فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

{فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك}
الشك في موضع اللغة خلاف اليقين والشك اعتدال النقيضين عند الإنسان لوجود أمارتين أو لعدم الأمارة والشك ضرب من الجهل وهو أخص منه فكل شك جهل وليس كل جهل شكًا فإذا قيل فلان شك في هذا الأمر فمعناه توقف فيه حتى يتبين له فيه الصواب أو خلافه وظاهر هذا الخطاب في قوله فإن كنت في شك أنه للنبي صلى الله عليه وسلم والمعنى فإن كنت يا محمد في شك مما أنزلنا إليك يعني من حقيقة ما أخبرناك به وأنزلناه يعني القرآن: {فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك} يعني علماء أهل الكتاب يخبرونك أنك مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل وأنك نبي يعرفونك بصفتك عندهم وقد توجه هاهنا سؤال واعتراض وهو أن يقال هل شك النبي صلى الله عليه وسلم فيما أنزل عليه أو في نبوته حتى يسأل أهل الكتاب عن ذلك وإذا كان شاكًا في نبوة نفسه كان غيره أولى بالشك منه.
قلت: الجواب عن هذا السؤال والاعتراض ما قاله القاضي عياض في كتابه الشفاء فإنه أورد هذا السؤال، ثم قال: احذر ثبت الله قلبك أن يخطر ببالك ما ذكره فيه بعض المفسرين عن ابن عباس أو غيره من إثبات شك النبي صلى الله عليه وسلم فيما أوحي إليه فإنه من البشر فمثل هذا لا يجوز عليه صلى الله عليه وسلم جملة بل قال ابن عباس: لم يشك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسأل.
ونحوه عن سعيد بن جبير والحسن البصري.
وحكي عن قتادة أنه قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما أشك ولا أسأل» وعامة المفسرين على هذا، ثم كلام القاضي عياض رحمه الله ثم اختلفوا في معنى الآية ومن المخاطب بهذا الخطاب على قولين أحدهما أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في الظاهر والمراد به غيره فهو كقوله لئن أشركت ليحبطن عملك ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرك فثبت أن المراد به غيره ومن أمثلة العرب:
إياك أعني واسمعي يا جارة.
فعلى هذا يكون معنى الآية قل يا محمد، يا أيها الإنسان الشاك إن كنت في شك مما أنزلنا إليك على لسان رسولنا صلى الله عليه وسلم {فاسأل الذين يقرؤون الكتاب} يخبروك بصحته ويدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى في آخر هذه السورة: {قل يا أيها الناس إن كنتم في شك في ديني} الآية فبين أن المذكور في هذه الآية على سبيل الرمز وهو المذكور في تلك الآية على سبيل التصريح وأيضًا لو كان النبي صلى الله عليه وسلم شاكًا في بنوته لكان غيره أولى بالشك في نبوته وهذا يوجب سقوط الشريعة بالكلية معاذ الله من ذلك وقيل إن الله سبحانه وتعالى علم أن النبي لم يشك قط فيكون المراد بهذا التهييج فإنه صلى الله عليه وسلم إذا سمع هذا الكلام يقول لا أشك يا رب ولا أسأل أهل الكتاب بل أكتفي بما أنزلته علي من الدلائل الظاهرة وقال الزجاج: إن الله خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله فإن كنت في شك وهو شامل للخلق فهو كقوله: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} وهذا وجه حسن لكن فيه بعد وهو أن يقال متى كان الرسول صلى الله عليه وسلم داخلًا في هذا الخطاب كان الاعتراض موجودًا والسؤال واردًا، وقيل: إن لفظة إن في قوله: {فإن كنت في شك} للنفي ومعناه وما أنت في شك مما أنزلنا إليك حتى تسأل فلا تسأل ولئن سألت لازددت يقينًا.
والقول الثاني: إن هذا الخطاب ليس هو للنبي صلى الله عليه وسلم البتة ووجه هذا القول إن الناس كانوا في زمنه على ثلاث فرق فرقة له مصدقون وبه مؤمنون وفرقة على الضد من ذلك والفرقة الثالثة المتوقفون في أمره الشاكون فيه فخاطبهم الله بهذا الخطاب، فقال تمجد وتعالى: فإن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فاسأل أهل الكتاب ليلوك على صحة نبوته وإنما وحد الله الضمير في قوله: {فإن كنت} وهو يريد الجمع لأنه خطاب لجنس الإنسان كما في قوله تعالى: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم} لم يرد في الآية إنسانًا بعينه بل أراد الجمع واختلفوا في المسؤول عنه في قوله تعالى: {فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك} من هم فقال المحققون من أهل التفسير: هم الذين آمنوا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه لأنهم هم الموثوق بأخبارهم.
وقيل: المراد كل أهل الكتاب سواء مؤمنهم وكافرهم لأن المقصود من هذا السؤال الإخبار بصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو أنه مكتوب عندهم صفته ونعته فإذا أخبروا بذلك فقد حصل المقصود والأول أصح.
