فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد جاءوا بعدهم إلى أن جاء الذين اختلفوا على الأنبياء.
وهؤلاء ما صدق ضمير الرفع في قوله: {جاءهم العلم} [آل عمران: 19].
وما جاءهم من العلم يجوز أن يكون ما جاءهم به الأنبياء من شرع الله فلم يعملوا بما جاؤوهم به، وأعظم ذلك تكذيبهم بمحمد عليه الصلاة والسلام.
فعن ابن عباس: هم اليهود الذين كانوا في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كانوا قبل مبعثه مقرين بنبيء يأتي، فلما جاءهم العلم، وهو القرآن اختلفوا في تصديق محمد عليه الصلاة والسلام، قال ابن عباس: هم قريظة والنضير وبنو قينقاع.
ويجوز أن يكون العلم هو القرآن، وعلى هذا الوجه يكون معنى الآية كمعنى قوله: {إنّ الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم} [آل عمران: 19]، وقوله: {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة} [البينة: 4] فإن البينة هي محمد صلى الله عليه وسلم لأن قبل هذا قوله: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلوا صحفًا مطهّرة} [البينة: 1، 2] الآية.
وقال تعالى: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} [البقرة: 89].
وهذا المحمل هو المناسب لحرف (حتى) في قوله تعالى: {فما اختلفوا حتى جاءهم العلم}.
وتعقيبُ: {فما اختلفوا} بالغاية يؤذن بأنّ ما بعد الغاية منتهى حالة الشكر، أي فبقوا في ذلك المُبَوّأ، وفي تلك النعمة، حتى اختلفوا فسلبت نعمتهم فإن الله سلبهم أوطانهم.
وجملة: {إن ربّك يقضي بينهم يوم القيامة} تذييل وتوعد، والمقصود منه: أن أولئك قوم مضَوا بما عملوا وأن أمرهم إلى ربهم كقوله: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم} [البقرة: 134]، وفيه إيماء إلى أن على الحاضرين اليوم أن يفكروا في وسائل الخلاص من الضلال والوقوع في المؤاخذة يوم القيامة.
و(بينَ) ظرفُ مكان للقضاء المأخوذ من فعل (يَقضي) ففعل القضاء كأنه متخلّل بينهم لأنه متعلق بتبيين المحق والمبطل.
وضمير: {بينهم} عائد إلى ما يفهم من قوله: {فما اختلفوا} من وُجود مخالف (بكسر اللام) ومخالَف (بفتحها). اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ}
وكلمة {تبوأ} تعني إقامة مباءة أي: البيوت التي يكون فيها السكن الخاص، وإذا أطلقت كلمة {مبوأ} فهي تعني الإقليم أو الوطن. والوطن أنت تتحرك فيه وكذلك غيرك، أما البيت فهو للإنسان وأسرته كسكن خاص.
أما الثري فقد يكون له جناح خاص في البيت، وقد يخصص الثريُّ في منزله جناحًا لنفسه، وآخر لولده وثالثًا لابنته. أما غالبية الناس فكل أسرة تسكن في شقة قد تتكون من غرفة أو اثتنتين أوثلاثة حسب إمكانات الأسرة. إذن: فيوجد فرق بين تبؤُّء البيوت وتبوء المواطن، فتبؤُّء المواطن هو الوطن.
وسبق أن قال الحق سبحانه لموسى وهارون عليهما السلام: {أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} [يونس: 87].
هذا في التبوء الخاص، أما في التبوء العام فهو يحتاج إلى قدرة الحق تعالى، وهو سبحانه يقول هنا: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بني إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} [يونس: 93].
والحق سبحانه أتاح لهم ذلك في زمن موسى عليه السلام وأتاح لهم السكن في مصر والشام، وهو سبحانه القائل: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1] ٍ.
وما دام الحق سبحانه قد بارك حول فلابد أن فيه خيرًا كثرًا، ولابد أن تكون الأرض التي حوله مُبوَّأ صدق.
وكلمة الصدق تعني جماع الخير والبر؛ ولذلك نجد الرسول صلى الله عليه وسلم حينما سئل: أيكون المؤمن جبانًا؟ قال: «نعم» وحين سئل: أيكون المؤمن بخيلًا؟ قال: «نعم». وحين سئل أيكون المؤمن كذابًا؟ قال: «لا».
ولذلك فأنت تجد في الإسلام عقوبة على الزنا، وعقوبة تقام على السارق، أما الكذب فهو خصلة لا يقربها المسلم؛ لأن عليه أن يكون صادقًا. وكل خصال الخير هي مُبوَّأَ الصدق.
ولذلك نجد قول الحق سبحانه: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} [الإسراء: 80].
وقول الحق سبحانه: {وَبَشِّرِ الذين آمنوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ} [يونس: 2].
وقول الحق سبحانه: {واجعل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين} [الشعراء: 84].
