا يَفُوزُونَ فِي أُمُورِ الْجِدِّ الْعَمَلِيَّةِ مِنْ دَعْوَةِ دِينٍ وَتَأْسِيسِ مُلْكٍ وَقَلْبِ نِظَامٍ، وَهُوَ مَا تَتَّهِمُونَنِي بِهِ عَلَى ضَعْفِي وَقُوَّتِكُمْ، لِأَنَّ السِّحْرَ أُمُورُ شَعْوَذَةٍ وَتَخْيِيلٍ، لَا تَلْبَثُ أَنْ تَفْتَضِحَ وَتَزُولَ، يَدُلُّ عَلَى هَذَا جَوَابُهُمْ لَهُ: {قَالُوا أَجِئْتِنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ} هَذَا اسْتِفْهَامُ تَوْرِيطٍ وَتَقْرِيرٍ، تُجَاهَ مَا أَوْرَدَهُ مُوسَى مِنَ اسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِ وَالتَّعْجِيبِ، فَحَوَاهُ أَتُقِرُّ وَتَعْتَرِفُ بِأَنَّكَ جِئْتَنَا لِتَصْرِفَنَا وَتَحَوُّلِنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَأَجْدَادَنَا مِنَ الدِّينِ الْقَوْمِيِّ الْوَطَنِيِّ لِنَتِّبِعَ دِينَكَ وَتَكُونَ لَكَ وَلِأَخِيكَ كِبْرِيَاءُ الرِّيَاسَةِ الدِّينِيَّةِ، وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ كِبْرِيَاءِ الْمُلْكِ وَالْعَظَمَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ التَّابِعَةِ لَهَا فِي أَرْضِ مِصْرَ كُلِّهَا؟ يَعْنُونَ أَنَّهُ لَا غَرَضَ لَكَ مِنْ دَعْوَتِكَ إِلَّا هَذَا وَإِنْ لَمْ تَعْتَرِفْ بِهِ اعْتِرَافًا. جَعَلُوا الْخِطَابَ الْخَاصَّ بِالدَّعْوَةِ وَالْغَرَضَ مِنْهَا لِمُوسَى لِأَنَّهُ هُوَ الدَّاعِي لَهُمْ بِالذَّاتِ وَأَشْرَكُوا مَعَهُ أَخَاهُ فِي ثَمَرَةِ الدَّعْوَةِ وَفَائِدَتِهَا لِأَنَّهَا تَكُونُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا بِالضَّرُورَةِ {وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} أَيْ وَمَا نَحْنُ بِمُتَّبِعِينَ لَكُمَا اتِّبَاعَ إِيمَانٍ وَإِذْعَانٍ فِيمَا يُخْرِجُنَا مِنْ دِينِ آبَائِنَا الَّذِي تُقَلِّدُهُ عَامَّتُنَا، وَيَسْلُبُنَا مُلْكَنَا الَّذِي تَتَمَتَّعُ بِكِبْرِيَائِهِ خَاصَّتُنَا- وَهُمُ الْمَلِكُ وَأَرْكَانُ دَوْلَتِهِ وَبِطَانَتُهُ وَحَوَاشِيهِ- وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ هُمَا اللَّذَانِ كَانَا يَمْنَعَانِ جَمِيعَ الْأَقْوَامِ مِنَ اتِّبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُصْلِحِينَ فِي كُلِّ زَمَانٍ.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}.
هَذِهِ الْآيَاتُ الْأَرْبَعُ فِي خُلَاصَةِ مَا قَاوَمَ بِهِ فِرْعَوْنُ دَعْوَةَ مُوسَى لِتَأْيِيدِ ادِّعَائِهِ أَنَّهُ سَاحِرٌ وَصَرْفِ قَوْمِهِ عَنِ اتِّبَاعِهِ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِمْ بَيْنَ السِّحْرِ وَآيَاتِ اللهِ لَهُ.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} أَيْ ذَاكَ مَا قَالَهُ مَلَأُ فِرْعَوْنَ لِمُوسَى وَأَخِيهِ بِحَضْرَتِهِ، وَقَالَ فِرْعَوْنُ بَعْدَ مَا رَأَوْا مِنْ إِصْرَارِ مُوسَى عَلَى دَعْوَتِهِ، وَعَدَمِ مُبَالَاتِهِ بِالتَّصْرِيحِ لَهُ بِمَا يَدْعُونَ أَوْ يَظُنُّونَ مِنْ مُرَادِهِ: {ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ} وَاسِعِ الْعِلْمِ رَاسِخٍ فِيهِ مُتْقِنٍ لِلسِّحْرِ بِالْعَمَلِ كَمَا عَبَّرَ عَنْهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى {بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} (6: 37).
{فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ} الْمَطْلُوبُونَ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا ذُكِرَ {قَالَ لَهُمْ مُوسَى} بَعْدَ أَنْ خَيَّرُوهُ بَيْنَ أَنْ يُلْقِيَ مَا عِنْدَهُ أَوَّلًا أَوْ يُلْقُوا هُمْ مَا عِنْدَهُمْ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي سُورَتَيِ الْأَعْرَافِ وَطَهَ {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ إِبْطَالُ الْبَاطِلِ وَإِظْهَارُ الْحَقِّ.
{فَلَمَّا أَلْقَوْا} مَا أَلْقَوْهُ مِنْ حِبَالِهِمْ وَعِصِيِّهِمُ الصِّنَاعِيَّةِ السِّحْرِيَّةِ {قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ} أَيْ هَذَا الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ وَأَلْقَيْتُمُوهُ أَمَامَنَا هُوَ السِّحْرُ لَا مَا جِئْتُ بِهِ مِنْ آيَاتِ اللهِ تَعَالَى وَسَمَّاهُ فِرْعَوْنُ وَمَلَؤُهُ سِحْرًا {إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ} أَيْ سَيُظْهِرُ بُطْلَانَهُ لِلنَّاسِ وَأَنَّهُ صِنَاعَةٌ خَادِعَةٌ، لَا آيَةٌ خَارِقَةٌ صَادِعَةٌ، فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةُ لِبَيَانِ مَا يُوقِنُ بِهِ مُوسَى مِنْ مَآلِ هَذَا السِّحْرِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ خَبَرًا لِمَا قَبْلَهَا وَيَكُونَ التَّقْدِيرُ: مَا جِئْتُمْ بِهِ الَّذِي هُوَ السِّحْرُ، إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ، وَعَلَّلَ حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} وَهُوَ قَاعِدَةٌ عَامَّةٌ مُبَيِّنَةٌ لِسُنَّةِ اللهِ فِي تَنَازُعِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ، وَيَدْخُلُ فِيهَا سِحْرُهُمْ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ وَفَسَادٌ، أَيْ لَا يَجْعَلُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ صَالِحًا، وَالسِّحْرُ مِنْ عَمَلِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ الْمُفْسِدِينَ.
{وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} أَيْ يُثْبِتُ الْحَقَّ الَّذِي فِيهِ صَلَاحُ الْخَلْقِ، وَيَنْصُرُهُ عَلَى مَا يُعَارِضُهُ مِنَ الْبَاطِلِ بِكَلِمَاتِهِ التَّكْوِينِيَّةِ وَهِيَ مُقْتَضَى إِرَادَتِهِ، وَكَلِمَاتِهِ التَّشْرِيعِيَّةِ الَّتِي يُوجِبُهَا إِلَى رُسُلِهِ.
وَمِنْهَا وَعْدُهُ بِنَصْرِي عَلَى فِرْعَوْنَ وَإِنْقَاذِ قَوْمِي مِنْ عُبُودِيَّتِهِ وَظُلْمِهِ {وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} كَفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ. وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُ مِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ (8: 7، 8).
{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لِمَنِ الْمُسْرِفِينَ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.
هَذِهِ الْآيَاتُ الْخَمْسُ فِي بَيَانِ مَا كَانَ مِنْ شَأْنِ مُوسَى مَعَ قَوْمِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَرْسَلَهُ اللهُ لِيُخْرِجَهُمْ مِنْ مِصْرَ، فِي إِثْرِ مَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِ مَعَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ.