وقال الضحاك يعني أهل التقوى وأهل الإيمان من أهل الكتاب ممن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم: {لقد جاءك الحق من ربك} هذا كلام مبتدأ منقطع عما قبله وفيه معنى القسم تقديره أسقم لقد جاءك الحق اليقين من الخير بأنك رسول الله حقًا وأن أهل الكتاب يعلمون صحة ذلك: {فلا تكونن من الممترين} يعني من الشاكين في صحة ما أنزلنا إليك: {ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله} يعني بدلائله وبراهينه الواضحة: {فتكون من الخاسرين} يعني الذين خسروا أنفسهم.
واعلم أن هذا كله على ما تقدم من أن ظاهره خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره ممن عنده شك وارتياب فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشك ولم يرتب ولم يكذب بآيات الله فثبت بهذا أن المراد به غيره والله أعلم.
قوله سبحانه وتعالى: {إن الذين حقت عليهم} يعني وجبت عليهم: {كلمة ربك} يعني حكم ربك وهو قوله سبحانه وتعالى: «وخلقت هؤلاء للنار ولا أبالي» وقال قتادة: سخط ربك وقيل لعنة ربك وقيل هو ما قدره عليهم وقضاه في الأزل: {لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية} فإنهم لا يؤمنون بها: {حتى يروا العذاب الأليم} فحينئذ لا ينفعهم شيء. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}
الظاهر أنّ إنْ شرطية.
وروي عن الحسن والحسين بن الفضل أنّ إنْ نافية.
قال الزمخشري: أي مما كنت في شك فسئل، يعني: لا نأمرك بالسؤال لأنك شاك، ولكن لتزداد يقينًا كما ازداد إبراهيم عليه السلام بمعاينة إحياء الموتى انتهى.
وإذا كانت إن شرطية فذكروا أنها تدخل على الممكن وجوده، أو المحقق وجوده، المنبهم زمان وقوعه، كقوله تعالى: {أفإن مت فهم الخالدون} والذي أقوله: إنّ إنْ الشرطية تقتضي تعليق شيء على شيء، ولا تستلزم تحتم وقوعه ولا إمكانه، بل قد يكون ذلك في المستحيل عقلًا كقوله تعالى: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} ومستحيل أن يكون له ولد، فكذلك هذا مستحيل أن يكون في شك، وفي المستحيل عادة كقوله تعالى: {فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض أو سلمًا في السماء فتأتيهم بآية} أي فافعل.
لكنّ وقوع إن للتعليق على المستحيل قليل، وهذه الآية من ذلك.
ولما خفي هذا الوجه على أكثر الناس اختلفوا في تخريج هذه الآية، فقال ابن عطية: الصواب أنها مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد بها سواه من كل من يمكن أن يشك أو يعارض انتهى.
ولذلك جاء: {قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني} وقال قوم: الكلام بمنزلة قولك: إن كنت ابني فبرني، وليس هذا المثال بجيد، وإنما مثال هذه قوله تعالى لعيسى عليه السلام: {أأنت قلت للناس} انتهى.
وهذا القول مروي عن الفراء.
قال الكرماني: واختاره جماعة، وضعف بأنه يُصير تقدير الآية: أأنت في شك؟ إذ ليس في الآية ما يدل على نفي الشك.
وقيل: كنى هنا بالشك عن الضيق أي: فإن كنت في ضيق من اختلافهم فيما أنزل إليك وتعنتهم عليك.
وقيل: كنى بالشاك عن العجب أي: فإن كنت في تعجب من عناد فرعون.
ومناسبة المجاز أنّ التعجب فيه تردد، كما أن الشك تردد بين أمرين.
وقال الكسائي: معناه إن كنت في شك أنّ هذا عادتهم مع الأنبياء فسلهم كيف كان صبر موسى عليه السلام حين اختلفوا عليه؟ وقال الزمخشري: فإن كنت في شك بمعنى العرض والتمثيل، كأنه قيل: فإن وقع لك شك مثلًا وخيل لك الشيطان خيالًا منه تقديرًا فسئل الذين يقرؤون الكتاب، والمعنى: أن الله تعالى قدم ذكر بني إسرائيل وهم قرأة الكتاب، ووصفهم بأن العلم قد جاءهم، لأنّ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فأراد أن يؤكد عليهم بصحة القرآن وصحة نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، ويبالغ في ذلك فقال تعالى: فإن وقع لك شك فرضًا وتقديرًا وسبيل من خالجته شبهة في الدين أن يسارع إلى حلها وإماطتها، إما بالرجوع إلى قوانين الدين وأدلته، وإما بمقادحة العلماء المنبهين على الحق انتهى.
وقيل أقوال غير هذه، وقرأ يحيى وابراهيم: يقرؤون الكتب على الجمع.
والحق هنا: الإسلام، أو القرآن، أو النبوة، أو الآيات، والبراهين القاطعة، أقوال: فاثبت ودم على ما أنت فيه من انتفاء المرية والتكذيب، والخطاب للسامع غير الرسول.
