فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

ولما سيق إليهم حديثُ التوحيدِ وأُكد ذلك بخطاب الرسولِ صلى الله عليه وسلم على وجه الإنذارِ والتبشيرِ شُرع في ذكر ما هو من تتماته على وجه يتضمّن تفصيلَ ما أجمل وصف البشير والنذير فقيل: {وَأَنِ استغفروا رَبَّكُمْ} وهو معطوفٌ على أن لا تعبدوا على ما ذكر من الوجهين فعلى الأول أنْ مصدريةٌ لجواز كون صلتِها أمرًا أو نهيًا كما في قوله تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفًا} لأن مدارَ جوازِ كونِها فعلًا إنما هو دلالتُه على المصدر وهو موجودٌ فيهما، ووجوبِ كونِها خبريةً في صلة الموصول الاسميِّ إنما هو للتوصل إلى وصف المعارفِ بالجمل وهي لا توصف بها إلا إذا كانت خبريةً، وأما الموصولُ الحرفيُّ فليس كذلك، ولما كان الخبرُ والإنشاءُ في الدلالة على المصدر سواءً ساغ وقوعُ الأمرِ والنهي صلةً حسبما ساغ وقوعُ الفعلِ فيتجرد عند ذلك عن معنى الأمر والنهي نحوُ تجرّدِ الصلةِ الفعليةِ عن معنى المضيِّ والاستقبال: {ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} عطف على استغفروا والكلامُ فيه كالكلام فيه والمعنى فُعل ما فُعل من الإحكام والتفصيلِ لتخصّوا الله تعالى بالعبادة وتطلُبوا منه سَتر ما فرَط منكم من الشرك ثم ترجِعوا إليه بالطاعة أو تستمرّوا على ما أنتم عليه من التوحيد والاستغفارِ أو تستغفروا من الشرك وتتوبوا من المعاصي، وعلى الثاني أنْ مفسرةٌ أي قيل في أثناء تفصيلِ الآياتِ: لا تعبدوا إلا الله واستغفِروه ثم توبوا إليه، والتعرّضُ لوصف الربوبيةِ تلقينٌ للمخاطَبين وإرشادٌ لهم إلى طريق الابتهالِ في السؤال وترشيحٌ لما يعقُبه من التمتيع وإيتاءِ الفضلِ بقوله تعالى: {يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا} أي تمتيعًا، وانتصابُه على أنه مصدرٌ حذف منه الزوائدُ كقوله تعالى: {أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض نَبَاتًا} أو على أنه مفعولٌ به وهو اسمٌ لما يُتمتّع به من منافع الدنيا من الأموال والبنينَ وغيرِ ذلك، والمعنى يُعِيْشُكم عَيشًا مرضيًا لا يفوتكم فيه شيءٌ مما تشتهون ولا ينغصُه شيءٌ من المكدرات: {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} مقدّرٍ عند الله عز وجل وهو آخرُ أعمارِكم، ولما كان ذلك غايةً لا يطمح وراءَها طامحٌ جرى التمتيعُ إليها مجرى التأييدِ عادةً أو لا يهلككم بعذاب الاستئصال: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ} في الطاعة والعملِ: {فَضْلَهُ} جزاءَ فضلِه إما في الدنيا أو في الآخرة، وهذه تكملةٌ لما أُجمل من التمتيع إلى أجل مسمًّى وتبيينٌ لما عسى يعسُر فهمُ حكمتِه من بعض ما يتفق في الدنيا من تفاوت الحالِ بين العاملين، فرب إنسانٍ له فضلٌ طاعةٌ وعملٌ لا يُمتّع في الدنيا أكثرَ مما مُتِّع آخرُ دونه في الفضل، وربما يكون المفضولُ أكثرَ تمتيعًا فقيل: ويُعطِ كلَّ فاضلٍ جزاءَ فضلِه، إما في الدنيا كما يتفق في بعض المواد وإما في الآخرة، وذلك مما لا مرد له وهذا ضربُ تفصيلٍ لما أُجمل فيما سبق من البشارة، ثم شرُع في الإنذار فقيل: {وَإِن تَوَلَّوْاْ} أي تتولوا عما أُلقي إليكم من التوحيد والاستغفار والتوبةِ، وإنما أُخّر عن البشارة جريًا على سنن تقدمِ الرحمةِ على الغضب أو لأن العذابَ قد علّق بالتولي عما ذكر من التوحيد والاستغفارِ والتوبةِ وذلك يستدعي سابقةَ ذكرِه، وقرئ تُوَلّوا من ولى: {فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} بموجب الشفقة والرأفةِ أو أتوقع: {عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} هو القيامةُ وُصف بالكِبَر كما وصف بالعِظَم في قوله تعالى: {أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} إما لكونه كذلك في نفسه أو وُصف بوصف ما يكون فيه كما وُصفَ بالثقل في قوله تعالى: {ثَقُلَتْ في السموات والأرض} وقيل: يوُم الشدائد وقد ابتلُوا بقَحطٍ أكلوا فيه الجيَفَ، وأيًا ما كان ففي إضافةِ العذابِ إليه تهويلٌ وتفظيعٌ له.