{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} الْمُتَبَادَرُ إِلَى فَهْمِي أَنَّ عَطْفَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا بِالْفَاءِ لِإِفَادَةِ السَّبَبِيَّةِ أَوِ التَّفْرِيعِ، أَيْ إِنَّ إِصْرَارَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ عَلَى الْكُفْرِ بِمُوسَى بَعْدَ خَيْبَةِ السَّحَرَةِ وَظُهُورِ حَقِّهِ عَلَى بَاطِلِهِمْ، ثُمَّ عَزْمَهُ عَلَى قَتْلِهِ كَمَا أَنْبَأَ اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} (40: 26) يَعْنِي بِالْفَسَادِ الثَّوْرَةَ وَالْخُرُوجَ عَلَى السُّلْطَانِ- كَمَا قَتَلَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ السَّحَرَةِ.
كُلُّ هَذَا أَوْقَعَ الْخَوْفَ وَالرُّعْبَ فِي قُلُوبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْمِ مُوسَى، فَمَا آمَنَ لَهُ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ وَهُمُ الْأَحْدَاثُ مِنَ الْمُرَاهِقِينَ وَالشُّبَّانُ، وَقِيلَ: قَوْمُ فِرْعَوْنَ، وَلَكِنَّ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْهُمْ كَانَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ، وَلَا يُقَالُ آمَنَ لَهُ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَهُ مُؤْمِنًا، وَلَمْ يَكُونُوا صِغَارًا، وَالذُّرِّيَّةُ فِي اللُّغَةِ الصِّغَارُ مِنَ الْأَوْلَادِ، قَالَ الرَّاغِبُ: وَإِنْ كَانَ يَقَعُ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ مَعًا فِي التَّعَارُفِ وَيُسْتَعْمَلُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَأَصْلُهُ الْجَمْعُ.
{عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} أَيْ آمَنُوا عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ، أَيْ أَشْرَافِ قَوْمِهِمُ الْجُبَنَاءِ الْمُرَائِينَ الَّذِينَ هُمْ عُرَفَاؤُهُمْ عِنْدَ فِرْعَوْنَ فِيمَا يَطْلُبُ هُوَ مِنْهُمْ، فَإِنَّ الْمُلُوكَ يَسْتَذِلُّونَ الشُّعُوبَ وَيَسْتَعْبِدُونَهُمْ بِرُؤَسَاءَ وَعُرَفَاءَ مِنْهُمْ وَقِيلَ: مَلَأُ فِرْعَوْنَ وَجَمْعُ ضَمِيرِهِ لِلتَّعْظِيمِ، عَلَى خَوْفٍ مِنْهُ أَنْ يَفْتِنَهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ لِمُوسَى وَاتِّبَاعِ دِينِهِ بِالتَّعْذِيبِ وَالْإِرْهَاقِ. الْفُتُونُ: الِابْتِلَاءُ وَالِاخْتِبَارُ الشَّدِيدُ لِلْحَمْلِ عَلَى الشَّيْءِ أَوْ عَلَى تَرْكِهِ وَاسْتُعْمِلَ فِي الِاضْطِهَادِ وَالتَّعْذِيبِ لِلِارْتِدَادِ عَنِ الدِّينِ بِكَثْرَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (8: 39): {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ} أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ فِرْعَوْنَ عَاتٍ شَدِيدُ الْعُتُوِّ، مُسْتَبِدٌّ غَالِبٌ قَوِيُّ الْقَهْرِ فِي أَرْضِ مِصْرَ فَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يُخَافَ مِنْهُ، فَالْمُرَادُ بِعُلُوِّهِ قَهْرُهُ وَاسْتِبْدَادُهُ كَمَا حَكَى الله عَنْهُ بِقَوْلِهِ: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} (7: 127): {وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} أَيِ الْمُتَجَاوِزِينَ حُدُودَ الرَّحْمَةِ وَالْعَدْلِ، إِلَى الظُّلْمِ وَالْقَتْلِ، وَالْعُدْوَانِ وَالْبَغْيِ، وَغَمْطِ الْحَقِّ وَاحْتِقَارِ الْخَلْقِ وَهُوَ مَعْنَى الْكِبْرِيَاءِ.