وكثيرًا ما يأتي الخطاب في ظاهره لشخص، والمراد غيره، وروي أنه عليه السلام قال: «لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنه الحق» وعن ابن عباس: والله ما شك طرفة عين، ولا سأل أحدًا منهم. والامتراء التوقف في الشيء والشك فيه، وأمره أسهل من أمر المكذب فبدئ به أولًا. فنهى عنه، واتبع بذكر المكذب ونهى أن يكون منهم.
{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)}
ذكر تعالى عبادًا قضى عليهم بالشقاوة فلا تتغير، والكلمة التي حقت عليهم قال قتادة: هي اللعنة والغضب.
وقيل: وعيده أنهم يصيرون إلى العذاب. وقال الزمخشري: قول الله تعالى الذي كتب في اللوح وأخبر به الملائكة أنهم يموتون كفارًا فلا يكون غيره، وتلك كتابة معلوم لا كتابة مقدر ومراد الله تعالى عن ذلك انتهى. وكلامه أخيرًا على طريقة الاعتزال. وقال أبو عبد الله الرازي: المراد من هذه الكلمة كلم الله بذلك، وإخباره عنه، وخلقه في العبد مجموع القدرة، والداعية وهو موجب لحصول ذلك الأمر.
وقال ابن عطية: المعنى أنّ الله أوجب لهم سخطه من الأزل وخلقهم لعذابه، فلا يؤمنون ولو جاءهم كل بيان وكل وضوح إلا في الوقت الذي لا ينفعهم فيه الإيمان، كما صنع فرعون وأشباهه، وذلك وقت المعاينة.
وفي ضمن الألفاظ التحذير من هذه الحال، وبعث كل على المبادرة إلى الإيمان والفرار من سخط الله.
ويجوز أن يكون العذاب الأليم عند تقطع أسبابهم يوم القيامة، وتقدم الخلاف في قراءة كلمة بالإفراد وبالجمع. اهـ.

.قال النسفي:

{فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ} لما قدم ذكر بني إسرائيل- وهم قراء الكتاب- ووصفهم بأن العلم قد جاءهم لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوب في التوراة والإنجيل وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، أراد أن يؤكد علمهم بصحة القرآن وبصحة نبوته صلى الله عليه وسلم ويبالغ في ذلك فقال: فإن وقع لك شك فرضًا وتقديرًا، وسبيل من خالجته شبهة أن يسارع إلى حلها بالرجوع إلى قوانين الدين وأدلته أو بمباحثة العلماء فسل علماء أهل الكتاب فإنهم من الإحاطة بصحة ما أنزل إليك بحيث يصلحون لمراجعة مثلك فضلًا عن غيرك. فالمراد وصف الأحبار بالرسوخ في العلم بصحة ما أنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشك فيه ثم قال: {لَقَدْ جَاءكَ الحق مِن رَّبّكَ} أي ثبت عندك بالآيات الواضحة والبراهين اللائحة أن ما أتاك هو الحق الذي لا مجال فيه للشك: {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} الشاكين ولا وقف عليه للعطف.
{وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الذين كَذَّبُواْ بآيات الله فَتَكُونَ مِنَ الخاسرين} أي فاثبت ودم على ما أنت عليه من انتفاء المرية عنك والتكذيب بآيات الله أو هو على طريقة التهييج والإلهاب كقوله: {فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيرًا للكافرين} [القصص: 86]: {وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ ءايات الله بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ} [القصص: 87] ولزيادة التثبيت والعصمة ولذلك قال عليه السلام عند نزوله: {لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنه الحق} أوخوطب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد أمته أي وإن كنتم في شك مما أنزلنا إليكم كقوله: {وأنزلنا إليكم نورًا مبينا} [النساء: 174] أو الخطاب لكل سامع يجوز عليه الشك كقول العرب «إذا عز أخوك فهن» أو «إن» للنفي أي فما كنت في شك فاسأل أي لا نأمرك بالسؤال لأنك شاك ولكن لتزداد يقينا كما ازداد إبراهيم عليه السلام بمعاينة إحياء الموتى.
فإن قلت: إنما يجيء «إن» للنفي إذا كان بعده «إلا» كقوله: {إِنِ الكافرون إِلاَّ في غُرُورٍ} [الملك: 20] قلت: ذاك غير لازم ألا ترى إلى قوله: {إن أمسكهما من أحد من بعده} [فاطر: 41] فإن للنفي وليس بعده «إلا».
{إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبّكَ} ثبت عليهم قول الله الذي كتبه في اللوح وأخبر به الملائكة أنهم يموتون كفارًا أو قوله: {لأملأن جهنم} الآية ولا وقف على: {لاَ يُؤْمِنُونَ} لأن {وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ ءايَةٍ} تتعلق بما قبلها: {حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم} أي عند اليأس فيؤمنون ولا ينفعهم، أو عند القيامة ولا يقبل منهم. اهـ.