فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولو كان المطلوب إيمان الإجبار لأجبر الحق سبحانه الخلق كلهم على أن يؤمنوا، ولما استطاع أحد أن يكفر بالله تعالى، وأمامنا الكون كله خاضع لإمره الله سبحانه وتعالى ولا يتأبى فيه أحد على الله تعالى.
وقدرة الحق عز وجل المطلقة قادرة على إجبار البشر على الإيمان، لكنها تثبت طلاقة القدرة، ولا تثبت المحبوبية للمعبود.
وهذه المحبوبية للمعبود لا تثبت إلا إذا كان لك خيار في أن تؤمن أو لا تؤمن. والله سبحانه يريد إيمان الاختيار.
إذن: فالمردود من فرعون ليس القول، ولكن زمن القول.
ويقال: إنها رُدَّتْ ولم تُقبل رغم أنه قالها ثلاث مرات لأن قوم موسى في ذلك الوقت كانوا قد دخلوا في مرحلة التجسيم لذات الله وادعوا معاذ الله أن الله تعالى عما يقولون جلس على صخرة وأنزل رِجْليه في حوض ماء، وكان يلعب مع الحوت.. إلى آخر الخرافات التي ابتدعها بنو إسرائيل.
وحين أعلن فرعون أنه آمن بالإله الذي آمنت به بنو إسرائيل، فهذا يعني أنه لم يؤمن بالإله الحق سبحانه.
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: {فاليوم نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ}
ونحن نعرف أن الإنسان مكوَّن من بدن، وهو الهيكل المادي المصوَّر على تلك الصورة التي نعرفها، وهناك الروح التي في البدن، وبها تكون الحركة والحياة. وساعة نقول: بدن، فافهم أنها مجردة عن الروح، مثلما نقول: جسد. وإذا أطلقت كلمة جسد فمعناها الهيكل المادي المجرد من الروح.
والحق سبحانه هو القائل: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} [ص: 34].
وكان سيدنا سليمان عليه السلام يستمتع بما آتاه الله سبحانه من الملك ما لا ينبغي لأحد من بعده، وسخَّر له الجن والرياح وعلّمه كل اللغات، وكان صاحب الأوامر والنواهي والهيمنة، ثم وجد نفسه قاعدًا على كرسيه بلا حراك وبلا روح، ويقدر عليه أي واحد من الرعية، ثم أعاد الله له روحه إلى جسده، وهو ما يقول الحق سبحانه: {ثُمَّ أَنَابَ} [ص: 34].
أي: أنه أفاق لنفسه، فعلم أن كل ما يملكه هو أمر مُفاضٌ عليه، لا أمر نابع من ذاته.
وهنا في الآية الكريمة التي نحن بصددها الآن يقول الحق سبحانه: {فاليوم نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس: 92].
وباللهِ، لو لم يأمر الحق البحر بأن يلفظ جثمان فرعون، أما كان من الجائز أن يقولوا: إنه إله، وإنه سيرجع مرة أخرى؟
ولكن الحق سبحانه قد شاء أن يلفظ البحر جثمانه كما يلفظ جيفة أي حيوان غارق؛ حتى لا يكون هناك شك في أن هذا الفرعون قد غرق، وحتى ينظر من بقي من قومه إلى حقيقته، فيعرفوا أنه مجرد بشر، ويصبح عبرة للجميع، بعد أن كان جبارًا مسرفًا طاغية يقول لهم: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي} [القصص: 38].
وبعض من باحثي التاريخ يقول: إن فرعون المقصود هو تحتمس، وإنهم حلَّلوا بعضًا من حثمانه، فوجدوا به آثار مياه مالحة.
ونحن نقول: إن فرعون ليس اسمًا لشخص، بل هو توصيف لوظيفة، ولعل أجساد الفراعين المحنطه تقول لنا: إن علة حفظ الأبدان هي عبرة؛ وليتعظ كل إنسان ويرى كيف انهارت الحضارات، وكيف بقيت تلك الأبدان آية نعتبر بها.
وقد تعرض القرآن لمسألة الفرعون، فقال الحق سبحانه: {وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد} [الفجر: 10].
