فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكان الشيخ الإمام الوالد رحمه الله تعالى يقول: لولا الأسباب لما ارتاب مرتاب، فأكثر الناس عقولهم ضعيفة واشتغال عقولهم بهذه الوسائط الفانية يعميها عن مشاهدة أن الكل منه، فأما الذين توغلوا في المعارف الإلهية وخاضوا في بحار أنوار الحقيقة علموا أن ما سواه ممكن لذاته موجود بإيجاده، فانقطع نظرهم عما سواه وعلموا أنه سبحانه وتعالى هو الضار والنافع والمعطي والمانع.
ثم إنه تعالى لما بين هذه الأحوال قال: {وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} والأمر كذلك، لأن من اشتغل بعبادة غير الله صار في الدنيا أعمى، {مَن كَانَ في هذه أعمى فَهُوَ في الآخرة أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} [الإسراء: 72] والذي يبين ذلك أن من أقبل على طلب الدنيا ولذاتها وطيباتها قوي حبه لها ومال طبعه إليها وعظمت رغبته فيها، فإذا مات بقي معه ذلك الحب الشديد والميل التام وصار عاجزًا عن الوصول إلى محبوبه، فحينئذ يعظم البلاء ويتكامل الشقاء، فهذا القدر المعلوم عندنا من عذاب ذلك اليوم، وأما تفاصيل تلك الأحوال فهي غائبة عنا ما دمنا في هذه الحياة الدنيوية.
ثم بين أنه لابد من الرجوع إلى الله تعالى بقوله: {إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ على شَئ قَدِيرٌ}.
واعلم أن قوله: {إلى الله مَرْجِعُكُمْ} فيه دقيقة، وهي: أن هذا اللفظ يفيد الحصر، يعني أن مرجعنا إلى الله لا إلى غيره، فيدل هذا على أن لا مدبر ولا متصرف هناك إلا هو والأمر كذلك أيضًا في هذه الحياة الدنيوية، إلا أن أقوامًا اشتغلوا بالنظر إلى الوسائط فعجزوا عن الوصول إلى مسبب الأسباب، فظنوا أنهم في دار الدنيا قادرون على شيء، وأما في دار الآخرة، فهذا الحال الفاسد زائل أيضًا، فلهذا المعنى بين هذا الحصر بقوله: {إلى الله مَرْجِعُكُمْ}.
ثم قال: {وَهُوَ على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} وأقول إن هذا تهديد عظيم من بعض الوجوه وبشارة عظيمة من سائر الوجوه.
أما إنه تهديد عظيم فلأن قوله تعالى: {إلى الله مَرْجِعُكُمْ} يدل على أنه ليس مرجعنا إلا إليه، وقوله: {وَهُوَ على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} يدل على أنه قادر على جميع المقدورات لا دافع لقضائه ولا مانع لمشيئته والرجوع إلى الحاكم الموصوف بهذه الصفة مع العيوب الكثيرة والذنوب العظيمة مشكل وأما أنه بشارة عظيمة فلأن ذلك يدل على قدرة غالبة وجلالة عظيمة لهذا الحاكم وعلى ضعف تام وعجز عظيم لهذا العبد، والملك القاهر العالي الغالب إذا رأى عاجزًا مشرفًا على الهلاك فإنه يخلصه من الهلاك، ومنه المثل المشهور: ملكت فاسجح.
يقول مصنف هذا الكتاب: قد أفنيت عمري في خدمة العلم والمطالعة للكتب ولا رجاء لي في شيء إلا أني في غاية الذلة والقصور والكريم إذا قدر غفر، وأسألك يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين وساتر عيوب المعيوبين ومجيب دعوة المضطرين أن تفيض سجال رحمتك على ولدي وفلذة كبدي وأن تخلصنا بالفضل والتجاوز والجود والكرم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَأَنِ اسْتَغفْفِرُواْ رَبَّكمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ}
فيه وجهان:
أحدهما: استغفروه من سالف ذنوبكم ثم توبوا إليه من المستأنف متى وقعت منكم. قال بعض العلماء: الإٍستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين. الثاني: أنه قدم ذكر الاستغفار لأن المغفرة هي الغرض المطلوب والتوبة هي السبب إليها، فالمغفرة أولٌ في الطلب وآخر في السبب.
