فصل: قال الثعلبي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {قَالُواْ أَجِئْتَنَا} يعني: قال فرعون وقومه لموسى عليه السلام: {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا}؟ يعني: لتصرفنا، وتصدنا: {عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا} يقول: عما كان يعبد آباؤنا: {وَتَكُونَ لَكُمَا الكبرياء} يعني: السُّلطان والشَّرف والمُلْكُ: {فِى الأرض}، يعني: في أرض مصر: {وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} يعني: بمصدِّقين بأنّكما رسولا ربِّ العالمين.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} يعني: حاذق بالسِّحر.
قرأ حمزة والكساني: يعني: حاذق بالسِّحر.
قرأ حمزة والكساني: {سَحَّارٍ}، على معنى المبالغة، وقرأ الباقون: {ساحر}، {فَلَمَّا جَاء السحرة قَالَ لَهُمْ موسى أَلْقُواْ مَا أَنتُمْ مُّلْقُونَ} يعني: اطرحوا ما في أيديكم من العِصِيِّ والحبال: {فَلَمَّا أَلْقُوْاْ} ما معهم من الحبال والعِصِيِّ إلى الأرض: {قَالَ موسى مَا جِئْتُمْ بِهِ السحر} يعني: العمل الذي عملتم به هو السِّحر: {إِنَّ الله سَيُبْطِلُهُ} يعني: سيهلكه: {إِنَّ الله لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المفسدين} يعني: لا يرضى عمل المفسدين.
قرأ أبو عمرو: السِّحر، بالمدِّ على وجه الاستفهام، ويكون معناه: {قَالَ موسى مَا جِئْتُمْ بِهِ} يَعني ما الَّذي جئتم به؟ وتمَّ الكلام.
ثم قال: {السحر إِنَّ الله سَيُبْطِلُهُ إِنَّ الله لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المفسدين} يعني: عمل السحرة.
قوله تعالى: {وَيُحِقُّ الله الحق بكلماته} يعني: يظهر دينه الإسلام بتحقيقه، ونصرته: {وَلَوْ كَرِهَ المجرمون} يعني: فرعون وقومه.
قال الله تعالى: {فَمَا ءامَنَ لموسى} يعني: ما صدَّق بموسى: {إِلاَّ ذُرّيَّةٌ مّن قَوْمِهِ} يعني: قبيلته من قومه الذين كانت أمَّهاتهم من بني إسرائيل، وآباؤهم من القبط.
وروى مقاتل، عن ابن عباس أنه قال: {إِلاَّ ذُرّيَّةٌ مّن قَوْمِهِ}، يعني: من قوم موسى عليه السلام وهم بنو إسرائيل، وهم ستمائة ألف. قال: وكان يعقوب حين ركب إلى مصر من كنعان في اثنين وسبعين إنسانًا، فتوالدوا بمصر حتّى بلغوا ستمائة ألف.
ويقال: {إِلاَّ ذُرّيَّةٌ مّن قَوْمِهِ}، يعني: خربيل وهو الذي قال في آية أُخرى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إيمانه أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّىَ الله وَقَدْ جَاءَكُمْ بالبينات مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كاذبا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صادقا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذي يَعِدُكُمْ إِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر: 28].
ثم قال: {على خَوْفٍ مّن فِرْعَوْنَ} يعني: فما آمن لموسى عليه السلام خوفًا من فرعون: {وَمَلَئِهِمْ} إشارة إلى فرعون بلفظ الجماعة، كقوله: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فاعلموا أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ الله وَأَن لاَّ إله إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} [هود: 14] يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم خاصة: {أَن يَفْتِنَهُمْ} يعني: يقتلهم: {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأرض} يعني: لَعات.
ويقال: الغالب، ويقال: المخالف، والمتكبر في أرض مصر: {وَإِنَّهُ لَمِنَ المسرفين} يعني: لمن المشركين.
روى موسى بن عبيدة، عن محمد بن المنكدر، قال: عاش فرعون ثلاثمائة سنة، منها مائتين وعشرين سنة لم ير مكروهًا، ودعاه موسى عليه السلام ثمانين سنة: {وَقَالَ موسى يافرعون قَوْمٍ أَن كُنتُمْ ءامَنْتُمْ بالله فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنْتُم مُّسْلِمِينَ} يعني: ثقوا بالله تعالى، وذلك حين قالوا له: {قالوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ في الأرض فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 129] فلما قال لهم هذا موسى عليه السلام: {قَالُواْ عَلَى الله تَوَكَّلْنَا} يعني: فوَّضنا أمرنا إليه،: {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً} بَلِيَّةً وَعِبْرَةً: {لّلْقَوْمِ الظالمين}.