ويقول سبحانه في نفس السورة عن كل جبار مفسد: {إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد} [الفجر: 14].
ونلحظ أن كلام الحق سبحانه عن فرعون في سورة الفجر كان كلامًا يضمُّ إلى جانب حضارة الفراعنة حضارات أخرى قديمة، مثل حضارة عاد وحضارة ثمود.
وكذلك تكلم الحق سبحانه عن الفرعون في أثناء لقطات قصة موسى عليه السلام، ولكن الكلام يختلف في قصة يوسف عليه السلام، فلا تأتي وظيفة الفرعون، بل يحدثنا الحق سبحانه عن وظائف أخرى، هي وظيفة عزيز مصر أي: رئيس وزرائها ويحدثنا الله سبحانه عن ملك مصر بقوله: {وَقَالَ الملك ائتوني بِهِ} [يوسف: 50].
ولم يُكْتَشَف الفارق بين وظيفة الفرعون ووظيفة الملك في التاريخ المصري إلا بعد أن جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر وفك شامبليون رموز اللغة الهيروغليفيه من خلال نقوش حجر رشيد، فعرفنا أن حكام مصر القديمة كانوا يسمون الفراعنة إلا في فترة كانت فيها مصر تحت حكم ملوك الرعاة أو الهكسوس الذين أغاروا على مصر، وحكموها حكمًا ملكيًا وقضوا على حكم الفراعنة، ثم عاد الفراعنة إلى حكم مصر بعد أن خلصوها من سيطرة الهكسوس.
وهكذا نجد أن إشارة القرآن في قصة يوسف عليه السلام كانت إلى الملك، ولم يأت فيها بذكر فرعون، وهذا دليل على أن القرآن قد سبق بعلمه أي اكتشاف، وكلما جاء اكتشاف جديد أو ابتكار حقيقي، نجده يؤيد كتاب الله.
ويُنهي الحق سبحانه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها بقوله: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الناس عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس: 92].
وهذا القول يوضح أن هناك من يغفل عن الآيات، وهناك من لا يغفل عنها، وينظر إلى تلك الآيات ويتأملها ويتدبرها، ويتساءل عن جدوى كل شيء، فيصل إلى ابتكارات واختراعات ينتفع بها الإنسان، أّذِن بميلادها عند البحث عنها؛ لتستبين عظمة الله في خلقه.
وحين ينظر الإنسان في تلك الابتكارات سيجدها وليدة أفكار مَنْ نظروا بإمعان، وامتلكوا قدرة الاستنباط، ولو لم يغفل الناس عن النظر في آيات الكون، والسموات والأرض، لزادت الابتكارات والاختراعات، والحق سبحانه هو القائل: {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماوات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105].
وحين ننظر إلى مكتشف قانون الجاذبية نيوتن الذي رأى ثمرة تفاح تسقط من شجرتها، نجد أن هناك عشرات الآلاف أوالملايين من البشر شاهدوا من قبله مشهد سقوط ثمرة من على شجرة، ولكن نيوتن وحده هو الذي تفكر وتدبر ما يحدث أمامه إلى أن أهتدى إلى اكتشاف قانون الجاذبية. وجاء من بعد نيوتن من بنى سفن القضاء التي تستفيد من هذا القانون وغيره. وكذلك نجد من صَمَّم الغواصات، والبواخر العملاقة التي تشبه المدن العائمة، هؤلاء اعتمدوا على من اكتشف قانون الطفو وقاعدة أرشميدس الذي لاحظ أنه كلما غطس شيءٌ في المياه، ارتفع الماء بنفس حجم الشيء الغاطس فيه.
كل هؤلاء اكتشفوا ولم يخلقوا أسرارًا كانت موجودة في الكون، وهم تميَّزوا بالانتباه لها. وكذلك العالم الذي اكتشف البنسلين قد لاحظ أن أصيصًا من المواد العضوية كانت تنزل منه قطرات من الماء العفن، ورأى الحشرات التي تقترب من هذا الماء تموت، فأخذ عينة من هذا العفن وأخذ يُجري عليها بعض التجارب في معمله إلى أن اكتشف البنسلين.