ويحتمل ثالثًا: أن المعنى استغفروه من الصغائر وتوبوا إليه من الكبائر: {يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا} يعني في الدنيا وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه طيب النفس وسعة الرزق.
الثاني: أنه الرضا بالميسور، والصبر على المقدور.
الثالث: أنه ترْك الخلق والإقبال على الحق، قاله سهل بن عبد الله ويحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه الحلال الكافي.
الثاني: أنه الذي لا كد فيه ولا طلب.
الثالث: أنه المقترن بالصحة والعافية.
{إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: إلى يوم القيامة، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: إلى يوم الموت، قاله الحسن. الثالث: إلى وقت لا يعلمه إلا الله تعالى، قاله ابن عباس.
{وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} فيه وجهان:
أحدهما: يهديه إلىلعمل الصالح، قاله ابن عباس.
الثاني: يجازيه عليه في الآخرة، على قول قتادة. ويجوز أن يجازيه عليه في الدنيا، على قول مجاهد.
{وَإن تَوَلَّوْا} يعني عما أُمرتم له.
{فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} وفيه إضمار وتقدير: فقل لهم إني أخاف عليكم عذاب يوم كبير يعني يوم القيامة وصفه بذلك لكبر الأمور التي هي فيه. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إِليه}
فيه قولان:
أحدهما: أن الاستغفار والتوبة هاهنا من الشرك، قاله مقاتل.
والثاني: استغفروه من الذنوب السالفة، ثم توبوا إِليه من المستأنفة متى وقعت.
وذُكر عن الفراء أنه قال: {ثم} هاهنا بمعنى الواو.
قوله تعالى: {يمتعكم متاعًا حسنًا} قال ابن عباس: يتفضل عليكم بالرزق والسَّعَة.
وقال ابن قتيبة: يُعمِّركْم.
وأصل الإِمتاع: الإِطالة، يقال: أمتع الله بك، ومتَّع الله بك، إِمتاعًا ومتاعًا، والشيء الطويل: ماتع، يقال: جبل ماتع، وقد متع النهار: إِذا تطاول.
وفي المراد بالأجل المسمى قولان:
أحدهما: أنه الموت، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة.
والثاني: أنه يوم القيامة، قاله سعيد بن جبير.
قوله تعالى: {ويؤت كل ذي فضل فضله} في هاء الكناية قولان:
أحدهما: أنها ترجع إلى الله تعالى.
ثم في معنى الكلام قولان:
أحدهما: ويؤت كل ذي فضل من حسنةٍ وخيرٍ فضله، وهو الجنة.
والثاني: يؤتيه فضله من الهداية إِلى العمل الصالح.
والثاني: أنها ترجع إِلى العبد، فيكون المعنى: ويؤت كل من زاد في إِحسانه وطاعاته ثواب ذلك الفضل الذي زاده، فيفضِّله في الدنيا بالمنزلة الرفيعة، وفي الآخرة بالثواب الجزيل.
قوله تعالى: {وإِن تولَّوا} أي: تُعرضوا عما أُمرتم به.
وقرأ أبو عبد الرحمن السُّلَمي، وأبو مجلز، وأبو رجاء: {وإِن تُوَلُّوا} بضم التاء.
{فإني أخاف عليكم} فيه إِضمار {فقل}.
واليوم الكبير: يوم القيامة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأَنِ استغفروا رَبَّكُمْ}
عطف على الأوّل.
{ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ} أي ارجعوا إليه بالطاعة والعبادة.
