فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومفهومٌ من معنى الآية نفي إيمان أهل القرى ثم استثنى قوم يونس؛ فهو بحسب اللفظ استثناء منقطع، وهو بحسب المعنى متصل؛ لأن تقديره ما آمن أهل قرية إلا قوم يونس.
والنصب في قوم هو الوجه، وكذلك أدخله سيبويه في (باب ما لا يكون إلاّ منصوبًا).
قال النحاس: {إلا قوم يونس} نصب لأنه استثناء ليس من الأوّل، أي لكن قوم يونس؛ هذا قول الكسائي والأخفش والفراء. ويجوز {إلا قومُ يونس} بالرفع، ومن أحسن ما قيل في الرفع ما قاله أبو إسحاق الزجاج قال: يكون المعنى غيرُ قومِ يونس، فلما جاء بإلاّ أعرب الاسم الذي بعدها بإعراب غير كما قال:
وكلُّ أخٍ مفارِقه أخوه ** لَعَمْرُ أبِيك إلا الفَرْقدانِ

وروي في قصة قوم يونس عن جماعة من المفسرين: أن قوم يونس كانوا بِنينَوى من أرض المَوصل وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله إليهم يونس عليه السلام يدعوهم إلى الإسلام وترك ما هم عليه فأبَوْا؛ فقيل: إنه أقام يدعوهم تسع سنين فيئس من إيمانهم؛ فقيل له: أخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاثٍ ففعل، وقالوا: هو رجل لا يكذب فارقبوه فإن أقام معكم وبين أظهركم فلا عليكم، وإن ارتحل عنكم فهو نزول العذاب لا شك؛ فلما كان الليل تزوّد يونس وخرج عنهم فأصبحوا فلم يجدوه فتابوا ودعوا الله ولبسوا المُسوح وفرّقوا بين الأُمهات والأولاد من الناس والبهائم، وردّوا المظالم في تلك الحالة.
وقال ابن مسعود: وكان الرجل يأتي الحجر قد وضع عليه أساس بنيانه فيقتلعه فيردّه؛ والعذاب منهم فيما روي عن ابن عباس على ثلثي مِيل.
ورُوي على ميل.
وعن ابن عباس أنهم غشيتهم ظُلّة وفيها حمرة فلم تزل تدنو حتى وجدوا حرّها بين أكتافهم.
وقال ابن جبير: غشيهم العذاب كما يغشي الثوب القبر، فلما صحت توبتهم رفع الله عنهم العذاب.
وقال الطبري: خص قوم يونس من بين سائر الأُمم بأن تيب عليهم بعد معاينة العذاب؛ وذكر ذلك عن جماعة من المفسرين.
وقال الزجاج: إنهم لم يقع بهم العذاب، وإنما رأُوا العلامة التي تدلّ على العذاب، ولو رأُوا عين العذاب لما نفعهم الإيمان.
قلت: قول الزجاج حسن: فإن المعاينة التي لا تنفع التوبة معها هي التلبس بالعذاب كقصة فرعون، ولهذا جاء بقصة قوم يونس على أثر قصة فرعون لأنه آمن حين رأى العذاب فلم ينفعه ذلك، وقوم يونس تابوا قبل ذلك.
ويَعْضُد هذا قوله عليه السلام: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» والغرغرة الحشرجة، وذلك هو حال التلبس بالموت، وأما قبل ذلك فلا. والله أعلم.
وقد روى معنى ما قلناه عن ابن مسعود، أن يونس لما وعدهم العذاب إلى ثلاثة أيام خرج عنهم فأصبحوا فلم يجدوه فتابوا وفرقوا بين الأُمهات والأولاد؛ وهذا يدلّ على أن توبتهم قبل رؤية علامة العذاب. وسيأتي مسندًا مبيّنًا في سورة والصافات إن شاء الله تعالى. ويكون معنى: {كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخزي} أي العذاب الذي وعدهم به يونس أنه ينزل بهم، لا أنهم رأُوه عِيانا ولا مخايلة؛ وعلى هذا لا إشكال ولا تعارض ولا خصوص، والله أعلم.