وقول الحق سبحانه: {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماوات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105].
فكأنهم لو لم يعرضوا لاستنبطوا من آيات الكون الشيء الكثير. وكذلك القصص التي تأتي في القرآن، إنما جاءت ليعتبر الناس ويتأملوا، فحين يرسل الله رسولًا مؤيَّدًا بمعجزة منه لا يقدر عليها البشر؛ فعلى الناس أن يسلّموا ويقولوا: آمنا، لا أن يظلوا في حالة إعادة للتجارب السابقة؛ لأن ارتقاءات البشر في الأمور المادية قد تواصلت؛ لأن كل جيل من العلماء يأخذ نتائج العلم التي توصل إليها مَنْ سبقوه، فلماذا لا يحدث هذا في الأمور العقدية؟
ولو أن الناس بدأوا من حيث انتهى غيرهم؛ لوجدنا الكل مؤمنًا بالله تعالى، ولأخذ كل مولود الأمر من حيث انتهى أبوه، ولَوصَل خير آدم إلى كل من وُلِدَ بعد ذلك، لكن آفة البشر أن الإنسان يريد أن يجرب بنفسه.
ونحن نجد ذلك في أمور ضارة مثل: الخمر، نجدها ضارة لكل من يقرب منها، فإذا حرَّمها الدين وجدنا من يتساءل: لماذا تُحرَّم؟
وكذلك التدخين؛ نجد من يجربه رغم أن التجارب السابقة أثبتت أضراره البالغة، ولو أخذ كل إنسان تجارب السابقين عليه؛ فهو يصل عمره بعمر الآخرين. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

{قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68)}
ثمّ رجع إلى ذِكْرِ كُفَّار مَكَّةَ فقال تعالى: {قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا}، حين قالوا: الملائكة بنات الله تعالى،: {سبحانه} نَزَّهَ نفسه عن الولد،: {هُوَ الغنى} عن الولد،: {لَّهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} مِنَ الخلق، سمّاهم عبيده وإماءه: {إِنْ عِندَكُمْ مّن سُلْطَانٍ بهذا} يعني: ما عندكم من حُجَّة بهذا القول،: {أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} بغير حجةٍ.
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب} بأنَّ له ولدًا: {لاَ يُفْلِحُونَ}.
يعني: لا يأمنون من عذابه، ولا ينجون منه.
{متاع} يعني: منفعتهم: {فِى الدنيا} قليل: {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ}، يعني: مصيرهم في الآخرة: {ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العذاب الشديد بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} بكفرهم.
قوله تعالى: {واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ} فإن لم تعتبروا بذلك، فاتْلُ عليهم، يعني: اقرأ عليهم خبر نوح في القرآن،: {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يا قوم قَوْمٍ أَن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ} يعني: عظم، وثَقُلَ: {مَّقَامِى} طول مقامي فيكم: {وَتَذْكِيرِى بِآيَاتِ الله} يعني: وعظي لكم بالله تعالى.
وعظته بالله تعالى ما ذُكِرَ في سورة نوح، وهو قوله: {فَقُلْتُ استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] إلى قوله: {الذى خَلَقَ سَبْعَ سماوات طِبَاقًا مَّا ترى في خَلْقِ الرحمن مِن تفاوت فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ} [لملك: 3] الآية.
فلمَّا وعظهم بذلك أرادوا قتله، حين قالوا: {لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يا نوح لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين} أي من المقتولين بالحجارة.
فقال لهم نوح: {إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِى} فيكم وعظتي لكم: {فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ} أي وثقت، وفوَّضت أمري إلى الله تعالى،: {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ} يعني: كيدكم.
ويقال: قولكم، وعملكم؛: {وَشُرَكَاءكُمْ} يعني: وادعوا شركاءكم: {ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقضوا إِلَىَّ} أي: امضوا إليَّ: {وَلاَ تُنظِرُونَ} أي: ولا تمهلون.
ويقال: اقضوا ما أنتم قاضون، واستعينوا بآلهتكم.