يعني: لا تنصرهم علينا.
قال مجاهد: يعني: لا تعذِّبنا بأيدي فرعون، ولا بعذاب من عندك، فيقولوا: لو كانوا على الحقّ، ما عُذِّبوا وما سُلِّطْنَا عليهم، فَيُفْتَنُوا بنا،: {وَنَجّنَا بِرَحْمَتِكَ} يعني: بنعمتك: {مِنَ القوم الكافرين} يعني: فرعون وقومه.
قال الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إلى موسى وَأَخِيهِ} هارون، وذلك لما منعهم فرعون، وقومه الصَّلاة علانية، وخرّبوا مساجدهم: {أَن تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بُيُوتًا} يعني: اتّخذوا لقومكما بمصر مساجد في جوف البيوت: {واجعلوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} يعني: مساجد فتصلون فيها.
ويقال: حَوِّلُوا بيوتكم نحو القبلة.
وقال مجاهد: كانوا يصلون في البِيَعِ، فأمرهم أن يصلوا في البيوت.
وقال إبراهيم النخْعِيُّ: كانوا خائفين، فأمرهم بالصَّلاة في بيوتهم.
وكان إبراهيم النخعِيِّ خائفًا من الحجَّاج، وكان يصلي في بيته.
ثم قال: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} يعني: أَتِّمُّوها بركوعها، وسجودها ولم يأمرهم بالزكاة، لأن فرعون عليه اللَّعنة قد استعبدهم، وأخذ أموالهم، فلم يكن لهم مال يجب عليهم الزّكاة فيه.
ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَبَشّرِ المؤمنين} يعني: المصدِّقين بتوحيد الله تعالى بالجنة.
قرأ عاصم في رواية حفص: {أن تبويا} بالياء بلا همز، لأنه كره الهمزة بين حرفين فجعلها ياء.
وقرأ الباقون بغير ياء بالهمزة، إلا أنه روي عن حمزة أنه كان لا يهمز.
قوله تعالى: {وَقَالَ موسى رَبَّنَا إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلاَهُ}، وذلك أن أهل مصر لما عُذِّبُوا بالطُّوفان والجراد والسنين، قالوا: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرجز قَالُواْ ياموسى ادع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بنى إسراءيل} [الأعراف: 134]، ثمّ نكثوا العهد ولم يؤمنوا، فغضب موسى عليهم، ودعا الله تعالى عليهم، وقال: {رَبَّنَا إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلاَهُ} يعني: الأشراف من قومه: {زِينَةً وَأَمْوَالًا في الحياة الدنيا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ} يعني: أعطيتهم ليضلوا: {عَن سَبِيلِكَ} عن دينك الإسلام.
قرأ أهل الكوفة، وعاصم، وحمزة الكسائي: {لِيُضِلُّواْ} بضم الياء.
يعني: ليُضلُّوا النّاس ويصرفونهم عن دينهم.
وقرأ الباقون: {لِيُضِلُّواْ} بنصب الياء.
يعني: يرجعون عن دينك ويمتنعون جملة واحدة عنه.
{رَبَّنَا اطمس على أموالهم} يعني: غيِّر دراهمهم ودنانيرهم، وذلك حين وعد فرعون بأن يؤمن، ويرسل معه بني إسرائيل، ثم نقض العهد، فدعا عليهم موسى عليه السلام وروى معمر عن قتادة في قوله: {رَبَّنَا اطمس على أموالهم} قال: بلغنا أنَّ حروثًا لهم صارت حجارة.
وعن السّدي أنه قال: صارت دراهمهم ودنانيرهم حجارة.
وعن أبي العالية الرِّياحيّ أنه قال: صارت أموالهم حجارة وقال مجاهد، في قوله تعالى: {رَبَّنَا اطمس على أموالهم} يعني: أهلكها.
وقال القتبي في قوله: {رَبَّنَا اطمس على أموالهم} أي اقسمها.
