فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا}
اعلم أن تفسير اللفظ في قوله: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إسرائيل البحر} [الأعراف: 138] مذكور في سورة الأعراف، والمعنى: أنه تعالى لما أجاب دعاءهما أمر بني إسرائيل بالخروج من مصر في الوقت المعلوم ويسر لهم أسبابه، وفرعون كان غافلًا عن ذلك، فلما سمع أنهم خرجوا وعزموا على مفارقة مملكته خرج على عقبهم وقوله: {فَأَتْبَعَهُمْ} أي لحقهم يقال: أتبعه حتى لحقه، وقوله: {بَغْيًا وَعَدْوًا} البغي طلب الاستعلاء بغير حق، والعدو الظلم، روي أن موسى عليه السلام لما خرج مع قومه وصلوا إلى طرف البحر وقرب فرعون مع عسكره منهم، فوقعوا في خوف شديد، لأنهم صاروا بين بحر مغرق وجند مهلك، فأنعم الله عليهم بأن أظهر لهم طريقًا في البحر على ما ذكر الله تعالى هذه القصة بتمامها في سائر السور، ثم إن موسى عليه السلام مع أصحابه دخلوا وخرجوا وأبقى الله تعالى ذلك الطريق يبسًا، ليطمع فرعون وجوده في التمكن من العبور، فلما دخل مع جمعه أغرقه الله تعالى بأن أوصل أجزاء الماء ببعضها وأزال الفلق، فهو معنى قوله: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ} وبين ما كان في قلوبهم من البغي وهي محبة الإفراط في قتلهم وظلمهم، والعدو وهوتجاوز الحد، ثم ذكر تعالى أنه لما أدركه الغرق أظهر كلمة الإخلاص ظنًا منه أنه ينجيه من تلك الآفة، وهاهنا سؤالان:
السؤال الأول: أن الإنسان إذا وقع في الغرق لا يمكنه أن يتلفظ بهذا اللفظ فكيف حكى الله تعالى عنه أنه ذكر ذلك؟
والجواب: من وجهين: الأول: أن مذهبنا أن الكلام الحقيقي هو كلام النفس لا كلام اللسان، فهو إنما ذكر هذا الكلام بالنفس، لا بكلام اللسان، ويمكن أن يستدل بهذه الآية على إثبات كلام النفس لأنه تعالى حكى عنه أنه قال هذا الكلام، وثبت بالدليل أنه ما قاله باللسان، فوجب الاعتراف بثبوت كلام غير كلام اللسان وهو المطلوب.
الثاني: أن يكون المراد من الغرق مقدماته.
السؤال الثاني: أنه آمن ثلاث مرات أولها قوله: {ءامَنتُ} وثانيها قوله: {لا إله إِلاَّ الذي ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إسرائيل} وثالثها قوله: {وَأَنَاْ مِنَ المسلمين} فما السبب في عدم القبول والله تعالى متعال عن أن يلحقه غيظ وحقد حتى يقال: إنه لأجل ذلك الحقد لم يقبل منه هذا الإقرار؟
والجواب: العلماء ذكروا فيه وجوهًا:
الوجه الأول: أنه إنما آمن عند نزول العذاب، والإيمان في هذا الوقت غير مقبول، لأن عند نزول العذاب يصير الحال وقت الإلجاء، وفي هذا الحال لا تكون التوبة مقبولة، ولهذا السبب قال تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمانهم لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} [غافر: 85].
الوجه الثاني: هو أنه إنما ذكر هذه الكلمة ليتوسل بها إلى دفع تلك البلية الحاضرة والمحنة الناجزة، فما كان مقصوده من هذه الكلمة الإقرار بوحدانية الله تعالى، والاعتراف بعزة الربوبية وذلة العبودية، وعلى هذا التقدير فما كان ذكر هذه الكلمة مقرونًا بالإخلاص، فلهذا السبب ما كان مقبولًا.
الوجه الثالث: هو أن ذلك الإقرار كان مبنيًا على محض التقليد، ألا ترى أنه قال: {لا إله إِلاَّ الذي ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إسرائيل} فكأنه اعترف بأنه لا يعرف الله، إلا أنه سمع من بني إسرائيل أن للعالم إلهًا، فهو أقر بذلك الإله الذي سمع من بني إسرائيل أنهم أقروا بوجوده، فكان هذا محض التقليد، فلهذا السبب لم تصر الكلمة مقبولة منه، ومزيد التحقيق فيه أن فرعون على ما بيناه في سورة طه كان من الدهرية، وكان من المنكرين لوجود الصانع تعالى، ومثل هذا الاعتقاد الفاحش لا تزول ظلمته، إلا بنور الحجج القطعية، والدلائل اليقينية، وأما بالتقليد المحض فهو لا يفيد، لأنه يكون ضمًا لظلمة التقليد إلى ظلمة الجهل السابق.