قال الفرّاء: {ثم} هنا بمعنى الواو؛ أي وتوبوا إليه؛ لأن الاستغفار هو التوبة، والتوبة هي الاستغفار.
وقيل: استغفروه من سالف ذنوبكم، وتوبوا إليه من المستأنف متى وقعت منكم.
قال بعض الصلحاء: الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين.
وقد تقدّم هذا المعنى في آل عمران مستوفى.
وفي البقرة عند قوله: {وَلاَ تتخذوا آيَاتِ الله هُزُوًا}.
وقيل: إنما قدم ذكر الاستغفار لأن المغفرة هي الغرض المطلوب، والتوبة هي السبب إليها؛ فالمغفرة أوّل في المطلوب وآخر في السبب.
ويحتمل أن يكون المعنى استغفروه من الصغائر، وتوبوا إليه من الكبائر.
{يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا} هذه ثمرة الاستغفار والتوبة، أي يمتعكم بالمنافع من سعة الرزق ورغد العيش، ولا يستأصلكم بالعذاب كما فعل بمن أهلك قبلكم.
وقيل: يمتّعكم يُعمِّركم؛ وأصل الإمتاع الإطالة، ومنه أَمتع اللَّهُ بك ومَتَّع.
وقال سهل بن عبد الله: المتاع الحسن ترك الْخَلق والإقبال على الحق.
وقيل: هو القناعة بالموجود، وترك الحزن على المفقود.
{إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} قيل: هو الموت.
وقيل: القيامة.
وقيل: دخول الجنة.
والمتاع الحسن على هذا وقاية كلّ مكروه وأمرٍ مَخُوف، مما يكون في القبر وغيره من أهوال القيامة وكُرَبها؛ والأوّل أظهر؛ لقوله في هذه السورة: {ويا قوم استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52].
وهذا ينقطع بالموت وهو الأجل المسمى.
والله أعلم.
قال مقاتل: فأبوا فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فابتلوا بالقحط سبع سنين حتى أكلوا العظام المحرَقة والقَذَر والجيف والكلاب.
{وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} أي يؤت كل ذي عمل من الأعمال الصالحات جزاء عمله.
وقيل: ويؤت كلّ من فضلت حسناته على سيئاته: {فَضْلَهُ} أي الجنة، وهي فضل الله؛ فالكناية في قوله: {فَضْلَهُ} ترجع إلى الله تعالى.
وقال مجاهد: هو ما يحتسبه الإنسان من كلام يقوله بلسانه، أو عمل يعمله بيده أو رجله، أو ما تطوّع به من ماله فهو فضل الله، يؤتيه ذلك إذا آمن، ولا يتقبله منه إن كان كافرًا.
{وَإِن تَوَلَّوْاْ فإني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} أي يوم القيامة، وهو كبير لما فيه من الأهوال.
وقيل: اليوم الكبير هو يوم بدر وغيره: و: {تَوَلَّوْا} يجوز أن يكون ماضيًا ويكون المعنى: وإن تولّوا فقل لهم إني أخاف عليكم.
ويجوز أن يكون مستقبلًا حذفت منه إحدى التاءين والمعنى: قل لهم إن تتولّوا فإني أخاف عليكم.
قوله تعالى: {إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ} أي بعد الموت.
{وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} من ثواب وعقاب. اهـ.