{إلى الله مَرْجِعُكُمْ}
رجوعُكم بالموت ثم البعثِ للجزاء في مثل ذلك اليومِ لا إلى غيره: {وَهُوَ على كُلّ شَئ قَدِيرٌ} فيندرج في تلك الكلية قدرتُه على إماتتكم ثم بعثِكم وجزائِكم فيعذبكم بأفانينِ العذابِ وهو تقريرٌ لما سلف من كِبر اليوم وتعليلٌ للخوف، ولمّا أُلقيَ إليهم فحوى الكتابِ على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وسيق إليهم ما ينبغي أن يُساقَ من الترغيب والترهيبِ وقع في ذهن السامعِ أنهم بعدما سمِعوا مثلَ هذا المقالِ الذي تخِرُّ له صمُّ الجبالِ هل قابلوه بالإقبال أم تمادَوا فيما كانوا عليه من الإعراض والضلالِ، فقيل مصدّرًا بكلمة التنبيهِ إشعارًا بأن ما يعقُبها من هَناتهم أمرٌ يجب أن يُفهم ويتعجَّبَ منه. اهـ.

.قال الألوسي:

قوله تعالى: {وَأَنِ استغفروا رَبَّكُمْ} عطف على: {أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله} [هود: 2] سواء كان نهيًا أو نفيًا وفي: {إن} الاحتمالان السابقان وقد علمت أن الحق أن: {إن} المصدرية توصل بالأمر والنهي كما توصل بغيرهما، وفي توسيط جملة: {إِنِّي لَكُمْ} [هود: 2] إلخ بين المتعاطفين ما لا يخفى من الإشارة إلى علو شأن التوحيد ورفعة قدر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روعي في تقديم الانذار على التبشير ما روعي في الخطاب من تقديم النفي على الإثبات والتخلية على التحلية لتتجاوب الأطراف، والتعرض لوصف الربوبية تلقين للمخاطبين وأرشاد لهم إلى طريق الابتهال في السؤال وترشيح لما يذكر من التمتيع وإيتاء الفضل، وقوله سبحانه: {ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} عطف على: {استغفروا} واختلف في توجيه توسيط: {ثُمَّ} بينهما مع أن الاستغفار بمعنى التوبة في العرف فقال الجبائي: إن المراد بالاستغفار هنا التوبة عما وقع من الذنوب وبالتوبة الاستغفار عما يقع منها بعد وقوعه أي استغفروا ربكم من ذنوبكم التي فعلتموها ثم توبوا إليه من ذنوب تفعلونها، فكلمة: {ثُمَّ} على ظاهرها من التراخي في الزمان، وقال الفراء: إن: {ثُمَّ} بمعنى الواو كما في قوله:
بهز كهز الرديني جرى ** في الأنابيب ثم اضطرب

والعطف تفسيري، وقيل: لا نسلم أن الاستغفار هو التوبة بل هو ترك المعصية والتوبة هي الرجوع إلى الطاعة ولئن سلم أنهما بمعنى فثم للتراخي في الرتبة، والمراد بالتوبة الإخلاص فيها والاستمرار عليها وإلى هذا ذهب صاحب الفرائد.
وقال بعض المحققين: الاستغفار هو التوبة إلا أن المراد بالتوبة في جانب المعطوف التوصل إلى المطلوب مجازًا من إطلاق السبب على المسبب، و: {ثُمَّ} على ظاهرها وهي قرينة على ذلك.