الوجه الرابع: رأيت في بعض الكتب أن بعض أقوام من بني إسرائيل لما جاوزوا البحر اشتغلوا بعبادة العجل، فلما قال فرعون: {آمنتُ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ الذي آمنتْ بِهِ بَنواْ إسرائيل} انصرف ذلك إلى العجل الذي آمنوا بعبادته في ذلك الوقت، فكانت هذه الكلمة في حقه سببًا لزيادة الكفر.
الوجه الخامس: أن اليهود كانت قلوبهم مائلة إلى التشبيه والتجسيم ولهذا السبب اشتغلوا بعبادة العجل لظنهم أنه تعالى حل في جسد ذلك العجل ونزل فيه، فلما كان الأمر كذلك وقال فرعون: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} فكإنه آمن بالإله الموصوف بالجسمية والحلول والنزول، وكل من اعتقد ذلك كان كافرًا فلهذا السبب ما صح إيمان فرعون.
الوجه السادس: لعل الإيمان إنما كان يتم بالإقرار بوحدانية الله تعالى، والإقرار بنبوة موسى عليه السلام.
فههنا لما أقر فرعون بالوحدانية ولم يقر بالنبوة لا جرم لم يصح إيمانه.
ونظيره أن الواحد من الكفار لو قال ألف مرة أشهد أن لا إله إلا الله فإنه لا يصح إيمان إلا إذا قال معه وأشهد أن محمدًا رسول الله، فكذا ههنا.
الوجه السابع: روى صاحب الكشاف أن جبريل عليه السلام أتى فرعون بفتيا فيها ما قول الأمير في عبد نشأ في مال مولاه ونعمته، فكفر نعمته وجحد حقه، وادعى السيادة دونه، فكتب فرعون فيها يقول أبو العباس الوليد بن مصعب جزاء العبد الخارج على سيده الكافر بنعمته أن يغرق في البحر، ثم إن فرعون لما غرق رفع جبريل عليه السلام فتياه إليه.
أما قوله تعالى: {ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ المفسدين} ففيه سؤالات:
السؤال الأول: من القائل له: {ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ}.
الجواب: الأخبار دالة على أن قائل هذا القول هو جبريل، وإنما ذكر قوله: {وَكُنتَ مِنَ المفسدين} في مقابلة قوله: {وَأَنَاْ مِنَ المسلمين} ومن الناس من قال: إن قائل هذا القول هو الله تعالى، لأنه ذكر بعده: {فاليوم نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ} إلى قوله: {إن كثيرًا من الناس عن آياتنا لغافلون} وهذا الكلام ليس إلا كلام الله تعالى.
السؤال الثاني: ظاهر اللفظ يدل على أنه إنما لم تقبل توبته للمعصية المتقدمة والفساد السابق، وصحة هذا التعليل لا تمنع من قبول التوبة.
والجواب: مذهب أصحابنا أن قبول التوبة غير واجب عقلًا، وأحد دلائلهم على صحة ذلك هذه الآية.
وأيضًا فالتعليل ما وقع بمجرد المعصية السابقة، بل بتلك المعصية مع كونه من المفسدين.
السؤال الثالث: هل يصح أن جبريل عليه السلام أخذ يملأ فمه من الطين لئلا يتوب غضبًا عليه.
والجواب: الأقرب أنه لا يصح، لأن في تلك الحالة إما أن يقال التكليف كان ثابتًا أو ما كان ثابتًا، فإن كان ثابتًا لم يجز على جبريل عليه السلام أن يمنعه من التوبة، بل يجب عليه أن يعينه على التوبة وعلى كل طاعة، لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان} [المائدة: 2] وأيضًا فلو منعه بما ذكروه لكانت التوبة ممكنة، لأن الأخرس قد يتوب بأن يندم بقلبه ويعزم على ترك معاودة القبيح، وحينئذ لا يبقى لما فعله جبريل عليه السلام فائدة، وأيضًا لو منعه من التوبة لكان قد رضي ببقائه على الكفر، والرضا بالكفر كفر، وأيضًا فكيف يليق بالله تعالى أن يقول لموسى وهارون عليهما السلام: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} [طه: 44] ثم يأمر جبريل عليه السلام بأن يمنعه من الإيمان، ولو قيل: إن جبريل عليه السلام إنما فعل ذلك من عند نفسه لا بأمر الله تعالى، فهذا يبطله قول جبريل: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ} [مريم: 64] وقوله تعالى في صفتهم: {وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28] وقوله: {لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 27] وأما إن قيل: إن التكليف كان زائلًا عن فرعون في ذلك الوقت، فحينئذ لا يبقى لهذا الفعل الذي نسب جبريل إليه فائدة أصلًا.