.قال الخازن:

{وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} اختلفوا في بيان الفرق بين هذين المرتبتين فقيل معناه اطلبوا من ربكم المغفرة لذنوبكم ثم ارجعوا إليه لأن الاستغفار هو طلب الغفر وهو الستر والتوبة الرجوع عما كان فيه من شرك أو معصية إلى خلاف ذلك فلهذا السبب قدم الاستغفار على التوبة وقيل معناه استغفروا ربكم لسالف ذنوبكم ثم توبوا إليه في المستقبل وقال الفراء: ثم هنا بمعنى الواو لأن الاستغفار والتوبة بمعنى واحد فذكرهما للتأكيد: {يمتعكم متاعًا حسنًا} يعني إنكم إذا فعلتم ما أمرتم به من الاستغفار والتوبة وأخلصتم العبادة لله بسط عليكم من الدنيا وأسباب الرزق ما تعيشون به في أمن وسعة وخير، قال بعضهم: المتاع الحسن هو الرضا بالميسور والصبر على المقدور: {إلى أجل مسمى} يعني يمتعكم متاعًا حسنًا إلى حين الموت ووقت انقضاء آجالكم.
فإن قلت قد ورد في الحديث: «إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» وقد يضيق على الرجل في بعض أوقاته حتى لا يجد ما ينفقه على نفسه وعياله فيكف الجمع مبين هذا وبين قوله سبحانه وتعالى: {يمتعكم متاعًا حسنًا إلى أجل مسمى}.
قلت أما قوله صلى الله عليه وسلم: «الدنيا سجن المؤمن» فهو بالنسبة إلى ما أعد الله له في الآخرة من الثواب الجزيل والنعيم المقيم فإنه في سجن في الدنيا حتى يفضي إلى ذلك المعد له وأما كون الدنيا جنة الكافر فهو النسبة إلى ما أعد الله له في الآخرة من العذاب الأليم الدائم الذي لا ينقطع فهو في الدنيا في جنة حتى يفضي إلى ما أعد الله له في الآخرة وأما ما يضيق على الرجل المؤمن في بعض الأوقات فإنما ذلك لرفع الدرجات وتكفير السيئات وبيان الصبر عند المصيبات فعلى هذا يكون المؤمن في جميع أحواله في عيشة حسنة لأنه راض عن الله في جميع أحواله.
وقوله سبحانه وتعالى: {ويؤت كل ذي فضل فضله} أي ويعط كل ذي عمل صالح في الدنيا أجره وثوابه في الآخرة، قال أبو العالية: من كثرت طاعاته في الدنيا زادت حسناته ودرجاته في الجنة لأن الدرجات تكون على قدر الأعمال، وقال ابن عباس: من زادت حسناته على سيئاته دخل الجنة ومن زادت سيئاته دخل النار ومن استوت حسناته وسيئاته كان من الأعراف ثم يدخلون الجنة.
وقال ابن مسعود: من عمل سيئة كتبت عليه سيئة ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات فإن عوقب بالسيئة التي عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من حسناته العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات ثم يقول ابن مسعود: هلك من غلبت آحاده أعشاره وقيل معنى الآية من عمل لله وفقه الله في المستقبل لطاعته: {وإن تولوا} يعني وإن أعرضوا عما جئتم به من الهدى: {فإني أخاف عليكم} أي: فقل لهم يا محمد إني أخاف عليكم: {عذاب يوم كبير} يعني: عذاب النار في الآخرة: {إلى الله مرجعكم} يعني في الآخرة فيثيب المحسن على إحسانه ويعاقب المسيء على إساءته: {وهو على كل شيء قدير} يعني من إيصال الرزق إليكم في الدنيا وثوابكم وعقابكم في الآخرة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وأنْ استغفروا} معطوف على أنْ لا تعبدوا، نهي أو نفي أي: لا يعبد إلا الله.
وأمر بالاستغفار من الذنوب، ثم بالتوبة، وهما معنيان متباينان، لأنّ الاستغفار طلب المغفرة وهي الستر، والمعنى: أنه لا يبقى لها تبعة.
والتوبة الانسلاخ من المعاصي، والندم على ما سلف منها، والعزم على عدم العود إليها.
ومن قال: الاستغفار توبة، جعل قوله: ثم توبوا، بمعنى أخلصوا التوبة واستقيموا عليها.
قال ابن عطية: وثم مرتبة، لأن الكافر أول ما ينيب، فإنه في طلب مغفرة ربه، فإذا تاب وتجرد من الكفر تم إيمانه.