{وَقَالَ مُوسَى} لِمَنْ آمَنَ مِنْ قَوْمِهِ وَقَدْ رَأَى خَوْفَهُمْ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالِاضْطِهَادِ مُرْشِدًا وَمُثْبِتًا لَهُمْ: {يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} أَيْ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ حَقَّ الْإِيمَانِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا، وَبِوَعْدِهِ فَثِقُوا، إِنْ كُنْتُمْ فِي إِيمَانِكُمْ مُسْتَسْلِمِينَ مُذْعِنِينَ بِالْفِعْلِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِيمَانُ يَقِينًا إِذَا صَدَّقَهُ الْعَمَلُ وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى إِيمَانِ جَمِيعِ قَوْمِهِ كَمَا قِيلَ، فَالْإِيمَانُ بِاللهِ غَيْرُ الْإِيمَانِ لِمُوسَى الْمُتَضَمِّنِ لِمَعْنَى الْإِسْلَامِ وَالِاتِّبَاعِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} وَهُمْ قَدْ طَلَبُوا مِنْهُ بَعْدَ نَجَاتِهِمْ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ آلِهَةً مِنَ الْأَصْنَامِ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعَجَلَ الْمَصْنُوعَ وَعَبَدُوهُ.
{فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أَيْ فَامْتَثَلُوا الْأَمْرَ، إِذْ عَلِمُوا أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ إِنْجَازُ الْوَعْدِ، وَصَرَّحُوا بِهِ فِي الْقَوْلِ، مَعَ الدُّعَاءِ بِأَنْ يَحْفَظَهُمْ مِنْ فِتْنَةِ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ بِالْفِعْلِ، فَإِنَّ التَّوَكُّلَ عَلَى اللهِ الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ مَقَامَاتِ الْإِيمَانِ لَا يَكْمُلُ إِلَّا بِالصَّبْرِ عَلَى الشَّدَائِدِ، وَالدُّعَاءَ لَا يَصِحُّ وَلَا يُقْبَلُ فَيُسْتَجَابُ إِلَّا إِذَا كَانَ مَسْبُوقًا أَوْ مُقَارَنًا لِاتِّخَاذِ الْأَسْبَابِ، وَهُوَ أَنْ تَعْمَلَ مَا تَسْتَطِيعُ، وَتَطْلُبَ مِنَ اللهِ أَنْ يُسَخِّرَ لَكَ مَا لَا تَسْتَطِيعُ، وَلَفْظُ {فِتْنَةٍ} هُنَا يَحْتَمِلُ مَعْنَى الْفَاتِنِ وَالْمَفْتُونِ فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: رَبَّنَا لَا تُسَلِّطْهُمْ عَلَيْنَا فَيَفْتِنُونَا، وَلَا تَفْتِنَّا بِهِمْ فَنَتَوَلَّى عَنِ اتِّبَاعِ نَبِيِّنَا، أَوْ نَضْعُفَ فِيهِ فِرَارًا مِنْ شِدَّةِ ظُلْمِهِمْ لَنَا، وَلَا تَفْتِنْهُمْ بِنَا فَيَزْدَادُوا كُفْرًا وَعِنَادًا وَظُلْمًا بِظُهُورِهِمْ عَلَيْنَا، وَيَظُنُّوا أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّنَا عَلَى الْبَاطِلِ وَمِنَ الْمَعْقُولِ وَالثَّابِتِ بِالتَّجَارِبِ أَنَّ سُوءَ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْحَقِّ فِي أَيِّ حَالٍ مِنْ ضَعْفٍ أَوْ فَقْرٍ أَوْ عَمَلٍ مَذْمُومٍ، يَجْعَلُهُمْ مَوْضِعًا أَوْ مَوْضُوعًا لَافِتَتَانِ الْكَفَّارِ وَأَهْلِ الْبَاطِلِ بِهِمْ بِاعْتِقَادِ أَنَّهُمْ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} (6: 53) وَقَالَ: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} (25: 20) فَكَيْفَ إِذَا خَذَلَ أَهْلَ الْحَقِّ حَقُّهُمْ، وَكَفَرُوا نِعْمَةَ رَبِّهِمْ؟.