فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام} عطف على {بعثناكم} [البقرة: 65] وقيل: على {قُلْتُمْ} [البقرة: 55] والأول أظهر للقرب والاشتراك في المسند إليه مع التناسب في المسندين في كون كل منهما نعمة بخلاف {قُلْتُمْ} فإنه تمهيد لها، وإفادته تأخير التظليل والإنزال عن واقعة طلبهم الرؤية، وعلى التقديرين لابد لترك كلمة {إِذْ} [البقرة: 55] هاهنا من نكتة، ولعلها الاكتفاء بالدلالة العقلية على كون كل منهما نعمة مستقلة مع التحرز عن تكرارها في {ظللنا} و{وَقَدْ أَنزَلْنَا} والغمام اسم جنس كحامة وحمام وهو السحاب، وقيل: ما ابيض منه، وقال مجاهد: هو أبرد من السحاب وأرق، وسمي غمامًا لأنه يغم وجه السماء ويستره ومنه الغم والغمم، وهل كان غمامًا حقيقة أو شيئًا يشبههه وسمي به؟ قولان، والمشهور الأول وهو مفعول {ظللنا} على إسقاط حرف الجر كما تقول: ظللت على فلان بالرداء أو بلا إسقاط، والمعنى جعلنا الغمام علكيم ظلة، والظاهر أن الخطاب لجميعهم فقد روي أنهم لما أمروا بقتال الجبارين وامتنعوا وقالوا: {فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} [المائدة: 4 2] ابتلاهم الله تعالى بالتيه بين الشام ومصر أربعين سنة وشكوا حر الشمس فلطف الله تعالى بهم بإظلال الغمام وإنزال المنّ والسلوى وقيل: لما خرجوا من البحر وقعوا بأرض بيضاء عفراء ليس فيها ماء ولا ظل فشكوا الحر فوقوا به، وقيل: الذين ظللوا بالغمام بعض بني إسرائيل وكان الله تعالى قد أجرى العادة فيهم أن من عبد ثلاثين سنة لا يحدث فيها ذنبًا أظلته الغمامة وكان فيهم جماعة يسمون أصحاب غمائم فامتن الله تعالى لكونهم فيهم من له هذه الكرامة الظاهرة والنعمة الباهرة.
{وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى} المنّ اسم جنس لا واحد له من لفظه والمشهور أنه الترنجبين وهو شيء يشبه الصمغ حلو مع شيء من الحموضة كان ينزل عليهم كالطل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس في كل يوم إلا يوم السبت وكان كل شخص مأمورًا بأن يأخذ قدر صاع كل يوم أو ما يكفيه يومًا وليلة ولا يدخر إلا يوم الجمعة فإن ادخار حصة السبت كان مباحًا فيه.
وعن وهب أنه الخبز الرقاق، وقيل: المراد به جميع ما منّ الله تعالى به عليهم في التيه وجاءهم عفوًا بلا تعب، وإليه ذهب الزجاج ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: «الكمأة من المنّ الذي منّ الله تعالى به على بني إسرائيل» والسلوى اسم جنس أيضًا واحدها سلواة كما قاله الخليل.
وليست الألف فيها للتأنيث وإلا لما أنثت بالهاء في قوله:
كما انتفض السلوات من بلل القطر

وقال: الكسائي: السلوى واحدة وجمعها سلاوي، وعند الأخفش الجمع والواحد بلفظ واحد، وقيل: جمع لا واحد له من لفظه وهو طائر يشبه السماني أو هو السماني بعينها وكانت تأتيهم من جهة السماء بكرة وعشيًا أو متى أحبوا فيختارون منها السمين ويتركون منها الهزيل، وقيل: إن ريح الجنوب تسوقها إليهم فيختارون منها حاجتهم ويذهب الباقي، وفي رواية كانت تنزل عليهم مطبوخة ومشوية وسبحان من يقول للشيء كن فيكون وذكر السدوسي أن السلوى هو العسل بلغة كنانة ويؤيده؛ قول الهذلي:
وقاسمتها بالله جهرًا لأنتم ** ألذ من السلوى إذا ما نشورها

