فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{فَهَلْ يَنتَظِرُونَ} أي هؤلاء المأمورون بالنظر من مشركي مكة وأشرافهم: {إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الذين خَلَوْاْ} أي مثل وقائعهم ونزول بأس الله تعالى بهم إذ لا يستحقون غير ذلك، وجاء استعمال الأيام في الوقائع كقولهم: أيام العرب، وهو مجاز مشهور من التعبير بالزمان عما وقع فيه كما يقال: المغرب للصلاة الواقعة فيه، والمراد بالموصول المشركون من الأمم الماضية: {مِن قَبْلِهِمُ} متعلق بخلوا جئ به للتأكيد والإيماء بأنهم سيخلون كما خلوا: {قُلْ} تهديدًا لهم: {فانتظروا} ذلك: {إِنّى مَعَكُم مّنَ المنتظرين} إياه فمتعلق الانتظار واحد بالذات وهو الظاهر وجوز أن يكون مختلفًا بالذات متحدًا بالجنس أي فانتظروا إهلاكي إني معكم من المنتظرين هلاككم.
{ثُمَّ نُنَجّى رُسُلَنَا} بالتشديد، وعن الكسائي ويعقوب بالتخفيف، وهو عطف على مقدر يدل عليه قوله سبحانه: {مِثْلَ أَيَّامِ الذين خَلَوْاْ} [يونس: 102] وما بينهما اعتراض جئ به مسارعة إلى التهديد ومبالغة في تشديد الوعيد كأنه قيل: نهلك الأمم ثم ننجي المرسل إليهم: {والذين ءامَنُواْ} بهم، وعبر بالمضارع لحكاية الحال الماضية لتهويل أمرها باستحضار صورها، وتأخير حكاية التنجية عن حكاية الإهلاك على عكس ما جاء في غير موضع ليتصل به قوله سبحانه: {كَذَلِكَ حَقّا عَلَيْنَا نُنجِ المؤمنين} أي ننجيهم إنجاء كذلك الإنجاء الذي كان لمن قبلهم على أن الإشارة إلى الإنجاء، والجار والمجرور متعلق بمقدر وقع صفة لمصدر محذوف.
وجوز أن يكون الكاف في محل نصب بمعنى مثل سادة مسد المفعول المطلق.
ويحتمل عند بعض أن يكون في موقع الحال من الإنجاء الذي تضمنه: {نُنَجّى} بتأويل نفعل الإنجاء حال كونه مثل ذلك الإنجاء وأن يكون في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك، و: {حَقًّا} نصب بفعله المقدر أي حق ذلك حقًا، والجملة اعتراض بين العامل والمعمول على تقدير أن يكون: {كذلك} معمولًا للفعل المذكور بعد، وفائدتها الاهتمام بالإنجاء وبيان أنه كائن لا محالة وهو المراد بالحق، ويجوز أن يراد به الواجب، ومعنى كون الإنجاء واجبًا أنه كالأمر الواجب عليه تعالى وإلا فلا وجوب حقيقة عليه سبحانه، وقد صرح بأن الجملة اعتراضية غير واحد من المعربين ويستفاد منه أنه لا بأس الجملة الاعتراضية إذا بقي شيء من متعلقاتها، وجوز أن يكون بدلًا من الكاف التي هي بمعنى مثل أو من المحذوف الذي نابت عنه.
وقيل: إن: {كذلك} منصوب بننجي الأول و: {حَقًّا} منصوب بالثاني وهو خلاف الظاهر، والمراد بالمؤمنين إما الجنس المتناول للرسل عليهم السلام وأتباعهم وإما الأتباع فقط، وإنما لم يذكر إنجاء الرسل إيذانًا بعدم الحاجة إليه، وأيًا ما كان ففيه تنبيه على أن مدار الإنجاء هو الإيمان، وجئ بهذه الجملة تذييلًا لما قبلها مقررًا لمضمونه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ} تفريع على جملة: {ما تغني الآيات والنذر} [يونس: 101] باعتبار ما اشتملت عليه من ذكر النُذُر.
فهي خطاب من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أي يتفرع على انتفاء انتفاعهم بالآيات والنذر وعلى إصْرارهم أنْ يُسأل عنهم: ماذا ينتظرون، ويجاب بأنهم ما ينتظرون إلا مِثل ما حلّ بمن قبلهم ممن سِيقت قصصهم في الآيات الماضية، ووقع الاستفهام بـ: {هل} لإفادتها تحقيق السؤال وهو باعتبار تحقيق المسؤول عنه وأنه جدير بالجواب بالتحْقيق.
والاستفهام مجاز تهكمي إنكاري، نزلوا منزلة من ينتظرون شيئًا يأتيهم ليؤمنوا، وليس ثمة شيء يصلح لأن ينتظروه إلا أن ينتظروا حلول مثل أيام الذين خلوا من قبلهم التي هلكوا فيها.
وضمن الاستفهام معنى النفي بقرينة الاستثناء المفرَّغ.
والتقدير: فهل ينتظرون شيئًا مَا ينتظرون إلاّ مثل أيام الذين خلوا من قبلهم.
وأطلقت الأيام على ما يقع فيها من الأحداث العظيمة.
ومن هذا إطلاق أيام العرب على الوقائع الواقعة فيها.
وجملة: {قل فانتظروا} مفرعة على جملة: {فهل ينتظرون}.
وفصل بين المفرّع والمفرّع عليه بـ: {قُل} لزيادة الاهتمام.
ولينتقل من مخاطبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم قومه وبذلك يصير التفريع بين كلامين مختلفَي القائل شبيهًا بعطف التلقين الذي في قوله تعالى: {قال ومن ذريتي} [البقرة: 124].
على أن الاختلاف بين كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم في مقام الوحي والتبليغ اختلاف ضعيف لأنهما آئلان إلى كلام واحد.
وهذا موقع غريب لفاء التفريع.
وبهذا النسج حصل إيجاز بديع لأنه بالتفريع اعتبر ناشئًا عن كلام الله تعالى فكأنّ الله بلغه النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبلّغه قومه فليس له فيه إلاّ التبليغ، وهو يتضمن وعد الله نبيئه بأنه يرى ما ينتظرهم من العذاب، فهو وعيد وهو يتضمن النصر عليهم.
وسيصرح بذلك في قوله: {ثم ننجي رسلنا}.
وجملة: {إني معكم من المنتظرين} استئناف بياني ناشئ عن جملة: {انتظروا} لأنها تثير سؤال سائل يقول: ها نحن أولاء ننتظر وأنت ماذا تفعل.
وهذا مستعمل كناية عن ترقبه النصر إذ لا يظن به أنه ينتظر سوءًا فتعين أنه ينتظر من ذلك ضد ما يحصل لهم، فالمعية في أصل الانتظار لا في الحاصل بالانتظار.
و(مع) حال مؤكدة.
و: {من المنتظرين} خبر (إنّ) ومفاده مفاد (مع) إذ ماصدق المنتظرين هم المخاطبون المنتظرون.
و: {ثم ننجّي رسلنا} عطف على جملة: {فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا} لأن مثل تلك الأيام يومُ عذاب.
ولما كانوا مهددين بعذاب يحل بموضع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون عجل الله البشارة للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بأنه ينجيهم من ذلك العذاب بقدرته كما أنجى الرسل من قبله.
وجملة: {كذلك حقًا علينا ننجِّي المؤمنين} تذييل.
والإشارة بـ: {كذلك} إلى الإنجاء المستفاد من: {ثم ننجِّي}.
و: {حقًّا علينا} جملة معترضة لأن المصدر بدل من الفعل، أي حق ذلك علينا حقًا.
وجعله اللّهُ حقًا عليه تحقيقًا للتفضل به والكرامة حتى صار كالحق عليه.
وقرأ الجمهور: {نُنَجّي المؤمنين} بفتح النون الثانية وتشديد الجيم على وزان: {ننجي رسلنا}.
وقرأ الكسائي، وحفص عن عاصم: {نُنْجي المؤمنين} بسكون النون الثانية وتخفيف الجيم من الإنجاء.
فالمخالفة بينه وبين نظيره الذي قبله تفنن، والمعنى واحد.
وكتب في المصحف: {ننج المؤمنين} بدون ياء بعد الجيم على صورة النطق بها للاتقاء الساكنيْن. اهـ.

.قال الشعراوي:

{فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ}
وهؤلاء الذين لا يؤمنون يظلون في طغيانهم يعمهون، وكأنهم ينتظرون أن تتكرر معهم أحداث الذين سبقوا ولم يؤمنوا، لقد جاءهم الرسول ببيان ككل المكذِّبين السابقين.
ونحن نعلم أن اليوم هو وحدة من وحدات الزمن، وبعده الأسبوع، وبعد الأسبوع نجد الشهر، ثم نجد السنة، وكلما ارتقى الإنسان قسَّم اليوم إلى ساعات، وقسَّم الساعات إلى دقائق، وقسَّم الدقائق إلى ثوانٍ.
ولكما تقدمت الأحداث في الزمن نجد المقاييس تزداد دقة، واليوم كما قلنا جعله الله سبحانه وتعالى وحدة من وحدات الزمن، وهو مُكوَّن من ليل ونهار.
ولكن قد يُذكر اليوم ويُراد به ما حدث فيه من أحداث مُلْفِتة، مثلما نقول: يوم ذى قَرَد ويوم حنين ويوم أحُد.
إذن: فقد يكون المقصود باليوم الحدث البارز الذي حدث فيه، وحين ننظر في التاريخ، ونجد كتابًا اسمه تاريخ أيام العرب، فنجد يوم بُعَاث ويوم أوطاس وكل يوم يمثل حربًا.
