فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)}.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: أمر موسى قومه عن أمر ربه أن يقتلوا أنفسهم، واحتبى الذين عكفوا على العجل فجلسوا، وقام الذين لم يعكفوا على العجل فأخذوا الخناجر بأيديهم، وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضًا، فانجلت الظلمة عنهم وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل، كل من قتل منهم كانت له توبة، وكل من بقي كانت له توبة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي قال: قالوا لموسى: ما توبتنا؟ قال: يقتل بعضكم بعضًا، فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وابنه- والله لا يبالي من قتل- حتى قتل منهم سبعون ألفًا، فأوحى الله إلى موسى: مرهم فليرفعوا أيديهم وقد غفر لمن قتل، وتيب على من بقي.
وأخرج عبد حميد عن قتادة في قوله: {إنكم ظلمتم أنفسكم} الآية. قال: أمر القوم بشديدة من البلاء، فقاموا يتناحرون بالشفار، ويقتل بعضهم بعضًا، حتى بلغ الله نقمته فيهم وعقوبته، فلما بلغ ذلك سقطت الشفار من أيديهم وأمسك عنهم القتل، فجعله الله للحي منهم توبة وللمقتول شهادة.
وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير عن الزهري قال: لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها برزوا ومعهم موسى، فاضطربوا بالسيوف وتطاعنوا بالخناجر وموسى رافع يديه، حتى إذا أفنوا بعضهم قالوا: يا نبي الله ادع لنا، وأخذوا بعضديه فلم يزل أمرهم على ذلك حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيديهم بعضهم عن بعض، فألقوا السلاح وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم، فأوحى الله إلى موسى: ما يحزنك...؟ أما من قتل منكم فحي عندي يرزق، وأما من بقي فقد قبلت توبته. فسر بذلك موسى وبنو إسرائيل.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {إلى بارئكم} قال: خالقكم. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول تبع:
شهدت على أحمد أنه ** رسول من الله باري النسم

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {إلى بارئكم} قال: خالقكم.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: كان أمر موسى قومه عن أمر ربه أن يقتل بعضهم بعضًا بالخناجر، ففعلوا فتاب الله عليهم. اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
أولا: قال ابن جزي: {يسومونكم سوء العذاب} أي يلزمونكم به وهو استعارة من السوم في البيع، وفسر سوء العذاب بقوله: {يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم} ولذلك لم يعطفه هنا بالواو، وعطفه في إبراهيم {ويذبحون أبناءكم} لأنه هناك نوع العذاب، أي أنه نوع آخر غير الذبح.
ثانيا: التنكير في كل من {بلاء} و{عظيم} للتفخيم والتهويل.
ثالثا: صيغة المفاعلة في قوله: {وإذ واعدنا} ليست على بابها، لأنها لا تفيد المشاركة من الطرفين، وإنما هي بمعنى الثلاثي {وإذ وعدنا}.
رابعًا: قال أبو السعود: {فتوبوا إلى بارئكم} التعرض بذكر البارئ للإشعار بأنهم بلغوا من الجهالة أقصاها، ومن الغواية منتهاها، حيث تركوا عبادة العليم الحكيم، الذي خلقهم بلطيف حكمته، إلى عبادة البقر الذي هو مثل في الغباوة.. أقول: لا عجب في ذلك، فالجنس يألفه الجنس. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{يا قوم} اعْلَمْ أن في المنادى المضاف إلى ياء المتكلم ستَّ لُغَات:
أفصحها: حذفها مجتزئًا عنها بالكَسْرَةِ، وهي لغة القرآن.
والثانية: ثبوت الياء ساكنة.
الثالثة: ثبوتها مفتوحة.
الرابعة: قلبها ألفًا.
الخامسة: حذف هذه الألف، والاجتزاء عنها بالفتحة؛ كقوله: الوافر:
وَلَسْتُ بِرَاجِعِ مَا فَاتَ مَنِّي ** بِلَهْفَ وَلاَ بِلَيْتَ وَلاَ لَوَ أنِّي

أي يقول: يا لَهْفَا.
السَّادِسَةُ: بناء المضاف إليها على الضَّمّ تشبيهًا بالمفرد، نحو قراءة من قرأ: {قَالَ رَبِّ احكم بالحق} [الأنبياء: 112].
قال بعضهم: لأن {يا قوم} في تقدير: يا أيها القوم والقوم: سم جمع؛ لأنه دالّ على أكثر من اثنين، وليس له واحد من لفظه، ولا هو على صيغة مختصّة بالتكسير، ومُفْردُهُ رَجُل، واشتقاقه من قَامَ بالأَمرْرِ يقومُ به، قال تعالى: {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النساء} [النساء: 34] والأصل في إطلاقه على الرجال؛ ولذلك قوبل بالنِّسَاء في قوله تعالى: {لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ} [الحجرات: 11].
وقول زهير: الوافر:
وَمَا أَدْرِي وَسَوْفَ إِخَالُ أَدْرِي ** أَقَوْمٌ جِصْنٍ أمْ نِسَاءَ

وأما قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين} [الشعراء: 105] و{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ} [الشعراء: 106] والمكذبون رجال ونساء فإنما ذلك من باب التَّغْلِيب، ولا يجوز أن يطلق على النِّساء وحدهن آلبتة، وإن كانت عبادة بعضهم توهم ذلك.
قوله تعالى: {باتخاذكم العجل} الباء للسببية، متعلّقة ب {ظلمتم}، وقد تقدم الخلاف في مثل هذه لمادة.
و{العِجْل} مفعول أوّل، والثَّاني محذوف أي: إلهًا كما تقدم، والمصدر هُنَا مضاف للفاعل، وهو أحسن الوجهين، فإن المصدر إذا اجتمع فاعله ومفعوله فالأولى إضافته إلى الفاعل؛ لأنه رتبته التقديم، وهذا من الصور التي يجب فيها تقديم الفاعل.
وأما {قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام: 137] فسيأتي إن شاء الله تعالى.
وتقدّم الكلام في {العِجْل}.
قوله: {إلى بَارِئِكُمْ} متعلّق ب {توبوا}، والمشهور كسر الهمزة؛ لأنها حركة إعراب.
وروي عن أبي عمرو ثلاثة أوجه أخر:
الاخْتِلاَس: وهو الإتيان بحركة خفية، والسكون المحض، وهذه قد طعن فيها جماعة من النحاة، ونسبوا راويها إلى الغَلَطِ على أبي عَمْرو.
وقال سيبويه: إنما اختلس أبو عمرو فظنَّه الراوي سَكَّن ولم يضبط.
وقال المبرِّد: لا يجوز التسكين مع تَوَالِي الحركات في حرف الإعراب في كلام ولا شِعْرِ، وقراءة أبي عمرو لحن.
وهذه جرأة من المبرد، وجهل بأشعار العرب، فإن السُّكُونَ في حركات الإعراب قد ورد في الشعر كثيرًا؛ منه قول امرء القيس: السريع:
فَالْيَوْمَ أَشْرَبْ غَيْرَ مُنْتَحْقِبٍ ** إِنْمًا مِنَ الله وَلاَ وَاغِلِ

فَسكَّن أَشْرَبْ، وقال جَرِير: البسيط:
وَنَهْرُ تِيرَى فَلاَ تَعْرِفْكُمُ العَرَبُ

وقال آخر: السريع:
رُحْتِ وفي رِجْلَيْكِ مَا فِيهِمَا ** وَقَدْ بَدَا هَنْكِ مِنَ المِئْزَرِ

يريد: هَنُك وتَعْرِفُكُكم فهذه حركات إعراب، وقد سُكّنت، وقد أنشد ابن عطية وغيره رَدَّا عليه قوله: الرجز:
قَالَتْ سُلَيْمَى: اشْتَرْ لَنَا سَوِيقَا