وبالجملة فكان أهل نينوى في سابق العلم من السعداء. ورُوي عن عليّ رضي الله عنه أنه قال: إن الحذر لا يردّ القدر، وإن الدعاء ليرد القدر. وذلك أن الله تعالى يقول: {إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخزي فِي الحياة الدنيا}. قال علي رضي الله عنه: وذلك يوم عاشوراء.
قوله تعالى: {وَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ} قيل: إلى أجلهم؛ قاله السُّدّي وقيل: إلى أن يصيروا إلى الجنة أو إلى النار، قاله ابن عباس. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {فلولا} يعني فهلا: {كانت قرية} وقيل معناه فما كانت قرية وقيل لم تكن قرية لأن في الاستفهام معنى الحجة والمراد هل كانت قرية: {آمنت} يعني عند معاينة العذاب: {فنفعها إيمانها} يعني في حال اليأس: {إلا قوم يونس} هذا استثناء منقطع يعني لكن قوم يونس فإنهم آمنوا فنفعهم إيمانهم في ذلك الوقت وهو قوله: {لما آمنوا} يعني لما أخلصوا الإيمان. يعني إلى وقت انقضاء آجالهم واختلفوا في قوم يونس هل رأوا العذاب عيانًا أم لا فقال بعضهم رأوا دليل العذاب فآمنوا؛ وقال الأكثرون إنهم رأوا العذاب عيانًا بدليل قوله كشفنا عنهم عذاب الخزي والكشف لا يكون إلا بعد الوقوع أو إذا قرب وقوعه.
ذكر القصة في ذلك:
على ما ذكره عبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير ووهب وغيرهم قالوا: إن قوم يونس كانوا بقرية نينوى من أرض الموصل وكانوا أهل كفر وشرك فأرسل الله سبحانه وتعالى إليهم يونس عليه السلام يدعوهم إلى الإيمان بالله وترك عبادة الأصنام فدعاهم فأبوا عليه فقيل له أخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث فأخبرهم بذلك فقالوا إنا لم نجرب عليه كذبًا قط فانظروا فإن بات فيكم الليلة فليس بشيء وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم فلما كلان جوف الليل خرج يونس من بين أظهرهم فلما أصبحوا تغشاهم العذاب فكان فوق رؤوسهم.
قال ابن عباس: إن العذاب كان أهبط على قوم يونس حتى لم يكن بينهم وبينه إلا قدر ثلثي ميل فلما دعوا كشف الله عنهم ذلك.
وقال مقاتل: قدر ميل، وقال سعيد بن جبير: غشي قوم يونس العذاب كما يغشى الثوب القبر، وقال وهب: غامت السماء غيمًا أسود هائلًا يدخن دخانًا شديدًا فهبط حتى غشي مدينتهم واسودت أسطحتهم فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك فطلبوا نبيهم يونس عليه السلام فلم يجدوه فقذف الله سبحانه وتعالى في قلوبهم فخرجوا إلى الصحراء بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم فلبسوا المسموح وأظهروا الإسلام والتوبة وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والدواب فحن البعض إلى البعض فحن الأولاد إلى الأمهات والأمهات إلى الأولاد وعلت الأصوات وعجوا جميعًا إلى الله وتضرعوا إليه وقالوا آمنا بما جاء به يونس وتابوا إلى الله وأخلصوا النية فرحمهم ربهم فاستجاب دعاءهم وكشف عنهم ما نزل بهم من العذاب بعد ما أظلهم وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء وكان يوم الجمعة.
