فصل: (سورة يونس: آية 89):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة يونس: آية 89]:

{قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89)}
قرئ: {دعواتكما}. قيل: كان موسى يدعو وهرون يؤمّن. ويجوز أن يكونا جميعًا يدعوان.
والمعنى: إنّ دعاء كما مستجاب، وما طلبتما كائن ولكن في وقته فَاسْتَقِيما فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة والزيادة في إلزام الحجة، فقد لبث نوح عليه السلام في قومه ألف عام إلا قليلا ولا تستعجلا. قال ابن جريج: فمكث موسى بعد الدعاء أربعين سنة {وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} أي لا تتبعا طريق الجهلة بعادة اللّه في تعليقه الأمور بالمصالح، ولا تعجلا فإن العجلة ليست بمصلحة. وهذا كما قال لنوح عليه السلام: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ} وقرئ: {ولا تتبعان}، بالنون الخفيفة، وكسرها لالتقاء الساكنين تشبيهًا بنون التثنية، وبتخفيف التاء من تبع.

.[سورة يونس: آية 90]:

{وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)}
قرأ الحسن: وجوزنا من أجاز المكان وجوزه وجاوزه، وليس من جوز الذي في بيت الأعشى:
وَإذَا تَجَوَّزْنَا حِبَالَ قَبِيلَةٍ

وإنما أسنده إليها للمبالغة، وتخييل أنها تعرف الممدوح وفضله، فهي المسافرة إليه بنفسها. وروى يجوزها. وجبال بالجيم، فمعنى أخذت: قطعت من أرض القبيلة الأخرى بالسير إليك جبالا غير تلك. وعلى كل، ففيه دليل على صعوبة الطريق. لأنه لو كان منه لكان حقه أن يقال وجوّزنا بنى إسرائيل في البحر كما قال:
كَمَا جَوَّزَ السَّكِّىَّ في الْبَابِ فَيْتَقُ

{فَأَتْبَعَهُمْ} فلحقهم. يقال: تبعته حتى أتبعته. وقرأ الحسن: {وعدوّا}. وقرئ: أنه بالفتح على حذف الياء التي هي صلة الإيمان، وإنه بالكسر على الاستئناف بدلا من آمنت. كرر المخذول المعنى الواحد ثلاث مرات في ثلاث عبارات حرصًا على القبول، ثم لم يقبل منه حيث أخطأ وقته. وقاله حين لم يبق له اختيار قط، وكانت المرّة الواحدة كافية في حال الاختيار وعند بقاء التكليف.

.[سورة يونس: الآيات 91- 92]:

{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92)}
{آلْآنَ} أتؤمن الساعة في وقت الاضطرار حين أدركك الغرق وأيست من نفسك.
قيل: قال ذلك حين ألجمه الغرق يعنى حين أوشك أن يغرق. وقيل: قاله بعد أن غرق في نفسه.
والذي يحكى أنه حين قال: {آمَنَت} أخذ جبريل من حال البحر فدسه في فيه، فللغضب للّه على الكافر في وقت قد علم أنّ إيمانه لا ينفعه. وأمّا ما يضم إليه من قولهم: خشية أن تدركه رحمة اللّه فمن زيادات الباهتين للّه وملائكته: وفيه جهالتان، إحداهما: أنّ الإيمان يصح بالقلب كإيمان الأخرس، فحال البحر لا يمنعه. والأخرى: أنّ من كره إيمان الكافر وأحب بقاءه على الكفر فهو كافر لأن الرضا بالكفر كفر مِنَ الْمُفْسِدِينَ من الضالين المضلين عن الإيمان، كقوله: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذابًا فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ} وروى أنّ جبريل عليه السلام أتاه بفتيا: ما قول الأمير في عبد لرجل نشأ في ماله ونعمته فكفر نعمته وجحد حقه وادّعى السيادة دونه؟ فكتب فرعون فيه: يقول أبو العباس الوليد بن مصعب: جزاء العبد الخارج على سيده الكافر نعماه أن يغرق في البحر، فلما ألجمه الغرق ناوله جبريل خطه فعرفه {نُنَجِّيكَ} بالتشديد والتخفيف: نبعدك مما وقع فيه قومك من قعر البحر. وقيل: نلقيك بنجوة من الأرض. وقرئ ننحيك، بالحاء: نلقيك بناحية مما يلي البحر، وذلك أنه طرح بعد الغرق بجانب البحر قال كعب: رماه الماء إلى الساحل كأنه ثور بِبَدَنِكَ في موضع الحال، أي: في الحال التي لا روح فيك، وإنما أنت بدن، أو ببدنك كاملا سويا لم ينقص منه شيء ولم يتغير.
أو عريانًا لست إلا بدنًا من غير لباس. أو بدرعك. قال عمرو بن معد يكرب:
أَعَاذِلُ شكَّتِى بَدَنِى وَسَيْفِى ** وَكُلُّ مُقَلّصٍ سَلِسُ الْقِيَادِ

وكانت له درع من ذهب يعرف بها. وقرأ أبو حنيفة رحمه اللّه: بأبدانك وهو على وجهين:
إما أن يكون مثل قولهم: هوى بأجرامه، يعنى: ببدنك كله وافيًا بأجزائه. أو يريد: بدروعك كأنه كان مظاهرًا بينها {لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} لمن وراءك من الناس علامة، وهم بنو إسرائيل، وكان في أنفسهم أن فرعون أعظم شأنًا من أن يغرق. وروى أنهم قالوا: ما مات فرعون ولا يموت أبدًا. وقيل: أخبرهم موسى بهلاكه فلم يصدّقوه، فألقاه اللّه على الساحل حتى عاينوه، وكأن مطرحه كان على ممرّ من بنى إسرائيل حتى قيل: لمن خلفك. وقيل: {لِمَنْ خَلْفَكَ} لمن يأتى بعدك من القرون. ومعنى كونه آية: أن تظهر للناس عبوديته ومهانته، وأنّ ما كان يدّعيه من الربوبية باطل محال، وأنه مع ما كان فيه من عظم الشأن وكبرياء الملك آل أمره إلى ما ترون لعصيانه ربه عز وجل، فما الظنّ بغيره، أو لتكون عبرة تعتبر بها الأمم بعدك، فلا يجترئوا على نحو ما اجترأت عليه إذا سمعوا بحالك وبهوانك على اللّه. وقرئ: لمن خلقك، بالقاف: أي لتكون لخالقك آية كسائر آياته. ويجوز أن يراد: ليكون طرحك على الساحل وحدك وتمييزك من بين المغرقين- لئلا يشتبه على الناس أمرك، ولئلا يقولوا- لادعائك العظمة إنّ مثله لا يغرق ولا يموت- آية من آيات اللّه التي لا يقدر عليها غيره، وليعلموا أنَّ ذلك تعمد منه لإماطة الشبهة في أمرك. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ} إلى قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)}
التفسير:
لما بالغ في تقرير الدلائل والبينات والجواب عن الشبهات شرع في قصص الأنبياء المتقدمين، لأن نقل الكلام من أسلوب إلى أسلوب أقرب إلى انشراح الصدور ودفع الملال مع أن في ذكرها تسلية للرسول وعبرة للمعتبر إلى غير ذلك من الفوائد التي سبق ذكرها في الأعراف. ومعنى كبر ثقل وشق كقوله: {وإنها لكبيرة} [البقرة: 45] وفي مقامي وجوه منها: أنه زيادة كقولك: فعلت كذا لمكان فلان أي لأجله، وكقوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه} [الرحمن: 46] أي ربه ومثله قولهم: فلان ثقيل الظل. ومنها أن يراد به المكث أي شق عليكم مكثي بين أظهركم مددًا طوالًا ألف سنة إلا خمسين عامًا، ولا شك أن من ألف طريقة ويدعى إلى خلافها ولاسيما إذا تكرر الدعاء كان ذلك موجبًا للتنفر والثقل، وخاصة إذا كانت تلك الطريقة مقتضاة النفس والطبيعة الداعيتين إلى اللذات العاجلة. ومنها أن يكون المقام بمعنى القيام لأنهم كانوا يقومون على أرجلهم في الوعظ والتذكير ليكون مكانهم بينًا وكلامهم مسموعًا كما يحكى عن عيسى عليه السلام أنه كان يعظ الحواريين قائمًا وهم قعود. وجواب الشرط إما قوله: {فعلى الله توكلت} أي إن شدة بغضكم لي تحملكم على الإقدام على إيذائي وأنا لا أقابل ذلك الشر بالتوكل على الله فإن ذلك هجيراي قديمًا وحديثًا وإما قوله: {فأجمعوا} وقوله: {فعلى الله توكلت} اعتراض كقولك: إن كنت أنكرت عليّ شيئًا فالله حسبي فاعمل ما تريد. ولا يحسن أن يقال: إن الفاء الثانية عاطفة للاختلاف طلبًا وخبرًا، ومعنى: {فأجمعوا أمركم} اعزموا عليه من أجمع الأمر إذا نواه وعزم عليه قاله الفراء. وقال أبو الهيثم: أجمع أمره أي جعله جميعًا بعدما كان متفرقًا وتفرقه أنه يقول مرة أفعل كذا ومرة أفعل كذا، فلما عزم على أمر واحد فقد جمعه أي جعله جميعًا. فهذا هو الأصل في الإجماع ثم صار بمعنى العزم حتى وصل بعلى فقيل: أجمعت على الأمر أي عزمت عليه