فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} ففيه تنبيه على ما لأجله يمكن تحمل هذه المشقة وذلك لأن حالتهم كانت دائرة بين ضرر الدنيا وضرر الآخرة، والأول أولى بالتحمل لأنه متناه، وضرر الآخرة غير متناه، ولأن الموت لابد واقع فليس في تحمل القتل إلا التقدم والتأخير، وأما الخلاص من العقاب والفوز بالثواب فذاك هو الغرض الأعظم.
أما قوله تعالى: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} ففيه محذوف، ثم فيه وجهان:
أحدهما: أن يقدر من قول موسى عليه السلام كأنه قال: فإن فعلتم فقد تاب عليكم، والآخر: أن يكون خطابًا من الله لهم على طريقة الالتفات فيكون التقدير ففعلتم ما أمركم به موسى فتاب عليكم بارئكم.
وأما معنى قوله تعالى: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم}، فقد تقدم في قوله: {فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم}. اهـ.

.قال الألوسي:

{ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} جملة معترضة للتحريض على التوبة أو معللة، والإشارة إلى المصدر المفهوم مما تقدم، و{خَيْرٌ} أفعل تفضيل حذفت همزته، ونطقوا بها في الشعر.
قال الراجز:
بلا خير الناس وابن الأخير

وقد تأتي ولا تفضيل والمعنى: أن ذلكم خير لكم من العصيان والإصرار على الذنب أو خير من ثمرة العصيان، وهو الهلاك الدائم، والكلام على حد العسل أحلى من الخل أو خير من الخيور كائن لكم.
والعندية هنا مجاز، وكرر البارئ بلفظ الظاهر اعتناءً بالحث على التسليم له في كل حال، وتلقى ما يرد من قبله بالقبول والامتثال فإنه كما رأى الإنشاء راجحًا فأنشأ رأي الإعدام راجحًا، فأمر به وهو العليم الحكيم.
{فَتَابَ عَلَيْكُمْ} جواب شرط محذوف بتقدير قد إن كان من كلام موسى عليه السلام لهم، تقديره إن فعلتم ما أمرتم به فقد تاب عليكم ومعطوف على محذوف إن كان خطابًا من الله تعالى لهم، كأنه قال: ففعلتم ما أمرتم فتاب عليكم بارئكم وفيه التفات لتقدم التعبير عنهم في كلام موسى عليه السلام بلفظ القوم وهو من قبيل الغيبة، أو من التكلم إلى الغيبة في {فَتَابَ} حيث لم يقل: فتبنا، ورجح العطف لسلامته من حذف الأداة والشرط وإبقاء الجواب، وفي ثبوت ذلك عن العرب مقال، وظاهر الآية كونها إخبارًا عن المأمورين بالقتل الممتثلين ذلك.
وقال ابن عطية: جعل الله تعالى القتل لمن قتل شهادة وتاب عن الباقين وعفا عنهم، فمعنى {علكيم} عنده، على باقيكم.
{إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم} تذييل لقوله تعالى: {فَتُوبُواْ} فإن التوبة بالقتل لما كانت شاقة على النفس هوّنها سبحانه بأنه هو الذي يوفق إليها ويسهلها ويبالغ في الإنعام على من أتى بها، أو تذييل لقوله تعالى: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} وتفسر التوبة منه تعالى حينئذ بالقبول لتوبة المذنبين والتأكيد لسبق الملوح أو للاعتناء بمضمون الجملة، والضمير المنصوب إن كان ضمير الشأن فالضمير المرفوع مبتدأ وهو الأنسب لدلالته على كمال الإعتناء بمضمون الجملة، وإن كان راجعًا إلى البارئ سبحان فالضمير المرفوع إما فصل أو مبتدأ، هذا وحظ العارف من هذه القصة أن يعرف أن هواه بمنزلة عجل بني إسرائيل فلا يتخذه إلهًا {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ} [الجاثية: 3 2] وأن الله سبحانه قد خلق نفسه في أصل الفطرة مستعدة لقبول فيض الله تعالى والدين القويم، ومتهيئة لسلوك المنهج المستقيم، والترقي إلى جناب القدس وحضرة الأنس، وهذا هو الكتاب الذي أوتيه موسى القلب، والفرقان الذي يهتدى بنوره في ليالي السلوك إلى حضرة الرب، فمتى أخلدت النفس إلى الأرض واتبعت هواها، وآثرت شهواتها على مولاها، أمرت بقتلها بكسر شهواتها وقلع مشتهياتها ليصح لها البقاء بعد الفناء، والصحو بعد المحو، وليست التوبة الحقيقية سوى محو البشرية بإثبات الألوهية، وهذا هو الجهاد الأكبر والموت الأحمر:
ليس من مات فاستراح بميت ** إنما الميت ميت الأحياء

وهذا صعب لا يتيسر إلا لخواص الحق ورجال الصدق، وإليه الإشارة بموتوا قبل أن تموتوا.
وقيل أول قدم في العبودية إتلاف النفس وقتلها بترك الشهوات، وقطعها عن الملاذ، فكيف الوصول إلى شيء من منازل الصديقين ومعارج المقربين هيهات هيهات ذاك بمعزل عنا، ومناط الثريا منا:
تعالوا نقم مأتما للهموم ** فإن الحزين يواسي الحزينا

.قال ابن عاشور:

والبارئ هو الخالق الخلق على تناسب وتعديل فهو أخص من الخالق ولذلك أتبع به الخالق في قوله تعالى: {هو الله الخالق البارئ} [الحشر: 24].
وتعبير موسى عليه السلام في كلامه بما يدل على معنى لفظ البارئ في العربية تحريض على التوبة لأنها رجوع عن المعصية ففيها معنى الشكر وكون الخلق على مثال متناسب يزيد تحريضًا على شكر الخالق.
وقوله: {فتاب عليكم} ظاهر في أنه من كلام الله تعالى عند تذكيرهم بالنعمة وهو محل التذكير من قوله: {وإذ قال موسى لقومه} إلخ فالماضي مستعمل في بابه من الإخبار وقد جاء على طريقة الالتفات لأن المقام للتكلم فعدل عنه إلى الغيبة ورجحه هنا سبق معاد ضمير الغيبة في حكاية كلام موسى.
وعطفت الفاء على محذوف إيجازًا، أي ففعلتم فتاب عليكم أو فعزمتم فتاب عليكم، على حد {أن اضرب بعصاك البحر فانفلق} [الشعراء: 63] أي فضرب، وعطف بالفاء إشارة إلى تعقيب جرمهم بتوبته تعالى عليهم وعدم تأخيرها إلى ما بعد استئصال جميع الذين عبدوا العجل بل نسخ ذلك بقرب نزوله بعد العمل به قليلًا أو دون العمل به وفي ذلك رحمة عظيمة بهم إذ حصل العفو عن ذنب عظيم بدون تكليفهم توبة شاقة بل اكتفاء بمجرد ندمهم وعزمهم على عدم العود لذلك.
ومن البعيد أن يكون {فتاب عليكم} من كلام موسى لما فيه من لزوم حذف في الكلام غير واضح القرينة؛ لأنه يلزم تقدير شرط تقديره فإن فعلتم يتب عليكم فيكون مرادًا منه الاستقبال والفاء فصيحة، ولأنه يعرى هذه الآية عن محل النعمة المذكر به إلا تضمنًا.
وجملة: {إنه هو التواب الرحيم} خبر وثناء على الله، وتأكيده بحرف التوكيد لتنزيلهم منزلة من يشك في حصول التوبة عليهم لأن حالهم في عظم جرمهم حال من يشك في قبول التوبة عليه وإنما جمع التواب مع الرحيم لأن توبته تعالى عليهم كانت بالعفو عن زلّة اتخاذهم العجل وهي زلة عظيمة لا يغفرها إلا الغفار، وبالنسخ لحكم قتلهم وذلك رحمة فكان للرحيم موقع عظيم هنا وليس هو لمجرد الثناء. اهـ.

.قال السمرقندي:

وروي في الخبر أن الذين عبدوا العجل جلسوا على أبواب دورهم، وأتاهم هارون والذين لم يعبدوا العجل شاهرين سيوفهم، فكان موسى عليه السلام يتقدم ويقول: إن هؤلاء إخوانكم قد أتوا شاهرين سيوفهم، فاتقوا الله واصبروا له، فلعن الله رجلًا قام من مجلسه أو حلّ حبوته، أو مدّ بطرفه إليهم أو اتقاهم بيد أو برجل.
فيقولون: آمين، وذكر في رواية أبي صالح: أن هارون كان يتقدم ويقول ذلك، فجعلوا يقتلونهم إلى المساء فكانت القتلى سبعين ألفًا، فكان موسى عليه السلام يدعو ربه لما شق عليه من كثرة الدماء، حتى نزلت التوبة.
فقيل لموسى: ارفع السيف عنهم، فإني قبلت توبتهم جميعًا، من قتل ومن لم يقتل. اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

.السؤال الأول: قتل النفس عند التوبة:

قوله تعالى: {فَتُوبُواْ إلى بَارِئِكُمْ فاقتلوا أَنفُسَكُمْ} يقتضي كون التوبة مفسرة بقتل النفس كما أن قوله عليه السلام: «لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الطهور مواضعه فيغسل وجهه ثم يديه» يقتضي أن وضع الطهور مواضعه مفسر بغسل الوجه واليدين ولكن ذلك باطل لأن التوبة عبارة عن الندم على الفعل القبيح الذي مضى والعزم على أن لا يأتي بمثله بعد ذلك وذلك مغاير لقتل النفس وغير مستلزم له فكيف يجوز تفسيره به؟ والجواب ليس المراد تفسير التوبة بقتل النفس بل بيان أن توبتهم لا تتم ولا تحصل إلا بقتل النفس وإنما كان كذلك لأن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام أن شرط توبتهم قتل النفس كما أن القاتل عمدًا لا تتم توبته إلا بتسليم النفس حتى يرضى أولياء المقتول أو يقتلوه فلا يمتنع أن يكون من شرع موسى عليه السلام أن توبة المرتد لا تتم إلا بالقتل.
إذا ثبت هذا فنقول شرط الشيء قد يطلق عليه اسم ذلك الشيء مجازًا كما يقال للغاصب إذا قصد التوبة أن توبتك ردمًا غصبت يعني أن توبتك لا تتم إلا به فكذا هاهنا.

.السؤال الثاني: ما معنى قوله تعالى: {فَتُوبُواْ إلى بَارِئِكُمْ} والتوبة لا تكون إلا للبارئ:

والجواب: المراد منه النهي عن الرياء في التوبة كأنه قال لهم: لو أظهرتم التوبة لا عن القلب فأنتم ما تبتم إلى الله الذي هو مطلع على ضميركم، وإنما تبتم إلى الناس وذلك مما لا فائدة فيه، فإنكم إذا أذنبتم إلى الله.

.السؤال الثالث: كيف اختص هذا الموضع بذكر البارئ؟

والجواب: البارئ هو الذي خلق الخلق بريئًا من التفاوت: {مَّا ترى في خَلْقِ الرحمن مِن تفاوت} [الملك: 3] ومتميزًا بعضه عن بعض بالأشكال المختلفة والصور المتباينة فكان ذلك تنبيهًا على أن من كان كذلك فهو أحق بالعبادة من البقر الذي يضرب به المثل في الغباوة.

.السؤال الرابع: ما الفرق بين الفاء في قوله: {فَتُوبُواْ} والفاء في قوله: {فاقتلوا}؟

الجواب: أن الفاء الأولى للسبب لأن الظلم سبب التوبة والثانية للتعقيب لأن القتل من تمام التوبة فمعنى قوله: {فَتُوبُواْ} أي فأتبعوا التوبة القتل تتمة لتوبتكم.

.السؤال الخامس: ما المراد بقوله: {فاقتلوا أَنفُسَكُمْ} أهو ما يقتضيه ظاهره من أن يقتل كل واحد نفسه أو المراد غير ذلك؟

الجواب: اختلف الناس فيه فقال قوم من المفسرين.
لا يجوز أن يكون المراد أمر كل واحد من التائبين بقتل نفسه وهو اختيار القاضي عبد الجبار، واحتجوا عليه بوجهين.
الأول: وهو الذي عول عليه أهل التفيسر أن المفسرين أجمعوا على أنهم ما قتلوا أنفسهم بأيديهم ولو كانوا مأمورين بذلك لصاروا عصاة بترك ذلك.
الثاني: وهو الذي عول عليه القاضي عبد الجبار أن القتل هو نقض البنية التي عندها يجب أن يخرج من أن يكون حيًا وما عدا ذلك مما يؤدي إلى أن يموت قريبًا أو بعيدًا إنما سمي قتلًا على طريق المجاز.
إذا عرفت حقيقة القتل فنقول: إنه لا يجوز أن يأمر الله تعالى به لأن العبادات الشرعية إنما تحسن لكونها مصالح لذلك المكلف ولا تكون مصلحة إلا في الأمور المستقبلة وليس بعد القتل حال تكليف حتى يكون القتل مصلحة فيه وهذا بخلاف ما يفعله الله تعالى من الإماتة لأن ذلك من فعل الله فيحسن أن يفعله إذا كان صلاحًا لمكلف آخر ويعوض ذلك المكلف بالعوض العظيم وبخلاف أن يأمر الله تعالى بأن يجرح نفسه أو يقطع عضوًا من أعضائه ولا يحصل الموت عقبه لأنه لما بقي بعد ذلك الفعل حيًا لم يمتنع أن يكون ذلك الفعل صلاحًا في الأفعال المستقبلة.
ولقائل أن يقول: لا نسلم أن القتل اسم للفعل المزهق للروح في الحال بل هو عبارة عن الفعل المؤدي إلى الزهوق إما في الحال أو بعده والدليل عليه أنه لو حلف أن لا يقتل إنسانًا فجرحه جراحة عظيمة وبقي بعد تلك الجراحة حيًا لحظة واحدة ثم مات فإنه يحنث في يمينه وتسميه كل أهل هذه اللغة قاتلًا والأصل في الاستعمال الحقيقة فدل على أن اسم القتل اسم الفعل المؤدي إلى الزهوق سواء أدى إليه في الحال أو بعد ذلك وأنت سلمت جواز ورود الأمر بالجراحة التي لا تستعقب الزهوق في الحال وإذا كان كذلك ثبت جواز أن يراد الأمر بأن يقتل الإنسان نفسه، سلمنا أن القتل اسم الفعل المزهق للروح في الحال فلم لا يجوز ورود الأمر به؟ قوله: لابد في ورود الأمر به من مصلحة استقبالية، قلنا: أولًا لا نسلم أنه لابد فيه من مصلحة، والدليل عليه أنه أمر من يعلم كفره بالإيمان ولا مصلحة في ذلك إذ لا فائدة من ذلك التكليف إلا حصول العقاب، سلمنا أنه لابد من مصلحة ولكن لم قلت إنه لابد من عود تلك المصلحة إليه، ولم لا يجوز أن قتله نفسه مصلحة لغيره فالله تعالى أمره بذلك لينتفع به ذلك الغير، ثم إنه تعالى يوصل العوض العظيم إليه.