قال ابن مسعود: بلغ من توبتهم أن ترادوا المظالم فيما بينهم حتى أن كان الرجل ليأتي إلى الجر وقد وضع أساس بنيانه عليه فيقلعه فيرده. وروى الطبري بسنده عن أبي الجلد خيلان قال: لما غشي قوم يونس العذاب مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا له إنه قد نزل بنا العذاب فما ترى قال قالوا يا حي حين لا حي ويا حي محيي الموتى ويا حي لا إله إلا أنت فقالوها فكشف الله عنهم العذاب ومتعوا إلى حين.
وقال الفضيل بن عياض: إنهم قالوا اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلت وأنت أعظم وأجل فافعل بنا ما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله، قال: وخرج يونس وجعل ينتظر العذاب فلم ير شيئًا فقيل له ارجع إلى قومك قال وكيف أرجع إليهم فيجدوني كذابًا وكان من كذب ولا بينة له قال فانصرف عنهم مغاضبًا فالتقمه الحوت وستأتي القصة في سورة والصافات إن شاء الله تعالى فإن قلت كيف كشف العذاب عن قوم يونس بعد ما نزل بهم وقبل توبتهم ولم يكشف العذاب عن فرعون حين آمن ولم يقبل توبته.
قلت: أجاب العلماء عن هذا بأجوبة:
أحدهما: أن ذلك كان خاصًا بقوم يونس والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
الجواب الثاني: أن فرعون ما آمن إلا بعد ما باشر العذاب وهو وقت اليأس من الحياة وقوم يونس دننا منم العذاب ولم ينزل بهم ولم يباشرهم فكانوا كالمريض يخاف الموت ويرجو العافية.
الجواب الثالث: أن الله علم صدق نياتهم في التوبة فقبل توبتهم بخلاف فرعون فإنه ما صدق في إيمانهم ولا أخلص فلم يقبل منه إيمانه والله أعلم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ}
لولا هنا هي التحضيضية التي صحبها التوبيخ، وكثيرًا ما جاءت في القرآن للتحضيض، فهي بمعنى هلا.
وقرأ أبي وعبد الله فهلا، وكذا هو في مصحفيهما، والتحضيض أن يريد الإنسان فعل الشيء الذي يحض عليه، وإذا كانت للتوبيخ فلا يريد المتكلم الحض على ذلك الشيء، كقول الشاعر:
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ** بني ضوطري لولا الكمى المقنعا

لم يقصد حضهم على عقر الكمى المقنع، وهنا وبخهم على ترك الإيمان النافع.
والمعنى: فهلا آمن أهل القرية وهم على مهل لم يلتبس العذاب بهم، فيكون الإيمان نافعًا لهم في هذه الحال.
وقوم منصوب على الاستثناء المنقطع، وهو قول سيبويه والكسائي والفراء والأخفش، إذ ليسوا مندرجين تحت لفظ قرية.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون متصلًا، والجملة في معنى النفي كأنه قيل: ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس.
وقال ابن عطية: هو بحسب اللفظ استثناء منقطع، وكذلك رسمه النحويون، وهو بحسب المعنى متصل، لأنّ تقديره ما آمن أهل قرية إلا قوم يونس، والنصب هو الوجه، ولذلك أدخله سيبويه في باب ما لا يكون فيه إلا النصب، وذلك مع انقطاع الاستثناء.
وقالت فرقة: يجوز فيه الرفع، وهذا مع اتصال الاستثناء.
وقال المهدوي: والرفع على البدل من قرية، وقال الزمخشري: وقرئ بالرفع على البدل عن الحرمي والكسائي، وتقدم الخلاف في قراءة يونس بضم النون وكسرها، وذكر جواز فتحها.
وقوم يونس: هم أهل نينوي من بلاد الموصل، كانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله إليهم يونس فأقاموا على تكذيبه سبع سنين، وتوعدهم العذاب بعد ثلاثة أيام.
وقيل: بعد أربعين يومًا.
وذكر المفسرون قصة قوم يونس وتفاصيل فيها، وفي كيفية عذابهم الله أعلم بصحة ذلك، ويوقف على ذلك في كتبهم.