وأنت تعلم أن أصل معنى الاستغفار طلب الغفر أي الستر ومعنى التوبة الرجوع، ويطلق الأول على طلب ستر الذنب من الله تعالى والعفو عنه والثاني على الندم عليه مع العزم على عدم العود فلا اتحاد بينهما بل ولا تلازم عقلًا، لكن اشترط شرعًا لصحة ذلك الطلب وقبوله الندم على الذنب مع العزم على عدم العود إليه، وجاء أيضًا استعمال الأول في الثاني، والاحتياج إلى توجيه العطف على هذا ظاهر، وأما على ذاك فلأن الظاهر أن المراد من الاستغفار المأمور به الاستغفار المسبوق بالتوبة بمعنى الندم فكأنه قيل: استغفروا ربكم بعد التوبة ثم توبوا إليه ولا شبهة في ظهور احتياجه إلى التوجيه حينئذ، والقلب يميل فيه إلى حمل الأمر الثاني على الإخلاص في التوبة والاستمرار عليها، والتراخي عليه يجوز أن يكون رتبيا وأن يكون زمانيًا كما لا يخفى: {يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا} مجزوم بالطلب، ونصب: {متاعا} على أنه مفعول مطلق من غير لفظه كقوله تعالى: {أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض نَبَاتًا} [نوح: 17] ويجوز أن يكون مفعولًا به على أنه اسم لما ينتفع به من منافع الدنيا من الأموال والبنين وغير ذلك، والمعنى كما قيل يعشكم في أمن وراحة، ولعل هذا لا ينافي كون الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ولا كون أشد الناس بلاء الامثل فالأمثل لأن المراد بالأمن أمنه من غير الله تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] وبالراحة طيب عيشه برجاء الله تعالى والتقريب إليه حتى يعد المحنة منحة.
وتعذيبكم عذب لدى وجوركم ** علي بما يقضي الهوى لكم عدل

وقال الزجاج: المراد يبقيكم ولا يستأصلكم بالعذاب كما استأصل أهل القرى الذين كفروا، والخطاب لجميع الأمة بقطع النظر عن كل فرد فرد: {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} مقدر عند الله تعالى وهو آخر أعماركم أو آخر أيام الدنيا كما يقتضيه كلام الزجاج، ولا دلالة في الآية على أن للإنسان أجلين كما زعمه المعتزلة: {وَيُؤْتِ} أي يعط: {كُلَّ ذِي فَضْلٍ} أي زيادة في العمل الصالح: {فَضْلِهِ} أي جزاء فضله في الدنيا أو في الآخرة لأن العمل لا يعطى، وقد يقال: لا حاجة إلى تقدير المضاف، والمراد المبالغة على حد: {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} [الأنعام: 139] والضمير لكل، ويجوز أن يعود إلى الرب، والمراد بالفضل الأول ما أريد به أولا وبالثاني زيادة الثواب بقرينة أن الاعطاء ثواب وحينئذ يستغني عن التأويل.
واختار بعض المحققين التفسير الأول ثم قال: وهذه تكملة لما أجمل من التمتيع إلى أجل مسمى وتبيين لما عسى أن يعسر فهم حكمته من بعض ما يتفق في الدنيا من تفاوت الحال بين العاملين فرب إنسان له فضل طاعة وعمل لا يمتع في الدنيا أكثر مما متع آخر دونه في الفضل وربما يكون المفضول أكثر تمتيعًا فقيل: ويعط كل فاضل جزاء فضله أما في الدنيا كما يتفق في بعض المواد وإما في الآخرة وذلك مما لا مراد له انتهى.
ويفهم من كلام بعضهم عدم اعتبار الانفصال على أنه سبحانه ينعم على ذي الفضل في الدنيا والآخرة ولا يختص إحسانه باحدى الدارين، ولا شك أن كل ذي عمل صالح منعم عليه في الآخرة بما يعلمه الله تعالى وكذا في الدنيا بتزيين العمل الصالح في قلبه والراحة حسب تعليق الرجاء بربه ونحو ذلك ولا إشكال في ذلك كما هو ظاهر للمتأمّل، وقيل: في الآية لفونشر فإن التمتيع مربت على الاستغفار وإيتاء الفضل مرتب على التوبة انتهى.