وقول ابن عطية إنه غلط غلط، واشتقاقها من السلوة لأنها لطيبها تسلي عن غيرها وعطفها على بعض وجوه المنّ من عطف الخاص على العام اعتناء بشأنه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

عطف {وظللنا} على {بعثناكم} [البقرة: 56].
وتعقيب ذكر الوحشة بذكر جائزة شأن الرحيم في تربية عبده، والظاهر أن تظليل الغمام ونزول المن والسلوى كان قبل سؤالهم رؤية الله جهرة لأن التوراة ذكرت نزول المن والسلوى حين دخولهم في برية سين بين إيليم وسينا في اليوم الثاني عشر من الشهر الثاني من خروجهم من مصر حين اشتاقوا أكل الخبز واللحم لأنهم في رحلتهم ما كانوا يطبخون بل الظاهر أنهم كانوا يقتاتون من ألبان مواشيهم التي أخرجوها معهم ومما تنبته الأرض.
وأما تظليلهم بالغمام فالظاهر أنه وقع بعد أن سألوا رؤية الله لأن تظليل الغمام وقع بعد أن نصب لهم موسى خيمة الاجتماع محل القرابين ومحل مناجاة موسى وقبلة الداعين من بني إسرائيل في برية سينا فلما تمت الخيمة سنة اثنتين من خروجهم من مصر غطت سحابة خيمة الشهادة ومتى ارتفعت السحابة عن الخيمة فذلك إذن لبني إسرائيل بالرحيل فإذا حلت السحابة حلوا إلخ كذا تقول كتبهم.
فلما سأل بنو إسرائيل الخبز واللحم كان المن ينزل عليهم في الصباح والسلوى تسقط عليهم في المساء بمقدار ما يكفي جميعهم ليومه أو ليلته إلا يوم الجمعة فينزل عليهم منهما ضعف الكمية لأن في السبت انقطاع النزول.
والمن مادة صمغية جوية ينزل على شجر البادية شبه الدقيق المبلول، فيه حلاوة إلى الحموضة ولونه إلى الصفرة ويكثر بوادي تركستان وقد ينزل بقلة غيرها ولم يكن يعرف قبل في برية سينا.
وقد وصفته التوراة بأنه دقيق مثل القشور يسقط ندى كالجليد على الأرض وهو مثل بزر الكزبرة أبيض وطعمه كرقاق بعسل وسمته بنو إسرائيل منا، وقد أمروا أن لا يبقوا منه للصباح لأنه يتولد فيه دود وأن يلتقطوه قبل أن تحمى الشمس لأنها تذيبه فكانوا إذا التقطوه طحنوه بالرحا أو دقوه بالهاون وطبخوه في القدور وعملوه ملات وكان طعمه كطعم قطائف بزيت وأنهم أكلوه أربعين سنة حتى جاءوا إلى طرف أرض كنعان يريد إلى حبرون.
وأما السلوى فهي اسم جنس جمعي واحدته سلواة وقيل: لا واحد له وقيل: واحده وجمعه سواء، وهو طائر بري لذيذ اللحم سهل الصيد كانت تسوقه لهم ريح الجنوب كل مساء فيمسكونه قبضًا ويسمى هذا الطائر أيضًا السمانى بضم السين وفتح الميم مخففة بعدها ألف فنون مقصور كحبارى، وهو أيضًا اسم يقع للواحد والجمع، وقيل: هو الجمع وأما الفرد فهو سماناة. اهـ.