ويقال: اعملوا بما في أنفسكم من الشَّرِّ.
وروي عن نافع أنه قرأ: {فَأَجْمِعُواْ} بالوصل والجزم، مِنْ جمعت.
وقرأ الباقون: {فَأَجْمِعُواْ} بالقطع من الإجماع.
وقرأ الحسن البصريُّ، ويعقوب الحَضْرَمِيُّ: {شُرَكَاءكُمُ} أي: أين شركاؤكم ليجمعوا أمرهم معكم، ويعينوكم؟: {ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} يقول: أظهروا أمركم فلا تكتموه.
يعني: القتل.
وقال القتبِيُّ: الغُمَّةُ والغَمُّ واحد، كما يقال: كُرْبَةٌ وكَرْبٌ.
أي: لا يكن أمركم غمًّا عليكم: {ثُمَّ اقضوا إِلَىَّ} أي: اعملوا بما تريدون، كقوله: {قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ على مَا جَاءَنَا مِنَ البينات والذى فَطَرَنَا فاقض مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِى هذه الحياة الدنيا} [طه: 72].
{فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} يعني: أعرضتم وأبيتم عن الإيمان، وأبيتم أن تقبلوا ما أتيتكم به، وأمرتكم به، ونهيتكم عنه،: {فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} يعني: ما سألتكم بذلك أجرًا في الدُّنيا ومعناه: إن أعرضتم عن الإيمان لا يضرُّني لأنِّي لا أطلب منكم بذلك أجرًا في الدِّين،: {إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الله} ما ثوابي إلاّ على الله،: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين} يعني: وأُمرتُ أن أستقيم على التَّوحيد مع المسلمين.
قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ} بالعذاب، بأنَّه غير نازلٍ بهم: {فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ في الفلك} من الغرق،: {وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ} يعني: خلفاء من بعد هلاكِ كُفَّارهم،: {فَكَذَّبُوهُ فأنجيناه والذين مَعَهُ} يعني: كذَّبوا نوحًا بما أتاهم به،: {فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين} كيف كان آخرُ أمرِ مَنْ أنذرهم الرُّسلُ فلم يؤمنوا.
قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ} أي من بعد هلاك قوم نوح: {رُسُلًا إلى قَوْمِهِمْ}، مثل: هود، وصالح، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، عليهم السلام: {موسى بالبينات} يعني: بالأمر والنهي.
ويقال: بالآيات والعلامات،: {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ} قال مقاتل: يعني: ما كان كُفَّار مكة ليصدِّقوا بالعذاب أنه نازل بهم، كما لم يصدق به أوائلهم من قبل كفار مكة.
وقال الكَلْبِي: فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به عند الميثاق، حين أخرجهم من صلب آدم.
وقال: وما كانوا ليؤمنوا، يعني: أُولئك القوم بعد ما كان دعاهم الرُّسل بما كذبوا به من قبل أن يأتيهم الرُّسل: {كَذَلِكَ نَطْبَعُ على قُلوبِ المعتدين} يعني: نختم على قلوب المعتدين من الحلال والحرام.
ويقال صار تكذيبهم طبعًا على قلوبهم، فمنعهم عن الإيمان.
قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم} من بعد الرُّسل: {موسى وهارون إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بآياتنا} التّسع: {فاستكبروا} يعني: تكبَّروا عن الإيمان: {وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} يعني: مشركين.
قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءهُمُ الحق} يعني: ظهر لهم الحقُّ: {مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} يعني: الَّذي أتيتنا به كذب بَيِّنٌ، ف: {قَالَ موسى أَتقُولُونَ لِلْحَقّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هذا} وفي الآية مضمر، ومعناه: أتقولون للحقِّ لما جاءكم إنَّه سحر؟ ثمَّ قال: أسِحْرٌ هذا؟ يعني: أيكون مثل هذا سحرًا؟ فليس ذلك بسحر، ولكنَّ ذلك علامة للنُّبوَّة،: {وَلاَ يُفْلِحُ الساحرون} في الدُّنيا والآخرة.
ويقال: لا ظفر لهم.