سلمنا أنه لابد من عود المصلحة إليه، لكن لم لا يجوز أن يقال إن علمه بكونه مأمورًا بذلك الفعل مصلحة له، مثل أنه لما أمر بأن يقتل نفسه غدًا فإن علمه بذلك يصير داعيًا له إلى ترك القبائح من ذلك الزمان إلى ورود الغد، وإذا كانت هذه الاحتمالات ممكنة سقط ما قال القاضي، بل الوجه الأول الذي عول عليه المفسرون أقوى، وعلى هذا يجب صرف الآية عن ظاهرها، ثم فيه وجهان:
الأول: أن يقال أمر كل واحد من أولئك التائبين بأن يقتل بعضهم بعضًا فقوله: {اقتلوا أَنفُسَكُمْ} معناه ليقتل بعضكم بعضًا وهو كقوله في موضع آخر: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [النساء: 29] ومعناه لا يقتل بعضكم بعضًا وتحقيقه أن المؤمنين كالنفس الوحدة، وقيل في قوله تعالى: {وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ} [الحجرات: 11] أي إخوانكم من المؤمنين، وفي قوله: {لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا} [النور: 12] أي بأمثالهم من المسلمين، وكقوله: {فَسَلّمُواْ على أَنفُسِكُمْ} [النور: 61] أي ليسلم بعضكم على بعض.
ثم قال المفسرون: أولئك التائبون برزوا صفين فضرب بعضهم بعضًا إلى الليل.
الوجه الثاني: أن الله تعالى أمر غير أولئك التائبين بقتل أولئك التائبين فيكون المراد من قوله: {اقتلوا أَنفُسَكُمْ} أي استسلموا للقتل، وهذا الوجه الثاني أقرب لأن في الوجه الأول تزداد المشقة لأن الجماعة إذا اشتركت في الذنب كان بعضهم أشد عطفًا على البعض من غيرهم عليهم فإذا كلفوا بأن يقتل بعضهم بعضًا عظمت المشقة في ذلك ثم اختلفت الروايات، فالأول: أنه أمر من لم يعبد العجل من السبعين المختارين لحضور الميقات أن يقتل من عبد العجل منهم، وكان المقتولون سبعين ألفًا فما تحركوا حتى قتلوا على ثلاثة أيام، وهذا لقول ذكره محمد بن إسحاق.
الثاني: أنه لما أمرهم موسى عليه السلام بالقتل أجابوا فأخذ عليهم المواثيق ليصبروا على القتل فأصبحوا مجتمعين كل قبيلة على حدة وأتاهم هارون بالإثني عشر ألفًا الذين لم يعبدوا العجل ألبتة وبأيديهم السيوف، فقال التائبون: إن هؤلاء إخوانكم قد أتوكم شاهرين السيوف فاتقوا الله واصبروا فلعن الله رجلًا قام من مجلسه أو مد طرفه إليهم أو اتقاهم بيد أو رجل يقولون أمين، فجعلوا يقتلونهم إلى المساء وقام موسى وهارون عليهما السلام يدعوان الله ويقولان البقية البقية يا إلهنا فأوحى الله تعالى إليهما، قد غفرت لمن قتل وتبت على من بقي، قال: وكان القتلى سبعين ألفًا، هذه رواية الكلبي.
الثالث: أن بني إسرائيل كانوا قسمين: منهم من عبد العجل ومنهم من لم يعبده ولكن لم ينكر على من عبده، فأمر من لم يشتغل بالإنكار بقتل من اشتغل بالعبادة، ثم قال المفسرون: إن الرجل كان يبصر والده وولده وجاره فلم يمكنه المضي لأمر الله فأرسل الله تعالى سحابة سوداء، ثم أمر بالقتل فقتلوا إلى المساء حتى دعا موسى وهارون عليهما السلام وقالا: يا رب هلكت بنو إسرائيل البقية البقية فانكشفت السحابة ونزلت التوراة وسقطت الشفار من أيديهم.