أي: اجعل لي ذكرى حسنة فلا يقال فلان كان كاذبًا، وأما قدم الصدق فهي سوابق الخير التي يسعى إليها؛ ولذلك كان الجزاء على الصدق هو ما يقول عنه الحق سبحانه: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [القمر: 55].
وهو مقعد عند مليك لا يبخل، ولا يجلس في رحابه إلا من يحبه، ولا يضن بخيره على من هم في رحابه.
ومقعد الصدق هو جزاء لمن استجاب له ربه فأدخله مدخل صدق، وأخرجه مخرج صدق، وجعل له لسان صدق، وقدم صدق.
وبعد أن بوَّأ الحق سبحانه بني إسرائيل مُبوَّأ صدق، في مصر والشام، وبعد أن قال لهم: {اهبطوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ} [البقرة: 61].
أي: أن الحق سبحانه حقق قوله: {وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطيبات} [يونس: 93]. وأنجاهم من فرعون، وكان من المفترض أن تستقيم أمورهم. ويقول الحق سبحانه: {فَمَا اختلفوا حتى جَاءَهُمُ العلم} [يونس: 93].
والمقصود بذلك هو معرفتهم بعلامات الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم من ترقب مجيء النبي صلى الله عليه وسلم ليؤمن به، ومنهم من تمادى في الطغيان؛ لذلك قطَّعهم الله سبحانه في الارض أممًا.
وحين ننظر إلى دقة التعبير القرآني نجده يحدد مسألة التقطيع هذه، فهم في كل أمة يمثلون قطعة، أي: أنه سبحانه لم يُذِبْهم في الشعوب. بل لهم في كل بلد ذهبوا إليه مكانٌ خاصٌّ بهم، ولا يذَوبون في غيرهم.
والحق سبحانه يقول: {وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسكنوا الأرض} [الإسراء: 104].
وقد يقول أحد السطحيين: وهل هناك سكن في غير الأرض؟
ونقول: لنا أن نلحظ أن الحق سبحانه لم يحدد لهم في أية بقعة من الأرض يسكنون، فكأن الحق سبحانه قد بيَّن ما أصدره من حكم عليهم بالتقطيع في الأرض أممًا؛ فهو سبحانه القائل: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرض أُمَمًا} [الأعراف: 168].
وإذا كنا نراهم في أيامنا هذه وقد صار لهم وطن، فاعلم أن الحق سبحانه هو القائل: {وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكتاب لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 4].
وقد قال في آخر سورة الإسراء: {وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسكنوا الأرض فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخرة جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} [الإسراء: 104].
والمجيء بهم لفيفًا إنما يعني أن يجمعهم في وطن قومي لتأتي لهم الضربة القاصمة التي ذكرها الحق سبحانه في قوله: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخرة لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ المسجد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا} [الإسراء: 7].
لأننا لن نستطيع أن نحاربهم في كل بلد من البلاد التي قطَّعهم الله فيها، لكنهم حين يجتمعون في مكان واحد، إنما يسهل أن ينزل عليهم قضاء الله.
وحين ننظر إلى رحلتهم نجد أن يثرب كانت المكان الذي اتسع لهم بعد اضطهادات المجتمعات التي دخلوا إليها، وحين اجتمعوا في يثرب صار لهم الجاه؛ لأنهم أهل علم، وأهل اقتصاد، وأهل حرب.
وهم قد اجتمعوا في المدينة؛ لأن المخلصين من أهل الكتاب أخبروهم أن هذه المدينة هي المهجر لنبي ورسول يأتي من العرب في آخر الزمان؛ فمكثوا فيها انتظارًا له، وكانوا يقولون لكفار قريش: لقد أظل زمان يأتي فيه نبي نتبعه، ونقتلكم فيه قَتل عاد وإرم.
وكان من المفروض أن يؤمنوا برسالته صلى الله عليه وسلم، لكنه إن أطل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنور رسالته حتى أنكروه خوفًا على سلطتهم الزمنية.
وهو ما تقول عنه الآية الكريمة التي نحن بصدد خواطرنا عنها: {فَمَا اختلفوا حتى جَاءَهُمُ العلم} [يونس: 93].
أي: أن علمهم بمجيء الرسول صلى الله عليه وسلم هو مصدر اختلافهم، فمنهم من سمعوا إشارات عنه صلى الله عليه وسلم وعرفوا علاماته صلى الله عليه وسلم؛ فآمنوا به، ومنهم من لم يؤمن به.
وهم لم يختلفوا من قبل وكانوا متفقين، وتوعَّدوا المشركين من قريش. وما إن أهلَّ الرسول صلى الله عليه وسلم به الأوس والخزرج أنه رسول من الله تعالى قد ظهر بمكة، فقالت الأوس والخزرج: إنه النبي الذي توعَّدتنا به يهود، فهيا بنا لنذهب ونسبقهم إليه قبل أن يسبقونا، فيقتلونا به.
فكأن اليهود هم الذين تسببوا في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة؛ لأن الأوس والخزرج سبقوهم إليه؛ وهذا لنعلم كيف ينصر الله تعالى دينه بأعدائه.