وقال الزمخشري: (فإن قلت): ما معنى ثمّ في قوله: ثم توبوا إليه؟ (قلت): معناه استغفروا من الشرك، ثم ارجعوا إليه بالطاعة.
وقرأ الحسن، وابن هرمز، وزيد بن علي، وابن محيصن: يمتعكم بالتخفيف من أمتع، وانتصب متاعًا على أنه مصدر جاز على غير الفعل، أو على أنه مفعول به.
لأنك تقول: متعت زيدًا ثوبًا، والمتاع الحسن الرضا بالميسور والصبر على المقدور، أو حسن العمل وقطع الأمل، أو النعمة الكافية مع الصحة والعافية، أو الحلال الذي لا طلب فيه ولا تعب، أو لزوم القناعة وتوفيق الطاعة أقوال.
وقال الزمخشري: يطول نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية، وعيشة واسعة، ونعمة متتابعة.
قال ابن عطية: وقيل هو فوائد الدنيا وزينتها، وهذا ضعيف.
لأنّ الكفار يشاركون في ذلك أعظم مشاركة، وربما زادوا على المسلمين في ذلك.
قال: ووصف المتاع بالحسن إنما هو لطيب عيش المؤمن برجائه في الله عز وجل، وفي ثوابه وفرحه بالتقرب إليه بمفروضاته، والسرور بمواعيده، والكافر ليس في شيء من هذا، والأجل المسمى هو أجل الموت قاله: ابن عباس والحسن.
وقال ابن جبير: يوم القيامة، والضمير في فضله يحتمل أن يعود على الله تعالى أي: يعطي في الآخرة كل من كان له فضل في عمل الخير، وزيادة ما تفضل به تعالى وزاده.
ويحتمل أن يعود على كل أي: جزاء ذلك الفضل الذي عمله في الدنيا لا يبخس منه شيء، كما قال: {نوف إليهم أعمالهم} أي جزاءها.
والدرجات تتفاضل في الجنة بتفاضل الطاعات، وتقدم أمران بينهما تراخ، ورتب عليهما جوابان بينهما تراخ، ترتب على الاستغفار التمتيع المتاع الحسن في الدنيا، كما قال: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا يرسل السماء عليكم مدرارًا} الآية وترتب على التوبة إيتاء الفضل في الآخرة، وناسب كل جواب لما وقع جوابًا له، لأنّ الاستغفار من الذنب أول حال الراجع إلى الله، فناسب أن يرتب عليه حال الدنيا.
والتوبة هي المنجية من النار، والتي تدخل الجنة، فناسب أن يرتب عليها حال الآخرة.
والظاهر أنّ تولوا مضارع حذف منه التاء أي: وإنْ تتولوا.
وقيل: هو ماض للغائبين، والتقدير قيل لهم: إني أخاف عليكم.
وقرأ اليماني، وعيسى بن عمر: وإن تولوا بضم التاء واللام، وفتح الواو، مضارع وليّ، والأولى مضارع أولى.
وفي كتاب اللوامح اليماني وعيسى البصرة: وإن تولوا بثلاث ضمات مرتبًا للمفعول به، وهو ضد التبري.
وقرأ الأعرج: تولوا بضم التاء واللام.
وسكون الواو، مضارع أولى، ووصف يوم بكبير وهو يوم القيامة لما يقع فيه من الأهوال.
وقيل: هو يوم بدر وغيره من الأيام التي رموا فيها بالخذلان والقتل والسبي والنهب وأبعد من ذهب إلى أنّ كبير صفة لعذاب، وخفض على الجوار.
وباقي الآية تضمنت تهديدًا عظيمًا وصرحت بالبعث، وذكر أنّ قدرته عامة لجميع ما يشاء، ومن ذلك البعث، فهو لا يعجزه ما شاء من عذابهم. اهـ.