وقول آخر: الرجز:
إِذَا اعْوَجَجْنَ قُلْتُ: صَاحِبْ قَوِّمِ

وقول الآخر: الرمل:
إِنَّما شِعْريَ شَهْدٌ ** قَدْ خُلِطْ بِجْلْحُلانِ

ولا يحسن ذلك؛ لأنها حركات بناء، وإما منع هو ذلك من حركات الإعراب، وقراءة أبي عمرو صحيحةٌ، وذلك أن الهمزة حرف ثقيلٌ، ولذلك اجتزء عليها بجميع أنواع التخفيف، فاستثقلت عليها الحركة فقدِّرتن وهذه القراءة تشبه قراءة حمزة رحمه الله في قوله تعالى: {وَمَكْرَ السيئ وَلاَ} فإنه سكن همزة {السّيِّئ} وصلًا، والكلام عليهما واحد، والذي حسنه هنا أنّ قبل كسرةِ الهمزةِ راءٌ مكسورةٌ، والراء حرف تكرير، فكأنه توالى ثلاث كسرات فحسن التَّسْكين، وليت المبرِّد اقتدى بسيبويه في الاعْتِذَار عن أبي عمرو.
وجميع رواية أبي عمرو دائرة على التَّخْفيف، وذلك يدغم المثلين، والمتقاربين، ويُسَهِّل الهمزة، ويسكن نحو: {يَنصُرْكُمُ} [آل عمران: 160] و{يَأْمُرُكُمْ} [البقرة: 67] و{بِأَعْلَمَ بالشاكرين} [الأنعام: 53] علكى تفصيل معروف عند القُرَّاء، وروي عنه إبدالُ هذه الهمزة السَّاكنة ياءً، كأنه لم يعتدّ بالحركة المقدرة، وبعضهم ينكر ذلك عنه، فهذه أربع قراءات لأبي عمرو.
وروى ابن عطية عن الزهري: {بَارِيكُمْ} بكسر الياء من غير همزة قال: ورويت عن نافع.
قلتك من حق هذا القارئ أن يكسن الياء؛ لأن الكسرة ثقيلةٌ عليها، ولا يجوز ظهورها إلاّ في ضرورة شعر؛ كقول أبي طالب: الطويل:
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ الله نُبْزِي مُحَمَّدًا ** وَلَمْ تَخْتَضِبْ سُمْرُ العَوَالِي بالدَّمِ

وقرأ قتادة: {فَاقْتَالُوا} وقال: هي من الاستِقَالة.
قال ابن جنِّي: اقْتَالَ: افتعل، ويحتمل أن تكون عينها واوًا كاقْتَادُوا أوياء كاقْتَاسَ، والتصريف يضعف أن تكون من الاستقالة.
ولكن قتادة ينبغي أن يُحْسَنَ الظنُّ به في أنه لم يورد ذلك إلا بحجّة عنده.
وقرئ أيضًا: {فَأَقِيلُوا أنفسكم} بالياء المُثَنَّاة التحتية، وهي موافقة للرسم أيضًا.
والبارئ: الخالق، برأ الله الخلق أي: خلقهم، وقد فرق بعضهم بين الخَالِقِ والبارئ، بأن البَارِئ هو المبدع والمُحْدِث، والخالق هو المقدر النَّاقل من حال إلى حال، وأصل هذه المادّة يدلّ على الانفصال والتميز، ومنه: برأ المريض بُرْءًا وبَرْءًا وبَرَاءَةً، وبرئت أيضًا من الدَّيْن براءةً، والبَرِيّة: الخلق؛ لأنهم انفصلوا من العَدَمِ إلى الوجود، إلاّ أنه لا يهمز.
وقيل: أصله من البَرَى وهو التراب.
وسيأتي تحقيق القولين إن شاء الله تعالى.
قوله: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ}.
قال بعضهم: {ذلكم} مفرد وقاع مقوع ذانكم المُثَنَّى؛ لأنه قد تقدّم اثنان: التوبة، والقَتْل.
قال أبو البقاء: وهذا ليس بشيء؛ لأن قوله: {فاقتلوا} تفسير للتوبة فهو واحد.
و{خير} أفعل تفضيل، وأصله: أَخْيَر، وإنما حذفت همزته تخفيفًا، ولا ترجع هذه الهمزة إلا في ضرورة؛ قال: الرجز:
بِلاَلٌ خَيْرٌ النَّاسِ وَابْنُ الأخْيَرِ

ومثله: شَرّ لا يجوز أَشَرّ إلا في ندور، وقد قرئ: {مَّنِ الكذاب الأشر} [القمر: 26] وإذا بني من هذه المادة فعل تعجّب على أفْعَل، فلا تحذف همزته إلا في ندور، كقولهم: ما خَير اللبن للصحيح، وما شَرّه للمبطون، فخَيْر وشَرّ قد خرجا عن نظائرهما في باب التَّفضيل والتعجُّب.
وخَيْر أيضًا مخفف من خَيْر على فَيْعل ولا يكون من هذا الباب، ومنه: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن: 70].
قال بعضهم: مخفف من خَيِّرات.
والمفضّل عليه محذوف للعلم به، أي: خير لكم من عدم التوبة.
ولأفعل التفضيل أحكام كثيرة، وباقي منها ما يضطر إليه.
قوله: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} في الكلام حّذْفٌ، وهو: ففعلتم ما أمرتم به من القتل فتاب عليكم، والفاء الأولى في قوله: {فَتُوبُوا} للسببية؛ لأن الظلم سَبَبُ التوبة.
والثانية للتعقيب؛ لأن المعنى: فاعزموا على التَّوْبةن فاقتلوا أنفسكم.
والثَّالثة متعلقة بمحذوف ولا يخلو: إما أن ينتظم في قول مُوسَى لهم فيتعلّق بشرط محذوف، كأنه قال: وإن فعلتم فقد تاب عليكم، وإما أن يكون خطابًا من الله لهم على طريقة الالْتِفَاتِ، فيكون التقدير: ففعلتم ما أمركم به موسى، فتاب عليكم بارئكم. قاله الزمخشري. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (55):

قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما استتيبوا عن عبادة العجل التي تقيدوا فيها بالمحسوس الذي هو مثل في الغباوة طلبوا رؤية بارئهم بالحس على ما له من صفات الكمال التي تأبى الابتذال ناسين لجميع النعم والنقم مسرعين في الكفر الذي هو من شأن الحائر والحال أن الفرقان الذي لا يدع شبهة ولا يبقى حيرة قائم بين أيديهم، لأنهم من الجمود والوقوف مع الوهم والحس بمكان عظيم، فذكرهم سبحانه ذلك مسليًا للنبي صلى الله عليه وسلم في إبائهم للإيمان به بما فعلوا مع موسى عليه السلام وهو أحدهم فقال: {وإذ قلتم} أي بعد ما رأيتم من الآيات وشاهدتم من الأمور البينات {يا موسى} فدعوتموه باسمه جفاء وغلظة كما يدعو بعضكم بعضًا ولم تخصوه بما يدل على تعظيمه لما رأيتم من إكرام الله له وإكرامكم على يده {لن} وهي كلمة تفهم نفي معنى باطن كأنها لا أن، يُسِّر بالتخفيف لفظها- قاله الحرالي.
{نؤمن لك} أي لأجل قولك.
قال الحرالي: وجاء باللام لأنهم قد كانوا آمنوا به فتوقفوا عن الإيمان له الذي يتعلق بأمور من تفاصيل ما يأتيهم به، فمن آمن لأحد فقد آمن بأمور لأجله، ومن آمن به فقد قَبِل أصل رسالته {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} [التوبة: 61] {حتى} كلمة تفهم غاية محوطة يدخل ما بعدها في حكم ما قبلها مقابل معنى لكي {نرى} من الرؤية وهي اطلاع على باطن الشيء الذي أظهر منه مبصره الذي أظهره منه منظره، ومنه يقال في مطلع المنام: رؤيا، لأن ذوات المرئي في المنام هي أمثال باطنه في صورة المنظور إليه في اليقظة- انتهى.
{الله} أي مع ما له من العظمة {جهرة} أي عيانًا من غير خفاء ولا نوع لبس.
قال الحرالي: من الجهر وهو الإعلان بالشيء إلى حد الشهرة وبلاغه لمن لا يقصد في مقابلة السر المختص بمن يقصد به، وهذا المطلوب مما لا يليق بالجهر لتحقيق اختصاصه بمن يكشف له الحجاب من خاصة من يجوّزه القرب من خاصة من يقبل عليه النداء من خاصة من يقع عنه الإعراض، فكيف أن يطلب ذلك جهرًا حتى يناله من هو في محل البعد والطرد! وفيه شهادة بتبلدهم عن موقع الرؤية، فإن موسى عليه السلام قال: {رب أرني} [الأعراف: 143] وقال تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22- 23] وقال عليه الصلاة والسلام: «إنكم ترون ربكم» فالاسم المذكور لمعنى الرؤية إنما هو الرب لما في اسم الله تعالى من الغيب الذي لا يذكر لأجله إلا مع ما هو فوت لا مع ما هو في المعنى نيل، وذلك لسر من أسرار العلم بمواقع معاني الأسماء الحسنى فيما يناسبها من ضروب الخطاب والأحوال والأعمال، وهو من أشرف العلم الذي يفهم به خطاب القرآن حتى يضاف لكل اسم ما هو أعلق في معناه وأولى به وإن كانت الأسماء كلها ترجع معاني بعضها لبعض، {فأخذتكم} من الأخذ وهو تناول الشيء بجملته بنوع بطش وقوة- انتهى.
أي لقولكم هذا لما فيه من الفظاعة وانتهاك الحرمة، {الصاعقة} قيل: هي صيحة، وقيل: نار نزلت من السماء فأحرقتهم، ويؤيده قوله: {وأنتم تنظرون} أي تلك الصاعقة فأماتتكم، لأنكم كنتم في طلبكم رؤيته على ضرب من حال عبدة العجل، فأماتكم كما أماتهم بالقتل. اهـ.