وأيا مّا كان ففي الكلام ضرب تفصيل لما أجمل فيما سبق من البشارة، ثم شرع في الإنذار بقوله سبحانه: {وَإِن تَوَلَّوْاْ} أي تستمروا على الاعراض عما القى إليكم من التوحيد والاستغفار والتبوة، وأصله تتولوا فهو مضارع مبدوإ بتاء الخطاب لأن ما بعده يقتضيه وحذفت منه إحدى التاءين كما فعل في أمثاله، وقيل: إن: {تَوَلَّوْاْ} ماض غائب فلا حذف ويقدر فيما بعد فقل لهم وهو خلاف الظاهر، وأخر الانذار عن البشارة جريا على سنن تقدم الرحمة على الغضب أو ون العذاب قد علق بالتولي عما ذكر من التوحيد وما معه وذلك يستدعي سابقة ذكره.
وقرأ عيسى بن عمرو، واليماني: {تَوَلَّوْاْ} بضم التاء وفتح الواو وضم اللام وهو مضارع ولى من قولهم: ولى هاربًا أي أدبر: {فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} بمقتضى الشفقة والرأفة أو أتوقع: {عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} هو يوم القيامة وصف بذلك لكبر ما يكون فيه ولذا وصف بالثقل أيضًا، وجوز وصفه بالكبر لكونه كذلك في نفسه، وقيل: المراد به زمان ابتلاهم الله تعالى فيه في الدنيا، وقد روي أنهم ابتلوا بقحط عظيم أكلوا فيه الجيف، وأيا مّا كان ففي إضافة العذاب إليه تهويل وتفظيع له.
{إلى الله مَرْجِعُكُمْ} مصدر ميمي وكان قياسه فتح الجيم لأنه من باب ضرب وقياس مصدره الميمي ذلك كما علم من محله، أي إليه تعالى رجوعكم بالموت ثم البعث للجزاء في مثل ذلك اليوم لا إلى غيره جميعًا لا يتخلف منكم أحد: {وَهُوَ على كُلّ شَئ قَدِيرٌ} فيندرج في تلك الكلية قدرته سبحانه على إماتتكم ثم بعثكم وجوزائكم فيعذبكم بأفانين العذاب، وهذا تقرير وتأكيد لما سلف من ذكر اليوم وتعليل للخوف. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَأَنِ استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}
عطف على جملة: {لا تعبدوا إلا الله} [هود: 2] وهو تفسير ثان يرجع إلى ما في الجملة الأولى من لفظ التفصيل، فهذا ابتداء التفصيل لأنه بيان وإرشاد لوسائل نبذ عبادة ما عدا الله تعالى، ودلائلُ على ذلك وأمثالٌ ونذر، فالمقصود: تقسيم التفسير وهو وجه إعادة حرف التفسير في هذه الجملة وعدم الاكتفاء بالذي في الجملة المعطوف عليها.
والاستغفار: طلب المغفرة، أي طلب عدم المؤاخذة بذنب مضى، وذلك الندم.
والتوبة: الإقلاع عن عَمَل ذنب، والعزمُ على أن لا يعود إليه.
و(ثُم) للترتيب الرتبي، لأن الاعتراف بفساد ما هم فيه من عبادة الأصنام أهم من طلب المغفرة، فإنّ تصحيح العزم على عدم العودة إليها هو مسمى التوبة، وهذا ترغيب في نبذ عبادة الأصنام وبيان لما في ذلك من الفوائد في الدنيا والآخرة.
والمتاع: اسم مصدر التمتيع لما يُتمتع به، أي يُنتفع.
ويطلق على منافع الدنيا.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} في سورة [الأعراف: 24].
والحَسَن: تقييد لنوع المتاع بأنه الحَسن في نوعه، أي خالصًا من المكدرات طويلًا بقاؤه لصاحبه كما دل عليه قوله: {إلى أجل مسمى}.
والمراد بالمتاع: الإبقاءُ، أي الحياة، والمعنى أنه لا يستأصلهم.
ووصفه بالحسن لإفادة أنها حياة طيبة.