والفصيح أجمعت الأمر، والمراد بالأمر وجوه مكرهم وكيدهم. وانتصب: {شركاءكم} على المفعول معه أي مع شركائكم. ومن قرأ بالرفع جعله عطفًا على الضمير المتصل، وإنما يحسن ذلك من غير تأكيد بالمنفصل للفصل. والمراد بالشركاء إما من هم على مثل قولهم ودينهم، وإما الأصنام. وحسن إسناد الإجماع إليهم على وجه التهكم كقوله: {قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون} [الأعراف: 195] واعلم أنه عليه السلام قال في أول الأمر: {فعلى الله توكلت} ليدل على أنه واثق بوعد الله جازم بأن تهديدهم إياه بالقتل لا يضره، ثم أورد عليهم ما يدل على صحة دعواه فقال: {فأجمعوا أمركم} كأنه قال: حصلوا كل ما تقدرون عليه من الأسباب المؤدية الى مطلوبكم غير مقتصرين على ذلك بل ضامين إلى أنفسكم شركاءكم الذين تزعمون أن حالكم يقوى بمكانهم. ثم ضم إلى ذلك قيدًا آخر فقال: {ثم لا يكن أمركم عليكم غمة} قال أبو الهيثم: أي مبهمًا من قولهم غم علينا الهلال فهو مغموم أي التبس. وقال الليث: لقي غمة من أمره إذا لم يهتد له. وقال الزجاج: أي ليكن أمركم الذي أجمعتموه ظاهرًا منكشفًا أي تجاهرونني بالإهلاك. ويحتمل أن يراد بهذا الأمر العيش والحال أي أهلكوني لئلا يكون عيشكم بسببي غصة وحالكم عليكم غمة أي غمًا وهمًا والغم والغمة كالكرب والكربة.
ثم زاد قيدًا آخر فقال: {ثم اقضوا إليّ} ذلك الأمر الذي تريدون بي أي أدوا إليّ قطعه واحكموا بصحته وإمضائه. وعن القفال أن فيه تضمينًا والمعنى ألقوا إليّ ما استقر عليه رأيكم محكمًا مفروغًا منه. ثم ختم الكلام بقوله: {ولا تنظرون} أي عجلوا ذلك بأشد ما تقدرون عليه من غير إهمال، ومعلوم أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عمن بلغ في التوكل الغاية القصوى. ثم بين أن كل ما أتى به فإن ذلك فارغ من الطمع الدنيوي والغرض الخسيس فقال: {فإن توليتم} أعرضتم عن نصحي وتذكيري: {فما سألتكم من أجر} فما كان عندي ما ينفركم عني وتتهمونني لأجله من طمع أو غرض عاجل: {إن أجري} ليس أجري: {إلا على الله} أي ما نصحتكم إلا لوجهه ولا يثيبني إلا هو. وفي الآية نكتة كأنه أراد أنه لا يخاف منهم بوجه من الوجوه لا بإيصال الشر وذلك قوله: {فعلى الله توكلت} إلى آخره. ولا بانقطاع الخير منهم وذلك قوله: {فإن توليتم} الآية: {وأمرت أن أكون من المسلمين} أي سواء قبلتم دين الإسلام أو لم تقبلوه فأنا مأمور بأن أكون على دين الإسلام، أو مأمور بالاستسلام لكل ما ألقى من قبل هذه الدعوة: {فكذبوه} بقوا على تكذيبهم إلى آخر المدة المتطاولة: {فنجيناه ومن معه في الفلك} قد ذكرنا في الأعراف الفرق بين هذه العبارة وبين ما هنالك: {وجعلناهم خلائف} يخلفون الهالكين بالطوفان: {فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} تعظيم لشأن إهلاكهم وتحذير لغيرهم وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم: {ثم بعثنا من بعده} من بعد نوح: {رسلًا} كهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب: {فجاؤوهم بالبينات} بالحجج الواضحات والمعجزات الباهرات: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل} الآية وقد مر تفسيرها في أواسط الأعراف إلا أنه زيد هاهنا لفظة {به} فقيل: لتناسب ما قبله وهو: {كذبوا بآياتنا} وكذلك في الأعراف راعى المناسبة لأن ما قبله: {ولكن كذبوا} [الآية: 96]
بغير الباء: {ثم بعثنا من بعدهم} بعد الرسل أو الأمم: {بآياتنا} يعني الآيات التسع: {فاستكبروا} عن قبولها: {وكانوا قومًا مجرمين} كفارًا ذوي آثام ولذلك اجترأوا على رد الآيات. أما قوله: {أسحر هذا} فليس بمقول لقوله: {أتقولون} لأنهم قطعوا في قوله: {إن هذا لسحر مبين} بأنه سحر، وما استفهموا ولكن الوجه فيه أن يقال: إن القول هاهنا بمعنى الطعن والعيب كالذكر في قوله: {سمعنا فتى يذكرهم} [الأنبياء: 60] ومنه قولهم: فلان يخاف القالة أي مطاعن الناس فكأنه قال: أتعيبون الحق وتطعنون فيه؟ ثم أنكر عليهم قولهم فقال: {أسحر هذا} أو يقال: مفعول تقولون محذوف وهو قولهم: {إن هذا لسحر مبين} أو يقال: جملة قوله: {أسحر هذا ولا يفلح الساحرون} حكاية لكلامهم كأنهم قالوا منكرين لما جاءا به أجئتما بالسحر تطلبان به الفلاح ولا يفلح السحرة، لأن حاصل صنيعهم تخييل وتمويه: {قالوا أجئتنا لتلفتنا} التركيب يدل على الالتواء ومنه الفتل والالتفات افتعال من اللفت وهو الصرف واللي: {وتكون لكما الكبرياء في الأرض} أي الملك والعز في أرض مصر.
قال الزجاج: سمى الملك كبرياء لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا. وأيضًا فالنبي صلى الله عليه وسلم إذا اعترف القوم بصدقه صارت مقاليد أمر أمته إليه وصار أكبر القوم. وقيل: لأن الملوك موصوفون بالكبر والحاصل أنهم عللوا عدم قبولهم دعوة موسى بأمرين: التمسك بالتقليد وهو عبادة آبائهم الأصنام، والحرص في طلب الدنيا والجد في بقاء الرياسة. ويجوز أن يقصدوا ذمهما وأنهما إن ملكا أرض مصر تجبرا وتكبرا. ثم صرحوا بالتكذيب قائلين: {وما نحن لكما بمؤمنين} ثم حاولوا المعارضة وقد مرت تلك القصة في الأعراف. أما قوله: {ما جئتم به} فمعناه الذي جئتم به هو السحر لا الذي سماه فرعون وقومه سحرًا من آيات الله. قال الفراء: وإنما قال السحر بالألف واللام لأنه جواب الكلام الذي سبق كأنهم قالوا لموسى ما جئت به سحر. فقال موسى: بل ما جئتم به السحر. فوجب دخول الألف واللام لأن النكرة إذا عادت عادت معرفة. يقول الرجل لغيره: لقيت رجلًا. فيقول له: من الرجل؟ ولو قال: من رجل؟ لم يقع في وهمه أنه يسأل عن الرجل الذي ذكره. ومن قرأ: {آلسحر} بالاستفهام فما استفهامية مبتدأ و: {جئتم به} خبره كأنه قيل أي شيء جئتم به. ثم قال على وجه التوبيخ السحر أي أهو لسحر أو آلسحر جئتم به: {إن الله سيبطله} بإظهار المعجزة عليه: {إن الله لا يصلح عمل المفسدين} لا يؤيده بجميل الخاتمة: {ويحق الله الحق} يثبته: {بكلماته} بمواعيده أو بما سبق من قضائه أو بأوامره: {فما آمن لموسى} أي في أول أمره: {إلا ذريّة من قومه} قال ابن عباس: لفظة الذرية يعبر بها عن القوم على وجه التحقير، ولا ريب أن المراد هاهنا ليس هو الإهانة، فالمراد التصغير بمعنى قلة العدد. وقيل: المراد أولاد من أولاد قومه كأنه دعا الآباء فلم يجيبوه خوفًا من فرعون، وأجابته طائفة من أبنائهم مع الخوف من فرعون أن يصرفهم عن دينهم بتسليط أنواع البلاء عليهم. وقيل: إن الذرية أقوام كان آباؤهم من قوم فرعون وأمهاتهم من بني إسرائيل. وقيل: الذرية مؤمن آل فرعون وآسية امرأته وخازنه وامرأة خازنه وماشطته، فالضمير في: {قومه} على هذا لفرعون وعوده إلى موسى أظهر لأنه أقرب المذكورين، ولما نقل أن الذين آمنوا به كانوا من بني إسرائيل والضمير في: {ملئهم} إما لفرعون على جهة التعظيم لأنه ذو أصحاب يأتمرون له، أو المراد آل فرعون بحذف المضاف، أو للذرية يعني أشراف بني إسرائيل لأنهم كانوا يمنعون أعقابهم خوفًا من فرعون عليهم وعلى أنفسهم يدل على ذلك قوله: {أن يفتنهم} أي يعذبهم فرعون.