ولذلك نجد أنهم في اختلافهم «يأتي عبد الله بن سلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن اليهود قوم بُهْتٌ، وإذا أنا آمنت بك يا رسول الله سيقولون فيَّ ما يسيء إليَّ؛ لذلك فقبل أن أعلن إسلامي اسألهم عنِّي.
وكان ابن سلام في ذلك يسلك سلوكًا يتناسب مع كونه يهوديًا، ولما اجتمع معشر اليهود، سألهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ما تقولون في ابن سلام؟ قالوا: حَبْرُنا وشيخنا وهو الورع فينا، وبعد أن أثنوا عليه ثناء عظيمًا، قال ابن سلام: يا رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. وهنا بدأ اليهود يكيلون له السِّباب، فقال ابن سلام: ألم أقُلْ لك يا رسول الله إنهم قوم بُهْت»
إذن: فمعنى قوله سبحانه: {فَمَا اختلفوا حتى جَاءَهُمُ العلم} [يونس: 93].
أي: أن أناسًا منهم بقوا على الباطل، وأناسًا منهم آمنوا بالرسول الحق صلى الله عليه وسلم.
وينهي الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [يونس: 93].
أي: أن الله سبحانه وتعالى سوف يقضي بن ما جاءوا في صف الإيمان، وبين مَنْ بَقَوْا على اليهودية المتعصبة ضد الإيمان.
ونحن نلحظ أن كلمة: {بَيْنَهُمْ} توضح أن الضمير عام، لهؤلاء ولأولئك.
ونقول: إن الحق سبحانه وتعالى يقضي يوم القيامة بين المؤمنين والكافرين، ويقضي أيضًا بين الكفارين، فمنهم من كان ظالمًا لكافر، ومنه من كان مختلسًا أو مرتشيًا، ومنهم من عمل على غير مقتضى دينه؛ لذلك يقضي الله سبحانه بينهم.
والآية تفيد العموم في القضاء ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا بين كل مؤمن وكافر، وبين كل تائب وعاصٍ. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}
أخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن قتادة رضي الله عنه في وقه: {ولقد بوّأنا بني إسرائيل مبوّأ صدق} قال: بوّأهم الله الشام وبيت المقدس.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في وقوله: {مبوّأ صدق} قال: منازل صدق، مصر والشام.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {فما اختلفوا حتى جاءهم العلم} قال: العلم كتاب الله الذي أنزله، وأمره الذي أمرهم به. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} وقوله تعالى: {مُبَوَّأَ صِدْقٍ}: يجوز أن يكونَ منصوبًا على المصدر تقديرُه: بَوَّأناهم مُبَوَّأ صِدْقٍ، وأن يكونَ مكانًا أي: مكان تبوُّء صدق. وقرئ: {لمَنْ خَلَفَك} بفتح اللام جعله فعلًا ماضيًا، والمعنى: لمَنْ خَلَفَك من الجبابرة ليتَّعِظوا بذلك. وقرئ: {لمَنْ خَلَقَك} بالقاف فعلًا ماضيًا وهو الله تعالى أي: ليجعلك الله آيةً في عباده. ويجوز أن ينتصب {مُبَّوَّأ} على أنه مفعولٌ ثانٍ كقولِه تعالى: {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الجنة غُرَفًا} أي: لنُنْزِلَنَّهُمْ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {ولقد بوأنا بنى إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} وفى سورة الجاثية: {ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} للسائل أن يسأل عن وجه الاختلاف الوارد في هاتين السورتين وزيادة ما في الوارد في سورة الجاثية من الألفاظ مع اتحاد المعنى المفصود في الموضعين من منحهم واختلافهم؟
والجواب عن ذلك والله أعلم: أن آية يونس تقدم قبلها دعاء موسى عليه السلام على فرعون وملئه بقوله: {ربنا إنك أتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا...} الآية فأجاب سبحانه دعاء نبيه وطمس على أموال آل فرعون وملئه وأغرقه وآله ونجى بنى إسرائيل من الغرق وقطع دابر عدوهم وأورث بنى إسرائيل أرضهم وديارهم يتبوؤن منها حيث شاؤوا فقال سبحانه معرفا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم: {ولقد بوأنا بنى إسرائيل مبوأ صدق} أي مكناهم ومهدنا لهم أمرهم بإهلاك عدوهم وبما أورثناهم بعد ضعفهم من مشارق الأرض ومغاربها فبعد تمكن أمرهم واستحكام حالهم واستقرار أمر دينهم بما شاهدوه من الآيات وعظيم البراهين المعقبة لمن شاهدها اليقين اختلفوا جريا على ما سبق لهم ولغيرهم ممن أشار إليه قوله تعالى في أول هذه السورة: {وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا} ويناسب هذا كله تناسبا لا توقف في وضوحه ولم يتقدم في السورة ما يستدعى من حالهم أكثر من هذا.