ثم قال تعالى: {فاليوم نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ} وفيه وجوه: الأول: {نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ} أي نلقيك بنجوة من الأرض وهي المكان المرتفع.
الثاني: نخرجك من البحر ونخلصك مما وقع فيه قومك من قعر البحر، ولكن بعد أن تغرق.
وقوله: {بِبَدَنِكَ} في موضع الحال، أي في الحال التي أنت فيه حينئذ لا روح فيك.
الثالث: أن هذا وعد له بالنجاة على سبيل التهكم، كما في قوله: {فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] كأنه قيل له ننجيك لكن هذه النجاة إنما تحصل لبدنك لا لروحك، ومثل هذا الكلام قد يذكر على سبيل الاستهزاء كما يقال: نعتقك ولكن بعد الموت، ونخلصك من السجن ولكن بعد أن تموت.
الرابع: قرأ بعضهم: {نُنَجّيكَ} بالحاء المهملة، أي نلقيك بناحية مما يلي البحر، وذلك أنه طرح بعد الغرق بجانب من جوانب البحر.
قال كعب: رماه الماء إلى الساحل كأنه ثور.
وأما قوله: {بِبَدَنِكَ} ففيه وجوه: الأول: ما ذكرنا أنه في موضع الحال، أي في الحال التي كنت بدنًا محضًا من غير روح.
الثاني: المراد ننجيك ببدنك كاملًا سويًا لم تتغير.
الثالث: {نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ} أي نخرجك من البحر عريانًا من غير لباس.
الرابع: {نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ} أي بدرعك، قال الليث: البدن هو الدرع الذي يكون قصير الكمين، فقوله: {بِبَدَنِكَ} أي بدرعك، وهذا منقول عن ابن عباس قال: كان عليه درع من ذهب يعرف بها، فأخرجه الله من الماء مع ذلك الدرع ليعرف.
أقول: إن صح هذا فقد كان ذلك معجزة لموسى عليه السلام.
وأما قوله: {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءايَةً} ففيه وجوه: الأول: أن قومًا ممن اعتقدوا فيه الإلهية لما لم يشاهدوا غرقه كذبوا بذلك وزعموا أن مثله لا يموت، فأظهر الله تعالى أمره بأن أخرجه من الماء بصورته حتى شاهدوه وزالت الشبهة عن قلوبهم.
وقيل كان مطرحه على ممر بني إسرائيل.
الثاني: لا يبعد أنه تعالى أراد أن يشاهده الخلق على ذلك الذل والمهانة بعد ما سمعوا منه قوله: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} [النازعات: 24] ليكون ذلك زجرًا للخلق عن مثل طريقته، ويعرفوا أنه كان بالأمس في نهاية الجلالة والعظمة ثم آل أمره إلى ما يرون.
الثالث: قرأ بعضهم: {لِمَنْ خَلَقَكَ} بالقاف أي لتكون لخالقك آية كسائر آياته.
الرابع: أنه تعالى لما أغرقه مع جميع قومه ثم إنه تعالى ما أخرج أحدًا منهم من قعر البحر، بل خصه بالإخراج كان تخصيصه بهذه الحالة العجيبة دالًا على كمال قدرة الله تعالى وعلى صدق موسى عليه السلام في دعوى النبوة.
وأما قوله: {وإن كثيرًا من الناس عن آياتنا لغافلون} فالأظهر أنه تعالى لما ذكر قصة موسى وفرعون وذكر حال عاقبة فرعون وختم ذلك بهذا الكلام وخاطب به محمدًا عليه الصلاة والسلام فيكون ذلك زاجرًا لأمته عن الإعراض عن الدلائل، وباعثًا لهم على التأمل فيها والاعتبار بها، فإن المقصود من ذكر هذه القصص حصول الاعتبار، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ في قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأوْلِى الالباب} [يوسف: 111]. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ}
معنى ننجيك نلقيك على نجوة من الأرض، والنجوة المكان المرتفع وقوله تعالى: {بِبَدَنِكَ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني بجسدك من غير روح، قاله مجاهد.
الثاني: بدرعك، وكان له درع من حديد يعرف بها، قاله أبو صخر، وكان من تخلف من قوم فرعون ينكر غرقه.
وقرأ يزيد اليزيدي: {نُنَجِّيكَ} بالحاء غير معجمة وحكاها علقمة عن ابن مسعود. أن يكون على ناحية من البحر حتى يراه بنو إسرائيل، وكان قصير أحمر كأنه ثور.
{لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً} يعني لمن بعدك عبرة وموعظة. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ}