فصل: 113- الآية التاسعة منها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.113- الآية التاسعة منها:

قوله عز وجل: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملائه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد} هود: 96-97.
وقال في سورة المؤمن 23-24: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب}.
وقال في سورة الزخرف 46: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فقال إني رسول رب العالمين}.
للسائل أن يسأل فيقول: السلطان المبين من آيات الله، فلم جاء في الآيتين المتقدمتين مع ذكر السلطان المبين ولم يجيء في الآية الأخيرة، إلا الآيات وحدها؟
والجواب أن يقال: إن الآيات: الأمارات التي يكتفي بها في صدق الرسل عليهم السلام، وبها تقوم الحجة على من تبعث إليهم، والسلطان المبين هو الحجج القاهرة التي تقهر القوم، كأنواع العذاب التي أنزلت على قوم موسى عليه السلام، وكانت عند قوله.
فلما كان القصد في الآيتين المتقدمتين ذكر جملة أمرهم إلى منتهى حالهم من هلاك الأبد انطوت تلك الجملة على جميع ما احتج به عليهم إلى أن زال التكليف عنهم، وأخبر عن مستقرهم من العقاب الدائم عليهم ألا ترى الكلام في الآية الأولى في سورة هود ينساق إلى قوله: {وما أمر فرعون برشيد*يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار} هود: 97-98، وكذلك في الآية الثانية ينساق الكلام فيها إلى قوله: {وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} غافر: 45- 46 فذكر في الآيتين جميع ما احتج به عليهم من الآيات التي سخروا بها عند رؤيتها، والآيات التي فزعوا إلى مسألته عند مشاهدتها في كشفها لقوله تعالى: {ولما وقع لك} الأعراف: 134.
وأما الآية الثالثة التي اقتصر فيها على ذكر آياتنا دون السلطان المبين وهي التي في سورة الزخرف 46-47: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فقال إني رسول رب العالمين فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون} فلم يكن القصد إلى ذكر جملة مما عوملوا به في الدنيا وانتهائه بهم إلى عذاب الأخرى، بل كان بعده: {وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون} الزخرف: 48 فاقتص ما عوملوا به حالا بعد حال إلى أن أهلكوا في الدنيا، حيث قال: {فأغرقناهم أجمعين* فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين} الزخرف: 55-56.
فإن قيل: فقد قال تعالى: {ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين} المؤمنون: 45-46 ولم يذكر في هذه القصة أحوالهم المنتهية إلى عقاب الأبد.
قلت: أولا ليست الآية على سنن الآي التي ذكرنا مما افتتح بقوله: {ولقد أرسلنا} هود: 96، المؤمنون: 23 وهي إن افتتحت بقوله: {ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون} المؤمنون: 45 فإنها مثل الآيتين المتقدمتين في تضمنها ذكر الجملة من أحوالهم إلى ما كان من هلاكهم لقوله: {فكذبوهما فكانوا من المهلكين} المؤمنون: 48 والمهلكون في الحقيقة هم المعاقبون بالنار والخلود فيها، نعوذ بالله منها.
فقد صار كل ما ذكر فيه مع آياتنا وسلطان مبين هو ما اشتمل على جملة ما عوملوا به إلى أن استقروا مقرهم من عذاب الله الدائم عليهم.
وحقيقة السلطان من السليط، وهو الزيت الذي يضيء به السراج، والسلطان: الحجة، لأنها تضيء فتبين الحق من الباطل، والسلطان الذي يملك الناس ضياء يدفع ظلام الظلم عنهم، إذ كانوا لولا هو لصاروا من التغاور والتناهب في ظلام يتزايد ولا يتناقص، كأنه ضياء يجلو ظلام الدنيا، والآيات التي جاءت بعد التوراة والعصا واليد جاءت وقد أنارت وأوضحت عندهم الحق حتى سألوا أن يمهلوا ليؤمنوا إذا كشف عنهم ما أظلم، فإن عادوا بعد كشفه جللهم.

.114- الآية العاشرة منها:

قوله تعالى: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلكها مصلحون} هود 117.
وقال في سورة القصص 59: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون}.
للسائل أن يسأل عن الفرق بين قوله: {وما كان ربك ليهلك القرى} وبين قوله: {وما كنا مهلكي القرى} وكيف اختصت الآية التي في سورة هود بلفظ الفعل في خبر كان، والأخريان بالاسم وهو مهلك؟
والجواب عن ذلك أن يقال: إن هذه اللام تسمى لام الجحود، ولا تخلوا منه، وهي تخالف لام كي بأشياء.
منها: إن لام كي يصلح إظهار أن بعدها، إذا قلت: جئت لتكرمني، وهذه لا يصلح فيها ذلك، لا تقول: ما كنت لأن أفعل.
ومنها: أن المصدر الواقع موقع أن مع الفعل يصح اللفظ به، فتقول جئت للاكرام، ولا يصح: ما كنت للاكرام.
ومنها أن اللام يصح حذفها والاتيان بأن لام كي تدخل على ما هو عذر في إنشاء الفعل، فهذا وإن كان لفظه المستقبل فإنه مقارنة كان قد صار بمعنى الماضي، كما تقول كان زيد يركب، على حكاية الحال التي يستأنف فيها الركوب ويقول القائل: جئتك اليوم لتكرمني غدا، فمتى علق بزمان لم يصح فيه الزمان الآخر. وكذلك: كان زيد فاعلا، يصلح للماضي والحال، وعلى معنى أنه كان على أن يفعل في أقرب الأوقات التي يستقبلها.
وليس كذلك معنى ما كنت لأفعل لأنه مبالغة في نفي هذا الفعل في أزمنة كلها، والمعنى: كون هذا الفعل مناف لكوني، فإذا جعلت السبب في نفي هذا الحدث كون المحدث، والمحدث كونه فيما مضى ككونه فيما يستقبل، وفيما هو للحال، فالمعنى: لم يكن فيما مضى يقع مني هذا الفعل ولا يقع فيما يستقبل ولا في الحال لسبب ينافي وجوده وهو كون الفاعل، ولذلك لا يصح من الأفعال في هذا المكان غير ما يتصرف لفظه من كان.
وإذا كان كذلك وكان هذا نهاية ما يخاطب بع العرب في نفي الفعل، وامتناع وقوعه خصه الله تعالى بالمكان الذي لا يقع ذلك منه أبدا، ولم يقع منه قط، وهو أنه لم يكن فيما مضى يهلك القرى ظالما لها مع صلاح أهلها ولا يفعله، ولا يليق بعدله، وهو منزه عنه تعالى الله عن ذلك.
وأما قوله تعالى: {ىوما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتننا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} القصص: 59 فإنه لم يكن فيها صريح ظلم ينسب إليه، ولم يكن ملفوظا به، فيؤتى باللفظ الأبلغ في نفيه، كما كان في قوله: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم}.
فإن قال: فلم ادعيت أن هذا أبلغ في الانتفاء من الظلم؟
قلت: إن أول ما يستدل به أن من عرف كلام العرب يعقل من قول القائل: ما كنت لأظلمك، وما كنت لأشتمك، وما كنت لأذيك، ما لا يعقله من قوله: ما كنت ظالما لك، وماكنت شاتما لك، لأن ذلك نفي الظلم والشتم في وقت دون وقت.
وإذا قال: ما كنت لأشتمك، فكأنه قال: ما كنت بضام كوني شتيمة لك، فجعل كونه منافيا لشتمه.
فإن قال: ما كنت لأشتمك، فكأنه قال: ما كنت بضام كوني شتيمة لك، فجعل كونه منافيا لشتمه.
فإن قال: فلماذا ألزم لفظة الاستقبال والنصب؟
قلت: لأن التقدير: ما كنت في شيء من الأوقات بمستقبل شتمك، وما كان كوني بضام شتمك، وهذا مستمر أبدا بيني وبينك، فكلما لم أشتمك لكوني كذلك لا أشتمك لكوني كذلك.
فإن قال: فلأي معنى لم يجز إظهار أن كما جاز في لام كي؟
قلت: لأنها لو ظهرت لوجب أن يصح الاسم مكانها، فلما ألزمت لفظة كنت وأكون وجب أن يكون النفي الداخل عليها خبرا، أن كوني ينافي أن أفعل كذا، وإني كما لم أحصل في حال وجودي على استئناف شتمك، كذلك لا أحصل على هذه الصفة، وهي الشروع في شتمك إذ كان وجودي هو الذي ينافيه، وجب أن يحفظ لفظ المستقبل المنصوب، فلم يكن بد من إصمار أن.
فإن قال: فهلا جوزت حذف اللام كما كان ذلك في لا كي؟
قلت: لأن اللام ثباتها يسد عن الفعل المنصوب طرق العوامل، فكأنها أقيمت مقام أن لأن اللام لا تدخل إلا على الاسم في المعنى، وهذا موضع خبر كان فحفظ لفظ الفعل لما ذكرنا، وألزم الحرف المختص بالاسم ليدل به على أن الموضع موضع الاسم فافهمه.
فإن قال: فهذا الفعل الذي حفظت له لفظ الاستقبال والنصب، كيف جاز أن يراد به الأزمنة، وهو مختص بزمان واحد؟
وكان يصلي، تريد في الحال، وتقول: قصدته وكان يركب، تريد المستقبل، وتقول: قصدته وكان قد ركب، ولو قلت: قصدته فكان ركب لم يحسن حسنه مع قد التي تقرب من معنى المستقبل، وعلى هذا حمل قوله تعالى: {أو جاءوهم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم} النساء: 90 في بعض الأقاويل، فكان ذلك عائدا إلى لفظ المستقبل، وما يجوز لقربه منه في المعنى، فلذلك صلح النفي في الأول واستمراره في المستقبل وبالله التوفيق.