و: {إلى أجل} متعلق بـ: {يمتعكم} وهو غاية للتمتيع، وذلك موعظة وتنبيه على أن هذا المتاع له نهاية، فعلم أنه متاع الدنيا.
والمقصود بالأجَل: أجل كل واحد وهو نهاية حياته، وهذا وعد بأنه نعمة باقية طول الحياة.
وجملة: {يُؤْت كل ذي فضل فضله} عطف على جملة: {يمتعكم}.
والإيتاء: الإعطاء، وذلك يدل على أنه مِن المتاع الحسن، فيعلم أنه إعطاء نعيم الآخرة.
والفضل: إعطاء الخير.
سمي فضلًا لأن الغالب أن فاعل الخير يفعله بما هو فاضل عن حاجته، ثم تنوسي ذلك فصار الفضل بمعنى إعطاء الخير.
والفضل الأولُ: العمل الصالح، بقرينة مقابلته بفضل الله الغني عن الناس.
والفضل الثاني المضاف إلى ضمير الجلالة هو ثواب الآخرة، بقرينة مقابلته بالمتاع في الدنيا.
والمعنى: ويؤت الله فضلَه كلّ ذي فَضْل في عمله.
ولما علق الإيتاء بالفضلين علم أن مقدار الجزاء بقدر المَجْزي عليه، لأنه علق بذي فضل وهو في قوة المشتق، ففيه إشعار بالتعليل وبالتقدير.
وضبط ذلك لا يعلمه إلا الله، وهو سر بين العبد وربه.
ونظير هذا مع اختلاف في التقديم والتأخير وزيادة بيانٍ، قولُه تعالى: {مَنْ عَمِلَ صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة ولنجزينَّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل: 97].
عطف على: {وأن استغفروا ربكم} فهو من تمام ما جاء تفسيرًا ل {أحكمت آياته ثم فصلت} [هود: 1] وهو مما أوحي به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلغه إلى الناس.
وتَولوا: أصلُه تَتولوا، حذفت إحدى التائين تخفيفًا.
وتأكيد جملة الجزاء بـ: {إن} وبكون المسند إليه فيها اسمًا مخبرًا عنه بالجملة الفعلية لقصد شدة تأكيد توقع العذاب.
وتنكير: {يوم} للتهويل، لتذهب نفوسهم للاحتمال الممكن أن يكون يومًا في الدنيا أو في الآخرة، لأنهم كانوا ينكرون الحشر، فتخويفهم بعذاب الدنيا أوْقع في نفوسهم.
وبذلك يكون تنكير: {يوم} صالحًا لإيقاعه مقابلًا للجَزَاءيْن في قوله: {يُمتعكم متاعًا حسنًا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله}، فيقدّر السامع: إن توليتم فإني أخاف عليكم عذابين كما رجوت لكم إن استغفرتم ثوابين.
ووصفه بالكبير لزيادة تهويله، والمراد بالكبر الكبر المعنوي، وهو شدة ما يقع فيه، أعني العذاب، فوصف اليوم بالكبر مجاز عقلي.
{إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)}
جملة في موضع التعليل للخوف عليهم، فلذلك فصلت.
والمعنى: أنكم صائرون إلى الله، أي إلى قدرته غير منفلتين منه فهو مجازيكم على تولّيكم عن أمره.
فالمرجع: مصدر ميمي بمعنى الرجوع.
وهو مستعمل كناية عن لازمه العرفي وهو عدم الانفلات وإن طال الزمن، وذلك شامل للرجوع بعد الموت.
وليس المراد إياه خاصة لأن قوله: {وهو على كل شيء قدير} أنسب بالمصير الدنيوي لأنه المسلّم عندهم، وأما المصير الأخروي فلو اعترفوا به لما كان هنالك قوي مقتض لزيادة: {وهو على كل شيء قدير}.
وتقديم المجرور على عامله للاهتمام والتقوي، وليس المراد منه الحصر إذ هم لا يحسبون أنهم مرجعون بعد الموت بله أن يرجعوا إلى غيره.
وجملة: {وهو على كل شيء قدير} معطوفة على جملة: {إلى الله مرجعكم}، أي فما ظنكم برجوعكم إلى القادر على كل شيء وقد عصيتُم أمره أليس يعذبكم عذابًا كبيرًا. اهـ.