وقال الطبري: وذكره عن جماعة أن قوم يونس خصوا من بين الأمم بأن ينب عليهم بعد معاينة العذاب.
وقال الزجاج: هؤلاء دنا منهم العذاب ولم يباشرهم كما باشر فرعون، فكانوا كالمريض الذي يخاف الموت ويرجو العافية، فأما الذي يباشره العذاب فلا توبة له.
وقال ابن الأنباري: علم منهم صدق النيات بخلاف من تقدمهم من الهالكين.
قال السدي: إلى حين، إلى وقت انقضاء آجالهم.
وقيل: إلى يوم القيامة، وروي عن ابن عباس.
ولعله لا يصح، فعلى هذا يكونون باقين أحياء، وسترهم الله عن الناس. اهـ.

.قال الثعالبي:

وقوله سبحانه: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ...} الآية وفي مصحف أُبيٍّ وابنِ مسعودٍ: «فَهَلاَّ»، والمعنى فيهما واحدٌ، وأصل «لولا» التحضيضُ، أو الدلالةُ علَى مَنْعِ أَمرٍ لوجودِ غيرِهِ، ومعنى الآية: فَهَلاَّ آمَنَ أهْلُ قريةٍ، وهم على مَهَلٍ لم يتلبَّس العذابُ بهم، فيكون الإِيمان نافعًا لهم في هذا الحال، ثم استثنى قومَ يُونُسَ، فهو بحَسَب اللفظ استثناء منقطعٌ، وهو بحسب المعنَى متَّصلٌ لأن تقديره: ما آمن أهْلُ قريةٍ إِلا قَوْمَ يُونُسَ، وروي في قصَّة قوم يونُسَ: أن القوم لَمَّا كَفَروا، أي: تمادَوْا على كفرهم، أوحَى اللَّه تعالى إِليه؛ أَنْ أَنذِرْهم بالعذاب لثالثة، فَفَعَلَ، فقالوا: هو رَجُلٌ لا يَكْذِب، فارقبوه فَإِن أَقام بَيْنَ أَظْهُرِكم، فلا عليكم، وإِن ارتحل عنكم، فهو نزولُ العَذَابِ لا شَكَّ فيه، فلَمَّا كان الليلُ، تزوَّد يُونُسُ، وخَرَجَ عنهم، فأصبحوا فَلَمْ يجدُوهُ، فتابوا ودَعُوا اللَّه، وآمنُوا، ولَبِسُوا المُسُوحَ، وفَرَّقوا بين الأُمَّهات والأولادِ من النَّاسِ والبهائمِ، وكان العذَابُ فيما رُوِيَ عن ابن عباس: علَى ثُلُثَيْ مِيلٍ منهم، وروي: على مِيلٍ، وقال ابن جبير: غشيهمُ العذابُ؛ كما يَغْشَى الثوبُ القَبْرَ، فرفَع اللَّه عنهم العذابَ، فلمَا مضَتِ الثالثة، وعَلِمَ يونُسُ أن العذاب لم يَنْزِلْ بهم، قال: كَيْفَ أنصَرِفُ، وقد وجَدُوني في كَذِبٍ، فذهب مغاضبًا؛ كما ذكر اللَّه سبحانه في غير هذه الآية، وذهب الطبريُّ إِلى أَنَّ قوم يونُسَ خُصُّوا من بين الأُمَمِ بِأَنْ تِيبَ عليهم مِنْ بَعْد معاينة العذاب، وذكر ذلك عن جماعة من المفسِّرين، وليس كذلك، والمعاينةُ التي لا تَنْفَعُ التوبةُ معها هي تلبُّس العذاب أو الموتِ بشَخْصِ الإِنسانِ، كقصَّة فرعون، وأمَّا قوم يونس فلم يَصِلُوا هذا الحَدِّ.