.115- الآية الحادية عشرة منها:

قد تأخرت عن مكانها من السورة، لأنها سئل عنها بعدما أمليت ما تقدم منها، فذكرناها في آخرها لئلا تغير تراجم المسائل، وترتيب الآي فيها.
فإن قال قائل: قوله تعالى في سورة هود 58: {ولما جاء أمرنا نجينا هودا} وفي آخر السورة في قصة شعيب: {ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا} هود: 94 فعطف لما على ما قبلها بالواو، وقال في قصتي صالح ولوط عليها السلام: {فلما جاء أمرنا نجينا صالحا} هود: 66 وقال: {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها} هود: 82 نعطف لما بالفاء دون الواو، وما الفرق الذي أوجب اختلاف حرفي العطف في المواضع الأربعة من هذه السورة؟
والجواب أن يقال: إن هذا الحرف في قصة هود بعد خروج من خبر عنه، هو حكاية لقوله إلى ما هو إخبار من الله تعالى عما كان من فعله ألا تراه قال تعالى: {قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون} هود: 54 إلى قوله: {فإن تولوا فقد أبلغتكم مأرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا} هود: 57 أي: يهلككم ويقيم غيركم مقامكم فينزل بكم أكبر الضرر، ولا تضرونه شيئا بعبادتكم غيره، ثم قال: {ولما جاء امرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ} هود: 58 فلم يتقدم تخويف بقرب ما أوعدوا به ليدل على اتصال الثاني بالأول واقتضاء العطف بالفاء، مكان العطف بالواو، وكان الموضع موضع الواو، لأن المراد الجمع بين الخبرين من دون ذكر ما يقلل الزمان بين الفعلين.
وكذلك قصة شيب لم يدل فيها على أنهم أوعدوا بعذاب قد أظلهم، وقرب منهم، وإنما أخبر عز وجل عن شعيب عليه السلام أنه قال لهم {اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب} هود: 93 فلم يتوعدهم بالاقتراب، بل دعاهم إلى الارتقاب، فالتخويف قارنه التسويف لقوله تعالى: {سوف تعلمون} فكان الموضع موضع الواو لخروج ما قبله عما يقتضي اتصال الثاني به.
وليست كذلك الموضعان اللذان نسقا على الأول بالفاء، وهما قوله تعالى في قصة صالح: {فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب فلما جاء أرنا نجينا صالحا} هود: 65-66 وقوله في قصة لوط: {فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم احد إلا امرأته إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها} هود 81-82 فكان ذلك بعقبه غير متراخ فاقتضى الفاء التي تدل على التعقيب واتصال ما بعدها بما قبلها من غير مهلة بينهما.
وكذلك جاء في سورة العنكبوت في قصة لوط في موضعين بالواو، وهما على هذا السبيل:
فالأول قوله بعد قصة لوط وقوله لقومه: {أئنكم لتأتون الفاحشة} العنكبوت: 28 إلى قوله: {رب انصرني على القوم المفسدين} العنكبوت: 30 فاستنصر الله تعالى عليهم، ولم يتوعدهم بقرب عذاب منهم، وجاء بعده: {ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى} العنكبوت: 31 فخرج عما كان بين لوط وبين قومه إلى قصة هي بين إبراهيم عليه السلام والملائكة عليهم السلام لما أتوه بالبشرى، وبإهلاك من في قرية لوط، فنزل لوط فيما كان من محاورتهم لإبراهيم منزلة الغائب عنهم، فكان الموضع موضع الواو لاختلاف القصتين وخلو الأولى عما قرب ما بين الحالين.
وكذلك قوله تعالى بعده: {ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا...} العنكبوت: 33 خبر عن مجيء رسل الله عز وجل من الملائكة إلى لوط، وارتياعه لهم وفزعه لمجيئهم، وكان مجيئهم إلى ابراهيم عليه السلام مجيء البشرى لما قالوا: {سلاما قال سلام} الذاريات: 25 فعطف هذه القصة على الأولى بالواو لاختلاف مورديهما، وأنه لم يكن في الأولى منهما ما يقتضي التصاق الثانية بها فتعطف عليها بالفاء.
انقضت سورة هود عليه السلام عن احدى عشرة آية واثنتي عشرة مسألة، فكملت مائة وإحدى وخمسين مسألة والله الموفق. اهـ.