.قال ابن عطية:

ذكر المفسرون في تظليل الغمام: أن بني إسرائيل لما كان من أمرهم ما كان من القتل وبقي منهم من بقي حصلوا في فحص التيه بين مصر والشام، فأمروا بقتال الجبارين فعصوا وقالوا: {فاذهب أنت وربك فقاتلا} [المائدة: 24] فدعا موسى عليهم فعوقبوا بالبقاء في ذلك الفحص أربعين سنة يتيهون في مقدار خمسة فراسخ أو ستة، روي أنهم كانوا يمشون النهار كله وينزلون للمبيت فيصبحون حيث كانوا بكرة أمس، فندم موسى عليه السلام على دعائه، عليهم، فقيل له: {فلا تأس على القوم الفاسقين} [المائدة: 26].
وروي أنهم ماتوا بأجمعهم في فحص التيه، ونشأ بنوهم على خير طاعة، فهم الذين خرجوا من فحص التيه وقاتلوا الجبارين، وإذ كان جميعهم في التيه قالوا لموسى: من لنا بالطعام؟ قال: الله، فأنزل الله عليهم المن والسلوى، قالوا: من لنا من حر الشمس؟ فظلل عليهم الغمام، قالوا: بم نستصبح بالليل؟ فضرب لهم عمود نور في وسط محلتهم، وذكر مكي: عمود نار. فقالوا: من لنا بالماء؟ فأمر موسى بضرب الحجر، قالوا: من لنا باللباس؟ فأعطوا أن لا يبلى لهم ثوب ولا يخلق ولا يدرن، وأن تنمو صغارها حسب نمو الصبيان.
ومعنى {ظللنا} جعلناه ظللًا، و{الغمام} السحاب لأنه يغم وجه السماء أي يستره.
وقال مجاهد: هو أبرد من السحاب وأرق وأصفى، وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله: يأتي أمره وسلطانه وقضاؤه. وقيل {الغمام} ما ابيض من السحاب.
و{المن} صمغة حلوه، هذا قول فرقة، وقيل: هو عسل، وقيل: شراب حلو، وقيل: الذي ينزل اليوم على الشجر، وقيل: {المن} خبز الرقاق مثل النقي: وقيل: هو الترنجبين وقيل الزنجبيل، وفي بعض هذه الأقوال بعد. وقيل: {المن} مصدر يعني به جميع ما من الله به مجملًا.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب مسلم: الكمأة مما من الله به على بني إسرائيل وماؤها شفاء للعين.
فقيل: أراد عليه السلام أن الكمأة نفسها مما أنزل نوعها على بني إسرائيل.
وقيل: أراد أنه لا تعب في الكمأة ولا جذاذ ولا حصاد، فهي منه دون تكلف من جنس من بني إسرائيل في أنه كان دون تكلف.
وروي أن {المن} كان ينزل عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كالثلج فيأخذ منه الرجل ما يكفيه ليومه، فإن ادخر فسد عليه إلا في يوم الجمعة فإنهم كانوا يدخرون ليوم السبت فلا يفسد عليهم، لأن يوم السبت يوم عبادة، و{المن} هنا اسم جمع لا واحد له من لفظه، {والسلوى} طير بإجماع من المفسرين، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس وغيرهم.
قيل: هو السماني بعينه. وقيل: طائر يميل إلى الحمرة مثل السمانى، وقيل: طائر مثل الحمام تحشره عليهم الجنوب.
قال الأخفش: السلوى جمعه وواحده بلفظ واحد.
قال الخليل: {السلوى} جمع واحدته سلواة.
قال الكسائي: {السلوى} واحدة جمعها سلاوى، {والسلوى} اسم مقصور لا يظهر فيه الإعراب، لأن آخره ألف، والألف حرف هوائي أشبه الحركة فاستحالت حركته ولو حرك لرجع حرفًا آخر، وقد غلط الهذلي فقال: الطويل:
وقاسمها بالله عهدًا لأنتمُ ** ألذُّ من السلوى إذا ما نشورُها

ظن السلوى العسل. اهـ.

.قال الشوكاني:

قوله: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام} أي: فعلناه كالظلة، والغمام جمع غمامة كسحابة، وسحاب، قاله الأخفش: قال الفراء ويجوز غمائم.
وقد ذكر المفسرون أن هذا جرى في التيه بين مصر، والشام لما امتنعوا من دخول مدينة الجبارين.
والمنّ: قيل هو: الترنجبين.
قال النحاس: هو بتشديد الراء، وإسكان النون، ويقال: الطرَّنجبين بالطاء، وعلى هذا أكثر المفسرين، وهو: طلٌّ ينزل من السماء على شجر، أو حجر، ويحلو، وينعقد عسلًا، ويجفّ جفاف الصمغ، ذكر معناه في القاموس، وقيل إن المنّ العسل، وقيل شراب حلو، وقيل خبز الرقاق، وقيل إنه مصدر يعمّ جميع ما مَنَّ الله به على عباده، من غير تعب، ولا زرع، ومنه ما ثبت في صحيح البخاري، ومسلم، من حديث سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن الكمأة من المنّ الذي أنزل على موسى» وقد ثبت مثله من حديث أبي هريرة عند أحمد، والترمذي، ومن حديث جابر، وأبي سعيد، وابن عباس عند النسائي.
والسلوى: قيل هو: السُمَاني، كحبارى، طائر يذبحونه، فيأكلونه.
قال ابن عطية: السلوى طير بإجماع المفسرين، وقد غلط الهذلي فقال:
وقاسمهما بالله جَهْدًا لأنتُما ** ألذُّ من السَلوى إذا ما أشورها

ظنّ أن السلوى العسل.
قال القرطبي: ما ادعاه من الإجماع لا يصح.
وقد قال المؤرج أحد علماء اللغة، والتفسير: إنه العسل.
واستدل ببيت الهذلي، وذكر أنه كذلك بلغة كنانة، وأنشد:
لو شربت السُّلوان ما سلوت ** ما بي غنا عنك وإن غنيت

وقال الجوهري: والسلوى العسل.
قال الأخفش: السلوى لا واحد له من لفظه مثل الخير والشرّ، وهو يشبه أن يكون واحده سلوى.
وقال الخليل: واحده سلواة، وأنشد:
وإني لتعروني لذكراك سلوة ** كما انتفض السلواة من سلكه القطر

وقال الكسائي: السلوى واحدة، وجمعه سلاوى. اهـ.
قوله تعالى: {كُلُواْ مِن طيبات مَا رزقناكم وَمَا ظَلَمُونَا ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.

.قال السمرقندي:

{كُلُواْ مِن طيبات}، أي قيل لهم كلوا من طيبات، وهذا من المضمرات، وفي كلام العرب يضمر الشيء إذا كان يستغنى عن إظهاره، كما قال في آية أخرى {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكم فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 106]، يعني يقال لهم أكفرتم؛ وكما قال في آية أخرى: {أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِياءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زلفى إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ في مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ كاذب كَفَّارٌ} [الزمر: 3] يعني قالوا: ما نعبدهم.
ومثل هذا في القرآن كثير.
وكذلك قوله ها هنا: {كُلُواْ مِن طيبات مَا رزقناكم}، أي من حلالات {مَا رزقناكم}، أي أعطيناكم من المن والسلوى ولا ترفعوا منها شيئًا، كما قال في آية أخرى {كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه} [طه: 81]، أي ولا تعصوا فيه فلا ترفعوا إلى الغد، فرفعوا وجعلوا اللحم قديدًا مخافة أن ينفد فرجع ذلك عنهم، ولو لم يرفعوا لدام ذلك عليهم.
قوله تعالى: {رزقناكم وَمَا ظَلَمُونَا}، يقول وما أضرونا {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، أي أضروا بأنفسهم حيث رفعوا إلى الغد حتى منع ذلك عنهم. اهـ.

.قال البغوي:

{كُلُوا} أي: وقلنا لهم: كلوا {مِنْ طَيِّبَاتِ} حلالات {مَا رَزَقْنَاكُمْ} ولا تدخروا لغد، ففعلوا، فقطع الله ذلك عنهم، ودود وفسد ما ادخروا، فقال الله تعالى: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} أي وما بخسوا بحقنا، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون باستيجابهم عذابي، وقطع مادة الرزق الذي كان ينزل عليهم بلا مؤنة في الدنيا ولا حساب في العقبى.
أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان أنا أحمد بن يوسف السلمي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه أنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر». اهـ.