إذن: فاليوم ظرف زمني، ولكن قد يُقصَد به الحدث الذي كان في مثل هذا اليوم.
ومثال ذلك أنك قد تجد من أهل الزمن المعاصر مَنْ عاش في أزمنة سابقة فيتذكر الأيام الخوالي ويقول: كانت الأسعار قديمًا منخفضة، وكان كل شيء مُتوفرًا، فيسمع مَنْ يرد عليه قائلًا: لقد كانت أيامًا، أي: أنها أيام حدث الرخاء فيها.
إذن: فقد يُنسَب اليوم إلى الحدث الذي وقع فيه.
وهنا يقول الحق سبحانه: {فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الذين خَلَوْاْ} [يونس: 102].
والذين خلوا منهم قوم نوح عليه السلام وقد أغرقهم الله سبحانه، وقوم فرعون الذين أغرقهم الله تعالى أيضًا.
والله سبحانه هو القائل: {فَكُلًا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40].
وهذه أيام حدثت فيها أحداث يعلمونها، فهل هم ينتظرون أيامًا مثل هذه؟
بالطبع ما كان يصحُّ لهم أن يستمرئوا الكفر، حتى لا تتكرر معهم مآسٍ كالتي حدثت لمن سبقهم إلى الكفر.
ونحن نجد في العامية المثل الفطري الذي ينطق بإيمان الفطرة، فتسمع من يقول: لك يوم يا ظالم أي: أن اليوم الذي ينتقم فيه الله تعالى من الظالم يصبح يومًا مشهورًا؛ لأن الظالم إنما يفتري على خلق الله؛ لذلك يأتي له الحق سبحانه بحدث ضخم يصيبه فيه الله تعالى ويذيقه مجموع ما ظلم الناسَ به.
وقول الحق سبحانه وتعالى: {قُلْ فانتظروا إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين} [يونس: 102].
وقوله هنا: {فانتظروا} فيه تهديد، وقوله: {إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين} [يونس: 102] فيه بشارة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سينتظر هذا اليوم ليرى عذابهم، أما هو صلى الله عليه وسلم فسوف يتحقق له النصر في هذا اليوم.
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ}
والحق سبحانه قد أنجْى مِنْ قَبْل رُسله ومَنْ أمنوا بهم، لتبقى معالم للحق والخير.
ومن ضمن معالم الخير والحق لابد أن تظل معالم الشر، لأنه لولا مجيء الشر بالأحداث لتي تعَضُّ لناس لما استشرف الناس إلى الخير.
ونحن نقول دائمًا: إن الألم الذي يصيب المريض هو جندي من جنود العافية؛ لأنه ينبه الإنسان إلى أن هناك خللًا يجب أن يبحث له عن تشخيص عند الطبيب، وأن يجد علاجًا له.
والألم يوجد في ساعات اليقظة والوعي، ولكنه يختفي في أثناء النوم، وفي النوع رَدْع ذاتيٌّ للألم.
وقول الحق سبحانه هنا: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ المؤمنين} [يونس: 103].
هذا القول يقرر البقاء لعناصر الخير في الدنيا.
وكلما زاد الناس في الإلحاد زاد الله تعالى في المدد، ففي أيِّ بلد يُفْترى فيها على الإيمان ويُظلم المؤمنون، ويكثر الطغاة؛ تجد فيها بعض الناس منقطعين إلى الله تعالى، لتفهُّم حقيقة القيم، وحين تضيق الدنيا بالظلمة والطغاة تجدهم يذهبون إلى هؤلاء المنقطعين لله، ويسألونهم أن يدعوا لهم.
وقد ألزم الحق سبحانه وتعالى هنا نفسه بأن يُنجِي المؤمنين في قوله سبحانه: {كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ المؤمنين} [يونس: 103]. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
أمر تعالى بالفكر فيما أودعه تعالى في السموات والأرض، إذ السبيل إلى معرفته تعالى هو بالتفكر في مصنوعاته، ففي العالم العلوي في حركات الأفلاك ومقاديرها وأوضاعها والكواكب، وما يختص بذلك من المنافع والفوائد، وفي العالم السفلي في أحوال العناصر والمعادن والنبات والحيوان، وخصوصًا حال الإنسان.
وكثيرًا ما ذكر الله تعالى في كتابه الحض على الفكر في مخلوقاته تعالى وقال: ماذا في السموات والأرض تنبيهًا على القاعدة الكلية، والعاقل يتنبه لتفاصيلها وأقسامها.
ثم لما أمر بالنظر أخبر أنه من لا يؤمن لا تغنيه الآيات.
والنذر جمع نذير، إما مصدر فمعناه الإنذارات، وإما بمعنى منذر فمعناه المنذرون والرسل.
وما الظاهر أنها للنفي، ويجوز أن تكون استفهامًا أي: وأي شيء تغني الآيات وهي الدلائل؟ وهو استفهام على جهة التقرير.
وفي الآية توبيخ لحاضري رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين.