فصل: (سورة هود: الآيات 12- 14)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة هود: الآيات 12- 14]

{فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)}

.اللغة:

{ضائِقٌ}: اسم فاعل من ضاق وهو أولى بالآية من ضيق لوجهين أحدهما انه عارض وليس على جهة الثبوت وثانيهما أنه أشبه بتارك.

.الإعراب:

{فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} الفاء استئنافية. ولعل على بابها من الترجي بالنسبة للمخاطب وقيل هي للاستفهام الانكاري كقوله صلى اللّه عليه وسلم لعلنا أعجلناك وسيأتي القول في لعل في باب الفوائد، والكاف اسمها وتارك خبرها وبعض مفعول به لتارك وما اسم موصول مضاف لبعض وجملة يوحى صلة وإليك متعلقان بيوحى أو بمحذوف حال وضائق عطف على تارك وبه متعلقان بضائق وصدرك فاعل لضائق ويجوز أن يكون ضائق خبرا مقدما وصدرك مبتدأ مؤخرا والجملة خبر ثان للعلك فيكون قد أخبر بخبرين أحدهما مفرد والثاني جملة عطفت على مفرد لأنها بمعناه.
{أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ} أن وما في حيزها مصدر في موضع نصب مفعول من أجله أي مخافة قولهم وأعربه بعضهم بدلا من الهاء في قوله وضائق به صدرك وليس ببعيد ولولا تحضيضية وأنزل فعل ماض مبني للمجهول وعليه جار ومجرور متعلقان به وكنز نائب فاعل، أو حرف عطف وجاء فعل ماض ومعه ظرف متعلق بجاء وملك فاعل.
{إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} إنما كافة ومكفوفة وأنت مبتدأ ونذير خبره واللّه مبتدأ وعلى كل شيء متعلقان بوكيل ووكيل خبر اللّه.
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ} أم منقطعة بمعنى بل ويقولون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون وجملة افتراه مقول القول وهو تقرير في صورة الاستفهام والتقدير بل أيقولون افتراه.
{قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ} الفاء الفصيحة وأتوا فعل أمر وفاعل وبعشر متعلقان به وسور مضاف اليه ومثله صفة، ومثل وان كانت بلفظ الافراد فانها يوصف بها المثنى والمجموع والمؤنث كقوله تعالى: {أنؤمن لبشرين مثلنا} وتجوز المطابقة، قال تعالى: {وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون}.
{وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} وادعوا عطف على فأتوا والواو فاعل ومن مفعول به وجملة استطعتم صلة ومن دون اللّه جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال وإن شرطية وكنتم كان واسمها وهو فعل الشرط وصادقين خبر كنتم وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله أي فأتوا وادعوا.
{فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} الفاء عاطفة وإن شرطية ولم حرف نفي وقلب وجزم ويستجيبوا مجزوم بلم وهو فعل الشرط والواو فاعل والضمير يعود على من استطعتم ولكم متعلقان بيستجيبوا والفاء رابطة واعلموا فعل أمر وفاعل وأنما كافة ومكفوفة وقد سدت مع مدخولها مسد مفعولي اعلموا وأنزل فعل ماض مبني للمجهول وبعلم اللّه حال أي متلبسا بعلم اللّه فالباء للملابسة.
{وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} وأن الواو عاطفة وأن مخففة من الثقيلة وهي منسوقة على أن قبلها ولا إله إلا هو تقدم إعرابه مستوفى والفاء عاطفة وهل حرف استفهام وأنتم مبتدأ ومسلمون خبر.

.الفوائد:

{لعل} هي للتوقع وعبر عنه قوم بالترجي في الشيء المحبوب نحو لعل الحبيب قادم وقوله تعالى: {لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا} والإشفاق في الشيء المكروه نحو: {فلعلك باخع نفسك} أي قاتل نفسك والمعنى أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة على ما فاتك من اسلام قومك فتوقع المحبوب يسمى ترجيا وتوقع المكروه يسمى إشفاقا وقال الأخفش والكسائي: وتأتي لعل للتعليل نحو افرغ من عملك لعلنا نتغدى ومنه قوله تعالى: {لعله يتذكر} أي ليتذكر وقال الكوفيون تأتي لعل للاستفهام، قال في المغني ولهذا علق به الفعل نحو: {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} وقوله تعالى: {وما يدريك لعله يزكى} وبعض العرب يجرون بها ويستشهدون على ذلك بقوله:
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت ** جهرة لعل أبي المغوار منك قريب

إذا عرفت ما قرره النحاة فأي من معاني لعل ينطبق على الآية التي نحن بصددها؟ إذا كانت للتوقع فتوقع ترك التبليغ لا يليق بمقام النبوة وأجابوا عن هذا الاعتراض بأننا لا نسلم أن لعل على بابها من الترجي بل هي هنا للتبعيد فانها تستعمل لذلك أيضا وجواب آخر وهو أن تكون هنا للاستفهام الانكاري كما تقدم والمعنى انك بلغ الجهد في تبليغهم انهم يتوقعون منك ترك التبليغ لبعضه وهو جميل جدا.

.[سورة هود: الآيات 15- 16]

{مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (16)}

.اللغة:

{وَزِينَتَها} الزينة تحسين الشيء بغيره من لبسة أو حلية أو هيئة، يقال زانه يزينه زينة وزيّنه يزينه تزيينا.
{نُوَفِّ}: التوفية تأدية الحق على التمام.
{يُبْخَسُونَ}: البخس نقصان الحق وكل ظالم باخس وفي المثل: تحسبها حمقاء وهي باخس.

.الإعراب:

{مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ} من اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ واسم كان ضمير مستتر يعود على من وجملة يريد الحياة الدنيا خبر كان وكان فعل الشرط مجزوم محلا وزينتها عطف على الحياة ونوفّ جواب الشرط مجزوم بحذف حرف العلة وإليهم جار ومجرور متعلقان بنوفّ وأعمالهم مفعول به وفيها متعلقان بمحذوف حال وهم الواو حالية وهم مبتدأ وفيها متعلقان بيبخسون وجملة لا يبخسون خبر هم، وقال الفراء: كان هنا زائدة وتقديره من يرد الحياة الدنيا، وهو قول جميل وضريف لولا أنه غير مطرد ولا يسوغ حمل القرآن عليه.
{أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} اسم الاشارة مبتدأ والذين خبره وجملة ليس صلة ولهم خبر مقدم لليس وفي الآخرة حال وإلا أداة حصر والنار اسم ليس المؤخر.
{وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} الواو عاطفة وحبط فعل ماض وما فاعله وجملة صنعوا صلة ويجوز أن تكون ما مصدرية وهي مع مدخولها في تأويل مصدر فاعل حبط، وفيها متعلقان بصنعوا أو بحبط وباطل الواو عاطفة وباطل خبر مقدم وما اسم موصول مبتدأ مؤخر ويجوز أن تكون ما مصدرية وهي مع مدخولها في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر وكانوا كان واسمها وجملة يعملون خبرها.

.[سورة هود: الآيات 17- 22]

{أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِمامًا وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (17) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (19) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (21) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)}

.اللغة:

{البينة}: الحجة الفاصلة بين الحق والباطل.
{مِرْيَةٍ}: المرية بالكسر والضم الشك ففيها لغتان أشهرهما الكسر وهي لغة أهل الحجاز والضم لغة بني أسد.
{لا جَرَمَ}: قال السيوطي في الإتقان: وردت في القرآن في خمسة مواضع متلوة بأن واسمها ولم يجئ بعدها فعل واختلف فيها فقيل لا نافية لما تقدم وقيل زائدة.
هذا وفي هذه اللفظة خلاف طويل بين النحاة ويتلخص ذلك الخلاف فيما يلي:
الأول: ما ذهب اليه الخليل وسيبويه وهو انها مركبة من لا النافية وجرم، بنيتا على تركيبهما تركيب خمسة عشر وصار معناهما معنى فعل وهو حق فعلى هذا يرتفع ما بعدهما بالفاعلية فقوله تعالى: {لا جرم أن لهم النار} أي حق وثبت كون النار لهم أو استقرارها لهم.
الثاني: ان لا جرم بمنزلة لا رجل في كون لا نافية للجنس وجرم اسمها مبني على الفتح وهي واسمها في موضع رفع بالابتداء وما بعدهما خبر لا وصار معناها لا محالة ولابد في أنهم في الآخرة أي في خسرانهم وهذا مذهب الفراء.
الثالث: ان لا نافية لكلام متقدم تكلم به الكفرة فرد اللّه عليهم ذلك بقوله لا، كما ترد هذه قبل القسم في قوله لا أقسم ثم أتى بعدها بجملة فعلية وهي جرم أن لهم كذا وجرم فعل ماض معناه كسب وفاعله مستتر يعود على فعلهم المدلول عليه بسياق الكلام وأن وما في حيزها في موضع المفعول به لأن جرم يتعدى إذا كان بمعنى كسب وعلى هذا فالوقف على لا ثم يبتدأ بجرم بخلاف ما تقدم.
الرابع: ان معناها لا حد ولا منع ويكون جرم بمعنى القطع تقول: جرمت أي قطعت فيكون جرم اسم لا مبنيا معها على الفتح كما نقدم وخبرها أن وما في حيزها على حذف حرف الجر أي لا منع من خسرانهم.
وفي هذه اللفظة لغات: لا جرم بكسر الجيم ولا جرم بضمها ولا جر بحذف الميم ولا ذا جرم ولا ذو جرم وغير ذلك وعلى كل فإن هذا التعبير يستعمل في أمر يقطع عليه ولا يرتاب فيه.