ويقال: اطبع قلوبهم وأمتهم على الكفر، فلا توفقهم للإيمان لكي لا يؤمنوا: {فَلاَ يُؤْمِنُواْ حتى يَرَوُاْ العذاب الاليم} وهو الغرق.
ودعا موسى عليه السلام وَأَمَّن هارون عليه السلام: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا} قال محمد بن كعب القرظي: دعا موسى، وأمَّن هارون.
وعن أبي العالية، وعكرمة وأبي صالح مثله.
وعن أبي هريرة مثله.
وعن أنس بن مالك أنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إِنَّ الله تَعَالَى أَعْطَانِي خِصَالًا ثَلاثًا: أَعْطَانِي صَلاةً بِالصُّفُوفِ، وَأعْطَانِي تَحِيَّةً هِيَ تِحَّيةُ أهْلِ الجَنَّةِ، وَأَعْطَانِي التَّأْمِينَ، وَلَمْ يُعْطِ أَحَدًا مِنَ النَّبِيِّينَ قَبْلِي، إلاَّ أَنْ يَكُونَ الله تَعَالَى أعطاهُ لِهَارُونَ، يَدْعُو مُوسَى، وَيُؤَمِّنُ هَارُونُ».
قال مقاتل: فمكث موسى بعد هذه الدعوة أربعين سنة، وهكذا روى الضَّحَّاك أن الإجابة ظهرت بعد أربعين سنة. وقال بعضهم: بعد أربعين يومًا. وقال بعضهم: هذا الدعاء حين خرج موسى ببني إسرائيل، وأيس من إيمانهم. ثم قال تعالى: {فاستقيما} أي: على الرِّسالة والدَّعوة: {وَلاَ تَتَّبِعَانّ سَبِيلَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ} يعني: طريق فرعون، وآله من أهل مصر.
وروى ابن ذكوان، عن ابن عامر، أنه قرأ: {تَتَّبِعَانّ} بجزم التاء ونصب الباء. وقرأ الباقون: {تَتَّبِعَانّ} بنصب التاء، والتشديد، وكسر الباء. ومعناهما واحد وهذه النون أُدْخِلَتْ مؤكدة. ثمّ قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إسراءيل البحر}، يعني: بحر قلزم. ويقال: هو نهر مصر، وهو النيل.
{فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ} يعني: لحقهم.
وقال القتبي: أتبعت القوم: أي لحقتهم، وتبعتهم: كنت في أثرهم. ثمَّ قال: {بَغْيًا وَعَدْوًا} يعني: تكبُّرًا وَعَدوًا، يعني: ظلمًا. ويقال: بغيًا في المقالة حيث قال: {إن هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} وَعدوًا: يعني: اعتدوا عليهم وأرادوا قتلهم: {حتى إِذَا أَدْرَكَهُ الغرق} يعني: كربة الموت. ويقال: ألجمه الماء.
ويقال: بلغه الموت والأجل، وذلك أن بني إسرائيل لما رأوا فرعون ومن معه، قالوا: هذا فرعون، وقد كنا نلقى منه ما نلقى، فكيف بنا وأين المخرج في البحر؟ فأوحى الله إلى موسى: {فَأَوْحَيْنَا إلى موسى أَنِ اضرب بِّعَصَاكَ البحر فانفلق فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم} [الشعراء: 63] فضرب، فصار اثني عشر طريقًا يابسًا.
فلمّا انتهى فرعون إلى البحر، فرآه قد يبس فقال لقومه: إن البحر قد يبس خوفًا مني فصدّقوه، وهو قوله: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هدى} [طه: 79] ولما جاوز قوم موسى، ودخل قوم فرعون، فلما هَمَّ أولهم أن يخرج من البحر، ودخل آخرهم، طم عليهم البحر فغرَّقهم و: {قَالَ} فرعون عند ذلك: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إسراءيل البحر فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا إسراءيل} قرأ حمزة، والكسائي: {أَنَّهُ} بالكسر على معنى الابتداء الباقون بالنصب، على معنى البناء.
يعني: صدّقت بأنه لا إله إلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ: {وَأَنَاْ مِنَ المسلمين} على دينهم.
ويقال: أنا من المخلصين على التوحيد.
قال الله تعالى: {ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} يعني: أتُؤمن في هذا الوقت حين عاينت العذاب، وقد عصيت قبل نزول العذاب؟ وهذا موافق لقوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ إِنِّى تُبْتُ الان وَلاَ الذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أولئك أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 18] الآية.