* ت *: وما قاله الطبريُّ عندي أبْيَنُ،: {وَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ}: يريد: إِلى آجالهم المقدَّرة في الأزل، وروي أن قوم يونس كانوا ب«نِينَوَى» من أرض المَوْصِلِ. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَلَوْلاَ كَانَتْ} كلامٌ مستأنفٌ لتقرير ما سبق من استحالة إيمانِ من حقت عليهم كلمتُه تعالى لسوءِ اختيارِهم مع تمكنهم من التدارك فيكونُ الاستثناءُ الآتي بيانًا لكون قومِ يونسَ عليه السلام ممن لم يحِقَّ عليه الكلمةُ لاهتدائهم إلى التدارك في وقته ولولا بمعنى هلاّ وقرئ كذلك أي فهلاّ كانت: {قَرْيَةٌ} من القرى المهلَكة: {ءامَنتْ} قبل معاينةِ العذابِ ولم تؤخِّرْ إيمانَها إلى حين معاينتِه كما فعل فرعونُ وقومُه: {فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} بأن يقبَله الله تعالى منها ويكشِفَ بسببه العذابَ عنها: {إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ} استثناءٌ منقطعٌ أي لكن قومُ يونسَ: {لَمَّا ءامَنُواْ} أولَ ما رأوا أمارةَ العذابِ ولم يؤخِّروا إلى حلوله: {كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخزى في الحياة الدنيا} بعد ما أظلهم وكاد يحِلّ بهم ويجوز أن تكونَ الجملةُ في معنى النفي كما يُفصح عنه حرفُ التحضيض فيكون الاستئناءُ متصلًا إذِ المرادُ بالقرى أهاليها كأنه قيل: ما آمنت طائفةٌ من الأمم الماضيِة فينفعهم إيمانُهم إلا قومَ يونَس عليه السلام فيكون قوله تعالى: {لَمَّا ءامَنُواْ} استئنافًا لبيان نفعِ إيمانِهم ويؤيده قراءةُ الرفعِ على البدلية: {وَمَتَّعْنَاهُمْ} بمتاع الدنيا بعد كشفِ العذاب عنهم: {إلى حِينٍ} مقدرٍ لهم في علم الله سبحانه. رُوي أن يونسَ عليه السلام بُعث إلى نينوى من أرض الموْصِل فكذبوه فذهب عنهم مغاضبًا فلما فقَدوه خافوا نزولَ العذاب فلبِسوا المُسوحَ وعجّوا أربعين ليلةً وقيل: قال لهم يونسُ عليه السلام: أجلُكم أربعون ليلةً فقالوا: إن رأينا أسبابَ الهلاك آمنّا بك فلما مضَتْ خمسٌ وثلاثون أغامت السماء غيمًا أسودَ هائلًا يدخّن دُخانًا شديدًا ثم يهبِط حتى يغشى مدينتَهم ويسودّ سطوحُهم فلبِسوا المسوحَ وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائِهم وصِبيانهم وداوبّهم وفرقوا بين النساء والصبيان والدواب وأولادِها فحنّ بعضُها إلى بعض وعلت الأصواتُ والعجيجُ وأظهروا الإيمانَ والتوبةَ وتضرَّعوا إلى الله تعالى فرحمهم وكشف عنهم وكان ذلك يومَ عاشوراءَ يومَ الجمعة. وعن ابن مسعود رضي الله عنه بلغ من توبتهم أن ترادّوا المظالمَ حتى إن الرجل كان يقتلع الحجرَ وقد وضع عليه أساسَ بنائه فيرده إلى صاحبه وقيل: خرجوا إلى شيخ من بقية علمائِهم فقالوا: قد نزل بنا العذابُ فما ترى فقال لهم: قولوا: يا حيُّ حين لا حيَّ ويا حيُّ محييَ الموتى ويا حيُّ لا إله إلا أنت فقالوا، فكشف عنهم. وعن الفضيل بن عياض قالوا: إن ذنوبَنا قد عظُمت وجلّت وأنت أعظمُ منها وأجلُّ افعل بنا ما أنت أهلُه ولا تفعلْ بنا ما نحن أهلُه. اهـ.