ويقال: إن جبريل هو الذي قال له: {ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ المفسدين} يعني: من الكافرين.
قال الفقيه أبو الليث، حدثنا الفقيه أبو جعفر، قال: حدثنا علي بن أحمد، قال: حدثنا نصر بن يحيى، قال: حدثنا أبو مطيع، عن الحسن بن دينار، عن حميد بن هلال، قال: كان جبريل عليه السلام يناجي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له ذات يوم: يا محمد ما غاظني عبد من عباد الله تعالى مثلما غاظني فرعون.
لمّا أدركه الغرق، قَالَ: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إسراءيل البحر فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا إسراءيل} فخشيت أن تدركه الرحمة، فضربت بيدي إلى البحر، فأخذت كفًا من حمئه، وربما قال: من طينه، فكبسته في فيه، فما نبس بكلمة.
قوله تعالى: {فاليوم نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ} أي نخرجك من البحر بجسدك.
وقال أبو عبيدة: نلقيك على نجوة من الأرض، والنجوة من الأرض: ما ارتفع منها: {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءايَةً} يعني: عبرة لمن بعدك من الكفَّار، لكيلا يدَّعوا الربوبية.
وقال قتادة: لمّا أغرق الله فرعون، لم تصدق طائفة من الناس بذلك، فأخرجه الله تعالى ليكون لهم عظة وآية.
{فاليوم نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ} يعني: عن هلاك فرعون: {لغافلون} فلا يخافون، ولا يعتبرون. اهـ.

.قال الثعلبي في الآيات السابقة:

{قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68)}
{قَالُواْ} يعني المشركين: {اتخذ الله وَلَدًا} هو قولهم: الملائكة بنات الله: {سُبْحَانَهُ هُوَ الغني} عن خلقهما: {إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بهاذا} [ما عندكم من حجة] وبرهان بهذا، إنما سميتموها جهلًا بها سلطانًا [ولا يمكن] التمسك بها: {أَتقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ قُلْ إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب لاَ يُفْلِحُونَ}.
قال الكلبي: لا يؤمنون، وقيل: لا ينجون، وقيل: لا يفوزون، وقيل: لا يبقون في الدنيا ولكن: {مَتَاعٌ فِي الدنيا} يتمتعون به متاعًا وينتفعون به إلى وقت انقضاء أجلهم، ومتاع رفع بإضمار أي لهم متاع، قاله الأخفش، وقال الكسائي: متاع في الدنيا.
{ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العذاب الشديد بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ}.
{واتل عَلَيْهِمْ} اقرأ يا محمد على أهل مكة: {نَبَأَ} خبر: {نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} ولد وأهل: {ياقوم إِن كَانَ كَبُرَ} عظُم وثقل وشق: {عَلَيْكُمْ مَّقَامِي} فلو شق مكثي بين أظهركم: {وَتَذْكِيرِي} ووعظي إياكم: {بِآيَاتِ الله} بحججه وبيناته فعزمتم على قتلي أو طردي: {فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ} فبالله وثقت: {فأجمعوا} قرأه العامة بقطع الألف وكسر الميم أي فأعدوا وأبرموا وأحكموا: {أَمْرَكُمْ} فاعزموا عليه. قال المؤرخ: أجمعت الأمر أفصح من أجمعت عليه، وأنشد:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع ** هل أغدون يومًا وأمري مجمع

وقرأ الأعرج والجحدري موصولة مفتوحة الميم من الجمع اعتبارًا بقوله فجمع كيده، وقال أبو معاذ: ويجوز أن يكون بمعنى وأجمعوا أي فأجمعوا واحد يقال: جمعت وأجمعت بمعنى واحد.
قال أبو ذؤيب: عزم عليه كأنه جمع نفسه له والأمر مجمع.
{وَشُرَكَاءَكُمْ} فيه إضمار أي: وادعوا شركاءكم أي آلهتكم فاستعينوا، وكذلك في مصحف أُبي؛ وادعوا شركاءكم، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وعيسى وسلام ويعقوب: وشركاؤكم رفعًا على معنى: فأجمعوا أمركم أنتم وشركاؤكم، أي وليجمع معكم شركاؤكم، واختار أبو عبيد وأبو حاتم النصب لموافقة الكتاب وذلك أنه ليس فيه واو.